بقلم : احمد ختاوي : يمّم حمامته صوب أقفاص التعذيب لتطعم (فراس الحمداني) المكبّل بالأغلال في غسق الزنزانة ...تسللتْ من وراء الشباك ، بل من وراء القضبان .تدحرجتْ من سلّم كان قد وضعه حارس الزنزانة إلى داخلها ..عفوا زلة لسان ..إلى داخل الزيت . لم تمانع حين حياها الحارس ..حين أورد ذكرها في ( سجلاّت التذكير ). قال / عِمتي صباحا عمّتي .. العتمة كانت تطل من ثقوب الزنزانة ...عفوا من ثقوب الزيت ؟؟؟... خدش حياءها .قالت / تبّا لك . - ألم تجيئ لتتفرجي عن (فراس الحمداني) ؟ - - جئتً لأقتات من فًتات ( حاتم الطائي ). - الأسوار الفاصلة بين الزنزانة ومخبر العابرين إلى غرف الاستنطاق كانت تحجب الحارس عن حمامته . - يمّمها هذه المرة صوب القبلة / المقصلة. - صوت الأقفاص يئن بين جناحيها ..بقتلع عذاباتها من صلبها . - كانتْ كأم فقدت أبنها في ساحة وغى .. - انتابها الشك هذه المرة في أنها تساق إلى الجحيم ... - قالت/ لعله متواطئ هذا الحارس ، يغيّر وجهتي من فينة لأخرى . - ساوره الشك في أن تكون قد تنبّهتْ للخطة . أحكم لجامها .. - أومأت ْ: أأواصل سيري إلى مداخل الزنزانة، أم أهود من حيث جئتٌ؟ - - لا .. ما تزال الطريق شاقة ... وتتطلب تضحية مني ومنك .. امتشقي خلوتك ..واصلي السير ، لستِ بعيدة عن أول زنزانة . - دجى الزنزانة يتلألأ بين ضلوعها /..مفاصلها ، تدحرجتْ قليلا عن وجهتها ..أحستْ بشيء من الضيق في التنفس ..وبشيء من العياء ..حاولت الجلوس لبعض اللحظات فوق " السور العازل " . - قال من بعيد / لا...لا...لا.. إنه ملغّم .. - نهضتْ متعبة ، تبحثُ عن مأوى في السماء ، مرتْ غمامة فوقها ..تشبثت بها .. - قال من بعيد أيضا :لا...لا...لا...إنها ممطرة . - احتارت ْ.وقفتْ على أديم السماء .عادتْ إليه تستفسر أمرها ...تشكو وزرها. - -قال: استريحي هنا .. وأشار إلى أكمةَ َ جمرٍ كانت قرب المدفأة . - انزوتْ. حدّقتْ ، بل حملقتْ في وجهه مليّا ً. - رجلًُُ بوجنتين عريضتين يتوسط مدفأة بها جمر يغلي كالبخار ، لم تشهد في حياتها جمرا (( يغلي )) كالبخار .. - سألته وجلة : ما هذا .. يا هذا ؟؟؟ - -- ألا تقولين يا سلطان العالم ، انتفختْ أوداجه، في لهجة آمرة أمر جحافله بأن يقيّدوها من منقارها حتى لا تستغيث . - كبير الحرس:لا نتوفّر يا سيدي على أغلال بحجم هذه الحمامة الصغيرة ، المضيافة ..يظهر أنها – يا سيدي - متعبة ، وجلة وخجولة، وهل تقييدها من المنقار يجدي في شيء ، يكفي أن نقيّدها من رجلها . - قال بجزم / بل من منقارها حتى لا تتكلم . - -- لزج يا سيدي - اخترعوا وسيلة تجعله قابلا لذلك كأن تثقلوا كاهلها بالغراء.. أو بمادة كيماوية ( لزجة)..أريد أن أراها مكممة أمام مدفأتي ..لأتفرج عليها كما أتفرج على العالم من هنا .. - -لكن يا سيدي المواد اللزجة في الكيمياء لا تفي بهذا الغرض ..فهي تمحقها .. - - انظروا في أمرها ، الآن عندي (مأمورية) خاصة وسأعود .. الحمامة قابعة على أكمة من جمر .. كبير الحرس تائها .. الجحافل أمامه ينتظرون الأوامر ... ضاق ذرع الحمامة ، حاولت الهروب ، كانت كل المنافذ موصدة . عاد الآمر والناهي من ( مأموريته ): كنتُ بدورة المياه ، بدتْ لي فكرة ، أن نشويها في الفرن ، أو أن نرميها فيه ، وهكذا أخلصكم من متاعب البحث عن مواد كيماوية ، أغمسوها في الزيت ، يروق لي أن تكون الليلة عشائي ، رفقة أصدقائي المدعوين ، وقد دعوتهم بالهاتف ، وإنا أقضي حاجتي بدورة المياه ، فاستجابوا للدعوة ، إذن الليلة سيكون عشائي فاخرا على نخب النشوة بالاهتداء إلى فكرة رائدة ، اهتديت إليها في دورة المياه ....وعلى نخب الظفر .. وعلى نخب .. لا أعرف ما أقول .. المهم حضروا العشاء .. يمموا الحمامة نحو المقلاة ، لم تقع فيها ولا في ركاكة أسلوبه ، . كانت تشدو وهي تمسح المدى بجناحيها : ( وهل يتجافى عني الموت ساعة إذا ما تجافى عني الأسر والضر؟)(1) **** هامش / البيت لأبي فراس الحمداني - -