بعدما فقد المشروع الاخواني الكثير من مصداقيته: (الإسلام السياسي) مات.. أم انحسر أم يحتضر..؟!
تحليل: عبدالحفيظ الشرجبي*
اذا كان الحكم الإسلامي غير مسيس حلما عند الشعوب العربية والإسلامية التي يقترب عدد سكانها من قوام سكان الصين الشعبية الصديقة وخاصة لجهة تطبيق تعاليم القران والشريعة وبمعيار يخدم الواقع لا "التقوقع" فقد أثبتت تجربة الاخوان المسلمين في حكم مصر لفترة "حول كامل" عمق الهوة الفارقة بين الحلم والواقع وافتقاره للعمل السياسي وضعف التجربة والخيال فهل مات "الإسلام السياسي" بعد السقوط المدوي لمحمد مرسي المفكر قبل وبعد فوزه بعقل المرشد.؟ ام ان العلة كانت في شخص الرئيس المعزول "مرسي" الذي كان الشعب المصري بكافة قواه وحركاته الاجتماعية يتوقع "قبل سقوطه" بانه سيكون "مانديلا" الثاني الذي عاش بين القضبان 27 عاما ومن السجن خرج فورا ليشغر موقع رئيس جنوب افريقيا لا ليحكم بالإنابة عن الأكثرية من السود، وإنما بالإنابة عن جموع شعب جنوب أفريقيا ويلعب دورا بارزا في المصالحة الوطنية من خلال إعادة الاعتبار للأغلبية التي ظلت منبوذة "بحكم لونها"، وقيامه بطمأنة البيض الى عدم وجود ما قد يخشونه بسبب التغيير الذي أسفر عن عدم التفريق بين "السود والبيض" ونال بذلك جائزة نوبل للسلام. وخلال فترة وجيزة من حكم مرسي نال هذا الاخير جائزة السقوط لينسحب مع سقوطه ذلك التوقع، فما هي الدروس والعبر سيستخلصها "الأخوان المسلمين" من التجربة المصرية وكيف يبدو او سيكون مستقبلهم في مصر وخارجها؟ وكيف يمكن تقويم تجربة اسلامهم السياسي "كقطاع خاص" خلال عام في الحكم الذي زرع "المخلوع مرسي" ومرشده بذور فنائه؟
انهيار اقتصادي
ان هذا السؤال مهم ليس نظرياً فقط وإنما لأن الرد سيجدد علميا ما يمكن ان نتوقعه بالنسبة الى مستقبل ذلك التيار "المحافظ" الذي ثبت عمليا بأنه بعد ان تمسكن وتمكن لا يعترف بالآخر، ومحكوما بقاعدة "من ليس معنا فهو ضدنا".. فالفشل العملي كان واضحا فبرنامج المائة يوم من حكم المخلوع مرسي لم يتحقق منه أي شيء يذكر لمدة عام ناهيك عن انهيار اقتصادي ونقص في الطاقة حول صيف عام 2013م الى صيف "غضب حار"، وتمرد "ساخن" وتهميش سافر للمكونات التي ساندته في الفوز بالجولة الثانية وعدم وفائه "أي مرسي" بما وعدها..
اكلة قلوب البشر
ومع ان حكم الإخوان لم يتبن اجندات ايديولوجية متطرفة صريحة "كتكتيك مرحلي" وفيما يبدوا لدى المخلوع المسير مرسي خطة مدروسة في هذا الاتجاه فيكفي ان قرارات التمكين في نوفمبر " تشرين الثاني" من العام الماضي جاءت وسط حرية إعلامية شبه كاملة لكنها مرصودة في الغالب ومع ذلك فان ورطة حكم الاخوان الفكرية كانت ظاهرة بوضوح في تحالفاتهم المرحلية البرجماتية وتجلى ذلك في مناسبات عده أولها المشاركة البارزة للمتورطين في اغتيال السادات في ذكرى حربه ومقتله وقبل ذلك في محاولتهم اغتيال جمال عبدالناصر بالإسكندرية الى مناصرة حرب " فصائل القاعدة" ضد القوات الفرنسية في مالي والتي أدت الى إلغاء زيارة المخلوع مرسي قبل خلعه لفرنسا، وصولا الى تعيين محافظ ل"الأقصر" من بين أعضاء الجماعة نفسها التي نفذت المذبحة الشهيرة بين السياح في الأقصر ثم انتهاء بمؤتمرات تدعو الى الجهاد في سوريا، ليس بهدف تحرير الشعب السوري من نظامه "التوتاليتاري" كما يحلو لأمريكا والغرب ان ينعتوه به ويتوقون الى تحقيقه خدمة لإسرائيل وانما لمناصرة القوى المتطرفة والإرهابية المتصلة بتنظيم القاعدة وفروعه من أنصار الخديعة اللاهثين وراء الكيد والغانم واكلة "قلوب البشر" وهي القوى التي تتسم بقدر مذهل من الدموية والوحشية مع ان حسن البناء أشار في كتابه "الإخوان المسلمون" الى ان من يستخدمون السلاح لإرهاب وتخويف غيرهم ليسو ب"اخوان"، ولا بمسلمين، لان تغيير منكر الخصوم وذوي الديانات والمذاهب الأخرى باليد يجعل المستهدف بالتغيير سلوكيا كان ام ماديا يضاعف من رصيد عدائه ضد القائمين بالتغيير غير المحسوب وبالتالي فان تلك المخالفات التي البسها الاخوان رداءا لخديعة وطيلسان المكر لم تؤد الى الفشل العملي فحسب ، لكنها عكست نظرة متخبطة وأساسا فكريا معيبا وفاشلا في استيعاب معطيات الواقع وهو تقاعس نابع من تقاعس فكري يصل الى حد التحالف السياسي مع اتجاهات ايديولوجية تتبنى نظرة لا معقولة للمجتمع الإنساني وتطوره وكيفية إدارته المثلى، سواء عن طريق تحليل عملي بمعنى الوجود او على سبيل قراءة خاصة للبعض الديني..
خلع مرسي
اذا كانت تداعيات تلك لفترة أكثر وضوحا في التحالف مع التيارات الأكثر تطرفا فأنها موجودة بلا شك وبقوة في حكم الإخوان التجريبي الفاشل وذلك كان اساس فشله ومنذ إعلان الفشل والسقوط المدوي بفعل التظاهرات الشعبية العارمة في يونيو الماضي وما أعقبها من دخول الجيش على الخط وأنها حكم مرسي بعزله لا بهدف عسكرة الدولة وإنما بهدف عدم رفد الفشل بأرقام مضافة وبالتالي فانا لست مع من يقول بان خلع مرسي كان انقلابا لسببين وما يتفرع عنها.. السبب الأول ان الجيش بقيادة عبدالفتاح السيسي شعر بان الإخوان في طريقهم ومن خلال المقاوله في الحكم "بالباطن" بالإنابة عن الاخوان وهو مرسي يخططون لإرساء نمط حكم شمولي قناعة التجربة الديمقراطية من كون الإخوان يعتبرون إرادة الله طاغية على إرادة مخلوقاته ويمنحون انفسهم مشروعية استحقاقهم للحكم كخلفاء مرشدين لله على الأرض في حين كان الإقصاء والتهميش اللذان مارسهما المخلوع لغير الاخوان، وكذلك الإفراج عن طارق الزمر المنتمي للجيش ورفاقه المتهمين بقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق خير دليل عن ذلك وفشل الإخوان في الحكم كان مرده أيضا ما قاله "شاموس كوك" بان الشرعية السياسية تُكتسب ولا يُسلم بها وجراء ذلك كان موقف الجيش بمثابة انقاذ لما قد تئول الأمور إليه من انقسامات واستهداف للسلام الاجتماعي وبالتالي فان ثمة تساؤلات عدة تشغل الرأي العام المصري والعربي والدولي لعل أبرزها ما هو مصير تلك الجماعة لا سيما مع وجود مؤشرات تقود الى اتجاهها للعنف ومن تلك المؤشرات ما قاله عدد من قادة الجماعة عقب خلع مرسي المنتخب الشرعي مجازا الذي شرع بعد فوزه بتحد سافر لمن وعدهم بأنه سيكون حاكما عن الشعب المصري بمختلف طوائفه ومعتقداته "مرسي" او الموت، وعودة مرسي للحكم او الشهادة، واستجرار احدهم لما قاله عمر المختار "ننتصر او نموت" وهي مؤشرات قد تؤثر بالسالب على مستقبل تيار الإسلام السياسي وما مدى احتمالية اعادة اندماج الجماعة حول تخلي قياداتها عن الموقف الرافض للموجة الثورية المدعومة مؤقتا من قبل الجيش في يونيو الماضي بهدف حمايتهم ريثما يتم تحقيق خارطة الطريق التي وضعها وزير الدفاع ولما يكفل إقامة دولية مدنية ديمقراطية حديثة ثم ما مدى احتمالية إعادة إدماج تلك الجماعة البالغة من العمر ومنذ النشأة 75 عاما حال تخلي قياداتها عن قاعدة عدم الاعتراف بالآخر وهل تستطيع تيارات الإسلام السياسي "الاخوان" "الجهاد –التكفير- الهجرة" الناجون من النار انصار الشريعة – البلاغ- التبليغ- إعادة فعاليتها في المجتمع المصري ام ان عليها النظر في إعادة بنائها وخطابها السياسي والايديولوجي تجاه المجتمع بعيدا عن الانقسام والتقاسم للأدوار؟
سببين رئيسيين
وللإجابة على تلك الأسئلة نقول وبموضوعية قد لا يعني عزل مرسي وخروج الجماعة المبكر "الاخوان المسلمين" من دائرة الحكم الموءوه شمولية انتهاء ظاهرة الإسلام السياسي التي تنوعت مصادرها وتفرعاتها كما أسلفت بين تيارات إسلامية مختلفة سواء كانت سلفية متمثلة في ذراعيها السياسيين "حزب البناء والتنمية" او الاخوان المسلمين التي خرجت من السلطة لعدم اقتدارها على ممارسة العمل السياسي والشروع العاجل بتأسيس نمط شمولي محافظ مختلف لا يقبل بالآخر ولا الانفتاح عليه ولذلك من المتوقع وفقا لقراءة الكاتب ابو الفضل الاسناوي في المشهد المصري بعد يونيو ان تتخذ ظاهرة الإسلام السياسي واحدا من المسارين التاليين: 1- المشاركة المحدودة وتعني ان ظاهرة الإسلام السياسي ستظل قائمة كقوة او جماعة قديمة النشأة ما دامت العوامل المنتجة لها باقية، فالقوة التنظيمية بحكم الخبرة الطويلة والدعم المادي والمعنوي للتيار السلفي بسبب موقفه العام "التكتيكي المرحلي" من نتائج الاستكمال او النشل الاستباقي المضمر لثورة يناير في يونيو.. 2- المسار الثاني: الانحسار.. أي ان يذهب الإخوان المسلمين في حالة عدم وجود مصالحه بين كافة القوى ومنها الإخوان الى إعادة ترتيب أوضاعهم كجماعة لا تكرر الوقوع في الأخطاء او الفشل تحت وطأة التحالفات التي لم تعد خافية على القوى الواعية وخاصة اذا ما كانت مرحلية تستهدف الوصول الى قمة السلطة كما حدث لمرسي والانحسار لا يعني التفتيت وإنما إعادة الترتيب للبيت والاستفادة من دروس الماضي..