يلعب التعليم الأهلي في جميع أنحاء المعمورة دوراً ريادياً في بناء وتنمية الأفكار والقدرات البشرية ويسهم بشكل فاعل في دعم اقتصاد تلك الشعوب وتنمية موارده بشكل أو بآخر وذلك ما يجسد صدق ولاء انتماء القائمين على التعليم الأهلي في تلك البلدان وشعورهم بالمسؤولية الوطنية تجاه بلدانهم ومجتمعاتهم الأمر الذي يعزز علاقة ارتباط التعليم الأهلي هناك بالجهات الرسمية والمختصة ويوثق أواصر العلاقة بين مؤسسات التعليم الأهلي والمجتمع. غير أن ما هو حاصل في بلادنا يؤكد العكس من ذلك تماماً خاصة وأن مؤسسات التعليم الأهلي في اليمن مؤسسات تجارية أكثر منها تعليمية وتربوية في ظل غياب أو تغييب الرقابة التربوية والتعليمية وفقدان علاقة الثقة التي تربط التعليم الأهلي بالمجتمع علمياً وفكرياً وثقافيً كما تربط الجانبين العلاقة المادية التي أصبحت هم يؤرق مضاجع الأسرة طوال العام الدراسي المخصص لمتابعة هموم الأقساط الشهرية وتجاهل متابعة التحصيل العلمي لدى أطفالهم باعتبار أن النتائج المذهلة والعلامات الباهرة التي يحصل عليها أبناؤهم هي نتيجة ما يتحملونه من أعباء مالية في حين التعليم الأهلي في بلادنا نظرية "الشهادة للجميع والعلم لمن أراد"، ومن هنا يأتي تأكيد المثل القائل "المنحوس منحوس.. لو علقوا في عنقه فانوس" ليبقى التعليم في بلادنا بشقيه الحكومي والأهلي كهدف رئيسي من أهداف الثورة في حالة (محلك سر) وهذا ما سنتناوله في سياق التقرير التالي: تقرير/ سلمان با بكر على قائمة الفرص الاستثمارية يحتل استثمار التعليم مرتبة مرموقة بين المشاريع الاستثمارية في بلادنا كمشروع سهل الإنشاء ومضمون النجاح والفوائد حيث أصبحت مؤسسات التعليم الأهلي في بلادنا تشبه بانتشارها الكثيف البقالات والبوافي والمطاعم وذلك بسبب عدم خضوعها لأبسط إجراءات الحصول على رخصة مزاولة المهنة والالتزام بكافة الشروط القانونية والفنية التي تضمن سلامة الأداء التربوي والتعليمي بما يحقق نهضة معنوية للجانب التعليمي مقابل ما يتم تحصيله من عوائد وفوائد مادية لأصحاب تلك المشاريع الذين كان الهدف الرئيسي من وراء استثمارهم في هذا الجانب هو الكسب المادي قبل تقديم الخدمات التعليمية المتميزة التي تعود مخرجاتها بالخير والعطاء على الوطن وفي كافة المجالات والأصعدة كرديف أساسي لمخرجات التعليم الحكومي الذي يعتبر هو الآخر في حكم العدم كنتيجة لما يشهده هذا القطاع الهام من اختلال إداري وفساد مادي ومعنوي ومن هنا جاز القول بأن التعليم في بلادنا ورغم مرور نصف قرن من قيام الثورة المباركة التي تصدر أهدافها وتوجهاتها مبدأ القضاء على الجهل والفقر والمرض كمبدأ رئيسي قامت وتقوم على أساس تحقيقه الثورات الرافضة لحكم الظلم والاستبداد لا تزال العشوائية والإهمال يسيطران على كافة جوانبه وأساساته وأركانه..
شعارات جوفاء
في زوايا وأركان المباني العملاقة وعلى نواحي وجزر الشوارع الكبيرة وعلى واجهات أسوار البيوت والأراضي وبين صفحات وسائل الدعاية والإعلان والصحف الأسبوعية واليومية وكافة وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة وعلى أرصفة التسويق التجاري تقف مئات الآلاف من وسائل الدعاية في طابور الترويج التجاري للتعليم الأهلي حاملة أفضل شعارات السمو بالعلم وألمع عبارات النهوض بالمستوى التعليمي في ظاهرة توحي لمن لا يعرف مستوى التعليم في بلادنا أن عباقرة التاريخ وعلماء العالم قد بعثوا جميعاً ليعيدوا لليمن مجدها وسموها بين الأمم والشعوب وأن تلك الحمى التنافسية الإعلانية تدل على أن التعليم في اليمن وصل إلى أوج الازدهار والرقي، غير أن الحقائق على أرض الواقع تشير إلى أن معظم تلك اليافطات ووسائل الترويج والإعلان التي يشهدها سوق التعليم اليمني كأعجاز نخل خاوية لا تعني للوطن سوى تشويه الشوارع وواجهات المنازل والأسوار بملصقاتها وألوان خطوطها البراقة، خاصة وأن مصلحة الضرائب غير قادرة على وضع آلية محددة لتحصيل رسوم وضرائب تلك الإعلانات والدعايات إلا كحالات نادرة في حين عجزت مكاتب وزارة الأشغال عن تنظيم مساحات محددة لنشر تلك الدعاية وإيجاد طرق وقنوات رسمية لتحصيل رسوم تنظيف مخلفات تلك الإعلانات التي لا تنقطع حالات تجديدها وتطويرها على مدار العام الدراسي وتعود بفوائدها على أصحاب مؤسسات التعليم الأهلي فيما يتجرع وبالها وتكاليف إنتاجها وإخراجها المواطن المغرور بما تحويه من شعارات براقة وعبارت ترويج لماعة ولهجة دعاية وإعلان كاملة المعاني والفصاحة والحديث هنا حول مؤسسات التعليم الأهلي الأساسي الثانوي كنواة أساسية تبنى على صلابة أسسها وقواعدها كوادر علمية وهامات ثقافية شامخة.
لمن استطاع إليه سبيلا
إلى طريق مجهول العلامات والدلائل يحمل بعض الآباء المتطلعين إلى مستقبل مشرق لأبنائهم ملفات أطفالهم الدراسية لإلحاقهم بالتعليم الأهلي طمعاً بتلك الدعاية والإعلانات البراقة وهرباً من جحيم التعليم الحكومي على أمل تحصيل علمي أفضل لفلذات أكبادهم ولو على حساب المرتب الضعيف وخصماً من لقمة عيش الأسرة التي تضحي بالغالي والرخيص سعياً وراء بناء قوي ومتين لعقول وقدرات أبناءهم العلمية والفكرية بهدف الوصول إلى اليوم الذي يعوضهم فيه ذلك الابن أو الابنة عن أيام النكد والحرمان التي تجرعوها من أجل تعليمه وتنمية قدراته وتربيته بطرق خاصة وسياسات تعليم استثمارية فريدة. غير أن ذلك الحلم يتبدد مع أول سنوات الحياة العملية التي يصطدم فيها الطالب بواقع مختلف عن واقع حياة الرفاهية والدلال التي كان يعيشها بالمدرسة الأهلية أو المعهد الخاص خصوصاً إذا أراد الالتحاق بإحدى الجامعات الحكومية وخضع لاختبار قبول ومفاضلة، على عكس أبناء القادرين وكبار القوم الذين عاشوا حياة الترف وعيش الرفاهية بين الأسرة الغنية والمدرسة الأهلية بعيداً عن واقع الحياة العلمية والتحصيل العلمي الهادف ولا تقف أمام تنفذ وقوة أولياء أمروهم المادية والمعنوية أية عوائق تمنعهم من تسجيل أبناءهم المدللين بأية جامعة أو تخصص علمي عالي مهما كان مستوى هبوط أو تدني مستواه العلمي ودرجات تحصيله الثانوي الذي كشفت حقائق وزيف شهادات المدرسة الأهلية في صفوف النقل الغير وزاري ولو أن درجات الثانوية العامة التي حصل عليها جاءت بطرق غير مشروعة استندت على قوة بذل المال وتسليط الجاه والنفوذ لتسهيل تسلل "البراشيم" و"الأحجيات" إلى قاعات الامتحان الوزاري والمهم الحصول على الشهادة وليس على مستوى تعليم متميز لتبدأ حينها سياسات الوجاهة والنفوذ بعمليات حراك تعليمي واسع لإلحاق اسم ذلك الطالب المدلل بأحد كشوفات التفويج العلمي إلى إحدى الدول المانحة وعلى حساب خزينة بيت مال المسلمين، أو استخراج وثائق رسمية من هيئة الشهداء والمناضلين أو ما شابه تؤكد أحقية ذلك الطالب كنجل لأحد الشهداء أو المناضلين في الحصول على مقعد علمي بإحدى الكليات التي يصب تخصص مخرجاتها في تخصص الوزارة أو المصلحة أو المؤسسة التي يعمل بها ولي أمره أو والده وما أن يتم تسجيله في تلك الكلية حتى يتم توظيفه رسمياً في تلك المؤسسة تحت صفة (المهندس – أو الدكتور – أو الفندم) حسب كنية التخصص التي يحملها المتخرجون وهنا تطول سنوات التعليم الجامعي بلا رقيب ولا حسيب. وهكذا تتوارث الأجيال فساد التنفذ وخلل التعليم بمرأى ومسمع الجميع الأمر الذي يؤثر سلباً على مستوى الحياة الاجتماعية ويعيق عملية البناء والتنمية ويحمل الاقتصاد الوطني أعباءً إضافية. ولعل قساوة واقع الحياة المهنية والعملية التي تواجه ذلك الطالب الورقي في ميادين الإنتاج تكشف حقائق التعليم المزيف ونتائجه..
بطالة مؤكدة
من حيث المبدأ التشريعي يرى القانون المنظم للتعليم الأهلي أن الاستثمار في هذا الجانب يدعم الاقتصاد ويسهم في عملية البناء والتنمية ويساعد في القضاء على الفقر والبطالة ومخرجاتهما من خلال توفير آلاف الوظائف وتشغيل الأيادي العاطلة وهذا أمر متفق عليه من الناحية القانونية، إلا أن الجانب الآخر من رصيف الحياة الواقعية يقف عليه آلاف التربويين والفنيين والمؤهلين علمياً وعملياً بانتظار قطار عدالة المساواة على أمل اللحاق بمشروع التسويات الوظيفية بعد أن أرهقتهم عواصف ورياح روتين التوظيف بالقطاع الخاص الملبدة بغيوم التجاهل القانوني والخالية من أبسط الحقوق والضمانات والمحملة بغبار الخصم والاستقطاعات وأتربة التهديد بالفصل (الناشف) المتأثر بمزاجيات وأهواء أصحاب المنشآت التعليمية الأهلية وشركائهم والأقرباء في أجواء تسودها شعارات "إرضاء الزبون هدفنا" و"الزبون دائماً على حق" وغيرها من الشعارات الخالية من المعاني التربوية والتعليمية والهادفة إلى الكسب المادي قبل مستوى التحصيل العلمي. وهنا يقع الخلل وتتسع فجوة الإهمال والتجاهل التربوي الذي يتولد من رحم حفاظ المدرس على راتبه ومصدر دخله الضئيل الذي لا يتجاوز في بعض المدارس الأهلية نفقة المواصلات ولا يتعدى في البعض الآخر نصف مرتب الموظف الحكومي والتزامه بتنفيذ سياسة المدرسة أو المعهد المتمثلة بإرضاء ومراضاة الطالب وولي أمره كزبون وليس كطالب علم وولي أمر مسؤول مشارك في عملية التربية والتعليم وبناء جيل أفضل لمستقبل أفضل. إلى ذلك يعتبر الجهل المسيطر على بعض الآباء سبباً رئيسياً في تدني مستوى التعليم الأهلي كما هو في التعليم العام حيث يعتبر أولئك الآباء أن ما يدفعونه كفيل بتحسين مستوى أبنائهم علمياً وأن سجل المتابعة اليومية الذي يحمله كل طالب كعلاقة وسيطة بين الأسرة والمدرسة وما يحوي بين سطوره من تقديرات عالية وامتيازات لا يعطي ولي أمر الطالب الحق في التأكد من صحة كل ما ورد في ذلك الدفتر، خصوصاً وأني شخصياً أعتبر ذلك الدفتر دفتر المجاملات من أجل الكسب المادي ليس إلا.. ومع كل ما ذكرناه حول الكادر التربوي في المدارس والمعاهد الخاصة من إهمال وتجاهل لحقوقهم ومخصصاتهم وتسوياتهم الوظيفية وكفالة حقوقهم أثناء مرحلة التوظيف وبعد الإحالة إلى التقاعد فإن ذلك ينعكس سلباً على مستوى التحصيل العلمي ويفتح المجال أمام الفاشلين مهنياً وعملياً لقبول العمل بأرخص الأجور لدى تلك المؤسسات كحلول اقتصادية لأصحاب المؤسسات.. رغم الأسماء الطنانة والشعارات الرنانة التي تقدس التعليم وتنتشر في كافة أرجاء وزوايا وأركان وساحات المدارس والمعاهد الخاصة إلا أن تلك القيم والمبادئ والشعارات لا تعني للعملية التعليمية سوى الجانب المادي كأسلوب ترويج وتسويق متميز وناجح باعتبار أن تلك الشعارات الدعائية المبطنة بزيف الحقائق لم تشفع يوماً لظروف الأسرة المادية المتمثلة بتأخير سداد القسط لأي سبب أو ظرف حين لا تتوانى المدرسة من طرد الطالب وحرمانه من دخول اختبارات نهاية الفصل الأول أو الثاني ناهيك عن حرمانه حضور فصول التعليم نوصف أيام العام الدراسي من خلال تكرار الطرد الذي يتعرض شهرياً بالتزامن مع حلول موعد تحصيل كل قسط الأمر الذي يزرع حالة من البأس في نفسية الطالب وتولد لديه شعور بأن التعليم معناه الفلوس وأن النجاح والرسوب مرتبط كلياً بالفلوس خاصة وأن النجاح مضمون في نهاية العام للجميع ومن خلال ذلك يرمي الإهمال والتجاهل كامل ثقله على عقلية الطالب ويؤثر سلباً على مستوى التحصيل العلمي لديه. بالإضافة إلى ذلك فإن أسلوب المراضاة والدلال الذي تتعامل به هيئة التدريس بالمدارس والمعاهد الخاصة مع الطلاب ينعكس سلباً على مستوى التحصيل العلمي والتربوي لدى الطالب الذي لا يزال عقله وإدراكه في مرحلة البناء والتكوين وقابل لاستيعاب أي أسلوب تعليمي وتربوي ينتهج من خلاله مراحل حياته القادمة خاصة وأن أساليب التعليم الخاص في التعامل مع الطلاب تفتقر إلى مبدأ العقاب وتخلو من طرق الجذب والاستقطاب المتمثلة بالترهيب والترغيب لجذب انتباه الطالب وتركيز عقله وإحساسه عند نقطة معينة من التعليم واستيعاب معاني ما يتلقاه من دروس وعلوم..
خلل كبير
حول هذه القضية وما تفرزه من أضرار وسلبيات على التعليم والاقتصاد والحياة العامة تحدث إلى الصحيفة الأستاذ/ علي علي هادي – مستثمر بقطاع التعليم الخاص الأكاديمي قائلاً: في البداية نشكر صحيفتكم الغراء على اهتمامها بمتابعة مثل هذه الجوانب الهامة لتنمية القدرات البشرية وأود مشاركتكم بالرأي في هذا الموضوع الذي يحتل أهمية كبرى في حياتنا العلمية والعملية، ولا يجوز لأي مسلم من باب الأمانة والمسؤولية لأداء رسالة العلم أن يخفي أو يتجاهل سلبيات وأضرار رسالة العلم، ورغم أنني مستثمر في هذا الجانب ومن منطلق الأمانة طريق النجاح والإبداع فلا أنكر وجود خلل كبير وسلبيات كثيرة تطغى على جانب التعليم الخاص في بلادنا أهمها غياب دور الجهات الرسمية والمختصة في متابعة أداء هذا القطاع الحيوي الهام وتفعيل الرقابة والمحاسبة على كافة منشآت التعليم الخاص. ثانياً: معظم المدارس والمعاهد الخاصة وكما قلت تعتبر منشآت تجارية أكثر منها تعليمية وهذه حقيقة نتجاهلها أن الهدف الرئيسي لاستثمار التعليم تجاري فيجب أن تكون الأمانة والتميز شعار النجاح والإبداع وأن يتم تفعيل معيار النجاح والرسوب خارج إطار رسوم الدورات الدراسية أو العائدات المالية لأن ذلك يثبت نجاح الأداء ويحدد مستوى التحصيل العلمي. ثالثاً: للعلاقة المتينة بين هذه المؤسسة والمجتمع دور كبير في بناء جيل متسلح بقوة العلم يخدم الأمة والمجتمع في كافة جوانب الحياة وهذا ما نأمل أن يتحقق في بلادنا حيث أن أغلب الملتحقين بهذا القطاع يعتبرون ما يدفعونه من فلوس كفيل بحصولهم على شهادة ولا يهمهم مستوى التحصيل العلمي ومنهم من يمارس الفوضى والتكبر على طاقم التدريس ولا يستوعب ما يتلقاه من دروس، ومع ذلك وللأسف الشديد تقوم بعض المدارس والمعاهد بمنحهم شهادات تخرج وهذا بحد ذاته يعتبر غش وخيانة أمانة تؤثر على الحياة الاجتماعية والعلمية خصوصاً وأن ذلك الفشل الكبير ينكشف مع أول خطوة على عتبة سوق العمل. رابعاً: هناك اختلالات وسلبيات ومسؤولية القضاء عليها تقع على عاتق الجميع كواجب ديني ووطني وقومي واقتصادي ولما من شأنه الحصول على نتائج ومخرجات علمية وكوادر مؤهلة تخدم الوطن والمجتمع وتدعم التنمية والاقتصاد.
خلاصة
قد لا يختلف اثنان على أهمية التعليم الخاص في بناء وتنمية القدرات البشرية وفكرياً والدفع بمستوى التعليم إلى الأمام والإسهام الفاعل في عملية البناء والتنمية ودعم الاقتصاد الوطني من خلال إيجاد وظائف وفرص عمل للكثير من الكوادر البشرية العاطلة عن العمل.