هناك رأي شائع ساهمت في ترسيخه وسائل الدعاية والإعلام مفاده أن الاستهلاك العائلي والمنزلي للماء سبب أساسي في تبذير الماء. صحيح أنه يجب الحفاظ على الماء وعدم ترك الحنفية مفتوحة، بل هناك اليوم ابتكارات تقنية تحد من استهلاك الماء. لكن هل أن هذه الإجراءات كفيلة لوحدها للحفاظ على الماء؟ الماء هو الحياة وبدونه لا يعيش ولا ينمو أي كائن حي وهو النظام الدوري للكرة الأرضية ومخزون للغذاء وهو مصدر لا يمكن تعويضه بأي سائل آخر. تتراوح حاجيات الإنسان بين 20 و50 لترا من الماء في اليوم. يستهلك مولود في البلدان المصنعة 30 إلى 50 مرة كمية الماء التي يستهلكها طفل في بلدان الجنوب. 66 بالمائة من سكان أميركا الجنوبية يتمتعون بالماء الصالح للشراب ببنما تنخفض هذه النسبة إلى 49 في المائة في آسيا و24 في المائة في أفريقيا. في العالم تحرم 20 مليون فتاة من التعليم والدراسة بما أنهن تتكلفن بجلب الماء من أماكن تبعد كيلومترات عن موقع السكن. والأرقام قد تبدو مخيفة، ولكنها حقيقية، لأنها تأذ في نظر الإعتبار متطلبات الانتاج الإجمالية. فيما يلي بعض المعطيات التي تكشف عن المصادر الحقيقية لأزمة المياه: صناعة صدرة ذات كمّين قصيرين (T-Shirt) من القطن لا بد من توفير 4100 لترا من الماء. انتاج همبرغر واحد (150 غرام) يكلّف 2400 لترا من الماء. كأس حليب (1/5 لتر) يكلّف 200 لترا من الماء. كأس من عصير التفاح يكلّف 190 لترا من الماء. صندوق صغير شيبس (200 غرام) يكلّف 185 لترا من الماء. كأس عصير برتقال (1/5 لتر) يكلّف 170 لترا من الماء. كأس من القهوة (ثمن لتر) يكلّف 140 لترا من الماء. بيضة (40 غرام) تكلّف 135 لترا من الماء. كأس خمر (ثمن لتر) يكلّف 120 لترا من الماء. تفاحة (100 غرام) يكلّف 70 لترا من الماء. برتقالة (100 غرام) تكلّف 50 لترا من الماء. قطعة خبز (30 غرام) تكلّف 40 لترا من الماء. كأس شاي (ربع لتر) يكلّف 35 لترا من الماء. إنتاج 1 كيلوغرام من لحم البقر لا بد من توفير 20 ألف لتر من الماء. قرص إلكتروني (2 غرام) يكلّف 25 لترا من الماء. بطاطا (70 غرام) تكلّف 25 لترا من الماء. طماطم (70 غرام) تكلّف 13 لترا من الماء. ورقة كتابة 4A تكلّف 10 لترا من الماء. لإنتاج 1 كيلوغرام من القمح لا بد من توفير 1500 لترا من الماء. لإنتاج 1 كيلوغرام من الأرز لا بد من توفير 4500 لترا من الماء. لإنتاج 1 كيلوغرام من الجبن لا بد من توفير 1100 لترا من الماء. لإنتاج 1 كيلوغرام من لحم البقر لا بد من توفير 30 ألف لتر من الماء (دراسة الأممالمتحدة لسنة 2004). لإنتاج طن من المعدن الصلب لا بد من توفير 20 ألف لتر من الماء. لإنتاج طن من الألمنيوم لا بد من توفير 1.5 مليون طن لتر من الماء. لإنتاج طن من الورق لا بد من توفير 40 ألف لتر من الماء. لإنتاج طن من البلاستيك لا بد من توفير 20 ألف لتر من الماء. لصناعة سيارة لا بد من توفير 20 ألف لتر من الماء. لإنتاج طن من الأدوية لا بد من توفير 5 مليار لتر من الماء (مثال Streptomycine) للحصول على لتر من الحليب لابدّ من توفير400 لترات من الماء. للحصول على 1 كيلو غرام من البطاطا لابد من توفير 1000 لتر من الماء. إنتاج الأبقار المعدّة للاستهلاك يستوجب كمية من الماء تفوق 80 مرة كمية الماء الضرورية لزراعة البطاطا أو الموز الموفرة لنفس الكمية الغذائية. لصناعة 4 عجلات مطاطية للسيارات نستهلك 10 آلاف لترا من الماء أي ما يعادل استهلاك مواطن ملغاشي للماء لمدة سنتين ونصف السنة. يجب توفير واستعمال 10 لترات من الماء لإنتاج لتر من النفط. لإنتاج 1000 كيلوغرام من الورق (1 طن) نستهلك 300 ألف لترا من الماء. لمعالجة 1 كيلوغرام من المعادن نستهلك 90 ألف لترا من الماء. قطرة زيت واحدة تجعل 25 لترا من الماء غير صالحة للاستعمال. غرام واحد من مادة D 2.4 (مبيد أعشاب يستعمل في الحدائق) يمكن ان يلوّث 10 مليون لتر من الماء الصالح للشراب. غرام واحد من مادة PCB (polychlorobiphényles) تحوّل مليارا من لترات الماء غير صالحة للشراب. لتر واحد من البترول يلوّث 2 مليون لتر من الماء. ولتفرض أن حماما رشاشا (Douche) يدوم 5 دقائق بقوة ضخ تساوي 18 لترا في الدقيقة فإن كيلوغراما واحدا من لحم البقر قادر على توفير حمام رشاش يوميا ولمدة 3 سنين. إذا اعتبرنا أن إنتاج اللحوم قد تضاعف 3 مرات في 30 سنة وإذا اعتبرنا سرعة تنامي رؤوس الماشية التي فاقت زيادة السكان فسيتبين لنا أن تبذير الماء هو نتاج لنهج اقتصادي وغذائي ما فتئ يترسّخ ويتعمم. فالتصرفات الفردية مهما تباينت لا يمكن اعتبارها مسؤولة عن هذا التبذير. فالتبذير هيكلي وهو خاصية لاصقة بالمجتمع الرأسمالي وهو يشمل كل المواد (مواد أولية، نباتات، تنوع بيولوجي، طاقة.....). فعلى سبيل المثال لقد وقع التخلي عن البذور الأصلية وعن الزراعات الكبرى لصالح بذور مهجنة ومحورة جينيا تتطلب كميات كبيرة من الماء والنفط وعلى ملك بعض الاحتكارات وتعممت الزراعات المروية على حساب الزراعات المعاشية التي لا تتطلب كميات كبيرة من الماء. فالنصائح والتوجيهات التي نسمعها كل يوم والتي تدعو إلى الحفاظ على الماء ليست في الواقع سوى كلمة حق أريد بها باطل. في أوروبا نصف كمية الماء تسخّر للقطاع الصناعي. كما أن الجزء الأهم من المياه المخصصة للري تستعمل في زراعة الذرة. في الولاياتالمتحدة الأميركية 56 بالمائة من المنتجات الزراعية يخصص لغذاء الماشية بينما لا تبلغ هذه النسبة سوى 1 بالمائة في الهند. في العالم يبلغ إنتاج الحبوب 1985 مليون طنا 60 بالمائة منها مخصص لغذاء البشر و36 بالمائة لغذاء الماشية و 3 بالمائة للمحروقات النباتية. في الصين الشعبية عرف استهلاك المبيدات والأسمدة زيادة متسارعة بحيث أصبحت الصين من بين البلدان الرائدة في إنتاج هذه المواد. في أواخر 2005 تلوثت 95 بالمائة من الطبقات الجوفية للمياه التي تؤمن 70 بالمائة من حاجيات المدن من الماء الصالح للشراب. كما أن 70 بالمائة من بحيرات الصين أصبحت ملوثة. عرف استعمال الأسمدة والمبيدات ارتفاعا هائلا. من المعلوم أنّ زراعة الذرة تتطلّب كمّيّات كبيرة من الماء والمبيدات (خصوصا في الزراعات الموحّدة). استهلاك الفلاحة للماء ما فتئ يتصاعد رغم تراجع موارد المياه وهذا بارتباط بتطوّر الزراعات المرويّة ذات الطابع التجاري والمعدّة أساسا للتصدير نحو البلدان المصنّعة. فلقد زاد استعمال مياه الريّ ب60% في الخمسين سنة الأخيرة رغم تطوّر تقنيات الرّيّ. اليوم، تستهلك الفلاحة المرويّة 70% من الماء. لقد وقع تعميم الزراعات التي تستهلك كميات فائقة من الماء على حساب البقول وغيرها من الزراعات. اليوم نعيش تراجعا كبيرا لإنتاجية ومردودية الزراعات نتيجة لتدهور التربة وما ينتج عن ذلك من تداين للمزارعين ومن ثمّة إفلاسهم وهجرتهم إلى المدن الكبرى المختنقة. وكان من عواقب التبذير المنهجي للمياه، القضاء التدريجي على التنوّع البيولوجي والطبيعي وفرض البذور المهجّنة والمحوّرة جينيّا واستعمال المبيدات والأسمدة التي تصحبها وهذه البذور تستوجب كميات هائلة من الماء (خصوصا منها الجوفية) ومن المبيدات والأسمدة وما ينتج عن ذلك من القضاء على خصوبة الأرض وإفلاس جمهور المزارعين. وفي إطار التبذير المنهجي تم فرض نظام غذائيّ "عصريّ" يشجّع على استهلاك اللحوم على حساب النباتات والحبوب. أما "الإعانة" الغذائيّة التي تأخذ مظهرا إنسانيا، فانها تزيد في تعميق الأزمة الغذائية وذلك بمتابعة السير على منهج التبذير، بدلا من توفير الوسائل الاقتصادية للفقراء لكي يعينوا أنفسهم بأنفسهم.