مع بداية كل موسم إجازة صيفية تزداد الحياة الاجتماعية مشاكل وهموم وتتقعد الحلول والمعالجات الفردية في عدد من جوانب الحياة لتتراكم تلك المشاكل والهموم حتى تصبح في المستقبل عادة يصعب القضاء عليها والحديث هنا عن جانب محدد من إفرازات ونتائج موسم الإجازة الصيفية هذا الجانب يتمثل بالفراغ القاتل الذي يصيب أبناؤنا وبناتنا الطلاب والطالبات في ظل عدم وجود الوعي الاجتماعي بأهمية الإجازة الصيفية كاستراحة من رتابة الجو الدراسي وترويح عن النفس وفترة تثقيف فكري ومحطة تزود العقل بالمعلومات والأفكار العلمية والعملية والدينية، وليس فترة فراغ قاتل في الأزمة والشوارع وعلى طاولات الألعاب الإلكترونية التي تقضي على المعلومات الدراسية وتسوق الى طريق الضياع والتشرد والانحراف، وفي هذا التقرير نتناول خطر تجاهل الأسرة والمجتمع والجهات المختصة لانتشار ظاهرة فراغ الإجازة الصيفية وانعكاساتها السلبية على الأطفال والشباب وحياتهم المستقبلية ونسلط الضوء على جوهر القضية من باب المشاركة في القضاء على الظواهر السلبية والإسهام في تنمية القدرات البشرية. إسقاط واجب
تتلقى الكتب والمراجع التعليمية هجمات مرتدة وضربة جزاء عقابية بمجرد إعلان أخر يوم دراسي ونهاية اختبار أخر مادة حسب جدول الامتحانات لمرحلة التعليم الأساسي والثانوي وذلك على أيدي من أطعمتهم ثمارها وخيراتها خلال تسعة أشهر من التحصيل العلمي حيث يقوم العديد من الطلاب بتمزيق الكتب الدراسية أو رميها من أعلى شاهق في الشوارع والحارات كتعبير عن سخطهم وكرههم للحياة الدراسية التي يعتبرون أدائها والالتزام بها مجرد إسقاط واجب، في الوقت الذي كانت فيه تلك الكتب والمراجع مجرد عبئ ثقيل يحملونه كل يوم ذهاباً وإياباً الى المدرسة، وقبل ان تظهر نتائج الامتحانات التي حددتها مسبقاً ظاهرة الغش المتفشية وضمنها أسلوب التعامل الدبلوماسي السلس بين الطلاب المهملين وبعض المدرسين المؤمنين بنظرية "الهدايا لا تقترن بالرشاوي"، فان المنهج الدراسي ينطبق عليه المثل القائل "خلي علمك لا يوم العيد" أو "وكأنك يا بو زيد ما غزيت".. وفي تسابق مع الزمن يتلهف الطلاب شوقاً الى حياة اللعب واللهو بالشوارع والأزقة والحارات التي لم يفارقها العديد من الطلاب أيام الدراسة تلك الحياة التي عرضت وتعرض حياة الكثير من الأطفال الى الهلاك والفناء المبكر سواءً كانوا يلعبون بها أو يستخدمونها كغيرهم للمرور بسبب طيش وتهور سائقي آلات الحرب الباردة والقتل المباشر "السيارات" التي يتربع على كرسي قيادة العديد منها أطفال لم تتجاوز أعمار الكثير منهم ال12عاماً ولا يجيز لهم القانون قيادة السيارات غير أنهم يحملون حصانة الثراء المباشر والدلال المبكر كتراخيص قيادة قاتلة منحها إياهم آباؤهم المتربعين على كراسي وعروش السلطة وإمكانياتها المختلفة بما فيها السيارات الفارهة أو التجار والمشائخ والشخصيات الاجتماعية المتشبعين بثقافة الاعتماد على أكل وامتصاص دماء وعرق ولقمة عيش البسطاء والضعفاء من أبناء هذا الوطن وبذلك يقتلون الشعب مرتين مرة على أيديهم من خلال احتكار لقمة عيش المواطن وامتصاص عرقه ودمه ومرة من خلال تدريب غير مباشر لأبنائهم على قتل المواطن ابن المواطن وهكذا يقتل الأب الأب ويتقل الابن الإبن.
ألعاب وصراعات
في ظل إهمال الأسرة وتجاهل المجتمع تلقى المعلومات والمعارف العلمية التي إذا حصل عليها الطالب أثناء العام الدراسي الذي يسبق موسم الإجازة الصيفية مصيراً مجهولاً بعد ان يخصص الطالب ذاكرته لأحداث ومجريات المرحلة القادمة.. مرحلة الإجازة الصيفية والتي يحاول من خلالها ان (يفرمت) ذاكرة الدراسة والتزاماتها ويحملها بطرق وأساليب تسكع وتشرد ولعب حديثة خارج نطاق الأخلاق والآداب العامة، ومن هنا يبدأ التنافس الشرس على ارتياد مقاهي الإنترنت وطاولات ألعاب "البلستيشن" وحانات الأتاري والشوارع العامة لممارسة بعض الألعاب المؤذية والقاتلة وتشكيل فرق و عصابات تيمننا بأفلام "الأكشن" باستخدام مخلفات الحديد والأخشاب لصناعة أسلحتهم وأقواسهم التي يقذفون بها بعضهم البعض وتتأثر منها النوافذ والقمريات وزجاجات السيارات ويطال أذاها الرايحات والجايات من النساء والفتيات ولا يسلمون هم من أضرارها بالذات ويخلقون المشاكل والصراعات بين الجيران والجارات.. هذا جزء يسير مما يمارسونه أطفال وشباب الطبقة الاجتماعية ذات الدخل المحدود أو المعدوم خلال الإجازة الصيفية، أما في الفقرة التالية سنتناول أهم الممارسات والمهام المنوطة بأبناء التجار والمسئولين وكبار القوم وما يرافقها من شطحات ونخيط وتفحيطات.
من مهد الثراء.. الى سوق البلاء
على الجانب الآخر من رصيف سلبيات الإجازة الصيفية يتمتع أبناء الطبقة الراقية من شريحة التجار والمسئولين والمشائخ والميسورة أحوالهم الاقتصادية وما شابههم بحياة صيفية مليئة بالأحداث والمغامرات تحرسها حصانات ونفوذ أولياء أمورهم وقدراتهم المالية والسياسية والاجتماعية، وتدور أحداث ومجريات تلك الحياة الصاخبة على ملعب الحياة العامة وفي منصات ومدرجات القيم والمبادئ والأخلاقيات والآداب الدينية الاجتماعية، حيث يمارس أطفال وشباب وشابات سلالة كبار القوم خلال موسم الفراغ الصيفي شتى أنواع اللهو الخارج عن إطار الآداب العامة والسلوك الإسلامي القويم ويهددون بغرورهم وتكبرهم وتعاليهم حياة المواطن البسيط وأمنه واستقراره من خلال تمكينهم من قيادة السيارات الفارهة التي يحكمون بسرعتها الطائشة على حياة الآخرين بالإعدام وليس ذلك فحسب بل ان ما يحصلون عليه من الثقة والأموال التي يمنحهم إياها أولياء أمورهم تقودهم الى طريق الانحراف والضياع والدخول الى عالم الجريمة من أوسع الأبواب وأأمنها وبحماية ثقة أبائهم ودلال أمهاتهم خاصة بعد ان أصبحت القيم والأخلاق تباع في كثير من استراحات ومتنزهات الأحياء والشوارع الراقية وتحولت تلك المتنزهات المنتشرة في العاصمة وبعض المحافظات الى عشش ومخادع يلتقي على ضفافها الشباب والشابات وتجمع مقاعدها والطاولات بين العشاقين وتنطلق في سماؤها أصوات الآهات والقبلات وفي دهاليزها والساحات يتم الترويج للجرائم والممنوعات وتفوح من أقسامها والصالات روائح الحشيشة وأنواع المخدرات والمسكرات ومن أركانها والزوايا والساحات تنطلق المعارك والصراعات بين الشباب والمتسابقين بقوة المال الى كسب ود وثقة الصبايا والفتيات وقد يخلف عناد وإصرار البعض في هذا الجانب بعض الضحايا والإصابات من خلال تدبير المكائد والمؤامرات التي تخرج بهدوء من كهوف ومغارات تلك النوادي والمتنزهات الى الأحياء السكنية والمنازل والحارات وبفضل تكنولوجيا الهواتف النقالة والاتصالات ورسائل الوسائط والبلوتوثات تنفذ العديد من الجرائم والمجرمات وفي ظل غياب الرقابة ونفاذ المبادئ والأخلاقيات تنتشر الجريمة وتهدر الحقوق والحريات وعلى هاوية الضياع يقع شباب المستقبل وجيله المستقبلي، وتنعكس سلباً كل تلك الممارسات على حياتنا الاجتماعية وسياساتنا والاقتصاديات..
سلبيات اجتماعية ورسمية
على هامش الحياة التنموية وفي رصيف القرارات والسياسات الإدارية تنتظر سياسة تنمية القدرات البشرية دورها للوصول الى دوري الممتاز كهدف يأمل أبناء هذا الوطن تحقيقه من أجل بناء جيل متسلح بالعلم والمعرفة لخوض معركة المستقبل المشرق. ومع زحمة انتشار شعارات وإعلانات معاهد الكمبيوتر واللغات وأندية تطوير الفنون وتشجيع المبدعين وأصحاب المهارات ومع الظاهرة الصوتية التي أطلقتها الكثير من المؤسسات الخيرية والمنظمات المدنية والجمعيات لدعم التعليم وتنمية القدرات البشرية وتشجيع المهارات والكفاءات وما رافق تلك الشعارات من قرارات حكومية وتصريحات ودعم محلي وخارجي. يأبى موسم الإجازة الصيفية التخلي عن ما جرت عليه العادة الاجتماعية المتعارف عليها اجتماعياً والتي تبرز من خلالها عدداً من الظواهر والسلبيات حيث يستند ذلك الرفض في أساسه على عدة عوامل أهمها: غياب الدور الرسمي الجاد في هذا الجانب، الجهل الاجتماعي المسيطر على عقول السواد الأعظم من أبناء المجتمع بكافة توجهاته، سيطرة مبدأ التجارة في منشآت تعليم الكمبيوتر واللغات على مبدأ الأمانة والإخلاص والتنافس على الأداء المتميز ما أدى الى عدم قدرة كوادر تلك المنشآت على فرض سيطرتهم القيادية والإدارية على طلابهم، انتشار بعض المؤسسات التعليمية الخاصة والخيرية التي تدعو الى النعرات والفتن الطائفية وتزرع الحقد والكراهية بين أبناء المجتمع و شرائحه وغياب الوازع الديني والإنساني لدى بعض القائمين على قيادة هذا القطاع الهام، قيام العديد من أولياء الأمور خاصة المسئولين والموظفين والتجار باستغلال إجازة أبناءهم للقيام ببعض الأعمال واصطحابهم معهم الى مقرات عملهم ولاكتساب بعض الخبرات التي تنعكس في معظم الأحيان الى سلبيات وكذلك يفعلن النساء اللواتي يصطحبن بناتهن الى صالات الأفراح وبعض الحفلات النسائية الصاخبة التي تؤثر على سلوكهن وأفكارهن بالإضافة الى عدد من الممارسات و الاختلالات الاجتماعية الخاطئة. كل ذلك يحتاج الى لفتة اجتماعية مسئولة ويقظة رسمية تامة لما ينتج عنها من مساوئ وسلبيات تنعكس على مستوى التنمية والاقتصاد والحياة الاجتماعية.. والأخطر في الموضوع ان الاعتماد على دعم الآباء يغني الأبناء عن التفكير بمستقبلهم العلمي والعملي وهكذا بالنسبة لأبناء الطبقة المتوسطة الذين يتجاهلون مستقبلهم بحجة صعوبة الحياة المعيشية وتحت شعار "من شابه أباه فما ظلم".. خلافاً لما تنص عليه العادات والتقاليد بحث المرأة التي لا تمنحها أي دور فاعل للمشاركة في الحياة العامة والبناء والتنمية والمشاركة في سوق العمل سوى شعار "ما للمرأة إلا زوجها أو قبرها".
جهود ونقود.. ولكن!!
في ظل توجيهات القيادة السياسية لمؤسسات وقطاعات التعليم والجهات المختصة بضرورة استغلال موسم الإجازة الصيفية لبناء القدرات البشرية وتغذية عقول الطلاب بتنويع معلوماتهم وتحديث معارفهم ومداركهم العلمية والفنية والتقنية من خلال إقامة المراكز الصيفية المتعددة المعلومات و الأهداف العلمية والفنية إلا أن تلك المراكز وما تستحوذ عليه من موازنات واعتمادات مالية تتصدر قائمة النفقات الجائرة التي لا تصب في نهر التقدم والقضاء على المظاهر السلبية سيما وان تلك المراكز لا تشكل سوى ظاهرة صوتية وإعلامية الهدف منها صرف الاعتمادات الطائلة المكافآت والنثريات والعبث بالمال العام خاصة وان تلك المراكز تفتقر الى أبسط المقومات العلمية ومصادر التنوع الترفيهي والعلمي والمعرفي حيث يتم إنشاء هذه المراكز بطرق عشوائية دون تحديد أهداف أو غايات محددة من إنشاءها ناهيك عن انتهاج سياسة تهميش دور القائمين على هذه المراكز بأمانة وإخلاص وتفاني وضياع مستحقاتهم في حين يتم دعم وتشجيع ومكافئة المتهاونين والعابثين بحكم قدرتهم على ممارسة سياسة حب الظهور على حساب المخلصين وبقوة علاقاتهم ومتانة حبال روابط القرابة والنسب والصحب التي تربطهم ببعض المسئولين وأصحاب القرار، وذلك ما حصل العام الماضي في محافظة الحديدة وإب وبعض محافظات ومديريات الجمهورية. وبالمقابل فان سياسة إنشاء المراكز الصيفية اقتصرت على بعض المناطق والأحياء والمديريات بينما كان ينبغي لذلك المشروع ان يكون مشروع إلزامي على كافة المناطق التعليمية في كافة المحافظات والمديريات والأحياء والقرى باعتباره واجب مكمل لدور الكادر التربوي والتعليمي الذي يتقاضى راتب مستمر من خزينة المال العام حتى أيام الإجازة الصيفية ومن هنا يجب ان تتحول المدارس بعد انتهاء امتحانات الشهادة الأساسية والثانوية الى مراكز صيفية تمارس فيها جميع الأنشطة وتتنوع فيها كافة المعلومات والثقافات والأنشطة لتتغذى عقول الطلاب والطالبات بمختلف العلوم والدراسات وتظهر من خلالها المهارات والإبداعات والفنون وتنمية وبناء القدرات على أساس توعية المجتمع بأهمية تلك المراكز وما لها من فوائد علمية وعملية في كافة الأنشطة والمجالات..
باختصار
مع الحديث عن كثرة وانتشار الظواهر والعادات السيئة والسلبيات وتأثيراتها على الحياة الاجتماعية بشكل عام والاقتصاد الوطني والحياة التنموية بشكل خاص فان كافة تلك الظواهر والسلبيات ترتبط إفرازاتها ونتائجها ارتباط مباشر بسوء أداء المؤسسة التعليمية التربوية التي تعتبر في بلدان العالم الحديث أهم محطة تنطلق منها أساطيل وقطارات البناء والتنمية حاملة مشاعل ثورة التكنولوجيا وعصر البيانات الرقمية والمعلومات التي قربت المسافات وحولت العالم الى قرية صغيرة بفضل جهود أبناء وقيادات تلك الشعوب وأمانتهم وإخلاصهم وتفانيهم لخدمة شعوبهم وأوطانهم وخدموا بعقولهم النيرة العالم في كافة مناحي الحياة وذلك ما نلمسه اليوم من تقنية علمية وتكنولوجيا سهلت دروب الحياة ومواكبة عصر التطور والرقي ولن يأتي ذلك من فراغ أو بجهود ذاتية ومحدودة اقتصرت على المؤسسة التعليمية فحسب بل ان التكامل والترابط الوثيق بين كافة أجهزة تلك الدول التعليمية والأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية واحترام المجتمع بكافة أطيافه وأعرافه السياسية والدينية للأنظمة والقوانين وعلامات التعاون الوثيقة بين أبناء المجتمع والأجهزة الإدارية هو العالم القوي الذي ساعد على ذلك النجاح العظيم.. وعلى العكس من ذلك ما تشهده بلادنا من سياسات عشوائية وقرارات مزاجية وتخبطات إدارية وقيادية أدت الى فشل وتدني مستوى الأداء وفقدان هيبة الأنظمة والقوانين ما أدى الى نزع ثقة المجتمع بنفسه وبدولته الأمر الذي عكس نفسه سلباً على الاقتصاد الوطني واتسعت معه رقعة الفقر والبطالة وكبرت هوة الجريمة التي سقطت فيها الأخلاق الإسلامية والمبادئ والقيم النبيلة ومميزات المجتمع اليمني المحافظ.. فإلى متى يا خير أمة..؟!!