بات لا يُعرف ما إذا التحق معارضون سابقون بالمستقبل أو انتقل الحريري إلى المعارضة بعد عصر يوم الجمعة الفائت، ولمناسبة يوم القدس، أطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليلقي فيها كلمة كعادته، لم تخل من تطرّقه إلى التطورات اللبنانية التي كان آخرها ما جرى في منطقة برج أبي حيدر، حيث أبدى عتبه على طريقة معالجة البعض لما حدث، بعدما «وضع على السكين ملحاً، ووضع السكين في قلبنا وأخذ يحركها»، معتبراً أنه «ليس هكذا يتصرّف رجال الدولة ولا رجال السياسة ولا قادة أحزاب». الرئيس سعد الحريري لم ينتظر كثيراً للردّ، بعدما عرف أنه المقصود بكلام نصر الله. فما هي إلا ساعات قليلة حتى أطلق من قريطم، حيث كان يقيم إفطاراً على شرف عائلات عكار، موقفاً تصعيدياً لفت فيه إلى أنه «في ما يخصّ ما حصل في بيروت أخيراً، فبالنسبة إليّ، أنا أذهب حيثما أشاء ولا أحد يحدّد لي إلى أين أذهب»، مشيراً إلى أنه «لست أنا من يحمل السكين، فأنا لا أعرف أن أحمل سكيناً، بل أحمل قلماً وأعطي كتاباً وأعلّم أناساً». يومذاك، ما إن أنهى الحريري كلامه حتى بدأ نواب تيار المستقبل، الحاليون والسابقون، وأعضاء في المكتب السياسي للتيار فضلاً عن وسائل الإعلام المحسوبة أو المقرّبة من الحريري، بالقيام بحملة واسعة للرد على نصر الله، مستظلة بموقف الحريري الذي كان مرتفعاً وكاد يخرق سقف التهدئة الهش. هذا «السيناريو» للسجال الإعلامي والسياسي كان الصفة الرئيسية التي طبعت المشهد السياسي العام في البلاد منذ 5 سنوات حتى اليوم. اتهام من هنا وردّ من هناك وردود على الردود، قبل أن يتدخل طرف إقليمي ما بمساعدة أطراف داخلية ومؤازرتها من أجل «سكب» قليل من الماء البارد فوق الصفيح الساخن الذي وقفت عليه البلاد طيلة الفترة السابقة. أول من أمس تغيّر المشهد للمرة الأولى، وانقلبت المعايير 180 درجة تقريباً، غداة «القنبلة» السياسية التي فجّرها الحريري في حديثه إلى جريدة «الشرق الأوسط»، الذي اعترف فيه بارتكاب «أخطاء»، مشيراً إلى أن «اتهامنا سوريا باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان اتهاماً سياسياً، وهذا الاتهام السياسي انتهى»، ومتطرقاً للمرة الأولى إلى موضوع شهود الزور الذين اعترف بوجودهم بهذا الأسلوب، إذ أكد أن «هناك أشخاصاً ضللوا التحقيق، وهؤلاء ألحقوا الأذى بسوريا ولبنان، وألحقوا الأذى بنا كعائلة الرئيس الشهيد، لأننا لا نطلب سوى الحقيقة والعدالة، ولم نطلب أكثر من ذلك. وشهود الزور هؤلاء خرّبوا العلاقة بين البلدين وسيّسوا الاغتيال». هذا الموقف كان له وقع «الصاعقة» في أوساط تيار المستقبل، نواباً وكوادر وإعلاميين وقاعدة شعبية، لدرجة أن يوم أول من أمس مرّ بكامله من غير أن يصدر عن نواب المستقبل أي تعليق منهم على موقف الحريري المستجد، إذ غابوا عن السمع تماماً وعن قصد، مع تفرّغ قلة منهم للردّ بواسطة بيانات مكتوبة سلفاً على العماد ميشال عون إثر تهجّمه على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ووزرائه، باستثناء ما أشار إليه النائب عقاب صقر من أن كلام الحريري «يجب أن يأخذنا إلى التفتيش عن حقيقة قضية اغتيال الحريري»، قبل أن يتبعه النائب محمد قباني بعد 24 ساعة عندما رأى أن «موقف الحريري تجاه سوريا يعبّر عن موقف كتلة المستقبل»، معرباً عن اعتقاده بأن «يسير حلفاء الحريري معه في توجهه الذي بدأه». لكن في موازاة صمت نواب المستقبل وحلفائهم ممن بقي من 14 آذار، توالت ردود فعل مرحّبة من قبل قوى المعارضة السابقة بموقف الحريري، التي رأت أنه «موقف في غاية الأهمية ويؤسس لتصويب كل المسار السياسي»، و«يفتح أبواباً جديدة ويسدل الستار على مرحلة مضت»، و«يصوّب مسار التحقيق ويكشف الحقيقة»، وأنه موقف «صدر عن رجل دولة مسؤول»، لدرجة أن أحد السياسيين علّق بظرف على ترحيب المعارضة ب«نقلة» الحريري بالقول: «بعدما قرأنا تصريحات شخصيات في المعارضة، ساورتنا ظنون أن يكون هؤلاء قد التحقوا بتيار المستقبل، أو أن الحريري بات رأس حربة في قوى المعارضة!». مصادر مطّلعة في تيار المستقبل أوضحت ل«الأخبار» أن عدم تعليق أحد في التيار على موقف الحريري نابع من أنه «ما حدا طالع بإيدو شي»، لافتة إلى أن أجواء قلق وارتباك تسود صفوف التيار، لدرجة أن البعض فضّل الابتعاد عن الأضواء قليلاً لأنه ليس قادراً على تفسير ما يحصل لقواعد التيار واحتواء ردّود فعلها، لمعرفة إنْ كان موقف الحريري سيقتصر على هذا الحدّ، أو ان سلسلة من الاعتذارات والتنازلات سيقدم عليها الحريري في المرحلة المقبلة بحق من أخطأ في حقهم داخل لبنان وخارجه، بعدما سمع هذا البعض كلاماً كبيراً لدى قواعد المستقبل عن أن القيادة «دبّرت» رأسها مع السوريين، فيما نحن «وحدنا ندفع الثمن!». هذا الجدال انتقل إلى صفوف قيادات التيار أنفسهم، إذ فيما يبدي نواب وقيادات في التيار ارتياحهم إلى الأجواء الجديدة، لأنهم «حفظوا» ألسنتهم عن انتقاد السوريين في كل مناسبة أثناء الفترة السابقة، واتهامهم بأنهم «يقفون وراء كل الشرور التي تحصل في لبنان»، يفسّر «صقور» التيار مأزقهم الحالي بأنه «عائد إلى اعتقادنا بأن ما كنا نقوله مسايرة للشارع هو الصواب، فكانت النتيجة أننا وصلنا إلى حائط مسدود». ومع أن بعض مناصري الحريري والمستقبل في الشارع يرون أن ما أقدم عليه «خطوة شجاعة»، وأن «الاعتراف بالخطأ فضيلة»، فقدت كشفت المصادر المطلعة في المستقبل أن نواباً وشخصيات وكوادر في التيار «شرعوا في محاولة تسوية أوضاعهم، بعدما وجدوا أن فترة السماح بإعادة مراجعة مواقفهم قد انتهت، وأن التأقلم مع الأجواء الجديدة يحتاج إلى فترة من الزمن لن تمر بلا تداعيات ستبدأ بالظهور تباعاً». نقلا عن موقع التيار الوطني الحر - لبنان