في الحلقة الخامسة من كتاب «كارلا.. حياة سرية» الذي تنشر القبس فصولا منه، تكشف مؤلفته بسمة لاهوري تفاصيل معاناة ساركوزي بعد ترك زوجته سيسيليا له، وكيف حاول ان ينساها مع صحافية سياسية من «فيغارو» قبل ان ينتهي به المطاف مع كارلا التي عرفت كيف تستوعب هذا الرجل الحزين الذي لا يستطيع ان يعيش من دون امرأة تهتم بشؤونه. اصبحت كارلا بروني من الآن فصاعدا السيدة ساركوزي، هكذا فإن الامر قضي. غادرت الملكة، عاشت الملكة، ولم يعد هناك اعتبار من الان فصاعداً، اي رسالة الكترونية تحيد العربة الايطالية «الغجرية»؟ في طريقها الى الزواج. سيسيليا لم تعد موجودة، الا ان ظلها لا يزال يخيم على الزوج الرئاسي. فكارلا تجد نفسها في وضع لم يسبق لها ان عاشته: للمرة الاولى في حياتها لا يتم الحديث عنها كامرأة شنيعة تخرب حياة زوجين وتأخذ مكان المرأة، لكن الاسوأ في الامر ان رجلا هجرته زوجته هو رجل اغري نصف اغراءة، سيسيليا اختارت التخلي عن زوج في قمة مجده، كارلا تحصل على رجل محطم وافقت الاخرى على تركه لها. من دون قصد اصبحت الثانية استثماراً للاولى، التي يسعى الجميع لدراسة ماضيها لمحاولة فهم فشل زواجها. الكأس المرة ايزابيل بالقاني (هي وزوجها من اصدقاء ساركوزي القدامى) في حوارها معنا تلخص بلهجة يعلوها الندم «سيسيليا؟ الفرنسيون لم يعرفوها الا عندما تركت نيكولا، ويجب الا ننسى شعبية الروايات التي تقرأ في محطات القطارات، والاستماع الى زوجة رجل سياسية في الاوقات العادية لا يهم احداً». لكن على العكس اذا ما شرب الزوجان من الكأس المرة، فإنها تعرف الكثير. لقد ضحت بحياتها المهنية كصحافية حبا بزوجها باتريك بالفاني، كانت تلصق صوره على الجدران خلال الحملات الانتخابية، وتصافح آلاف الايدي في ظله، ان نائبة رئيس بلدية لوفالوا في مقاطعة السين العليا تعرف الدور الصعب الذي يعود لزوجة السياسي، وكأنها تحدده لنفسها: نكران الذات، الدعم المطلق الذي مارسته في اوقات النجاح والمحن. الزوجان ساركوزي لم يشذا عن القاعدة، وكانا يشاهدان في المهرجانات الخطابية وفي الوزارات، حتى ان سيسيليا كانت مديرة مكتبه الوزاري عندما تسلم رئاسة الاتحاد من اجل اكثرية شعبية، وبعد ذلك حصل النشاز. عواصف وتهديد عندما تثير العواصف الزوجية لصديقتها سيسيليا ونيكولا فان نظرات ايزبيل بالقاني تضيع لحظة في الدخنة المنبعثة من سيجارة فيليب موريس الزرقاء، وهي لا تتحدث عن الفضيحة التي احاطت بانفصالها عن زوجها عام 1996، يومها اتهم زوجها بانه هدد عشيقته بمسدس لاجبارها على القيام ببعض وسائل المتعة. وقد تمت تبْرئته، وهذا جزء من الماضي وهي كزوجة رجل سياسية عرفت كيف تصفح عنه، بينما شكاوي سيسيليا من نيكولا لا تثير لدى زوجة باتريك بالقاني سوى الحنق «على الأقل كارلا تعرف اني وضعت قدميها»، تقول ايزابيل بالقاني، صحيح ان سيسيليا عادت مرات عدة الى منزل الزوجية انطلاقا من وعيها للمهمة التي وافقت عليها من خلال زواجها من نيكولا ساركوزي، الا وهي العمل لانتخابه رئيسا للجمهورية بأي ثمن. «هذا هو الأمر الاساسي وانا لا ابالي بمصيري» قالت سيسيليا يومها للصحافي برونو جودي في مجلة لوفيغارو ماغازين. بينما كارلا جاءت بعد المعركة تردد اوساط رئيس الجمهورية. سيسيليا غادرت بشكل مفاجأ وعنيف بعد الانتخابات، ولكنها اتمت العمل حتى نهايته ولكن كل هذا لا يكفي بالنسبة لايزابيل بالقاني: «لقد قالت سيسيليا في كتابي انها كانت حزينة.. ماذا يعني ذلك؟ لقد بقيت عشرين عاماً مع رجل بخيل لا يهتم بأي شيء؟ سيسيليا كانت معقدة ولم تكن تحب الدعابة والفكاهة، بينما كارلا مرحة وذكية للغاية». تعاطف مع الرئيس الفرنسيون كانوا أقل قساوة مع سيسيليا. إن خيبة أمل ومرارة حياته الزوجية جعلتاهم يتعاطفون مع رئيسهم. «هذا الرجل القاسي والقوي جعلته زوجته أكثر إنسانية». يقول الكاتب دينيس تيليناك المقرب من جاك شيراك: «نيكولا وسيسيليا؟ انهما مثل امرأة الخباز في فيلم مارسيل بانيول». لقد عطف الفرنسيون على الرئيس الذي يشبه وضعه وضع الخباز المجروح والمذلولة كرامته والذي خانته زوجته. ولكنهم أعربوا عن قلقهم ايضا. الرئيس مطلق؟ إنها سابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة. رئيس عازب وحزين، وخاصة رئيس مستضعف. والمواطنون يعتبرون، في لاوعيهم، ان قضاياهم واهتماماتهم يجب ان تكون الهم الأول لرئيس الجمهورية، ولكن ساركوزي رجل عاطفي، حتى أكثر من شيراك. يعتبر تيليناك «انه بحاجة لكي يكون محبوبا ولكي تأخذ امرأة بيده»، وكدليل على ذلك يروي الكاتب حكاية ذلك الغداء مع ساركوزي في عام 1995 في بلدية نويي: «كان وحده مع كلبه.. وتحدثنا مطولا، وبعد فترة دعوته بدوري الى الغداء. وقبل ساعة من الموعد اتصل بي هاتفيا يسألني إذا كان بمقدور سيسيليا تناول الغداء معنا. مسألة غريبة أليس كذلك؟». أغرب ما في القصة وأغرب ما في القصة ما حصل بعد المكالمة: «طيلة الغداء كان يمسك بيد سيسيليا بيد ويتناول الغداء باليد الاخرى. يستحيل ان يترك زوجته حتى عندما يأكل! سيسيليا لم تلفظ كلمة واحدة طيلة الغداء». الفرنسيون باتوا يشعرون ان نيكولا ساركوزي من دون امرأة الى جانبه يصبح شخصا آخر. رجل مبتور باختصار. لو يعرفون.. المقربون منه عرفوا، انه خلال ازمته الزوجية، واسى نفسه برفقة صحافية سياسية من الفيغارو. أحد الشهود من الذين يفضلون عدم الكشف عن هويتهم، روى لنا كيف اكتشف المقربون منه هذه العلاقة: «لقد كنا نشاهد مباراة لكرة القدم في ملعب برنابوه في مدريد. وكان يُفترض ان يأتي نيكولا ساركوزي ايضا. وكنا ننتظر وصوله مع سيسيليا بين لحظة وأخرى. المفاجأة لقد وصل ولكنه كان متأبطا ذراع امرأة اخرى أخذت مكان زوجته الشرعية، لقد استمرت قصتهما اشهر عدة. المصور باسكال روستين فاجأ الاثنين بينما كانا يقومان بمشتريات في متجر دارتي في ساحة المادلين، في الدائرة الثامنة عشرة في باريس. وقد اشترت منه احدى المجلات الصور ب 70 الف يورو، ولكنها مزقتها تحت ضغط بيير شارون الذي كان يسهر على الرئيس. النتيجة: لم يخرج الخبر ولكن الصحافية التي عرفت ساركوزي على والدتها لم تتمكن من معرفة حجم تعلق ساركوزي بسيسيليا. لقد تمكن نيكولا من استعادتها. ولقد كان الاكثر رعباً في المسألة ان صديقته لم تكن على علم بذلك عندما ذهبت معه لقضاء اجازة في جزيرة موريس واهداها جوهرة.. وفي الحقيقة كانت هدية الوداع فقد هجرها بعد يومين، وهذا ما قاله لنا احد المقربين من الرئيس. امرأة كثيرة الكلام وتساءل البعض لماذا لم يعد لها نيكولا ساركوزي بعد عدة اشهر بعد طلاقه؟ هنا ايزابيل بلقاني لديها التفسير: «كانت الصحافية كثيرة الكلام ولم تكن قادرة على الامتناع عن اجراء التحاليل السياسية مكانه، وهو ليس بحاجة الى ذلك». بكلام اخر ان ما يحتاج اليه ساركوزي ليس المستشارين انما زوجة تسهر على راحته مثل سيسيليا التي كان يتصل بها هاتفيا اكثر من عشرين مرة في النهار ليقول: «انني مغادر الاليزيه، ادخل الى اجتماع، اخرج من اجتماع، انت ماذا تفعلين؟». ذات يوم طلب رئيس الدولة من صحافية الفيغارو ان تحضر له حقيبته للقيام بزيارة رسمية، فقالت له «حضرها بنفسك»! فرأت الرئيس يتمتم متذمراً يرد عليها «سيسيليا كانت تعدها هي...». تحضير الحقائب.. هذه المسألة كارلا لا ترفضها، ان الرجال الذين تقاسموا حياتها يشهدون على ذلك، كانت تعرف كيف تعتني بهم كما لم يفعل احد ذلك. نهاية الكابوس الرئاسي دينس تيليناك اسر لنا: «عندما تزوج نيكولا ساركوزي كارلا وجدت الأمر جيدا. كان أقل توترا، فقد عرفت كيف تهدئه». بفضلها تحول الكابوس الرئاسي الى حكاية خيالية جميلة. بطريقة متنافرة الى حد ما، بالتأكيد، ولكن ساحرة. «لقد وجد ملكته الجديدة في نون غريس كيلي بطبعة الاليزيه. الفرنسيون يعشقون الأمراء والأميرات. وكل الملكات الكبيرات كن اجنبيات»، ويلخص تيليناك ذلك قائلا:« لكن الأمور ليست بهذه البساطة، فالفرنسيون ذاتهم لم يترددوا بقطع رأس النمساوية التي كانت بعيدة كثيرا عن الشعب، والفرنسيون ينظرون الى ثروة الايطالية التي باتت سيدتهم الأولى بالكثير من الحذر». وتيليناك يوافق على ذلك: «حتى الآن نجح نيكولا في التقرب من الفرنسيين، باتريسيا كانت بحاجة الى الاعتراف الاجتماعي، بينما كارلا ولدت وملعقة الذهب في فمها، كواحدة من شرفاء روما». واخيرا وصلت الى قمة الاولمب كارلا بروني واعية لهذا الفارق، وهي تعرف ان الفرنسيين يشكون وان عليها ان تقنعهم وتثبت لهم انها تستحق موقعها، وان تمسح حتى من الذاكرة سيسيليا البانيز صغيرة المؤلف الموسيقي اسحاق البانيز. ابنة بائع الفرو التي اصبحت السيدة الأولى المغرمة، مثلها، بالفن والموسيقى: وهذه الفكرة ستتسلط عليها وتصبح وسواسها، ليس بمقدور كارلا ان تفعل شيئا ضد اصولها، كما انه ليس بمقدورها ان تناضل ضد 18 سنة من السعادة والمحن التي تقاسمها ساركوزي مع سيسيليا، اذن ليس لها الكثير من الخيار، وقد اتخذت القرار، عهدها سيكون للصورة. تنويه في الحلقة الرابعة من كتاب {كارلا.. حياة سرّ.ية} وردت فقرة تقول {انها الغجرية والمغربي بتاعها... هما اللذان أفسداك}.. والصحيح {انها السيسيلية سيغالي والمغربي}.. لذا اقتضى التنويه.