في الحلقة الرابعة عشرة والأخيرة من كتاب {كارلا.. حياة سرية} الذي تنشر القبس فصولا منه تتوقف مؤلفته بسمة لاهوري عند علاقة أشهر سيدتين في العالم، كارلا ساركوزي وميشيل أوباما، وتقول أن الفرنسية الأولى كانت دائما تحاول التقرب من المرأة الوحيدة القادرة برأيها على منافستها على لقب السيدة الأولى الأكثر جاذبية في العالم.. وكيف كانت ميشيل تتجنب اقامة أي علاقة صداقة معها خوفا من ماضيها، وأيضا لوجود اختلاف ثقافي واضح بينهما. ترك نيكولا ساركوزي انطباعا سيئا لدى باراك اوباما رئيس اكبر قوة في العالم، حين التقاه أول مرة في الثاني عشر من سبتمبر 2006، وكان حينها وزيرا للداخلية ورئيسا للاتحاد من أجل الحركة الشعبية. في ذلك اليوم ذهب ساركوزي لتحية صديقه الكبير جورج بوش، لكنه عرّج نحو الكونغرس قبل هذا اللقاء لمقابلة سيناتور شاب، بناء على نصيحة من مستشاريه، يدعى باراك أوباما. علق ساركوزي على هذا اللقاء فيما بعد بقوله «كنا اثنين في هذا المكتب، احدنا أصبح رئيسا وما على الثاني سوى أن يفعل الشيء نفسه»، أما في الجانب الأميركي، فاعترف باراك بانبهاره بالطاقة التي يتمتع بها الفرنسي، لدرجة انه تساءل عن نوعية المأكولات التي يتناولها: «انه يتحرك باستمرار.. ماذا يأكل»؟ يروي لنا اليوم شاهد عيان الظروف الذي تم فيها اللقاء بقوله «دخل ساركوزي مسبوقا بمستشاريه إلى مكتب السيناتور الشاب، ثم توقف لهنيهة، حاول خلالها وبحركة من يده أن يحث سيسيليا على التقدم، حيث كانت متأخرة بعض الشيء عنه، لكنها فضلت البقاء في مكانها. في الواقع، لم تكن سيسيليا تود أن يقدمها ساركوزي كزوجة له، لذلك بقيت في الخلف، حتى تبدو كأنها عضو عادي من أعضاء الوفد الفرنسي. تبادل الزوجان اللذان كانا يعيشان على وقع أزمة في ذلك الوقت، النظرات لثوان، بدت كأنها ساعات، أمام باراك أوباما الذي أصيب بالذهول. أخيرا استجابت سيسيليا واقتربت من زوجها حتى يقدمها للسيناتور، ثم أطبق الصمت لمدة دقيقة، تبادل خلالها الزوجان نظرات غير ودية. قطع باراك اوباما هذا الصمت الرهيب، وبدأ في الحديث إلى ساركوزي ثم استدار نحو سيسيليا وقال لها «أتعرفين، السياسة صعبة وهي معقدة أيضا بالنسبة لميشيل، لكن ستتحسن الأمور سترين ذلك». وغادر الوفد الفرنسي مقر الكونغرس الأميركي وعيون أفراده كلها في الأرض.
أرض ملغمة لكن هل تعرف كارلا بروني تفاصيل هذا اللقاء؟ بالتأكيد لا. فهذه التي تحلم بأن تقارن بالأنيقة ميشيل أوباما، تجهل إذن بأنها وصلت إلى ارض ملغمة، سبق ان تربعت على عرشها سيسيليا التي كانت سباقة أيضا في تسويق صورة تافهة عن الرئيس الفرنسي وزوجته. لم تترك السيدة الأولى فرصة مرافقة زوجها في أي زيارة قادته إلى ما وراء الأطلسي، ويقول شارل جيغو الصحافي في جريدة «لوفيغارو»، إن الولاياتالمتحدة بمنزلة البندقية بالنسبة للرئيس وزوجته «هذا بالطبع لأن الولاياتالمتحدة الأميركية البلد الذي لم تستطع عارضة الأزياء كارلا بروني الاستيلاء عليه، والبلد الذي تعيش فيه سيسيليا غريمتها السابقة، وهو أيضا البلد الذي تعيش فيه ميشيل اوباما، السيدة الأكثر شعبية، والوحيدة التي تستطيع في نظرها، منافستها على لقب السيدة الأولى الأكثر جاذبية وبهجة في الكون».
رغبة في التميز يقول احد مقربي كارلا، إن السيدة الفرنسية الأولى «تود الخروج من المجموعة، وانها لا ترغب إطلاقا في التساوي مع بقية السيدات الأول، لكنها تقبل ذلك مع ميشيل أوباما فقط». علينا أن نقول إن ميشيل تمتلك كل شيء: الأناقة وحب الأميركيين.. باختصار تمثل ميشيل أوباما تحديا حقيقيا، خاصة أن ساركوزي كان يأمل هو أيضا في إيجاد مكان له في الولاياتالمتحدة، وان يكون أول رئيس يقابل الرئيس الأميركي المنتخب حديثا. لا تعرف كارلا خوض معارك كهاوية أبدا، وها هو العالم فتح لها الباب على مصراعيه، ذلك أن زيارة رسمية للخارج بالنسبة إليها بمنزلة عرض للأزياء تتفنن فيه في اجتذاب كاميرات المصورين، بهدف إزاحة منافساتها. في نوفمبر 2008 ولدى مرافقتها زوجها إلى الولاياتالمتحدة لحضور الاجتماع الطارئ لمجموعة العشرين، لم تتردد كارلا في القول على شاشة التلفزيون وفي بلاتوه «ليت شو» البرنامج الذي يقدمه ديفيد ليترمان، حين دعيت بمناسبة صدور ألبومها الغنائي الجديد، إنها ترغب في التعرف إلى ميشيل أوباما، وكان ذلك بعد أيام فقط من انتخاب أوباما رئيساً للولايات المتحدة. كارلا وميشيل مختلفتان بعد شهرين بالضبط، تصدرت كارلا بروني الصحف الأميركية خلال زيارة لها إلى نيويورك بمناسبة غداء أقامته لورا بوش على شرفها. كانت تود إثارة إعجاب المقيمين الجدد في البيت الأبيض، خاصة انهم لم يبدوا أي رغبة في لقاء الزوجين ساركوزي سريعا. تقول لين سويت مراسلة «شيكاغو سان تايمز» في واشنطن التي تابعت الزوجين أوباما منذ 25 عاما، «نحن نحب هذه اللحمة العائلية كما نحب طفلتي اوباما اللتين تكبران امام أعيننا، وكارلا بروني تهمنا أيضا، لكن ليس للأسباب نفسها». وبعبارة أخرى، يمكن أن نقول إن شعبية الأولى لا تقوم على أي خلافات، فهذه المحامية اللامعة التي قبلت أن تضع مسيرتها المهنية جانبا لدعم طموح زوجها السياسي، هي زوجة وأم مثالية. أما من ناحية «الستايل»، فقد حاولت ميشيل منذ حفل تنصيب زوجها ان تعطي لنفسها طابعا معينا، حين ظهرت بفستان ابيض طويل من تصميم جيسون فو. ويختصر كريستوف جيرارد نائب بلدية باريس المقارنة بين السيدتين في قوله «كارلا تملك الشكل والهيئة بينما تملك ميشيل الستايل». لقد توجهت ميشيل نحو الآخرين أيضا، فهي تكافح السمنة التي أصبحت من الأمراض التي تخص الصحة العامة في الولاياتالمتحدة الأميركية.
حين ترفض كارلا وتقبل ميشيل يقول المصور الفوتوغرافي الشهير باتريك ديمارشولييه، الذي أنجز البورتريه الرسمي للسيدة الفرنسية الأولى بناء على طلبها، إنه اقترح على النسخة الأميركية من مجلة «فوغ» موضوعا عن الأناقة على الطريقة الفرنسية، لأن كارلا بروني ترتدي ملابس يصممها كبار المصممين «كان الموضوع يمتد على طول عشر صفحات داخل الجريدة، وحين اقترحته على كارلا أجابتني»، «أوه، باتريك، كنت سأرحب بالفكرة، لكن أنا السيدة الأولى ولا أود فعل هذا». على كل انتهى الموضوع هنا وقررت «فوغ» في النهاية أن تتصدر ميشيل أوباما الصفحة الأولى للمجلة. لا يهم، فكارلا ليست من نوعية النساء اللواتي ينهزمن بسهولة، انها صبورة وتنتظر ساعتها. في أبريل 2009، دُعي رؤساء دول مجموعة العشرين برفقة زوجاتهم إلى حفل عشاء في الشقق الخاصة بالوزير الأول البريطاني، لكن ساركوزي ذلك اليوم لم يصل متأخرا فقط، إنما من دون زوجته، ومن دون أن يبلغ أحداً بعدم حضورها. لم تكن تلك المرة الأولى التي تغيب فيها زوجة الرئيس الفرنسي، فقبل عامين، حضر الرئيس نيكولا ساركوزي بمفرده إلى حفل الغداء، الذي دعاه إليه الرئيس جورج بوش، وتحججت سيسيليا آنذاك بإصابتها بالتهاب في اللوزتين في آخر لحظة. كان لهذا الحدث انعكاسات سيئة، لكن كارلا ليست مريضة، بل لم تكن ترغب في لقاء نظيرتها الأميركية لأول مرة مع مجموعة من السيدات الأول.
في نيويورك تلتقي سيسيليا حانت الفرصة وكان لها لقاء الوجه للوجه بعد بضعة أسابيع، وخلال القمة الستين لحلف الأطلسي في ستراسبورغ.. وأخيرا التقت كارلا بروني بميشيل أوباما، وأمضتا بضع ساعات مع بعض. أما في يونيو 2009 فالتقت السيدتان في كايين في نورماندي خلال الذكرى الستين لإنزال الحلفاء. وتشير المعلومات إلى أن اوباما وزوجته رفضا دعوة وجهها لهما قصر الاليزيه عشية الاحتفالات. منذ تلك الاحتفالات أصبحت كارلا تتحدث عن ميشيل كأنها صديقة لها، وعن اوباما كأنه صديق هو الآخر؟ لكن كان واضحا أن صديقتها الجديدة على الساحة السياسية لا ترغب في استثمار هذه العلاقة على الإطلاق. ففي يوليو من العام ذاته، قاطعت كارلا مجددا العشاء الرسمي لقمة مجموعة الثمانية في أكويلا رغم وجودها في ايطاليا، بينما شوهدت ميشيل أوباما في كل مكان مع سارة براون زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق. وخلال هذا الصيف أيضا، طارت كارلا إلى نيويورك وأحيت حفلا بمناسبة عيد ميلاد نيلسون مانديلا، رغم أنها وعدت فيما قبل بالتخلي عن الحفلات ما دام زوجها رئيسا. وبينما كان الرئيس نيكولا ساركوزي في صدد إلقاء خطاب في الأممالمتحدة، كانت كارلا تنتظر عبثا دعوة من السيدة اوباما. بعد شهرين، ذهب ساركوزي وزوجته مجددا إلى نيويورك، لكنهما هذه المرة تناولا الغداء مع سيسيليا طليقة نيكولا وزوجها الجديد اليهودي ذي الأصول المغربية ريتشارد اتياس.
ماضي كارلا يخيف ميشيل حضر الرئيس جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم التحق بزوجته في مقهى كاندل كافيه الراقي، حيث تجمع أثرياء الولاياتالمتحدة بهدف تهنئة السيدة الفرنسية الأولى على وظيفتها الجديدة، بعد أن أصبحت سفيرة للصندوق العالمي لمكافحة الايدز، وكان عليها أن تلقي خطابا في الأممالمتحدة في إطار اجتماع مع الجمعيات غير الحكومية. أبلغت كارلا الصحافيين بان السيدة الأميركية الأولى ستكون حاضرة في مقر الأممالمتحدة خلال خطابها، لكن البيت الأبيض سرعان ما اخطر الصحافيين عن طريق البريد الالكتروني بان جدول أعمال ميشيل اوباما لا يتضمن أي زيارة لها لمقر الأممالمتحدة. لم تكن كارلا تفكر إلا في أن تستقبل في البيت الأبيض، لكن الدعوة لم تصلها بعد، لأن الزوجين أوباما لا يريان فيهما زوجين تجب مصادقتهما، بسبب نيكولا المترف مثلما يلقب، وماضي السيدة الفرنسية الأولى، خاصة بعد ظهورها في حلقة من مسلسل «سيمبسونس» التلفزيوني في شكل غاوية رجال، تضع السيجارة بين شفتيها، وتقترح على كارل كالسون، صديق هومر سيمبسوس زيارة باريس والنوم معها.
وأخيراً جاءت الدعوة في مارس 2010، وبعد أربعة عشر شهراً من انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، قرر باراك أوباما دعوة الزوجين ساركوزي رسميا إلى واشنطن. بالتأكيد يتعلق الأمر هنا بزيارة رسمية وليس زيارة دولة، لكنها أيضا فرصة للزوجين الفرنسيين حتى يُنفّسا عن نفسيهما، خاصة أنهما كانا غارقين في الاشاعات التي تخص حياتهما، لذلك كانت لهذه الزيارة أهمية كبيرة من الجانب الإعلامي. تقول صحافية في مجلة «بوان دو فو»، إن كارلا منعتها من تغطية نشاطاتها خلال هذه الزيارة رغم اعتمادها من قبل الاليزيه، أما الجرم الذي عوقبت من أجله، فهو عملها في مجلة ترأس تحريرها سيدة لا تطيقها كارلا بروني. وفي هذا الموضوع تقول لين سويت مراسلة «شيكاغو سان تايمز» في واشنطن إن «ميشيل أيضا لها صحافيون مدللون، لكنها لم تبعد أبدا صحافيا معتمدا في البيت الأبيض أو معتمدا لتغطية زيارة ما، فهي ليست مستبدة ولا مهووسة بالمصورين، ولا تخفي شيئا وتؤكد أنها تداوم على ممارسة الرياضة ساعتين كل يوم». بالإضافة إلى ذلك فالصحف الأميركية لا تستعمل على الإطلاق كليشيهات البيت الأبيض للصور الرسمية، هنا في الولاياتالمتحدة لكل جريدة صورها الخاصة. لم تبرمج ميشيل أي زيارة برفقة كارلا بروني، ولا حتى جلسة لشرب الشاي في البيت الأبيض، رغم أنها تقوم بذلك في العادة مع زوجات رؤساء الدول، ويبدو أن ميشيل كانت خائفة من أن يتكرر معها ما حصل للملكة اليزابيث قبل أشهر، حين أجبر الرئيس وكارلا ملكة بريطانيا على الانتظار، لأنهما كانا يمارسان الجنس بحسب ما أورده كتاب للصحافي الأميركي جوناثان التر.
صدام ثقافات بين كارلا الفاضحة وميشيل المحتشمة، يوجد في الواقع صدام للثقافات، فالأولى على سبيل المثال لا تتردد في تصدّر عدد خاص من مجلة «لوفيغارو مدام» أسبوعا واحدا فقط قبل الهزيمة النكراء التي تلقاها الحزب الذي يتزعمه زوجها، لاتحاد من أجل الحركة الشعبية في الانتخابات المناطقية، كما لا تتردد في إعطاء البعض وصفات للراحة في إحدى الجزر الخاصة القريبة من بورا بورا مقابل 20 ألف يورو للأسبوع، أما الثانية فهي أول افريقية أميركية تشغل هذا المنصب الاستراتيجي، وتجعل من مقر الرئاسة بيتا للشعب، مفتوحا للجميع. ويقول كريستوف جيرارد، «علينا أن نؤمن أن ما يفصل بين السيدتين الأشهر في العالم أكبر من المحيط، ففي الولاياتالمتحدة الأميركية يشتغل 26 شخصا مع ميشيل أوباما في الجزء الشرقي من البيت الأبيض، كما تستفيد من قانون وحدها وميزانية تصل الى مليون دولار، فيما يبقى دور السيدة الأولى غير محدد في الدستور الفرنسي». ويرى النائب الاشتراكي ايزن رينيه دوزييه المختص في حسابات رئاسة الجمهورية بأنه من غير الطبيعي أن تغيب الشفافية بخصوص الأموال التي تنفقها السيدة الأولى الفرنسية.