كتب الصحفي المتخصص بالتحقيقات إدوارد إيبستين في صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن عملية تبادل الاتهامات في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري قد تستمر لنصف قرن أو أكثر. القرار الظني للجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة على وشك أن يعلن بعد خمس سنوات من التحقيقات التي ركزت مؤخرا على أعضاء من حزب الله. يقول الكاتب إن التحقيقات اتجهت في السابق نحو المجاميع الجهادية، خاصة بعد أن بثت قناة الجزيرة تسجيلا مصورا ظهر فيه شخص اسمه أبو عدس ادعى أنه الانتحاري الذي فجر موكب الحريري وأنه ينتمي لمجموعة جهادية، ولكن المجموعة التي ذكرها أبو عدس كانت مجموعة مجهولة. أدلة جنائية لكن تحقيقات الأممالمتحدة التي قامت بها فرق تتألف من محققين في الأدلة الجنائية متخصصين في المتفجرات وال(دي إن أي) والاتصالات وينتمون لعشرة بلدان، وجدت أدلة مقنعة وكافية على أن الاغتيال كان مموها بشكل ذكي ليبعد الشبهات عن تورط الدولة.
" المحققون كشفوا عن دلائل تشير إلى أن من قام بالاغتيال كان يتمتع بقدرات وإمكانات عالية على مستوى استخبارات دولة ومن ضمنها التنصت على هواتف شخص مثل الحريري " يقول الكاتب إن الشاحنة من نوع ميتسوبيشي التي استخدمت في الاغتيال كانت قد سرقت في اليابان، وشحنت عبر دبي إلى سهل البقاع الذي تسيطر عليه سوريا، وهناك جرى تحويرها لتحمل المتفجرات ثم اقتيدت عبر طريق عسكري إلى موقع الاغتيال قبل أيام من تنفيذه. زهير صديق وهو من ناشطي الاستخبارات السورية قال إن أبو عدس أجبر في سوريا على تصوير الشريط ثم قتل، وإن المتفجرات التي زرعت في الشاحنة اختيرت بعناية لتوهم من يحقق بأنها آتية من المجموعات الجهادية في العراق. يذكر أن صدّيق اختفى في باريس عام 2008. استخبارات دولة وكان المحققون قد كشفوا عن دلائل تشير إلى أن من قام بالاغتيال كان يتمتع بقدرات وإمكانات عالية على مستوى استخبارات دولة ومن ضمنها التنصت على هواتف شخص مثل الحريري. قال المحققون إن ثمانية أرقام لهواتف أرضية ثابتة وعشرة أرقام هواتف نقالة استخدمت لتتبع تحركات الحريري وتحريك الشاحنة المعدة للاغتيال لتواكب تحركات الحريري بفارق ثوان قليلة حتى انفجرت بالقرب منه. وكان قاضي التحقيق السابق في اغتيال الحريري قد كتب في تقريره عام 2005 أنه يعتقد بوجود أدلة كافية تدفعه للاعتقاد بأن الاغتيال ما كان يمكن أن يتم بدون موافقة أرفع القادة الأمنيين السوريين واللبنانيين. وقد ألقي القبض على أربعة قادة أمنيين لبنانيين عام 2005 وأفرج عنهم عام 2008. ويمضي الكاتب في سرد وقائع التحقيق ليقول إن المحققين وجدوا أن هناك حلقة ثانية من الهواتف النقالة تتألف من عشرين رقما لهواتف نقالة فُعِّلت قبل الاغتيال وأقفلت بعده مباشرة وإنها قامت باتصالات إلى نفس أرقام الهواتف التي قامت الهواتف الأرضية الثمانية بالاتصال بها لتنسيق الهجوم الذي أسفر عن اغتيال الحريري. بعد ذلك نشرت مجلة دير شبيغل الألمانية تقريرها المثير للجدل والذي يذكر أن المحققين تعقبوا الاتصالات التي قامت بها الحلقة الثانية من الهواتف واستطاعوا تحديد اتصالات منها إلى العضو البارز في حزب الله عماد مغنية الذي تتهمه واشنطن بالضلوع في تفجير السفارة الأميركية في بيروت عام 1983. مغنية قتل بانفجار في سوريا عام 2008 والمحقق الذي كان بصدد إجراء تحقيق مفصل عن الحلقة الثانية من الهواتف قتل في بيروت عام 2009. يقول الكاتب إن مجرد التلميح لدور لحزب الله قد يكون كافيا لجر لبنان إلى حرب أهلية، ففي أبريل/نيسان هذا العام استدعى محققوا الأممالمتحدة 12 فردا من حزب الله ومناصريه للتحقيق. كان ذلك مؤشرا على أن القرار الظني على وشك الصدور. الرد العاصف " مع خلط اسم إسرائيل في الموضوع فإن تبادل الاتهامات سوف يستمر لنصف قرن، أو أكثر " جاء رد الفعل السياسي اللبناني عاصفا. حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني القوي قال في يوليو/تموز الماضي إن جماعته لن تقف مكتوفة الأيدي إذا جرى اتهام أعضاء فيها بالتورط في اغتيال الحريري. كما أدان نصر الله ما سماه "تسييس" المحكمة الدولية في اغتيال الحريري. كما لو أنه يمكن إسقاط البعد السياسي عن جريمة سياسية، يقول الكاتب مستغربا. نصر الله حاول "تشويه سمعة" الأممالمتحدة ومحققيها بالقول "إنهم من أجهزة استخبارات ترتبط بالموساد الإسرائيلي بشدة". نصر الله استمر في جهاده لإبعاد التهمة عن جماعته فطالب بالتحقيق مع ما يسمى ب"شهود الزور" وقال إن لديه أدلة على أن إسرائيل هي من قام بالاغتيال. أما سوريا فقد قالت إنها ضحية لعملية تلفيق للأدلة. من المحزن أن نتيجة خمس سنوات من تأخر تحقيق العدالة في مقتل الحريري لن تكون سوى رأس جبل الجليد طالما أن حزب الله قد أثار مقدما الكلمة السحرية: إسرائيل. مع تمتع حزب الله وسوريا بالقدرة على تدمير الحكومة اللبنانية الهشة إذا ما جاءت نتائج التحقيقات في غير صالحهما، ومع خلط اسم إسرائيل في الموضوع فإن تبادل الاتهامات سوف يستمر لنصف قرن، أو أكثر.