إن من أهداف ثورتي الشباب في تونس ومصر اللتين سطعت فيهما شمس الحرية هي جملة تغييرات وإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية كانت الأنظمة البائدة والمخلوعة قد أهملتها أو غذتها بالفساد حتى تتمكن من البقاء على سدة الحكم وفرض مبدأ التوريث ، وقد استلهم هذه التجربة الثورية كل من الشعب اليمني والليبي والسوري على اختلاف سبلها ما بين سلمية وعنفوية ولكنها في النهاية عبرت من مطالب شعوب هذه البلدان في عيش حياة كريمة في ظل الحرية والعدالة والتنمية والبناء ، وقد واجهت هذه الثورات جميع أنواع القمع والتنكيل إلى حد سفك الدماء وإزهاق الأرواح في سبيل إخمادها والتغلب عليها . ومن جهة إعلامية ، حاول رؤساء الأنظمة وخاصة في اليمن وليبيا يتهمون دولاً أجنبية وعربية بالتخطيط والمؤامرة لهذه الثورات لغرض زرع القلاقل وتقسيم وحدة بلدانهم ، وأن بلدانهم ستخوض بعد سقوط أنظمتهم حروبا أهلية وما شابه – على حد تعبيرهم . غير أننا نرى في مصر وتونس ، أن الشعب يحقق ما ثار من أجله فقد تم تغيير الحكومة بحكومة وحدة وطنية ومحاكمة عناصر الفساد وبدأت تحقق أهداف الثورة حتى لو يأخذ ذلك وقتاً طويلا خاصة في مصر ولكنه في النهاية سيتحقق . عند تحقق الإصلاحات في النواحي المذكورة آنفاً ، ومن خلال رؤية الشباب العربي الطامح إلى تحقيق منجزات أكبر تتعدى الحدود الجغرافية لبلدانهم ، ويضمن إضافة قوة اقتصادية وسياسية لها ، سيتأتى ذلك بتحقيق الوحدة على مستوى إقليمي وبالتحديد لدول شمال أفريقيا ( مصر وتونس وليبيا والجزائر والمغرب ) ، على غرار الاتحاد الأوروبي - ولو على مستوى محدود - بعد حرص رؤساء الأنظمة البائدة على إبقاء هذه الدول والوطن العربي بشكل عام مجزأ في خلاف دائم كخدمة لمخطط أجنبي يدفع أموالا طائلة تقدر كمساعدات لمعظم هذه الدول التي تخدمها في حماية مصالحها السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط ولا سيما كقنوات عبور إلى إحتلال دول غنية بالنفط ، ولا ننسى هدف جوهري آخر وهو حماية العدو الأكبر للعرب وهو الكيان الصهيوني الذي يعتبر خنجراً مزروعاً في خاصرة الوطن العربي والإسلامي إذا صح التعبير ، والمحتل لجزء غال منه وهي دولة فلسطين العربية . وها نحن نرى واحدة من ثمار الثورة الشعبية في مصر ، والتي كان من المستحيل تحقيقها في عهد حكم مبارك الذي سعى دائماً لحماية إسرائيل بكافة السبل السياسية كزرع الفتنة بين الفصائل الفلسطينية ، وإغلاق المنافذ إلى مصر أمام الفلسطينيين ، والسكوت الشامل أمام قتل الكيان الصهيوني للفلسطينيين ، ها نحن نرى هذه الثمرة والتي حققتها الثورة المصرية برعاية الحكومة المصرية الجديدة ممثلة برئيسها (( دكتور عصام شرف )) الذي أشرف على المصالحة بين الفصائل المتنازعة وهي حركة فتح وحركة حماس وسط تشجيع ومظاهرات الشعب الفلسطيني المطالبة بهذه الخطوة لتوحيد الشعب الفلسطيني تحت شعار (( الشعب يريد إنهاء الإنقسام )) ، حيث تم التوقيع على هذه الإتفاقية في القاهرة يوم الثلاثاء الماضي الموافق الثالث من مايو 2011 مصالحة تنهي النزاع والجفاء بين هذه الفصائل لأكثر من أربع سنوات ، ويمضي رئيس الحكومة المصرية الجديدة قدما في دعوة للإصلاح في البلدان العربية – على حد تعبيره عند لقائه مع ولي عهد دولة قطر ورئيس حكومتها – حيث أبدى نيته لدعم القضايا العربية وحل الخلاف العربي – العربي ، وهذا ما يعزز القول ببداية عصر جديد للوطن العربي وهي من ثمار الثورات الشعبية في المنطقة العربية . وهنا يتجلى موقف الكيان الصهيوني الرافض لهذه الإتفاقية والتي خيبت أمله وأهدافه ، من خلال تصريح رئيس الحكومة الصهيونية (( بنيامين نتنياهو )) الذي أعلن – غاضبا ومحبطا ومتوعدا باللاقتصاص من الحكومة الفلسطينية التي تبذل جهودها الدولية للحصول على اعتراف دولي بدولة فلسطين وكذلك للمصالحة مع حركة حماس قائلاُ (( بهذه المصالحة تم الإعلان عن هزيمة عملية السلام وانتصار الإرهاب في المنطقة )) ، وهذا ما يدل على تخوف المتربصين بالشعوب العربية ومن خطر فكرة توحدها ولهذا فهي سوف تبذل ما تستطيع لإبقاء هذه الشعوب مشتتة مجزأة ، وهي التي تدعم رؤساء الأنظمة العربية المتسلطة لتنفيذ ذلك . والآن أدع الحكم للأخ القارئ ، هل ما حدث في تونس ومصر ويحدث في اليمن وليبيا وسوريا هو إرادة شعوب لنيل الحرية أم نتاج مؤامرة تحاك من قبل دول عربية وبالتحديد دولة قطر كما يدعي رئيس النظام المتهالك علي عبدالله صالح في حملته الإعلامية والعدائية لدولة قطر الشقيقة ؟؟؟ وأما ما يشهده الشعب اليمني في كافة ساحات التغيير والحرية بالمحافظات اليمنية هي ممارسة فعلية للوحدة اليمنية والحرية المطلوبة ، وجميعهم يشهدون أنهم لم يتذوقوا طعم الوحدة والتكاتف بين الشعب اليمني كافة بجميع أطيافه إلا في هذه الساحات وفي هذا الوقت بالتحديد ، ونراهم كالجسد الواحد الذي يتألم إذا اشتكى منه أي عضو ، وهذا في الحقيقة الذي سيجبر نظام علي صالح على الرحيل وبلا هوادة . ومن خلال ما نشاهده ونعيشه في هذه الساحات التي تم وصفها بأنها تضم جماعات الحوثيين ، وجماعات الحراك الجنوبي ، وأيضاً القاعدة المزعوم وجودها باليمن ، فنحن لا نرى إلا شبابا لديهم فكر ثوري راقي ، ونرى جميع هذه الأطياف قد ذابت في بوتقة الوحدة الوطنية ، والتي تحلم بالوحدة العربية على المدى القريب . ومن خلال تحقق الوحدة الوطنية – وهو قريب إن شاء الله - لسوف يقود ذلك إلى الوحدة الإقليمية وأقصد هنا بمشروع إنضمام اليمن إلى ولوجزئياً إلى دول مجلس التعاون الخليجي الذي فشل نظام علي صالح في تحقيقه على مدى عقد من الزمن لأسباب أغلبها إقتصادية ونعلمها جميعا ، وحرصه فقط على ترسيم الحدود مع الدول المجاورة والتي فيها تم تغليب مصالح الأخيرة على مصلحة اليمن وكلنا نعلم ذلك ولأهداف تخص تدعيم نظام علي صالح وعلى المدى البعيد ، و هذا ما يفسر الدعم الواضح والجلي لهذه الدول - عدا قطر – لنظام علي صالح . على كل حال ، فإن الوحدة الوطنية لأي بلد عربي هي تمهيد وخطوة أساسية لتحقيق وحدة إقليمية والتي من شأنها ستقود – إن شاء الله – إلى وحدة عربية قد تكون حلما في الوقت الراهن لوجود المعوقات ولكنها آتية طالما وأن اللغة واحدة وديننا الإسلامي الحنيف يدعونا إلى الوحدة ، والأهم من ذلك هو رغبة الشعوب العربية ترغب بالوحدة ولولا الأنظمة التي قمعتها لكنا أمة عربية كما قال الله – عز وجل – فينا (( كنتم خير أمة أخرجت للناس )) . أخيرا نسأل الله – عز وجل – أن ينصر الثورة في اليمن وليبيا وسوريا ، وأن ينعم على هذه البلدان وسائر البلدان العربية والإسلامية بالأمن والخير والاستقرار - آمين . [email protected]