كان هذا الرد بمثابة صاعقة على رؤوس الطلاب وفي وسط المعمعة وفي قلب المأساة ليزيد المأساة ويحولها إلى مآسي .. وليزيد المعاناة فوق المعاناة .. وليزيد هموم الطلاب الأحياء هموما فوق همومهم . والقصة باختصار طالب يمني تشتعل شقته وتلتهمها النار وتأكل جدارها وحتى حديدها من شدتها، فيموت الطالب (رب الأسرة) مع أحد أبنائه، ولم يعد للبيت رب يحميه، وكان حال السفارة حال من قال [أنا رب ابلي وللبيت رب يحميه] على الرغم من أن رب البيت قد قضى نحبه. ويتدخل الجيران وينقذوا زوجته وأبنائه الأربعة. وبينما الزوجة من شدة الهول تعاني من انهيار نفسي والأبناء الأربعة بجانبها لا يسعهم إلا البكاء على أمهم المنهارة عصبيا، وأبيهم وأخيهم الذين هما في كنف الله ونحسب الوالد شهيد ومعه الوسيط إلى الله ابنه الذي لم يتجاوز الست سنوات رحمة الله تغشاك يا أخ عبد الله ونحسبك شهيدا عند الله إذ " من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع" وأمام كل هذه الأحداث والمآسي يكون رد السفارة - الملجأ الوحيد لطالب اليمني بعد الله عز وجل- عندما طلب منها الاتصال باليمنية لصرف تذاكر للشهيد وابنه ومن بقي منهم أحياء ونجو من الحريق فما تتوقعون رد السفارة هل ستنقلهم بطائرة خاصة أم ماذا ؟ كان الرد أشد مسا من مس الحريق على الأجساد إذ افقد الجميع من الطلاب الذين سمعوا وعيهم الرد هو عنوان المقال بيد أن هناك رواية تقول انه ابتدأ الرد بكلمة [عفوا] وهذا شيء طيب إذ اعتدنا ردود لا تحمل حتى [عفوا] لكن ما دام هناك حريق وأموات فلا ضير إذا صدرنا العبارة بكلمة [عفوا] إذ هي تطفئ لهب الحريق وهكذا ظنوا. قولوا لي بربكم في مثل هذا موقف أين يذهب الطالب المغلوب على أمره ولمن يلتجئ بعد الله، وخاصة أن الحادثة حصلت على أخر الربع بمعنى أن الطالب لا يجد ما يأكله إلا إذا كان يعرف بقالا وخضري يسعفه بالدين حتى يستلم الربع. أين يذهب الطالب وإلى أين يلتجئ في مثل هذه مواقف شديدة وصعبة للغاية؛ إذ رب الأسرة متوفى والزوجة منهارة نفسيا والأولاد يتباكون وحتى بعض الطلاب وحتى أمي بكت كثيرا وأبكتني معها بكى الجميع وأنا أكتب هذه العبارات لم استطع إيقاف دموعي من على خدي. بكى الجميع ولم يرق قلب السفارة حيث إن المسئولين علينا ردوا قالين: [ليس عندنا بنود .. والسفير غير موجود]. وفي رواية ثانية [عفوا .. السفير ليس موجود .. وليس عندنا بنود]. بالله عليكم هل في مثل هذه حالة وفي مثل هذا سياق يقال مثل هذا الرد ومثل هذا كلام. إذا على من تبرع بالذهاب إلى السفارة اليمنية الذهاب إلى سفارات الأشقاء فإن لم يجد -إذ العرب المسئولون متساوون تماما في النجدة- يذهب إلى الأصدقاء. ولِمَ لا والدولة والحكومة نفسها استعصت عليها مشاكلها فذهبت تبحث لها عن أصدقاء في نيويورك، وإذا كانت الدولة بقوتها تبحث عن ذلك فالطلاب أولى بالبحث وقد تخلت عنهم سفارتهم فلم لا يبحثون لهم عن أصدقاء نسميهم [أصدقاء الطلاب في الخارج] إذ هم يعانون مثلما تعاني اليمن لأنهم يمنيون، وهذا الموقف غير المتوقع بل حتى غير المتخيل خير دليل على ذلك، إذ يبين الحد الذي تذهب إليه الجهة المسئولة من عدم اللا مبالاة حتى في حالات الضرورات القصوى، فكيف في الحالات الأقل ثم العادية. وها أنا ذا المتحدث إليكم الآن حصل لشقتي حريق وفي نفس التوقيت الزمني الرابعة ليلا أي في أثناء النوم، لولا ستر الله ثم استيقاظ ابنتي - حماها الله - في الوقت المناسب؛ إذ قمنا وقد التهم الحريق الصالة كلها بما فيها من أثاث، وقد كان في طريقه إلينا ولولا أن الشبابيك كانت مفتوحة لمتنا اختناقا فالله وحده نشكر فهو من أيقض ابنتي قبل أن يصل الحريق إلى غرف النوم فأيقظتنا من نومنا بصوتها الشديد عندما رأت ما رأت وقمنا فزعين من هول الصيحة ومن هول ما رأيناه من الحريق لكن الله سلم. جاءت سيارتين إطفاء من جهتين مختلفتين ومن دون اتصال صدمت من الدهشة ما رأيت مرة ثانية كيف جاء الإطفاء وعلم بالحريق قبل أن أعلم أنا وأنا نائم بجوار الحريق وجاء إطفاء الزيتون ، وركسي معا أي من جهتين مختلفين والتقيا الإثنان بجانب الحريق بجانب شقتي فقدمت لهما الشكر الجزيل وبادلاني القول .. الحمد لله على السلامة وانصرفا دون أي تحدث عن [أتعاب] ويحصل ذلك في بلدي. ثم بعد ذلك جاءت الشرطة المصرية والأمن لثلاث مرات، وجاء الطلاب من كل حدب وصوب كعادة اليمنيين الأصيلة [أرق قلوبا وألين أفئدة] والرسميون هم كذلك لكن تقيدهم البنود والحدود حتى لو كانت الكارثة تتجاوز كل الحدود يا رب متى نكسر تلك القيود. نعم توافد الإخوة اليمنيون من كل مكان – [ليس الرسميين] إنما الإخوة الطلاب المحبين إذ اليمنيون الرسميون لم يحركوا ساكنا ولا حتى [الحمد لله على السلامة] إذ هناك من أوصل لهم الخبر. والحمد لله أنني لم اضطر لهم حتى اسمع نفس القول ليس عندنا بنود وفي هذا الحالة التي لم يحصل فيها أموات تبقى البنود وتحيى البنود ولا كلمة تعلو فوق البنود حتى وإن كان السفير موجود إذ الحالة هنا دون الضرورية وفوق العادية. للأسف هذه دولتنا / حكومتنا / سفارتنا / يعملون للبنود ألف حساب، ولا يخافون عندما يقوم الناس ليوم الحساب إخوتنا الطلاب أصبح لا يسعنا إلا البحث عن أصدقاء بل أصبح الآن من الضرورة بمكان إذ لا جدوى من مسئولينا وإن الله وإن إليه راجعون.