تحتاج محافظة الجوف إلى كلية جامعية فعلاً. ولكن حتى لو تحقق لها ذلك، هل سيتمكن الطلاب من الوصول إليها! طلاب الجوف الجامعيون لا يحظون، كنظرائهم في بقية المحافظات، بالرعاية والإهتمام. إنهم تعساء للغاية ومساكين لأن الثأر يتلصص على أرواحهم أينما ذهبوا ليقطفها. لماذا يعِّرض الآباء أبناءهم لكل هذا العذاب؟ الناس بإمكانهم أن يرفعوا عن أولادهم هذه الكلفة. إذا كانوا يريدون لمجتمعاتهم الخير ولأبنائهم الحياة، فإنه يتوجب عليهم أن لا يصوّبوا بنادقهم باتجاه المدارس والجامعات. يتعاطف كل الناس مع شباب الجوف وهم يأتون إلى الجامعات ويتلفتون وراءهم من الخوف. هؤلاء الطلاب الأبرياء لماذا عليهم أن يدفعوا الثمن! وأنت تسأل عن أحوالهم، تسمتع إلى أحد هؤلاء الشباب، ينبغي عليك أن تنزوي به في مكان آمن وتختصر الكلام معه. ولأن هذا الشاب يعيش في حالة هواجس أمنية دائمة؛ فأنت لا تستطيع أن تلتقط له صورة. سوف يعتذر لك بأدب كإجراء أمني. بمنتهى المرارة والحزن والإحباط يلوح طلاب الجوف الذين واصلو تعليمهم الجامعي بمضض شديد عن معاناتهم وقصص جموح الدارسين عن الجامعات. يعيش الطلاب حياة التخفي والإحباط أثناء الدراسة واذا ما غادروها فإنهم يتحولون إلى مقاتلين أشداء في صفوف قبائلهم. جمعية السلام والتنمية وفي سبيل حملة التوعوية، رصدت الكثير من صور المعاناة وتضرر الطلاب جراء النزاعات. تقي عسكر خالد، طالب في كلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء، يحكي وبمرارة معاناته بسبب مشاكل النزاعات القبلية التي أضطر بعدها إلى مغادرة الجامعة. ويقول ل«النداء» إنه والكثير من زملائه يحتفظون بحكايات لهم حدثت أثناء دراستهم. ويمتلك الطالب قدرة كبيرة على سرد الكثير من معاناته، وهو الذي سبق وأن أعد بحثاً عن الثارات وتأثيرها في الجوف. وبشيء من الألم والحسرة تظهر على تقاسيم وجه هذا الطالب، يفيد أنه ترك الجامعة منذ وقت مبكر. ويشبه الطالب الجامعي الذي لديه ثأر في الجوف بأنه أشبه بالأكسجين «الذي قد يكون حال السجين أفضل بسبب أنه آمن وداخل السجن. أما ظروف الطالب فإنه إن أراد مغادرة المنزل والجامعة فلا يستطيع لأن هناك من يتربص به. الطالب في الجوف لا يقدر على الذهاب إلى الفرزة، بل يضطر إلى إرسال من يأتي له بسيارة في أوقات قد تكون مع الفجر وفي منتصف الليل حتى لا يصادف غرماءه. وحتى إلى المطعم لا يذهب، بل يؤخد ما يريد من طعام ويتناوله داخل سكنه الذي عادة ما يكون في مكان بعيد عن عيون الآخرين. «ومثل هذه الظروف أثرت سلباً علينا وعلى حياة أسرنا الاقتصادية»، يقول تقي. ويضظر الكثير من الأهالي إلى دفع نفقات كثيرة على مواصلة تعليم أبنائهم بالأضافة إلى هاجس الخوف والقلق التي تعيشه الأسرة على الطالب منذ بداية وصوله الجامعة حتى تخرجه. ولا تكتمل الفرحة الا بعد عودته سالماً غانماً. وهناك الكثير من الأخبار التي تصل إلى الطالب وهو في الجامعة والاسوأ أن تأتي أخبار مقتل قريب لهم أو حدوث مشكلة. أثناء الامتحانات تكثر المشاكل وتسبب للطلاب حالة نفسية مضطربة. يقول تقي: «نظطر إلى المغادرة ونحرم من الشهادة بعدها نصاب بالأحباط والتشتت الذهني». ويواصل تقي حديثه وهو يتذكر زملاء غادروا مقاعد الدراسة الجامعية بسبب أنتهاء الصلح أو حدوث امر طارئ في البلاد. وتعرض زملاء لهم لحوادث الثأر الجوف خلقت واقعاً معقداً ووسعت رقعة الجهل والأمية وأوجدت لدى الطالب رغبة في الانتقام. ويتذكر الطالب تقي عسكر قصة حدثت مع اثنين من زملائه فقال: «كنا نسكن مع بعض فقام واحد منهم بضغط على مسدس فأصاب زميله في العمود الفقري توفى بعدها، أما الطالب الذي قتل زميله بطريقة خطأً فجلس حتى تخرج من الجامعة وبعدها بأشهر قتل ثأراً لمقتل زميله». لايذهب طلاب الجوف إلى الأماكن العامة وكما يفعل الناس إنما يبقى حبيس البيت. يدعو الطالب تقي عسكر كل الوجهاء والمعنيين بمد يد العون والمساعدة والوقوف مع هذه الحملة التي تتبناها جمعية السلام والتنمية وشركائهم وضرورة اتفاق كل الخيرين في المحافظة على سند وصياغة قانون قبلي يلزم كل القبائل بتحريم دم الطالب الجامعي، وتكاتف الجهود بما يحقق التنمية ويقضي على مظاهر الجهل والأمية. واختتم الطالب حديثه ل«النداء، ومأرب برس» بمناشدة رئيس الجمهورية والحكومة والمنظمات المدنية وكل محبي الخير بالنظر في معاناة الجوف ومشاكل الثأر والنظر بعين العطف وإنتشال الناس من هذا المستنقع والاهتمام بالطلاب ب«توفير كليات ومعاهد مهنية وفنية حتى يتم القضاء على هذه الظاهرة. وعندما يسود العلم بلا شك يختفي الجهل والثأر وهو الأمل الذي أرجوه من كل الناس فعله والاسراع في تنفيذه». اما الطالب يحيى مسفر شمسان مديرية الخلق. خريج المعهد العالي لإعداد المعلمين بمأرب فيروي ما أحدثه قراره في مواصلة تعليمه داخل أسرته فقال: «عندما اكملت الثانوية كان لابد من الالتحاق بالتعليم العالي أسوة بزملائي وبما أن محافظتنا لا يوجد بها كلية ولا معهد كان لابد من السير للدراسة في محافظة مأرب التي يوجد بها معهد عال هناك كانت بالنسبة لي مشكلة كبيرة أولها وجود انقسام بين الأهل منهم المؤيد الذهاب للدراسة ومنهم من حاول منعي خوفاً عليَّ بسبب الثأر الحاصل وبعد محاولة مريرة إقناعهم وسافرت وسط دعوات بالحفظ والسلامة». ويواصل: «حاولت مع أربعة من الزملاء السكن في مكان بعيد عن أنظار الناس والحقيقة أنني عشت مرارة كثيرة كما هو حال زملائي وأثرت علينا المشاكل بشكل كبير في الفهم والمستوى العلمي مع مرور الوقت نحاول أن نتنقل في المساكن ولا نجلس فترة طويلة في مكان معين. وفيما كنا أثناء الدراسة، وصلتنا أخبار بحدوث مشاكل وقتل وهو الأمر الذي زاد من معاناتنا وخوفنا فاضطرينا إلى الرجوع إلى البلاد. فانقطعنا مدة كبيرة ثم رجعنا ولكن و قد فاتنا الكثير من الدروس والمحاضرات». وقال: «أنا ممتن كثيراً للزملاء الذين كانو معنا أثناء الدراسة وليس معهم مشاكل فكانوا يوفرو لنا الكثير من الاحتياجات ولا نخرج إلا للضرورة». ويتذكر الطالب قصة اتصال تلقَّاه أحد زملائه في السنة الثانية من دراستهم في المعهد والذي أبلغوه بمقتل أحد إخوته بسبب الثأر فغادر المكان ولم يعد للدراسة منذ ذلك الوقت «وأحياناً نكون في مقابلة مع غرماء بالصدفة عند بوابة المعهد وأثناء الامتحانات نضطر لترك مواد كثيرة والتضحية بالامتحان خوفاً على أنفسنا». أما الطالب محمد علي طاهر الذي ترك الجامعة مع أربعة من زملائه في الترم الأول بسبب حوادث ثأر مع غرمائهم، فإنه يشعر محمد علي بالأسى على ضياع تلك السنوات من العمر. وحمل الدولة والعلماء والمشايخ ما يحصل. ويتذكر حالات قتل فيها متعلمون وخريجو الجامعات لا ذنب لهم سوء أنهم متعلمين قتلوا نكاية بقبائلهم حتى يصبح الكل كما يقول «أعمى يقود أعمى». مديرية الخلق فيها أكثر من عشرين طالباً منسيون في جامعة العلوم (مكتب الجوف) لا يستطيعون الوصول للاختبار وتضطر الجامعة إلى إرسال لجنة إمتحانية إلى هناك.