لم تعرف اليمن طوال تاريخها القديم والحديث، فرزا لمساجدها مذهبيا، الا من بعد انقلاب مليشيا الحوثي على الشرعية الدستورية وسيطرتها بقوة السلاح على البلاد العام الماضي، حيث يعمد الحوثيون الى ضرب التسامح المذهبي المعروف في اليمن لخدمة أجندتهم السياسية ورغبات داعميهم في ايران. يتحدث ل"الشرق"، الحاج علي الشلفي (85عاما)،بحسرة وحزن مؤلم يطغى على قسمات وجهه عندما طرحنا عليه هذا السؤال، وطلبنا رأيه حول تركيز مليشيا الحوثي على ضرب التسامح المذهبي القائم في اليمن وتسخير المساجد بالقوة لخدمة هدفها السياسي الطائفي.. حيث قال: "في حياتي كلها وأنا قد وصلت الى هذا العمر وآبائي واجدادي ومن قبلهم، لم يحصل في اليمن كلها تمييز بين المساجد على أساس مذهبي، فالشوافع والزيود (المذهبان السائدان في اليمن)،يصلي معتنقوهما معا، ولا توجد فوارق في المذهبين، لكن منذ دخول الحوثي وجماعته صنعاء وسيطرتهم عليها، يحاولون بجانب مشروعهم السياسي نشر مذهب دخيل على مجتمعنا وهو الشيعي". وأشار إلى أن الحوثيين انسلخوا عن مذهبهم الزيدي في سبيل مشروعهم السياسي واتجهوا الى التشيع، ويريدون فرض ذلك بالقوة على الشعب اليمني المتسامح مذهبيا منذ القدم.. موضحا الافعال التي يرتكبونها في نهجهم لتدمير التسامح المذهبي في اليمن، ومنها فرض خطباء من أتباعهم بالقوة على المساجد، وإلزام الآخرين بقراءة خطبة يكتبونها هم لنشر فكرهم السياسي والمذهبي، وايضا جرائم تفجير المساجد التي لم تحدث إلا في عهدهم، وإجبارهم الجوامع على عدم إقامة صلاة التراويح في رمضان، التي يعتبرونها بدعة كما في المذهب الشيعي الاثنى عشري. وأضاف الحاج الشلفي: "أحيانا أتمنى أني لم اعش كل هذا العمر لأسمع وأرى ما يحدث من فتنة مذهبية الآن بين اليمنيين؛ بسبب هذه الجماعة، ودائما ما انصح أبنائي وأحفادي ومن التقيهم من الاقارب والجيران والمعارف بالبقاء على تسامحنا المعروف، وعدم الخضوع لترهيب وتهديد الحوثيين وخطتهم لنشر الفتنة المذهبية لتحقيق أهدافهم السياسية البعيدة عن الدين والأخلاق". ورصد تقرير حقوقي، أن مليشيا الحوثي خلال 100 يوم فقط، وتحديدا في الفترة ما بين 9 نوفمبر 2015- 15 فبراير 2016م، قامت بأكثر من 199 انتهاكا بحق دور العبادة، إذ دمرت 4 مساجد تدميرا كليا، فيما قصفت بمختلف الأسلحة 33 مسجدا وداهمت واقتحمت 35 مسجدا، كما قامت بفرض 118 خطيبا بقوة السلاح. اعمال شرعية ويرى الباحث اليمني إبراهيم عبد الرحمن العلفي، أن من يستغرب قيام الميليشيات الحوثية بتفجير المساجد والمدارس والمنازل، يجهل كيفية تشكيل العقلية الفكرية الحوثية، والأبعاد الأيدلوجية التي تستند إليها هذه الميليشيات المذهبية في تلك الممارسات. وقال: "لا غرابة مطلقاً في هذه الممارسات، بل هي أعمال شرعية مؤصلة ايدلوجيا وفق ثقافة مذهبية شب عليها الصغير وشاب عليها الكبير في التعامل مع المخالف المذهبي للحركة الحوثية ببعده الهادوي المعتزلي والإمامي الجارودي، مرتكزها الأساسي التكفير للمخالف التاريخ خير دليل، فمادة (أخرب وخرب وأخراب) هي الأكثر شيوعاً في كتب تاريخ حكم الأئمة الهادوية الجارودية لليمن وسيرهم، حتى أنه يصعب على الباحث إحصاء عدد القرى والمدن والمساجد والمنازل التي خربها الأئمة في أنحاء اليمن". وتتخوف الأوساط اليمنية من تأسيس الحوثيين لفتنة طائفية مقيتة، لن تتعافى منها البلاد لعشرات السنين.. لكنهم يراهنون على الوعي لدى الشعب اليمني المتعايش منذ قرون لتفويت هذه الفرصة عليهم، ويستدلون بما يحدث من انسحاب للمصلين في عدد من المساجد حينما يحاول الحوثيون فرض خطيب من اتباعهم بالقوة، وعزوف كثيرين عن ارتياد المساجد التي يردد فيها الحوثيون صرختهم (شعار الثورة الإسلامية الإيرانية)، بالموت لأمريكا وإسرائيل.