باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التدخلات الفارسية في اليمن والوافدون الشيعة لحكمها
نشر في الخبر يوم 07 - 06 - 2014

حتى الأمس كنت أنتقد كثيراً من الكتاب خصوم الأئمة والحوثيين الذين يصفونهم بأنهم بقايا الفرس في اليمن، وأن قبلتهم الأولى هي فارس (إيران)، وأنهم أتباع ينفذون لها أجندتها، حتى قمت ببحث متعمق حول هذا الموضوع، فوجدت أن لهم صلات راسخة بفارس عبر التاريخ ما بعد صدر الإسلام، وكذلك بعد الترجمة العملية التي قامت بها الحركة الحوثية من استيراد الثقافة الفارسية بكل جزئياتها المذهبية والتقليدية، وكان آخرها تقليدها في نصب الأضرحة ذات الطابع الفارسي/العراقي في اليمن على قبر زعيمهم حسين بدر الدين الحوثي، لكنني اليوم أسلم يقيناً بتلك التبعية قولاً وفعلاً، ولكن حقيقة لا دخل لها في اتصال نسبهم إلا البعض من الأئمة الذين سنذكرهم لاحقاً.
لم تكن اليمن يوماً تابعة لدولة من الدول القديمة عبر التاريخ وحتى في عصر التنافس الامبراطوري بين الروم والفرس وما قبل ذلك، حتى أن المؤرخين في كتاباتهم التاريخية يخرجون اليمن من تبعيات تلكما الإمبراطوريتين. ومن ذلك ما ذكره المؤرخون اليونانيون كأول مدونين وكتاب للتاريخ في عهد البشرية «على الأقل ما هو معروف عنهم حتى الآن».
حيث يقول المؤرخ اليوناني هيردوتس: «لم يستطع ملك الفرس قمبيز في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد العبور إلى مصر لضمها لنفوذه إلا بعد أن استرضى ملك العرب بالعبور والمرور من بلاده ولو لم يرض ملك العرب لما استطاع قمبيز العبور إلى مصر واحتلالها، وكانت العرب يومها التي يقصدها هي اليمن وملوكها. وما إن استولى الفرس على مصر أرسل ملك الفرس (قمبيز) رسله إلى العرب للحصول منهم على التعاون والتأمين في المرور، فأجابه ملك العرب (اليمن) إلى ذلك بعد أن تحالفا وتعاهدا».
وحول هذه المعاهدات والتحالفات يذكر المؤرخ هيردوتس أنه «لم توجد أمة تحترم عهودها ومواثيقها مثلما يحترمها العرب»، وهذه القيم هي التي دعا إليها الإسلام وعززها في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وأتباعه من بعده.
كما يذكر المؤرخ هيردوتس أنه «عندما نودي باسم (دارا بن هيستاسبس) ملكاً لبلاد الفرس فإن كل شعوب آسيا خضعت له إلا العرب الذين لم يقبلوا بان يكونوا خاضعين للفرس وإنما ارتبطوا معهم بعلاقات صداقة»، ويقصد بالعرب هنا اليمن كونها كانت دولة قوية مهابة عبر التاريخ القديم لها استقلالها ونفوذها.
سيف بن ذي يزن والفرس
كان الملك سيف بن ذي يزن الحميري أول من استقدم الفرس إلى اليمن لنصرته على الأحباش الذين يوالون الإمبراطورية الرومية، فأرسل معه كسرى الفرس – كما تقول الروايات والمؤرخون – قطاع الطرق والعصابات وخريجي السجون من المغضوب عليهم من قبل نظام كسرى الفارسي ويحقق بهم هدفين؛ الأول: التخلص منهم ومن مشاكلهم الداخلية التي يثيرونها بين لحظة وأخرى، والثاني: شق طريق إلى اليمن والوصول إليها قبل النفوذ الروماني أو تحييدها، وكسب ود وصداقة اليمنيين القريبين من الحبشة وقطع الطريق على الإمبراطورية الرومانية من الاستيلاء على اليمن، وهي فعلاً مستولية عليها باليد الحبشية، وإخراجها من أيديهم إلى الإمبراطورية الفارسية، وفي كلا الحالتين تكون الإمبراطورية الفارسية هي الرابحة.
وعمل الفرس بعد مقتل الملك سيف بن ذي يزن على يد بقايا الأحباش على إذكاء الصراع بين أبناء الملك سيف حتى قاتل بعضهم بعضاً ومكن لهم ذلك من الاستيلاء على حكم اليمن وإخراجها من حكم اليمنيين إلى الحكم الفارسي، حتى جاء الإسلام وإسلام باذان الفارسي فبقي على حكم اليمن بعد إسلامه وكذلك أبناؤه من بعده حتى سمي حكمهم لليمن ب"عهد الأبناء" حتى قضى عليهم الأسود العنسي، وبمقتل العنسي استتب حكم اليمن لدولة الإسلام بأيدي أبناء اليمن.
فمنذ حوالي سبعة آلاف عام على بداية التاريخ الفاعل لليمن، لم يتوقف الفعل التاريخي الفاعل والباني لليمن إلا في عهود دويلات الأئمة في شمال الشمال اليمني الذين أثبت المؤرخون أنهم كانوا عوامل هدم لا استقرار، ابتداءً من مؤسس حركتهم ودولتهم الإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسي، الذي أسس دعوته على الخروج المستمر على الحكام المتتاليين لليمن ومحاربتهم بالسيف، بوجه حق أو بغيره، للاستفراد بالحكم، وادعاء الأحقية بذلك كونه من أحد البطنين، مستخدمين الشعارات الخادعة والمغررة بالناس؛ كادعاء التأييد الإلهي لهم دون غيرهم من البشر، وحتى آخر أئمتهم في العصر الحديث، وهو البدر بن أحمد يحيى حميد الدين.
بدأت بذرة الزيدية والفكر العلوي في اليمن على أيدي إبراهيم بن موسى الجزار العلوي، الذي أرسله أخوه محمد بن إبراهيم (طباطبا) لنشر دعوته في اليمن، حيث كان (طباطبا) من الخارجين على دولة المأمون العباسي وتغلب على الكوفة وبعض مدن العراق فأرسل أخاه القاسم بن إبراهيم لنشر دعوته في مصر وأخاه الجزار إلى اليمن، فبدأ الجزار نشر دعوة أخيه في صعدة التي كانت من أعمال همدان وأخذ يقتل كل مخالفيه والرافضين دعوته وأسرف بالقتل حتى سمي بالجزار وذلك لشدة ما قام به من القتل والهدم والتخريب، فقد هدم سد الخانق المشهور برحبان من صعدة وقام بهدم صعدة كلية ولم يترك سداً ولا أثراً إلا نسفه وهدمه واستمر كذلك حتى وفاة أخيه محمد بن إبراهيم وتضعضعت الدولة العلوية الوليدة وتضعضع معهم حلم الإمامة حتى أحياها بعد ذلك الإمام يحيى بن الحسين الرسي.
وكان فعل هذا الجزار أسوة وتشريعاً اتخذه من بعده الإمام يحيى بن الحسين الرسي ذو الصلة مع الجزار كونه أخا جده القاسم، وكذلك الإمام الناصر بن الحسين والإمام المنصور عبدالله بن حمزة وغيرهم، ونجدهم يستشهدون بفعله المدمر في فتاواهم وتشريعاتهم، وهو ما يقلده فيهم اليوم الحوثيون في صعدة وعمران وحجة وصنعاء همدان وغيرها.
كان يحيى بن الحسين يطمح للملك والإمامة كثيراً فلما سمع بإقامة دولة زيدية في طبرستان من إيران هاجر من الرس في المدينة المنورة بكامل أسرته ليلحق بالدولة الزيدية الوليدة، ولما وصل طبرستان توجس منه صاحب الدولة الزيدية هناك المنافسة على الحكم ولم يقبل بمقامه عنده ولم يرحب به حتى استثقل نفسه يحيى بن الحسين وعاد إلى جبل الرس مجدداً، وبعدها توجه إلى اليمن عام 282ه. وبدأ بنشر دعوته في صعدة ولكنه حرش بين القبائل ولم يجد قبولاً منها ووجد معارضة شديدة من قبلها، ثم ترك صعد مرة أخرى عام 283ه ثم هاجر إلى مدينة قم الإيرانية ومكث هناك أكثر من سنة كاملة يدرس ويتعلم ويتربى عقائدياً وفكرياً، ثم عاد إلى جبل الرس مجدداً ومنها إلى صعدة واستقر هناك الاستقرار النهائي مع نهايات 284ه وبداية 285ه.
بدأ نشر دعوته مجدداً في صعدة بعد أن تعلم الشيء الكثير في مدينة قم الإيرانية، ويبدو أنه قدم الولاء والطاعة وتدرب هناك على ما نسميه اليوم "دورات تدريبية في فن الإدارة"، حيث عاد متحمساً عاقد العزم هذه المرة على عدم الفشل.
إلا أنه اتبع نفس نهج سلفه الجزار واتخذ من البطش والتنكيل بالخصوم عقيدة وممارسة لمثل هذه الأعمال، وزاد عليها قطع الزروع والثمار وحرقها وتخريب مصادر المياه.
فقد روى المؤرخون أن الإمام الهادي يحيى بن الحسين تعامل بشدة وقسوة مع الانتفاضات التي قامت ضده, فإذا به يضيف إلى ما عرف عنه من (هدم للبيوت وقطع للزروع من نخيل وأعناب وغيرها) تخريب الآبار ومصادرة المياه بل وتدمير القرى بأكملها قرية قرية، كما ذكر ذلك مؤلف سيرته وأحد أكبر مساعديه، وأسس بذلك لسياسة الهدم والدمار والتنكيل التي أخذت من بعده سنة لدى الشيعة.
ويذكر المؤرخ محمد بن علي الأكوع الحوالي، في هامش كتاب «قرة العيون» ص151، أن «الهادي كان كثيراً ما يلجأ إلى الخراب والدمار وقطع الأشجار والزروع، وتحريق الفواكه والثمار، بل إلى أبعد من ذلك، وهو التمثيل بالأسرى وصلبهم وتنكيس رؤوسهم، وكان يسن بهم سنة الكفرة المشركين».
حينما ضعفت الدولة الهادوية الأولى، وكان آخر أئمتهم يوسف بن الإمام الناصر أحمد، ظهر إمام جديد منافس لأبناء الهادي وهو الإمام المنصور القاسم بن علي العياني عام 389ه وقضى على الدولة الهادوية، رغم أنه رسي لكنه لم يكن من ذرية وأبناء الهادي فقد جاء أيضاً من بلاد الرس في المدينة المنورة ثم من بلدة عيان في عسير وينسب إليها.
وكانت سياسته مثل سياسة الهادي في البطش والتنكيل والتخريب والهدم والحرق وقطع الأشجار والثمار وهدم المدن، حيث قام هذا الإمام أيضاً بهدم مدينة صعدة ونكل بمعارضيه وهدم بعض قرى حجة وقطع أشجارهم وأعنابهم وانتهب أموالهم، مما يدل على أن سياسة التنكيل عقيدة شيعية بامتياز لا يفرضها الواقع ولا يتخذ في الحروب وصايا الرسول – صلى الله عليه وسلم – الذين يدعون انتساباً إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتلوا صبياً ولا إمراة ولا شيخاً كبيراً ولا مريضاً ولا راهباً ولا تقطعوا مُثمراً ولا تخربوا عامراً ولا تذبحوا بعيراً ولا بقرة إلا لمأكل ولا تٌغرقوا نحلاً ولا تحرقوه)، هذا مع الكفار فكيف بمسلمين مسالمين؟!!
وجاء هذا مع الإمام القاسم العياني من بلاد الطائف وكان أعظم قواده وخاض حروبه المتعددة ضد معارضي العياني وكان له نصيب من طريقة الأئمة في الهدم والتنكيل وإخراب الثمار والزروع.
وخرج الزيدي على الإمام العياني وقام بأسر عامل الإمام العياني على صنعاء هو وأبناء الإمام العياني وأودعهم السجون وتحالف مع الداعي الإمام يوسف بن الإمام الناصر، مما اضطر الإمام العياني إلى التنازل عن الإمامة للقاسم الزيدي عام 393ه. وكان هذا الإمام خاض عدة صراعات مع أعيان صنعاء وعلى رأسهم الضحاك الحاشدي وبني العياني وبني الناصر بني الهادي.
لم يكن هذا من الأئمة الزيديين المعروفين بانتسابهم إلى يحيى بن الحسين الرسي الذي جاء إلى اليمن عام 285ه فانتسب الأئمة إليه، فقد جاء هذا الإمام إلى اليمن من بلاد الديلم من فارس عام 437ه، وأول عمل عمله "جمع له جيشاً ودخل به صعدة ونهبها وأخرب دور مخالفيه، وقتل من خولان مقتلة عظيمة، ثم سار إلى صنعاء فملكها وقبض الأعشار والواجبات" (اللطائف ص66).
بعد بذرة الهادي الرسي بذرة دويلة في شمال الشمال اليمني في صعدة تحديداً وخروجها من حكم الممالك اليمنية المختلفة حتى مجيء الدولة الأيوبية ثم الرسولية، توالت هجرات الطامحين والطامعين إلى حكم اليمن من فارس والحجاز وغيرهما، وإثارة الصراعات المذهبية حيناً والمناطقية والعنصرية أحايين أخرى، حتى أحدثوا شرخاً في المكون اليمني والثقافة والهوية اليمنية.
توالت هجرات الطامحين إلى الحكم من الرسيين وغيرهم إلى اليمن على فترات متعددة، حينما كانوا يشعرون بضعف في بني شيعتهم، من المدينة ومن الطائف ومن فارس ومن الشام وغيرها.
إذ يذكر المؤرخون أن هذا الإمام أبو هاشم الحسن بن عبدالرحمن قدم إلى اليمن من الشام لما علم غياب الإمامة الزيدية وتراجعها وبروز دور الزعامات القبلية والدول اليمنية في سنة 418ه، وتلقب بالمعيد لدين الله، وبدأ دعوته من حصن ناعط الشهير على بعد 25 كيلومتر شمال ريدة، لكنه لم يلبث كثيراً ولم يعرف عنه تاريخ شهير كبقية الأئمة الآخرين وورثه في الإمامة ابنه من بعده المعيد لدين الله الناعطي.
صارت اليمن قبلة لهجرات الأئمة أو لمن يريد الإمامة من الشيعة بعد تراجعهم في أكثر من مكان من البلاد الإسلامية، وكانوا لا يبرزون إلا في اليمن، ومن فشل منهم في مكان جاء ليعوض عن ذلك الفشل في اليمن.
ففي سنة 430ه دعا ابو الفتح الديلمي في بلاد الديلم من أرض فارس لنفسه بالإمامة، ولكنه فشل ولم يلق الاستجابة، وبعد إخفاقه في بلاد الديلم ساح في الأرض ووصل إلى مكة ومنها اتجه إلى صعدة في اليمن ووجد الفرصة سانحة ودعا لنفسه بالإمامة هناك سنة 437ه.
وذكر الواسعي في تاريخه أنه قد قيل في نسبه غير ما عرف به من انتسابه إلى زيد بن الحسن بن أبي طالب. (خيوط الظلام ص97).
وكان أول ما قام به هذا الإمام هو تخريب الدور في صعدة لمعارضيه ونهب أهلها، وقتل في مجز من قرى صعدة الجموع من قبائل خولان واتجه إلى صنعاء وعين والياً عليها من أبناء قاسم العياني، ثم فسدت العلاقات بين الديلمي والعياني وانتقم الديلمي بخراب دور بني الحارث ودور بني مروان، وانتهى حكم الديلمي بمجيء الدولة الصليحية.
توالى الوافدون من بلاد فارس طمعاً في حكم اليمن وبث دعوتهم فيها بسبب بعض الجذور الشيعية التي سبقتهم إلى اليمن حتى يكملوا ما بدأوه. فجاء هذه المرة هذا الرجل (أبو طالب الديلمي) وأظهر دعوته الشيعية في بلاد الديلم من فارس عام 511ه، وبعث دعوته إلى أبناء الناصر أحمد بن يحيى بن الحسين في اليمن لاتباعه وإظهار دعوته ومناصرتها في اليمن. «فتلقى تلك الدعوة الأمير المحسن بن أحمد المختار بن الناصر بن الهادي إلى الحق…تلقاها بالقبول التام، وقام بها أتم القيام، ودعا الناس إليها، فأجابه أكثر الناس إليها كصعدة ونجران والجوفين والظاهر ومصانع جبر وملك حصن ثلا». (اللطائف السنية ص83).
لم يكن هذا الإمام من نسل الهادي ولم يكن باليمن أصلاً، حيث جاء من الحجاز ومكث فترة من الزمن في الجوف محتسباً قبل أن يعلن الإمامة لنفسه من الجوف عام 593ه.
وكان هذا الإمام أشهر إمام شيعي عرف بالبطش والتنكيل والخصوم والفتوى بالتكفير واستحلال كل شيء لدى معارضيه، وهو من أباد المطرفية تلك الفرقة من الزيدية التي لم تحصر الإمامة في البطنين واستأصلهم وكفرهم وأحل نساءهم.
ولم يقف الحد عند تكفير المطرفية وحدهم بل تعداه إلى الأمة الإسلامية كلها حيث قال: «فقد صح لنا كفر أكثر هذه الأمة» ، وكان هذا الإمام أول من أفتى وأحل وهدم مساجد المخالفين له.
وجاء في كتاب المنتزع المختار من الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار في فقه الأئمة الأطهار للعلامة عبد الله بن مفتاح : «قال أبو طالب لا يصح الوقف على مساجد المشبهة والمجبرة». وقال «ص بالله» : «مساجد المشبهة والمطر فيه والمجبرة لا حكم لها ولا حرمة وأخرب كثيراً منها وسبل بعضها» ؛ وهذا الكتاب هو العمدة في الفقه الهادوي، وهو يحكي إخراب الإمام عبدالله بن حمزة للكثير من مساجد أهل السنة و(ص بالله) إشارة إلى الإمام عبدالله بن حمزة.
ولم تكن سياسة هدم المساجد من قبل الأئمة لتقتصر على السنة فقط، بل تعداها إلى بعض الفرق الزيدية كالمطرفية الزيدية والشيعية الأخرى كالإسماعيلية مثلاً في همدان وحراز وغيرها.
وبعد هذا الإمام (المنصور عبدالله بن حمزة) لم يذكر المؤرخون صلة بقية الأئمة أو مراسلة بعضهم بشيعة فارس، غير أن هناك بعض الإشارات والتصرفات توحي بشيء من المراسلات والتنسيق بين شيعة اليمن وشيعة العراق وفارس؛ خاصة أيام الإمام شرف الدين وابنه المطهر اللذين استعانا بالمماليك الجراكسة لإسقاط الدولة الطاهرية، حيث أن في عهدهما كانت الحركة الصفوية في إيران قد قويت وأعلنت مذهبها ودولتها وحكمت إيران بالحديد والنار، وعملت على استئصال المخالفين ومن رفض التشيع حتى هدمت قرى ومدن بأسرها وهجرت المواطنين وأقامت مذابح عرقية وطائفية، وأكرهت السنة على التشيع، ولم تكن إيران ذات أغلبية شيعية؛ بل كان الشيعة قليلاً لا يتجاوزون ثلاثين بالمائة من السكان.
في تلك الأثناء استفرد الأئمة باليمن واستفردت الحركة الصفوية في إيران، ومع بطش المطهر والتنكيل بخصومه وفعله باليمنيين فعل الحركة الصفوية في إيران إلا أنهم نجحوا بعض الشيء حتى جاءت الدولة العثمانية وتصدت لفعله الهمجي، وبعد خروج الأتراك من اليمن عاد الأئمة لمذهب بقية اليمنيين إلا أنه لم يكن بشدة الحديد والنار كما كان أيام المطهر، بل استعملوا بعض طرق الترغيب في ذلك.
في عصرنا الراهن عمل بدر الدين الحوثي على التواصل والتنسيق بالدولة الإيرانية كون إيران اليوم تمثل قبلة التشيع في العالم الإسلامي بما لها من صولة وجولة ودولة ومال في المنطقة بعد الثورة الشيعية الإيرانية على الشاه عام 1979م، التي أخذ الخميني على عاتقه تصدير الثورة الإيرانية الشيعية إلى كافة العالم الإسلامي.
ظهر تنظيم الشباب المؤمن في إيران عام 1986م وبدأ تصدير هذا التنظيم سراً إلى اليمن، والذي ظهر للوجود وبقوة عام 2000م، إذ بدأ وجوده بعد عام 1987 سراً وعام 1991 كمنتدى ثقافي. وفي نهاية حرب عام 1994 سافر بدر الدين الحوثي وابنه حسين إلى إيران, التي اختاراها بحكم التقارب الفكري، على الرغم من بعض الاختلافات في قضايا أساسية, الأمر الذي يرجع إليه انتشار بعض الأفكار الغريبة بين أتباع الحوثي, وظهور حسين اليماني الممهد للمهدي, الذي ساهم في تجميع الشباب حول حسين الحوثي، ثم رجع حسين الحوثي وهو مشحون بتلك الأفكار إلى اليمن، في حين مكث والده هناك إلى عام 2002م.
مدت إيران التنظيم الحوثي بكل السبل الثقافية والمادية من مال وأسلحة وتصدير طلاب وتدريب مجندين لتأسيس جيش خاص بالحركة يتمدد إلى كل اليمن وصبغ اليمن بالصبغة الشيعية، وتحول الأتباع من الزيدية إلى الجارودية ثم الاثنى عشرية.
عملت إيران على الاستيلاء الطائفي على العراق بعد مساعدتها أمريكا على إنهاء حكم نظام صدام حسين وعادت العراق إلى الحضن الفارسي، وشجعت إيران ودعمت حزب الله اللبناني ونظام بشار الأسد وثورة البحرين والحوثيين في اليمن لإقامة الإمبراطورية الفارسية مجدداً بلافتة التشيع.
أعلنت إيران أنها ستغلق مضيق هرمز أكثر من مرة مما دفع بالمجتمع الدولي إلى التحول نحو الاهتمام باليمن لإيجاد بديل آخر آمن بدلاً من مضيق هرمز، وأدركت إيران الأمر فعملت على استعجال وتقوية الحوثي لبسط نفوذه في اليمن لقطع الطريق على المجتمع الدولي وخنقهم في كل مكان.
بعد الثورة الشعبية الشبابية نسقت إيران بين الحوثيين وبقايا نظام صالح لبسط النفوذ والسيطرة وإجهاض الثورة، وعمد الحوثيون ومليشيات صالح لتفجير الحرب في أكثر من جبهة في اليمن لإرباك المشهد السياسي وضرب كل نقاط القوة المتبقية في اليمن، وكثفت من دعمها للحوثيين بالمال والسلاح والمجندين للزحف على المدن وإسقاطها مدينة بعد أخرى للوصول إلى صنعاء وإعادة الإمامة مجدداً، ومن ثم تكون قد خنقت إيران السعودية من الشمال والجنوب وبقي معها الشرق ستفجرها ثورة من الداخل بشيعة السعودية في المنطقة الشرقية.
كان أبرز الجوانب الثقافية التي صدرتها إيران إلى الحوثيين هو التشيع الإثنى عشري والفكر الخميني ومؤخراً الأضرحة.
ففي الفترة القصيرة الماضية قاموا بالعمل على إنشاء ضريح لزعيمهم حسين بدر الدين الحوثي على الطريقتين الإيرانية والعراقية، وعمل مرقد مقلد لمراقد زعماء الشيعة في العراق وإيران، والذي سيتحول هذا المرقد إلى مزار يحج إليه شيعة اليمن في زمن غزو الفضاء والتقدم الكوني المبهر، ولا نزال حديثي عهد بالحوثي، وقد تمارس عند هذا الضريح الكثير من المنكرات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
إذا كانت الحركة الحوثية إحيائية للزيدية فإن أئمتهم من الزيدية قاموا بهدم كل الأضرحة في اليمن وتسويتها بالأرض، مما يعني مخالفتهم للزيدية في ذلك؛ كما لم يتخذ أئمتهم قباباً وأضرحة للدفن ولم يوصوا بها؛ لأنهم كانوا يعتبرونها منكراً من المنكرات باستثناء الطائفة الإسماعيلية التي عملت ذلك، إلا أن بعض أئمتهم الذين خرجوا عن الزيدية إلى الهادوية ومن الهادوية إلى الجارودية عملوا على نصب تلك القباب لأضرحتهم، ومن تلك الأضرحة والقباب: قبة المهدي في صنعاء، وقبة المتوكل وبعض القباب الأخرى في صعدة وثلا وغيرها.
لقد رأينا الكثير من الأساطير والخرافات التي رددها كثير من أتباع الحوثية أيام قتالهم ضد الدولة وخاصة في عهد زعيمهم حسين الحوثي، من أنه يعرج به، وأنه يعطيهم الكرامات، وأن الحسين يمدهم بالقوة وبشائر النصر… إلخ.
وغرس فيهم التبعية المقيتة بكل سلبياتها التي لا تفرق بين حق وباطل وظالم ومظلوم وما هو معلوم من الدين بالضرورة أو غير ذلك، وكرس فيهم الجهل المطلق، وهذا وحده سيكون سبباً كافياً لأن تنسج الخرافات بعد ذلك في ضريح الحوثي وإتيان المنكرات التي ربما قد تصل حد العبادة والطواف حوله كما يفعل شيعة إيران والعراق حول مراقدهم الشيعية التي يزعمون أنها «مقدسة» رغم أن العهد به قريب ولم يكن سوى مارق عن الدولة لا يملك أي فكر سوي غير ما عرف عنه أنه منفذ لأجندة إيرانية صرفة.
لقد لاحظنا منذ بداية التدخل الفارسي في اليمن أن أياديهم في اليمن لا تهتم بالبناء الداخلي الوطني وبناء الذات الوطنية القائمة على القطرية ويمننة المصالح، بل العكس من ذلك هدم كل مكون جامع داخلي لليمن، وتنفيذ أجندة خارجية تستفيد منها الدولة المصدرة والفكر المصدر لهؤلاء الأئمة، وضرب كل المقومات الوطنية والقومية اليمنية.
ولو عدنا إلى التاريخ اليمني، سواء ما قبل الميلاد وبعده، وفي صدر الإسلام وحتى استفراد الأئمة بحكم اليمن، سنجد أن كل الدويلات التي حكمت اليمن تركت بصماتٍ واضحة في تاريخ حكمها في الجوانب العلمية والمعرفية والنهضة والآثار والصناعات المختلفة والزراعة والبحرية، وهو ما تحكيه الشواهد العلمية المختلفة وتحكيه سطور المؤرخين؛ الأمر الذي جعل الرسول – صلى الله عليه وسلم – يولي وجهته ناحية اليمن في إرسال رسله إليهم، والاستعانة بهم في الحروب والفتوحات وفي غيرها من المجالات؛ كونهم أصحاب حضارة وبناء ودولة وانقياد للقوانين والتنظيم، واستعان بهم قبل الناس، وهو الأمر الذي لم نجده مع أصحاب هذا الاتجاه الذين نزعوا إلى التدمير لا التعمير، والتخريب لا الإصلاح، والتقتيل لا الإحياء.
وبالعودة إلى تاريخ ما قبل دخول الأئمة اليمن عبر مؤسسهم الأول يحيى بن الحسين سنجد أن اليمن لم تمر بالصراعات الطائفية أو المناطقية بعد دخول اليمن في الإسلام، ولم تكن الدول في تنازعات كثيرة إلا على الكراسي فيمن يحكم اليمن من الأسر اليمنية الخالصة ولكن تحت مظلة الوحدة اليمنية أرضاً وإنساناً وهوية وثقافة، ولم تكن الصراعات المذهبية والطائفية قد وجدت إلا بعد مجيء الإمام المؤسس يحيى بن الحسين الرسي الذي تلقب بالهادي.
الهوامش
- اللطائف السنية للكبسي.
- قرة العيون في أخبار اليمن الميمون لابن الديبع.
- الدر المنثور في فتاوى الإمام المنصور – للإمام عبدالله بن حمزة.
- الإكليل لأبي الحسن الهمداني.
- خيوط الظلام لعبدالفتاح البتول.
- اليمن في المصادر التاريخية القديمة لمحمد صالح العبادي – أطروحة دكتوراه.
- مأرب برس.
- مراجع أخرى.
*صحيفة الناس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.