شهدت الأزمة اليمنية تحولا خطيرا ومهما خلال الأيام الماضية بعد الاعلان عن تعثر مفاوضات الكويت واشتعال جبهات المواجهات المسلحة فى عدة محافظات ومناطق أهمها تعز ونهم وأرحب القريبة من العاصمة وحجة والبيضاء ، وسط محاولات محمومة من جماعة الحوثيين والرئيس السابق على عبد الله صالح لإضفاء شرعية على مسار الانقلاب بتقنين وضع المجلس السياسى الرئاسى عبر مجلس النواب . وفيما شرعت الحكومة اليمنية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادى فيما أسمته حملة تحرير العاصمة تحت عنوان«قادمون يا صنعاء» و«التحرير موعدنا» ، كثف الحوثيون والجيش الموالى لصالح عملياتهم على الحدود مع السعودية فى توغل يهدف الى نقل المعارك داخل أراضيها بغرض التخفيف من الضغوط الشديدة عليهم فى مختلف الجبهات ومقاومة حالة الانهيار النفسى والمعنوى فى صفوف أتباعهم بعد الضرپات الأخيرة الموجعة ضدهم . المعلومات الواردة من ميدان المعارك تفيد بتقدم قوات الجيش الوطنى اليمنى لأول مرة فى عدة جبهات مع وصول تعزيزات أمنية إلى محافظة مأرب قادمة من السعودية، تضم سيارات شرطة ومدرعات شغب ومطافئ، وذلك لتأمين معركة دخول العاصمة ، كما بدأت قوات الشرعية من الجيش والمقاومة فى قصف مواقع ميليشيات الحوثى وصالح المتمركزة فى نقيل ابن غيلان الاستراتيجى على تخوم مديرية أرحب، فى حين واصلت مقاتلات التحالف غاراتها على مواقع الميليشيات فى العاصمة وضواحيها والمدن الخاضعة لسيطرتها. وتشير مؤشرات المعارك إلى تحقيق القوات الحكومية اليمنية تقدماً فى جبهتى الجحملية والصلو بتعز ، وتطهير مناطق النعيمات وقرية العبادل والرزوة، وعقبة وقرية المدفون والجبال المحيطة، فيما شهدت تلك المناطق نزوحا جماعيا لسكانها، خوفاً من اتخاذهم دروعا بشرية من قبل الميليشيات . وبحسب مدير دائرة التوجيه المعنوى فى القوات اليمنية اللواء محسن خصروف، فإن قوات الشرعية لن تتوقف هذه المرة تحت أى ظرف قبل أن تحرر العاصمة والمدن الخاضعة لسيطرة الميليشيات، معتبرا أن توقفها فى الفترة السابقة فى نهم على تخوم العاصمة كان بقرار سياسى وضغوط دولية لإفساح المجال أمام مشاورات السلام، وهذا لن يتكرر حالياً، مشيراً إلى أن لدى الجيش والمقاومة الإمكانات اللازمة لإنجاز مهام تحرير العاصمة وغيرها من المدن، بمساندة قوات التحالف، وأن القرار اتخذ لإنجاز هذه المهمة، ولن يكون هناك توقف إلا فى حالة واحدة هى انسحاب الميليشيات من المدن وتسليم السلاح . ويرى مراقبون عسكريون أن معركة دخول صنعاء برا لن تكون نزهة يسيرة لقوات الشرعية لعدة اعتبارات منها جغرافيا المدينة المقامة فوق هضبة مرتفعة وتحيطها سلاسل جبلية من أغلب أطرافها مكنتها من إجهاض حصارات متعددة عبر التاريخ ، فضلا عن كثافتها السكانية التى تتجاوز مليونى نسمة ومخاطر وقوع مجازر للمدنيين، بخلاف الاعتبارات العسكرية الأخرى والتى تعتبر التوغل البرى عملية انتحار أكيدة غير مأمونة العواقب. ويفسر مراقبون يمنيون التصعيد العسكرى من قبل قوات الشرعية بأنه جاء ردا على تعنت الحوثيين وصالح بشأن خيارات السلام ورفضهم توقيع اتفاق فى الكويت وعدم تقديمهم أية تنازلات، كما يأتى فى أعقاب الإعلان عن تشكيل الانقلابيين مجلسا سياسيا لإدارة البلاد مما يعنى الإطاحة كلية بسلطات الرئيس عبدربه منصور هادى المدعوم إقليميا وعربيا ودوليا. ويعتقد المراقبون أن تشديد قبضة الدولة على العاصمة يهدف إلى منع كافة الإمدادات المادية إليها ولهذا تم تدمير عدد من الجسور والكبارى على طريق صنعاءالحديدة وفى طريق المحويت وفى حجة بغرض شل قدرات الحوثيين وأتباع صالح الذين يستفيدون من كتائب الحرس الجمهورى المتواجدة فى صنعاء وعلى أطرافها ، كما يهدف التصعيد إلى إجبار الحوثيين وحلفائهم على الرضوخ لمقررات السلام وقرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة وإزالة أسباب المناكفات أثناء التفاوض، لكن الحكومة اليمنية تعول بشكل كبير على انهيار تكتل الحوثيين وصالح من خلال إحداث اختراق داخلى وشق صفوفهم والتنسيق مع قوات وقيادات أمنية وعسكرية ورموز قبلية داخل العاصمة تقوم بعمليات تمرد مفاجئة تحسم المواجهات بأقل الخسائر على المدنيين بما يسهل عملية التوغل بسلاسة إلى صنعاء وهى نفس الطريقة التى اتبعها الانقلابيون عند دخول العاصمة فى 21 سبتمبر 2014 . وبالتوازى مع المواجهات العسكرية تخوض الحكومة اليمنية معركة سياسية أخرى أشد شراسة وهى محاولة وقف إجراءات الحوثيين وصالح لشرعنة الانقلاب من خلال مجلس النواب الذى بدأ أمس عقد اجتماعات بالأعضاء الموالين لصالح والحوثى تمهيدا للتصويت على إقرار المجلس السياسى والحصول على شرعية فى الوقت الذى تعتبره الحكومة اليمنية إجراءً باطلا دستوريا وقانونيا وإجراءً أحاديا يلتف على مقررات المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطنى ، وهو ما يفسر الاتصالات المكثفة من قبل وزير الخارجية اليمنى عبد الملك المخلافى مع نظرائه فى أمريكا وروسيا ودول الخليج وحثها على اتخاذ خطوات تجمد التعاطى السياسى مع مجلس الحوثيين وصالح وتحريك تدابير أكثر صرامة عبر مجلس الأمن لإصدار قرارات تحمل الحوثيين وصالح مغبة إفشال جهود السلام . غير أن الأممالمتحدة فيما يبدو لاتزال فى موقع المتفرج على تطورات الأحداث اليمنية ، حيث اكتفى المبعوث الأممى إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بالتنديد بالخروقات المتزايدة لاتفاق وقف الأعمال القتالية مطالباً الأطراف المتنازعة بالتوصل إلى حل سياسي. وفضل بن الشيخ أن يطلق تصريحاته عبر تغريدة على حسابه الشخصى على « تويتر « مؤكدا أن الخروقات غير مقبولة ولا تخدم مسار السلام، وأن وقف الأعمال القتالية والذى دخل حيز التنفيذ فى 11 أبريل الماضى مازال جارياً، وكل عمل عدائى من أى طرف يشكل خرقا مباشرا موجها ضد الشعب اليمنى . وتبدو كل سيناريوهات الأزمة اليمنية مفتوحة على مفاجآت خلال الأيام القادمة سواء بشعار «لابد من صنعاء» الذى ترفعه الحكومة الشرعية والذى يعنى دحر الانقلاب أو من خلال تطورات أخرى درامية وسياسية ، لكن المؤكد أن هذه التطورات تضاعف معاناة الشعب اليمنى وتعصف بما تبقى من هوية الدولة اليمنية ومقدراتها التنموية والاقتصادية وهو ما يفترض تداركه بالسرعة الكافية .