سعد بن حبريش.. النار تخلف رمادا    فضيحة الهبوط    "الوطن غاية لا وسيلة".!    السامعي: تعز ليست بحاجة لشعارات مذهبية    عدن .. البنك المركزي يحدد سقف الحوالات الشخصية    السقلدي: تحسن قيمة الريال اليمني فضيخة مدوية للمجلس الرئاسي والحكومات المتعاقبة    جياع حضرموت يحرقون مستودعات هائل سعيد الاحتكارية    من المستفيد من تحسن سعر العملة الوطنية وكيف يجب التعامل مع ذلك    وادي حضرموت يغرق في الظلام وسط تصاعد الاحتجاجات الشعبية    في السريالية الإخوانية الإسرائيلية    مفاجأة مونتريال.. فيكتوريا تقصي كوكو    سمر تختتم مونديال السباحة بذهبية رابعة    أيندهوفن يتوج بلقب السوبر الهولندي    صومالي وقواذف وقوارير المشروبات لإغتصاب السجناء وتعذيبهم في سجون إخوان مأرب    شبوة .. توجيهات بإغلاق فروع شركات تجارية كبرى ومنع دخول بضائعها    العالم مع قيام دولة فلسطينية    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    جحيم المرحلة الرابعة    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    لمناقشة مستوى تنفيذ توصيات المحلس فيما يخص وزارة الدفاع ووزارة الكهرباء..لجنتا الدفاع والأمن والخدمات بمجلس النواب تعقدان اجتماعين مع ممثلي الجانب الحكومي    في خطابه التعبوي المهم قائد الثورة : استبسال المجاهدين في غزة درس لكل الأمة    مساعد مدير عام شرطة محافظة إب ل"26سبتمبر": نجاحات أمنية كبيرة في منع الجريمة ومكافحتها    العلامة مفتاح يحث على تكامل الجهود لاستقرار خدمة الكهرباء    إعلان قضائي    لجنة أراضي وعقارات القوات المسلحة تسلم الهيئة العامة للأراضي سبع مناطق بأمانة العاصمة    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    الرئيس المشاط يعزّي مدير أمن الأمانة اللواء معمر هراش في وفاة والده    من بائعة لحوح في صنعاء إلى أم لطبيب قلب في لندن    اتحاد إب يظفر بنقطة ثمينة من أمام أهلي تعز في بطولة بيسان    عدن وتريم.. مدينتان بروح واحدة ومعاناة واحدة    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    الشخصية الرياضية والإجتماعية "علوي بامزاحم" .. رئيسا للعروبة    2228 مستوطناً متطرفاً يقتحمون المسجد الأقصى    اجتماع يقر تسعيرة جديدة للخدمات الطبية ويوجه بتخفيض أسعار الأدوية    أبين.. انتشال عشرات الجثث لمهاجرين أفارقة قضوا غرقًا في البحر    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    تدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في محافظة الحديدة    مجلس القضاء الأعلى يشيد بدعم الرئيس الزُبيدي والنائب المحرمي للسلطة القضائية    انتشال جثة طفل من خزان مياه في العاصمة صنعاء    قيادة اللجان المجتمعية بالمحافظة ومدير عام دارسعد يعقدون لقاء موسع موسع لرؤساء المراكز والأحياء بالمديرية    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن زبون دائم في متجر سلاح عتيق
تفاصيل مثيرة : السلاح السوفيتي في اليمن..القصة منذ عشرينيات القرن الماضي
نشر في مأرب برس يوم 04 - 03 - 2009

- الإمام يحيى لم يستورد السلاح السوفيتي خوفا من الانجليز.
- ونجله يترك شحنة سلاح روسية في ميناء الحديدة داخل صناديقها حتى تتلف كي لا ترتد إلى نحره
- إبراهيم الحمدي يعيد شحنة سلاح روسية من ميناء الحديدة نزولا عند رغبة السعودية
- الرئيس صالح يفشل في استخدام السلاح الأمريكي فيضعه جانبا ويتصل بموسكو بحثا عن ما هو سهل ومألوف
كلما ذهب الرئيس إلى موسكو، لا أدري لماذا أتذكر جدي وبندقيته الروسية، من طراز AKM ، على ما أظن . لقد كان ذلك الكلاشنكوف المدلل، عزيز على قلبه، وكان جدي العتيد ينهمك بكل جوارحه في تشحيمه، كما لو كان فارسا أصيلا سقط من عوالم ثربانتس ورومانسيي عصر النهضة.
"تعجبنا المعدات الروسية"، قال الرئيس لصحيفة روسية، الأسبوع الفائت. من الواضح أن الرجل لم يتلفظ بهذه الجملة من صميم قلبه تلفظه بها على سبيل الإطراء، أو الدماثة على الأرجح، أو مثلما قد يضطر زبون معدم ومتحاذق إلى التظاهر بالدهشة والانبهار عند مصادفته سلعة لا يستطيع شراء ما هو أفضل منها، وهي على أية حال، طريقة جيدة لمنح النفس العزاء المناسب.
وربما أن الرجل بالفعل يعشق السلاح الروسي، على غرار جدي. من يدري. فالجندي الذي كان، ترعرع على آليات عسكرية تحمل الماركة السوفيتية. لننس أن الطائرة التي انتقل على متنها من تعز، غداة مقتل الرئيس الغشمي كانت من طراز داكوتا الأمريكية، وليست من طراز توبوليف الروسية مثلا.
لكن، والحق يقال، فالسلاح الروسي أقوى وأعرق من أن يصبح موضع للسخرية الغبية. ثم إنني لست هنا لقياس المواصفات والجودة، إنما يكفي القول بأن الصناعة الحربية الروسية، والسوفيتية سابقا، ليست رديئة البتة، للانتقال إلى صلب هذا الموضوع رأسا.
للتسلح الحديث في اليمن قصة تبدأ منذ فجر القرن العشرين. وشأن أغلب الدول العربية، ظلت روسيا بالنسبة لليمن بمنزلة المحج الضرورة. أو بتعبير آخر: لم تكن روسيا خيارا قط. إنه نوع من "لقاء الضرورات"، على حد تعبير الصحفي الاستثنائي محمد حسنين هيكل. كان الأخير يتحدث، الخميس الفائت، في برنامجه الأسبوعي "مع هيكل" عبر قناة الجزيرة، عن اللحظة التي اضطر فيها جمال عبدالناصر شراء الأسلحة من السوفييت عام 1965، كرد طبيعي للخذلان الذي قوبل به من الأمريكان. يقول هيكل : "الضرورات والاحتياجات تأخ ذ أص حابها إلى قدر كبير جدا من عدم الفهم. ] لكن [ عندما تنشأ علاقات طبيعية بالاختيار، فالاختيار عادة يكون مبنيا على خلفية سابقة، على استمرار في التجربة، على استخلاص نتائج من هذه التجربة، على اطمئنان من نوع ما لدرجة ما إلى لحظة الاختيار".
إن الروس ليسوا أغبياء بقدر ما نتصور. فهم يدركون، أكثر من غيرهم، اللحظة التي يستبد فيها الحنين بقلب العربي الخاوي، فيندفع إلى الحضن الدافئ بضحكة صغيرة تماثل ضحكة طفل. خذوا أيضا هذه الاقتباس من حديث هيكل، لعله، وهذا مؤكد، يساعدنا عند التعليق على صفقة الأسلحة، التي أبرمها الرئيس صالح، الأسبوع الفائت، مع الروس، وبلغت قيمتها مليار دولار تقريبا. "الزعماء السوفيات اللي شفتهم في ذلك الوقت(الستينيات) وأولهم نيكيتا خروتشوف، وهو شخصية مدهشة، غريبة، هذه الشخصية تستحق fascinating شخصية متنوعة يعني. كان دائما يقول لي إيه؟ دائما يقول لي: نحن نعلم باستمرار أنه إحنا ما كناش اختياركم الأولاني، أنتم أتيتم إلينا إما يأسا من الأميركان، وإما لكي تدفعوهم إلى نوع من المنافسة معنا، ولو حتى بالغيرة. فأنتم استعملتمونا، أو نتصور، إحنا في الأول تصورنا كده وفضل ده معهم لفترة طويلة جدا، يعتقدون أنهم هم الاختيار الثاني، وهو اختيار الضرورة، وأنه عند أول فرصة -من سوء الحظ- إحنا نتصاحب معهم أو بنعمل علاقات معهم، باعتبارهم طريقا دائريا للوصول إلى الأميركان" . هكذا قال هيكل وهو يرسم ابتسامة مريرة.
...
بهذا المزاج أدار الإمام يحيى حميد الدين علاقاته بالدول العظمى آنذاك. ففي عشرينات القرن المنصرم، فرضت السلطات البريطانية، المسيطرة في جنوب اليمن، حصارا مطبقا على دولة المملكة المتوكلية اليمنية. قبل ذلك، كان شيخ قبيلة الزرانيق يخوض تمردا شرسا ضد قوات الإمام، في محاولة لإقامة دولة شافعية في الشمال عاصمتها الحديدة، بتحفيز ودعم من الانجليز، الذين زودوه بشحنة كبيرة من الأسلحة.
نجح الإمام في إخماد التمرد. وكان يعني رمزيا هزيمة البريطانيين. ولا بد أن الانجليز خالجهم شعور بالمهانة والصغار، فسارعوا إلى تأديبه. وفيما كان الإمام يبذل جهده للإفلات من قبضتهم، قرر الايطاليين، المتواجدين في اريتريا، أن الأجواء باتت أكثر ملائمة للوثوب إلى اليمن.
حتما كان الإمام يعرف حجم التناقض القائم بين الدولتين الاستعماريتين. وفي 1924، باشر الايطاليون اتصالاتهم مع الإمام. وفي 1926 وقعت المملكة المتوكلية اتفاقية "الصداقة والتجارة اليمنية الايطالية"، مدتها 10 سنوات. بمقتضى هذه الاتفاقية اعترفت ايطاليا باستقلال اليمن، وتعهدت بتقديم المساعدة العسكرية والاقتصادية، وبالمقابل حصلت ايطاليا على حق استيراد وبيع البن اليمني في الخارج، وتسهيلات في مجال تزويد اليمن بالنفط (الكايروسين) لمدة 5 سنوات.
على أية حال، أدرك الأمام، وهو الفار من نير الانجليز، وضربات النجديين، كم كان الايطاليون مخادعون. مع أن السياسة قد ترتكز على الخديعة أحيانا، ولو شئتم قلنا غالبا، لا سيما في العلاقات الدولية التي تنتفي فيها النزعة الأخلاقية تماما، إلا أن ما ظنه الإمام ضربا من الخداع الماكر، لم يكن سوى حرص الطليان على مصالحهم. ذلك أن دعم الايطاليون لحملاته العسكرية ضد "الأدارسة"، بتلك الحماسة، جاء على خلفية وعد قطعه لهم الإمام بتمكينهم من التنقيب على النفط، في عسير حالما يتسنى له بسط نفوذه هناك، وهذا مفهوم كفاية، وليس فيه من خديعة تذكر. (حصل الإمام على 6 طائرات من ايطاليا بحسب إدجار أوبلانس في كتابه "الحرب في اليمن"، ترجمة عبدالخالق محمد لاشيد).
لكن في الغضون لاحت بوادر تقارب وشيك بين الانجليز والطليان. ولسوف يصيب هذا الإمام بخيبة أمل كبيرة. ليس هذا وحسب، سيكتشف الإمام أن البضائع الايطالية رديئة للغاية، ومعمل الأسلحة الذي أنشء في صنعاء عتيق الطراز، والأسلحة برمتها فاسدة. ثم راح يجرب الفرنسيين. بيد أنهم لم يكونوا أقوياء بالقدر الذي قد يأمله الإمام بحيث يجد المؤازرة التي تحد من تغول الانجليز وضرباتهم الموجعة.
كالعادة، كان السوفييت هم "الصديق" الضرورة. ووفقا لكتاب "تاريخ اليمن المعاصر"، الذي ألفه مجموعة من الباحثين الروس، فإن أمير الحديدة وجه، عام 1927، طلبا رسميا متوددا إلى الممثل السوفيتي في جدة، "يرجوه فيها إقامة علاقات دبلوماسية تجارية بين الدولتين". لكأنه نداء استغاثة أطلق غريق بصوت مخنوق.
بحلول سنة 1928، وصلت ميناء الحديدة أول سفينة سوفيتية على متنها الكيروسين والصابون والسكر والكبريت، وسواها من السلع. وجاء في رسالة الإمام يحيى الموجهة إلى القوميسار الشعبي لخارجية الاتحاد السوفيتي ج.ف. تشيرن، التأكيد على أن السلع السوفيتية "تحظى بطلب كبير في بلادنا". (هل خطرت ببالكم الآن جملة الرئيس صالح أعلاه "المعدات الروسية تعجبنا").
بدأت علاقة الإمام يحيى بالسوفييت تأخذ منحى أعمق. الأمر الذي أغاظ الانجليز. فحينما انطلقت مفاوضات التعاون، مايو 1928، بين البلدين، المملكة المتوكلية من جهة والاتحاد السوفيتي من جهة أخرى، كانت القوات الجوية البريطانية تقصف مواقع وقرى على الحدود الجنوبية الشمالية. ومثلما سيحذو حذوه خلفائه حتى الآن، توقف الإمام يحيى مع الروس في منتصف الطريق.
لقد استجاب الرجل للضغوط البريطانية بطريقته الخاصة، بل أذعن لها، إن صح القول. وفي 14 يوليو 1928، بعث الإمام برسالة إلى ج.ف. تشيرن، يشرح فيها التي توشك على إجهاض التقارب بين البلدين، مبررا بأن الأوضاع السائدة "استدعت حصر نطاق الاتفاق، إلا أن الطرفان كانا مقتنعين بتوسيع مضمون الاتفاق في الوقت المناسب، وبحسب الاحتياج". ولسوف يذهب به القلق من الانجليز أبعد من ذلك: تعليق تبادل الممثلين السياسيين، والموانع كانت "تكمن في الظرف الراهن للبلاد، وعند انتفاء الأسباب مستقبلا سوف نعتمد ممثلكم"، طبقا لرسالته. (تم التوقيع النهائي على نص اتفاقية الصداقة والتجارة بين الاتحاد السوفيتي والمملكة المتوكلية في نوفمبر 1928، لكنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا بحلول يوليو 1929، وتعتبر أول معاهدة يعقدها بلد عربي مع السوفييت، على الإطلاق).
...
على هذا المنوال سارت علاقة اليمن بالسوفييت إبان حكم الإمام أحمد حميد الدين. كان هذا الرجل عنيفا حاد الطباع ذو مزاج معتل. وفي الخمسينات أحس بحاجته لتحديث سلاحه. كانت العلاقات اليمنية المصرية متسمة بالفتور، رغم توقيع ميثاق صداقة بين البلدين عام 1947.
بصول عبدالناصر الى الحكم في القاهرة، أخذت العلاقة في أول الأمر تنتعش شيئا فشيا. ولما كانت الدبلوماسية البريطانية تفعل فعلها، في الضغط على الدول الغربية لوقف بيع السلاح لليمن، فقد تطوع عبدالناصر بمساعدة ملك اليمن في البحث عن مصادر أخرى للتسلح. ففي ابريل 1956 عقد الرئيس المصري لقاء في جدة جمعه بالملك سعود بن عبدالعزيز والإمام أحمد، تمكن فيه عبدالناصر من إقناع ملك السعودية بإعطاء الإمام منحة مالية قدرت ب 5 مليون جنيه استرليني لشراء أسلحة من "مصادر شيوعية". (تمخض عن ذلك اللقاء تشكيل قيادة عسكرية مشتركة بين الدول الثلاث عرف باسم ميثاق جدة).
دائما، لا مناص من الاتجاه شرقا. ففي يونيو 1956 قام ولي العهد محمد البدر بزيارة "عواصم دول الستار الحديدي"، بحسب إدجار أبلانس. كان عبدالرحمن البيضاني عضوا في الوفد. وإذا كان صادقا في مذكراته، فإن خروتشوف أقام مؤدبة عشاء للوفد، وفي الأثناء وقف البدر وألقى كلمة مرتجلة قال فيها "إنه لا يستغرب حفاوة حكومة الاتحاد السوفييتي به والتفاف الشعب السوفييتي حوله حيث تجمع بين اليمن والاتحاد السوفييتي صفات مشتركة فعلم الاتحاد السوفييتي لونه أحمر وعلم اليمن لونه أيضا أحمر، وأكثر من ذلك تقع اليمن على شاطئ البحر الأحمر".
ويزعم البيضاني أنه تولى ترجمة كلمة البدر، مغفلا ما هو مدعاة للخجل فيها. يقول البيضاني: "صفق خروتشوف طويلا، وشد على يدي البدر، مؤكدا له تأييده المطلق، وعلى الجانب الآخر كانت بريطانيا حانقة على مصر، وقام أيدن، رئيس الوزراء البريطاني، بإطلاع السيد حسن إبراهيم، وزير اليمن المفوض في لندن، على نوايا الانجليز بإسقاط نظام ناصر، وفوضه بنقل بشرى إسقاط عبد الناصر إلى الإمام أحمد، وتحذيره من وصول أسلحة سوفييتية إلى اليمن".
في تلك الحقبة، عندما تعترض بريطانيا -مع الأخذ بالاعتبار هشاشة الشيخوخة التي كانت تعتريها- لا يسع أحد تجاهلها. ولطالما قلت أنه حينما يتعلق الآمر بروسيا أو السوفييت، ثمة معترضين لا حصر لهم، متجهمين وشديدي المراس. إذاً، ليس ابتهاجا بسقوط عبدالناصر، ولكن تفاديا لغضبة الانجليز، تدخل الإمام يحيى من صنعاء في توجيه مسار المباحثات التي يجريها نجله في موسكو. وكاد أن يفشل صفقة أسلحة ضخمة.
"تلقى البدر برقية شديدة اللهجة من الإمام أحمد، يستنكر فيها إقدام الوفد على طلب سلاح من الاتحاد السوفييتي"، قال البيضاني. ويتذكر الأخير أنه حاول تهدئة الإمام هكذا: "عندما تصل الأسلحة إلى الشاطئ ستظل مفككة داخل صناديقها، أي مجرد قطع من حديد، وأنها لا تصبح أسلحة إلا بعد إخراجها من صناديقها وتركيبها، ثم تدريب البشر على استخدامها وكل ذلك مرهون بإرادة الإمام".
طبعا تدفقت عقب ذلك الأسلحة السوفيتية إلى اليمن، خصوصا في الأعوام 1956 و 1957. وتفيد كثير من كتب التاريخ، أن معظمها لم يبارح صناديقه، إثر تفريغها في ميناء الحديدة. على أن الإمام أحد تعمد إهمالها حتى تآكلها الصدأ (وهو ما استفز الروس) تحت ضغط الخوف من أن تتحول إلى نحره، رافضا منح الروس أية تسهيلات في هذا المضمار. وفوق كل شيء ماطل في دفع أثمانها.
...
نصل الآن إلى زمن علي عبدالله صالح بالذات. مطلع 1979، بعد مضي 8 أشهر و10 أيام على توليه السلطة، اندلعت المواجهات المسلحة بين شطري اليمن في مناطق التماس الحدودي. ولقد بدا للرئيس صالح رجحان كفة الجبهة الوطنية والقوات الجنوبية. وعندما انعقدت في الكويت ثاني جولات التفاوض بشأن الوحدة، لاحظ أيضا أن موقعه التفاوضي ليس على ما يرام. وما إن حط قدميه في صنعاء أخذ يفكر في أن تعزيز موقعه السياسي يبدأ من بناء ترسانة سلاح تحقق شيء من التوازن.
قبل عشر سنوات، تحدث الرئيس للصحفي اللبناني كما لم يتحدث يوما. إليكم مقتطفات مما كشفه صالح بشأن التسلح في حقبة السبعينات والثمانينات. يذكر الرئيس في سياق حديثه اتفاقية تسمى "جرس السلام"، قال إنها "أبرمت في 1976 أيام حكم الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي من الجانب اليمني، والأمير سلطان بن عبد العزيز من الجانب السعودي. مدة الاتفاق 5 سنوات. وهو ينص على أن يقوم اليمن بموجبه بالتخلي عن التسليح السوفياتي والخبراء السوفيات، مقابل إن تقوم السعودية بتسليح الجيش في الشطر الشمالي بسلاح غربي، واستبدال الخبراء السوفيات بخبراء أميركيين ومن دول إسلامية مثل باكستان والأردن".
شخصيا، على الأقل، لم اسمع بهذا الاتفاق، لكن هذا لا يعني مطلقا عدم حدوثه. "فقمنا بالاتصال بالسعودية فور العودة من الكويت وتم التفاهم على إحياء هذا الاتفاق، وقالت السعودية إن هذا الاتفاق يحتاج إلى موافقة أميركية، وجاءت الموافقة الأميركية. وقدمنا لائحة بالسلاح المطلوب، قيمتها 500 مليون دولار، تدفعها السعودية"، والمتحدث هنا لا يزال الرئيس.
تجاوب الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، وشحنت الأسلحة التي تضم طائرات ودبابات وعربات نقل. "وكان الفضل في ذلك للسفير الأميركي الذي ذهب إلى منطقة دمت، وكتب تقريراً عن مخاطر التوغل الشيوعي، مما يهدد مصالح أمريكا في المنطقة"، يقول.
تفاجأ القوم بأن الكوادر اليمنية ليست مؤهلة لاستخدام السلاح الأمريكي. "وكانت هناك ورطة"، قال الرئيس. على الدوام، في مثل هذه اللحظات، يبدأ العربي يصلي إلى الشرق. "فما هو الحل للخروج من هذه الورطة؟"، يتساءل الرئيس. ثم يتولى الرد على نفسه بنفسه: "لم يكن في وسعي إلا أن أعيد الاتصال بالسوفييت، محاولاً عقد اتفاقيه جديدة معهم لتوريد السلاح. وكان السوفيت مستاءين جداً في حينه مما فعله معهم إبراهيم الحمدي، حين أعاد في العام1976 صفقة دبابات وطائرات سوفيتية وصلت إلى ميناء الحديدة، تحت تأثير اتفاق "جرس السلام" الذي كان قد عقده مع السعودية".
لا أدري، أهي رغبة من الرئيس بالتعريض بسلفه، أم إنه تبجح جائز بتلك الجسارة التي تحلى بها لعصيان المملكة. المهم لنترك لرئيس يكمل حديثه: "واتصلت بموسكو وقلت لهم: نريد شراء أسلحة منكم. فقالوا: لديكم سلاح أمريكي، فلماذا تريدون سلاحاً منا؟ قلت لهم: إننا في وضع عسكري سيئ ونحتاج إلى سلاح فوراً. فقالوا في موسكو: أرسلوا القائمة بالسلاح الذي تريدونه مع سفيرنا في صنعاء ونحن سنوافق. وجاءت موافقتهم من خشية أن يفقدوا علاقتهم مع الشطر الشمالي. فأبلغنا السفير السوفيتي بموافقة بلاده، وأرسلنا مبعوثاً إلى موسكو بالقائمة، وعقدنا صفقة سلاح بقيمة 750 مليون روبل".
غضبت السعودية أشد الغضب. وأكثر من ذلك: طلبت إرجاع الأسلحة. وما يزال صالح يتباهى بكونه لم ينصاع لإرادتها. "كان السعوديون مصرين على أننا إذا أردنا أن نحافظ على علاقات جيدة معهم، فعلينا أن نعيد السلاح السوفياتي، لأنه مخالف للاتفاق معهم. وكنا نقول لهم بإصرار وقناعة: إن أي قطعة سلاح تدخل اليمن، من أي مصدر جاءت، تصبح سلاحاً يمنياً. فنحن لا نستورد أفكاراً ومعتقدات من البلاد المنتجة أو المصدرة للسلاح. وتنويع مصادر السلاح هو حق من حقوق سيادة بلادنا"، (مقتطف من حديث الرئيس، كتاب رياح الجنوب، نجيب رياض الريس).
لم يؤمن الرئيس بمقولة معينة. بيد أن فكرة السلاح السوفيتي في مواجهة السلاح السوفيتي كانت سديدة إلى حد ما. والسؤال هو: الآن لمن يشحذ الرجل سلاحه الروسي العتيق؟
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.