مثل سقوط مدينة زنجبار يوم أمس بيدي الجماعات الجهادية صدمة كبيرة وحدثا ربما غير متوقع لدى الكثيرين من أبناءها الذين كانوا وإلى وقت قريب يراهنون على قوات الجيش والأمن وإمكانية تصديها للجماعات الجهادية التي فرضت في وقت سابق قبضتها على مدينة جعار القريبة وضواحيها. ولعل أكثر المتشائمين لم يكن ليتوقع الانهيار الكامل لكل مفاصل (الدولة) في عاصمة المحافظة في ظرف ساعات قليلة إذا ما أخذ بعين الاعتبار حجم القوات العسكرية (اللواء 25 مدرع، ومعسكر الأمن المركزي، والأمن العام) المرابطة فيها، وتمترس أعداد كبيرة من الجنود على مداخل المدينة المختلفة معززة أيضا بمختلف الأسلحة الثقيلة بما فيها الدبابات وراجمات الصواريخ وغيرها. والناظر لكيفية السقوط المريع للمدينة سيخلص إلى (حقيقة) أن تواطؤا أو تخاذلاً ربما تم، وهو ما كشفته لحظات الدخول الآمن للجماعات إلى وسط المدينة، وصدمة المواطنين بتجول عناصرها في الشوارع دون سماع طلقة رصاص واحدة.
من هناء البداية منذ الصباح الباكر فوجئ الناس في الشوارع بوجود ملثمين على متن سيارات (نوع شاص وأخرى نقل كبير) مدججين بمختلف الأسلحة يجوبون الشارع العام ويطالبون السكان بمغادرة أماكنهم والعودة إلى منازلهم سريعا!!، والسؤال الذي فرض نفسه حينها: كيف دخلت تلك السيارات؟؟، ومن أين مرت؟؟، طالما والنقاط الأمنية تحيط بزنجبار من كل جانب!!، ليعيش السكان بعدها لحظات رعب لم تعش زنجبار مثلها من قبل، رغم ارتباط المدينة وأبين عموما بالكثير من الإحداث المشابهة في أوقات سابقة.. فكثافة النيران وحجم المواجهات واستخدام الأسلحة الثقيلة داخل الشوارع وبالقرب من منازل المواطنين أصاب الجميع بحالات ذعر شديدة بلغت ذروتها عند الأطفال والنساء، فيما حبس التحليق المنخفض للطيران الحربي أنفاس السكان تزامنا مع الإقامة شبه الجبرية التي فرضتها وقع المواجهات عليهم، ليغدو حال الجميع كالمستجير من الرمضاء بالنار..
المواجهات على الأرض بعد يوم كامل من المواجهات بدت أجزاء كبيرة من زنجبار بيد الجماعات الجهادية عقب سيطرتها على عدد كبير من المرافق الحكومية وانتشار المسلحين على طول الشارع العام وفي الأزقة، وباستثناء مقر قيادة اللواء 25 مدرع فإن كل المرافق الحكومية قد سقطت بما فيها (المجمع الحكومي الجديد والقديم والبنك الأهلي اليمني ومكاتب البريد) وحتى منزل المحافظ ومعسكر شرطة النجدة والأمن العام والسياسي وعدد كبير من المدارس حيث تم نهب كل ما في تلك المرافق بما فيها مبالغ كبيرة من البنك الأهلي وإحراق كافة الوثائق والمستندات الخاصة بالمودعين بالإضافة إلى رواتب المتقاعدين، كما نشر المسلحون نقاط تفتيش على مداخل المدينة وضواحيها في ظل نزوح كبير لعدد من الأسر إلى خارجها وتحديدا إلى عدن القريبة وباقي المحافظات.. وعلى الرغم من عدم معرفة حجم الإصابات خلال المواجهات نتيجة عدم توفر المعلومات الدقيقة إلا أن حالات القتل المسجلة في مستشفى الرازي العام قد أكدت مقتل العقيد (قاسم علي شيخ) و4 جنود آخرين فيما سقط من جانب التنظيم 4 أيضا آخرهم شاب أدخل إلى غرفة العمليات قرابة السادسة مساء إلا أنه فارق الحياة بعد ذلك، فضلا عن عدد كبير من المصابين بين الجانبين، فيما تضررت منازل المواطنين في حي (الصرح) والشارع العام ببعض القذائف جراء القصف المتبادل ولم تعرف بعد حجم الأضرار والخسائر. إلى ذلك قصف الطيران الحربي بعد عصر أمس جبل (خنفر) بجعار، وهو معقل الجماعات الجهادية، دون حدوث إصابات وهو ما أثار الكثير من التساؤلات حول جدوى ذلك طالما والمواجهات تدور في زنجبار. كما حاصر المسلحون منزل مدير الأمن العام بأبين العميد (عبد الرزاق المروني) ومحلج القطن في الكود بعد أن وسعوا معاركهم إلى هناك فيما لا يزال مبنى المحافظة الجديد محاصرا بأعداد كبيرة من المسلحين فيما المواجهات مستمرة، حتى مساء السبت لليوم الثاني على التوالي، حول اللواء 25 مدرع، مع وجود أنباء عن انسحاب معظم الوحدات فيه إلى عدن وإمكانية تسليمه للجماعات الجهادية في وقت قريب. وعلى صعيد تطور الإحداث تمكن المسلحون اليوم بعد تبادل خفيف لإطلاق النيران من دخول السجن المركزي وإطلاق كافة المعتقلين، فيما طالب المسلحون عبر مكبرات الصوت قبل ظهر اليوم أصحاب المحال التجارية والمطاعم والبوفيهات بفتح أماكنهم ودعوا المواطنين إلى ممارسة حياتهم الطبيعية وبدت المدينة في اليوم الثاني وكأنها مدينة أشباح بعد أن خلت تماما من المارة إلا النزر القليل. كما ساقت الجماعات الجهادية تطمينات للمواطنين مفادها وضع حلول عاجلة لمشاكل المياه التي عصفت بمظاهر الحياة في عاصمة المحافظة وعودة التيار الكهربائي بعد انقطاع دام لأكثر من 3 أيام متتالية جعلت الحياة فيها جحيما لا يطاق لتزامنها مع حرارة الصيف اللاهبة وبحث الناس عما يروون به عطشهم وسط إغلاق تام لأماكن بيع الثلج.