توفي مساء الليلة رئيس الوزراء السابق فرج بن غانم في احد مستشفيات العاصمة السويسرية – جنيف – بعد مضاعفات عملية جراحية جرت له، بعد ان دخل منتصف الشهر الماضي المستشفى بعد ان أصيب بوعكة صحية. الدكتور فرج بن غانم الذي توفي عن عمر يُقارب ال70 عام شغل عدة مناصب منها وزير للتخطيط في حكومة اليمن الديمقراطي في الشطر الجنوبي ثم وعلى أثر خلاف عمل سفيرا لليمن الديمقراطي في سويسرا ثم عاد وزيرا للتخطيط في حكومة الوحدة وبعد حرب 94 طلب مجددا نقله الى سويسرا كسفير , ثم عيّن رئيسا للوزراء ولم يطل به المقام حيث قدم استقالته بعد اقل من عام من مايو 1997 الى مايو 1998, رجل دمث وسياسي مرموق من صنف فريد غير كل السياسيين التقليديين الذين عرفهم اليمن، شمالاً وجنوباً، في مختلف العهود. وهو من نوع “التكنوقراط» الذي ولج السياسة من باب الاختصاص لكفاءته العلمية وانضباطه المهني ونظافة كفه. ومن المعروف عن بن غانم كشخص أنه رجل إداري ومنظم إلى أبعد الحدود، فلا يستقبل أحداً ولو كان وزيراً او شيخ قبيلة من غير موعد، وخاصة خارج المكتب (وهي عادة غير يمنية) ، أوقعت عدداً من السياسيين اليمنيين في حرج كبير وهم قابعون امام بوابة مكتبه ليتلقون خبر رفض مقابلتهم من سكرتاريته . ولكنه مع ذلك ليس رجلاً منعزلاً، غير أنه ليس له (مقيل) أو مجلس لتخزين القات، حيث جرت التقاليد في اليمن أن يستقبل صاحب المقيل وخاصة إذا كان سياسياً، أو رئيساً للوزراء، عصر كل يوم الناس للمراجعات التي من المفروض مناقشتها خلال اوقات الدوام , والمناقشات وإبرام الصفقات وتقاضي الرشاوي والحديث في السياسة والشعر والأدب. ولكل سياسي في اليمن مقيل، يزوره ويتناوب عليه الناس، من أصدقاء وأعداء. وفرج بن غانم ليس واحداً من هؤلاء. وكوّن فرج بن غانم سمعة عنه بأنه انطوائي حيث خلط الناس بين انضباطه ولا اجتماعيته. وهو ينتمي إلى أسرة صغيرة متواضعة من حضرموت في مدينة الشحر ، وليس ابن قبيلة كبيرة أو نافذة كما هي عادة أغلب السياسيين اليمنين المعتمدين على نفوذ قبلية في الوصول للمناصب , فقد نال مناصبه كلها بكفائته . كما ان فرج بن غانم ليس له حزب , فهو لم ينتم إلى الحزب الاشتراكي في الجنوب عندما كان وزيراً للتخطيط في ذلك النظام، ولم ينتم إلى حزب المؤتمر في الشمال عندما أصبح وزيراً للتخطيط أيضاً في حكومة حيدر العطاس في أوائل زمن الوحدة في العام 1991. وقد كان بعثياً في شبابه. وهو حامل للدكتوراه في الاقتصاد من بولونيا. كذلك درس في الولاياتالمتحدة. ولعله الوزير الوحيد الذي خدم في زمن الحزب الاشتراكي في عدن، من دون أن يكون عضواً في الحزب الحاكم. فقد كانت بيروقراطية التكنوقراط أقوى من عقائدية الحزبي السياسي. لذا بقي في الحكم في العهد الماركسي الاشتراكي في عدن سنوات عدة. فرج بن غانم الرجل الذي اشتهر بأنه رجل " نظيف اليدين "، قبل وعلى مضض أن يتولى رئاسة الحكومة لفترة لم تتجاوز أكثر من عام من مايو 1997 الى مايو 1998 .، وجاءت حكومة بن غانم بعد أن فشلت حكومة عبد العزيز عبد الغني الذي عين رئيساً لمجلس الوزراء عقب حرب 1994 حتى عام 1997 ، قبل فرج بن غانم المنصب، ووافق البنك الدولي على الشروع في تطبيق برنامج للإصلاح الاقتصادي والسياسي ، الذي كان قد وضعه المهندس حيدر ابوبكر العطاس قبل حرب 94 . لم يبقى الدكتور فرج بن غانم في منصبه طويلا لأنه أراد التغيير وحده يعرف بن غانم رحمه الله الأسباب التي دفعته ليقدم استقالته إلى رئيس الجمهورية . فرج بن غانم بطل شعبي بعد ان قال للفساد لا: فرج بن غانم اصبح شخصية محبوبة لدى اليمنيين حيث اعتبر الكثير من المواطنين ان تقديم استقالته هو رفض للفساد وقد كان اسمه موضوع بقوة في الانتخابات الرئاسية الاخيرة في 2006م حيث اظهرت عدة استطلاعات تمت قُبيل الانتخابات ان اسمه احد الاسماء المطروحة من قبل الكثير لخوض الانتخابات الرئاسية بل تفائل الكثير ان يكون هو رئيس الحكومة الجديدة والتي فاز بها الدكتور/ مجور. وقصة المحبة التي اعطاتها الجماهير اليمنية لبن غانم هو ان المؤتمر الشعبي العام بعن ان انفرد بالحكم بصورة تامة منذ تحقيق الوحدة عام 1990 وكان ذلك جراء الأغلبية البرلمانية التي نالها في انتخابات إبريل 1997 اتخذ الرئيس علي عبدالله صالح قراراً أثار ارتياحاً واسعاً وردود فعل إيجابية كلف بموجبه الدكتور فرج سعيد بن غانم بتشكيل حكومة جديدة لما عرف عن هذا الرجل من نزاهة وخبرة متراكمة في الإدارة والاقتصاد وتحمل المسؤولية وأنه شخص عملي قليل الكلام ولا يعطي اهتماماً للمماحكات السياسية أو الخلافات الحزبية.. وكانت جميع التوقعات تشير إلى أن اليمن ستشهد خلال عامين أو ثلاثة (في ظل رئاسة فرج بن غانم للحكومة) قفزات اقتصادية وإدارية هائلة ولكن الرجل واجه عراقيل وعوائق أكبر بكثير من قدراته الإدارية ومن طاقته على الصبر والتحمل فقدم استقالته بعد أقل من عام لتوليه رئاسة الوزراء.. حكومة فرج بن غانم التي أعلنت تشكيلتها يوم الخميس 15/ 5/ 1997م وضمت 28 وزيراً . ولكن حكومته واجهات صعاب وعقبات وضعت في طريقها ولم تستطع ان تستمر اكثر من عام، وبعد عدة أسابيع ظل المواطنون يتداولون معلومات غير مؤكدة عن اعتكاف رئيس الوزراء فرج بن غانم أو عن تقديم استقالته الأمر الذي نفاه الرئيس علي عبدالله صالح قبل بضعة أيام فقط من نشر الصحف الرسمية صباح الخميس 30 أبريل 1998 ما نشيتات عريضة تؤكد قبول الرئيس استقالة فرج بن غانم وتكليف الدكتور عبدالكريم الإرياني بتشكيل حكومة جديدة ويعتبر الدكتور فرج بن غانم هو رئيس الحكومة الرابع بعد الوحدة. رئيس الجمهورية في تعليق على استقالته: هنا نضع بين أيديكم حديث رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح عن استقالة فرج بن غانم في مقابلة مع مجلة الحوادث اللبنانية: الحوادث :فخامة الرئيس .. لقد وفرتم للدكتور/ فرج بن غانم الكثير من عناصر النجاح لكي ينجح في مهمته كرئيس للوزراء وحصل على صلاحيات ربما لم يحصل عليها رئيس وزراء يمني سابق ..فما الذي حدث ولماذا استقال ؟ الرئيس: هذا طبيعي ومن حق رئيس الوزراء أن يستقيل.. الدكتور فرج بن غانم شخصية وطنية واقتصادية لا غبار عليها وقد استدعيناه لتشكيل الحكومة في أعقاب الانتخابات النيابية التي جرت في 27 أبريل 1997م وعلى أساس أنه كفاءة اقتصادية وشخصية مستقلة . وقد سارت الأمور في الحكومة سيراً طبيعياً وجيداً إلى أن طلب منا مؤخراً إجراء بعض التعديلات في الحكومة وقلنا له التعديل مقبول ولكن بعد اكتمال مرور سنة من تشكيل الحكومة على أساس أن يقيم عمل الحكومة و أداء كل عضو فيها ... علما أنني ترأست اجتماعاً للحكومة بعد تشكيلها مباشرة و حثها على تنفيذ البرنامج الذي التزمت به وقلت لرئيس وأعضاء الحكومة إننا خلال سنة من ذلك الاجتماع سنقيم عمل الحكومة ونقيم أداء الوزراء والمؤسسات ونرى إذا هناك حاجة لإجراء أي تعديل، فإذا كان الحال كذلك فليس هناك أي مشكلة سنعدل . وقد سافر الأخ الدكتور/ فرج بن غانم لإجراء بعض الفحوصات الطبية في جنيف وعاد للبلاد و أصر على إجراء التعديل فقلت له التعديل يجري بعد التقييم ، قال أنا لا أستطيع أن أواصل قلنا له على بركة الله وقدم استقالته. هل استقال أم أقيل ؟ الرئيس: بل استقال. الحوادث/ هل تعتقدون أن هناك حوافز خارجية حثته على الاستقالة أم هي مبادرة منه ؟ الرئيس : أنا لا أستطيع الخوض في هذا و أجيب نيابة عنه . الحوادث / طبعاً هو غير حزبي وهو حيادي ..وفخامتكم اخترتموه على هذا الأساس ؟ الرئيس : نعم.