لتعرف معاناة الوطن! وصلت صنعاء فجراً وغادرتها فجراً هي يوم لا أكثر, وتحزن من قهر العمل الذي يفرض عليك أن لا تبقى الطريق من المطار موحش والحركة لا تذكر والسائق يبحلق بالطريق لأن الظلام لا يطاق وهو يعاني من سهر متواصل وآثار القات الرديء بادية عليه. لا تسأله عن شيء لأن التنهيدة الحارة تكفي كرد على أي سؤال! *** * في اجتماع الصباح كان القضاة يعبرون عن مشاكلهم ويعلنون إضرابهم! وتقول في سرك حيث يكون القضاء يطالب بالأمان فعلى الدنيا السلام! وحده ضجيج مطعم - السلتة - بكائناته العجيبة التي تملأ الدنيا صراخاً وصوت اللهب تحت أواني الفخار يعيدك إلى أيام الحرب. يشدك بذهول لا وصف له * في ندوة الشباب بعد الظهر ساهمت الكهرباء في تحقيق ما تبقى من الصمت بانطفائها! لا أحد يسأل هنا عن أسباب الانطفاء على أساس أن ذلك قضاء وقدر، ورغم عدم وجود بترول لتفعيل المولد الاحتياطي فإن النقاش عن تحديات العالم المعاصر استمر!! وطرحت مقترحات لإخراج العالم من أزماته ابتداء من جزيرة القرم وانتهاء بثقب الأوزون!! **العودة فجرا إلى المطار يكون المنظر محزناً أكثر ومعظم شوارع العاصمة المتباهية بأعضاء الحوار الوطني المنتفخين فخراً كلها طافئة وصامتة. يبدو موحشاً الشارع الممتد والسائق يقول دعنا نعود من الستين لأن الحصبة وبجانب وزارة الداخلية الأمان مفقود! ويحرص على أن يضبط انتفاخ خده الأيسر المملوء بالقات بإصبعين متمرستين ويضيف - أصلاً هناك تتوقع الاشتباكات بأي وقت وأسأله.. طيب وهنا فيرد: - وهنا برضه بأي وقت ممكن ولا أعلق بل ألوذ بالصمت في ليل العاصمة الموحش ونرقب سوية محطات البنزين والطوابير الطويلة للسيارات التي تنتظر من البارحة أن تنفرج أزمة البنزين!
* السائق الذي يوصلني إلى المطار بهذا الظلام الدامس يشكو من وقفته طوال اليوم من أجل 20 لتراً من البنزين، وفي نقطة التفتيش القريبة من المطار يسأل الجندي: - إلى أين؟ - إلى المطار. مسافرين. - يرد العسكري بسؤال أغرب : ما معكم مسافرين؟ كيف ترد عليه في هذا الليل البارد والظلام الدامس؟ - حكمة الله!! السائق الذي لم يرم القات بعد، يفتح الراديو لينطلق بأغنية قديمة لأيام الأحلام العريضة. - أنا يمني واسأل التاريخ عني أنا يمني! ولا أرد، فأنا مشغول بالطريق المظلم وكيف ألحق الرحلة مغادراً الوطن المعطاء في ظلام دامس كما دخلته في ظلام (أكثر دماسة)