في الأسبوع الأخير من عام 2011، كتب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في رسالته الأسبوعية: «والآن الجماعة أصبحت قريبة من تحقيق غايتها العظمى والتي حددها حسن البنا، مؤسس الجماعة، وذلك بإقامة نظام حكم عادل رشيد بكل مؤسساته ومقوماته، يتضمن حكومة ثم خلافة راشدة وأستاذية العالم»، بعد إعلانه رسميًا عن نشأتها، قضى حسن البنا، مؤسس الجماعة، عشرين عامًا، يؤسس لحلمه لبنة فوق لبنة، ورسالة بعد رسالة، يرسم فيها المسار الذي يراه كفيلًا بالوصول إلى إعادة دولة الخلافة التي شهد انتهاءها بالثورة العلمانية التركية عام 1923. وخلال حياته وبعد اغتياله قضت الجماعة 85 عامًا في مهادنة السلطة كثيرًا، ومراوغتها غالبًا، والتصادم معها أحيانًا، وانتهت إلى أن صارت هي «السلطة» لعام كامل، راودت فيه أمارات التمكين أذهان جنود الجماعة وقيادييها، حتى إذا ظنوا أنهم أمسكوا بمفاتيح خزائن الأرض بحسب التعبير القرآني، أضاء نجم الجماعة ثم احترق، لتؤدي جملة من الأخطاء والمذابح التي ارتكبها وساندها قياديو الجماعة إلى تراجع كاسح في شعبيتها، ويدخل حلم البنا الذي ظن المرشد العام «محمد بديع» أنه صار قاب قوسين أو أدنى، في حالة موات ربما يكون مؤقتًا.
في هذا الملف تعرض «المصري اليوم» خمس لقطات لخمس شخصيات من أبرز قياديي الجماعة الذين كادوا أن يمسكوا بحلم البنا.. فأضاعوه.
خيرت الشاطر.. مهندس النهضة الذي هدم الجماعة
«يوسف الذي خرج من السجن ليحكم مصر»، منذ إعلان جماعة الإخوان عن اعتزامها ترشيحه ليتولى رئاسة الجمهورية صارت العبارة السابق ذكرها علامة على خيرت الشاطر، أحد أكبر التجار المسيطرين على سوق بيع التجزئة، والمسيطر هو وصديقه حسن مالك على الحافظة المالية لجماعة الإخوان المسلمين، استدعى ترشح «الشاطر» للرئاسة إعادة تهيئة لصورته عند الناس، فسرعان ما تم تهذيب لحيته وتقصيرها وظهر في البرامج الحوارية ليتحدث بصوت خفيض هادئ وابتسامة ثابتة عن احتواء الجميع والتزامه حال تسميته رئيسًا بتحقيق الإجماع الوطني وتنفيذ مطالب الثورة. المزيد
محمد مرسي.. شهاب «الإخوان المسلمين» الذي أحرق الجماعة
«أعطوا الإسلاميين فرصة ليكتشف الناس أن الشعارات وحدها لا تكفي».. قالها دكتور محمد البرادعي الذي فوضته قوى المعارضة للتحدث باسمها لرسم خارطة المرحلة الانتقالية الثانية، بعد ظهور مؤشرات استحواذ القوى الإسلامية على البرلمان في ديسمبر 2011، بعد أسابيع قليلة من معارك محمد محمود وأثناء المذابح التي شهدتها أحداث مجلس الوزراء، بينما تجري الانتخابات البرلمانية على قدم وساق.
بعد أشهر قليلة من مقولة البرادعي، سيطر الإسلاميون وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين على غرفة البرلمان الأولى، ثم غرفة البرلمان الثانية، وسرعان ما وجد الإسلاميون أنفسهم تحت الأضواء الكاشفة للإعلام والسخرية الشعبية اللاذعة التي طالت أداءهم البرلماني، مما كاد يطيح بفرص المرشح الاحتياطي للجماعة «محمد مرسي» في الفوز بمقعد رئاسة الجمهورية، بعد أن استحضر منافسه «أحمد شفيق» كل خطايا التيار الإسلامي في البرلمان لينقض بها على منافسه مرشح ذلك التيار، لكن مساندة عدد من شباب القوى الثورية لمحمد مرسي على حساب منافسه وإضفاء صفة مرشح الثورة عليه، أسهمت في حشد التصويت. المزيد
محمد بديع.. مرشد «الإخوان» الذي سقط بأمر الشعب
تنحصر المنافسة على أكثر الجمل ترديدًا وإثارة للتساؤل مما صدر على لسان قادة جماعة الإخوان المسلمين بين الرئيس محمد مرسي والقيادي صبحي صالح، وأخيرًا الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين نفسه.
فمنذ المعركة التي دارت رحاها أمام مكتب الإرشاد بين شباب جماعة الإخوان المسلمين وعدد من الكوادر السلفية والجهادية المؤيدة وقوات الشرطة من جانب، والجموع الثائرة الرافضة لحكم الجماعة على الجانب الآخر، وقف المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مؤتمر صحفي عقده في الثالث عشر من يناير المنقضي، يستعرض الخسائر التي منيت بها الجماعة وشهدائها في الاشتباكات متسائلاً «ما ذنب النباتات». المزيد
سعد الكتاتني.. وريث فتحي سرور في مجلس الشعب
عندما خطا في خُيلاء إلى بهو مجلس الشعب الذي اعتصم فيه يومًا ضد قانون الطوارئ، تبعه عمال يحملون صورة زيتية ضخمة تحمل وجهه الممتلئ ذا الابتسامة الضيقة، الثقة التي جلس بها وسط القاعة متعمدًا تجاهل الكاميرا كلما وجهت بؤرتها إلى وجهه، كانت تقول لمن يجرؤ على المنافسة: «أنا سيد هذا المكان».
لم يدخر الدكتور محمد سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب المنحل، رئيس حزب الحرية والعدالة «خلفًا لرئيس الجمهورية المعزول محمد مرسي» وسعًا في السيطرة على منصة طالما جلس عليها فتحي سرور، واحد من أهم الداعمين القانونيين للرئيس المخلوع حسني مبارك، وكما اصطحب الكتاتني صورته الزيتية الضخمة قبل إجراء الانتخابات الداخلية التي انتهت باختياره رئيسًا للمجلس بدعم من نواب أحزاب «الحرية والعدالة والنور والأصالة والحضارة والبناء والتنمية» وأحزاب إسلامية أخرى، اصطحب القيادي الإخواني القادم من شمال الصعيد معه كرسيًا فخمًا جديدًا ليجلس عليه فوق المنصة، بعد استبعاد الكرسي الذي طالما جلس عليه رؤساء المجلس السابقون. المزيد
محمود عزت.. حامي «التنظيم» الذي أضاع حلم التمكين
«لا مفر من تطبيق الحدود ولكن بعد امتلاك الأرض».. بثقة أطلق نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، ورفيق دربه، هذا التصريح في أبريل 2011، في مؤتمر بإمبابة بعد أقل من ثلاثة أشهر من قيام الثورة، أصدر دكتور محمد عزت بيانًا رسميًا بعد أيام من نشر تصريحه السابق، نفى فيه ورود التصريح على لسانه واتهم الإعلام بالتلفيق، إلا أن ظهور فيديو يؤكد صحة ورود التصريح على لسانه، أكد أن رجل التنظيم القوى في جماعة الإخوان المسلمين، يتحدث بلسان حال قطاع لا يستهان به داخل الجماعة، ذلك القطاع الواسع الذي حسم انتخابات مجلس الشورى ومكتب الإرشاد قبل أعوام قليلة، ليصعد أبناء الجناح المحافظ ويسيطروا على عقل الجماعة وأطرافها الفاعلة، ومن هؤلاء الأبناء المخلصين محمود عزت وخيرت الشاطر. وإن كان خيرت الشاطر «مهندس النهضة وأحد واضعي مشروع التمكين» قد انضم للإخوان قادمًا من حضن اليسار الذي انتمى له لفترة قصيرة خلال دراسته الثانوية ثم أوليات أشهر دراسته الجامعية، فمحمود عزت هو ربيب التنظيم الخاص الذي كاد أن يصبح جسمًا مستقلًا عن الجماعة في حياة مؤسسها حسن البنا، وتعلق قلبه بالجماعة منذ نشأته المبكرة بحي العباسية.
في الستينيات، طال السجن محمود عزت، ابن المقاول الثري وربيب العاصمة، ليتعرف الطبيب الشاب وقتها خلال اعتقاله على أفكار المنظر الراحل «سيد قطب»، تبنى عزت تلك الأفكار التي كان يعدها أبناء الجماعة أنفسهم تمثل قطيعة مع تراث الإمام المؤسس، وتضع منهجًا جديدًا يهدف لتأسيس «دولة إسلامية على أنقاض الدول القائمة بالفعل»، بحسب دراسة للباحث الراحل حسام تمام.
وعندما خرج محمود عزت من السجن، اختاره مصطفى مشهور «صار لاحقًا مرشدًا عامًا للجماعة»، ليصبح أحد أعمدة بناء التنظيم الدولي، محمود عزت يجمعه بالمرشد العام الحالي محمد بديع كون كليهما ربيب أفكار سيد قطب الأكثر محافظة «بحسب بحث للراحل حسام تمام بعنوان الإخوان والإصلاح قراءة في الجدل والتدافع الداخلي».
كان صعود بديع وعزت وزملائهما من المتشبعين بأفكار «قطب»، دليلًا يثبت للباحثين في شؤون الحركات الإسلامية رؤيتهم الذاهبة لأفول نجم التيارات الإصلاحية داخل الحركات الإسلامية.
عقب الثورة اضطرت الجماعة لمواراة حامي التنظيم «محمود عزت» عن أعين الإعلام، في محاولات منها للإبقاء على القبول الاجتماعي للجماعة وقياديها، في مرحلة تسعى فيها للوصول للحكم بعد ثمانين عامًا من لعب الأدوار المساعدة، ولجأت الجماعة في هذا السياق لإخفاء الأصوات الأكثر محافظة، التي أصبحت مسيطرة على بنيتها التنظيمية ومكتب إرشادها بالفعل بعد إقصاء أغلب رموز تيار الإصلاح وأبرزهم عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب.
كان محمود عزت، بحسب دراسات المهتمين بالإسلام السياسي، وعلى رأسهم حسام تمام هو المهندس الحقيقي لسيطرة التيار القطبي «بديع- الشاطر- الجزار- الكتاتني- محمد مرسي- العريان- البلتاجي» على مقدرات الجماعة، لتكون خياراته التي عملت على إقصاء الأصوات الإصلاحية التي تعرب عن ميل للتصالح والمشاركة مع القوى السياسية الأخرى، خطوة على طريق انهيار حلم التمكين القديم