لا تكمن المأساة التاريخية لمحافظة إب في أن نظام حكم الائمة استباحها لرجال قبائل شمال الشمال طوال اربعمائة سنة, ومنحهم أراضيها وممتلكاتها في مقابل إخضاعها لسيطرة ذلك النظام تحت غطاء الانتصار للمذهب والدين.. المأساة تمتد حتى اليوم وتعيش مناطق المحافظة فصولًا جديدة منها, لأن اولئك الذين استولوا على مساحات شاسعة من أراضيها الزراعية وكوّنوا ثروات مهولة من وراء ذلك ومن ثم باتوا شيوخًا لمناطقها وقادة لفروع احزابها وممثلين لها في البرلمان لا يزالون يرفضون الاندماج في سكانها.. من يرون في أنفسهم "نقايل" من مناطق شمال الشمال, ويفاخرون بذلك ما زالوا يفاخرون بانتماءاتهم القبلية، بل ويستنجدون بها لضمان استمرار قصة الإذلال التاريخية التي نكبت بها المحافظة عقب ثورة الفقيه سعيد بن صالح سنة 1256ه ضد الإمام الهادي محمد بن المتوكل.. لا أبحث في الاصول ولا أتبنى نزعة مناطقية أو جهوية لكني أبوح بغصة تتكرر فصولها كل يوم بمساندة رسمية سواء من السلطة الحاكمة في صنعاء أم ممثليها في المحافظة ومن الاحزاب السياسية ايضًا, غصة مصدرها أن هؤلاء يتعاملون بتعالٍ على بقية السكان, ويرون أن من المعيب عليهم الانتساب للمنطقة التي ولد فيها اجدادهم وآباؤهم, ومع هذا يحتفظون بحق احتكار تمثيل ابناء اب في مؤسسات الدولة والأحزاب.. في إب فقط يأتي احدهم ليترشح في دائرة انتخابية ومن ثم يقوم بإحضار حراسته الشخصية من المنطقة التي انحدر منها اجداده قبل مئات السنين، بل لا يخجل هذا النائب من القول إنه مستعد لأن يكسر عسيبه لو أنه من ابناء المحافظة, وهي تصرفات تلاقي من السلطات ما يسندها بل ويغذيها ويشجع عليها.. منذ ثلاثة ايام كان صوت مجروح الكرامة يهاتفني ولا يعرف اسمي كاملا يروي فصلًا جديدًا من فصول الاستباحة, عائلة بيت ضاوي تقول إنها من "برط", استقدمت المئات من المسلحين القبليين من الجوف الى عاصمة المحافظة واستباحتها, لمساندتهم في واقعة تبادل إطلاق نار مع عائلة مارح على خلفية ادعاء اولئك ملكية مساحة من الأرض.. هناك شخص قتل في تبادل إطلاق النار وكبير عائلة مارح وابنيه مصابون وموضوعون في السجن المركزي على ذمة القضية, لكن ذلك لم يكن ليرضي عنجهية من يعتبرون أنفسهم من جنس أرقى ومن منطقة أهم, والسلطات كانت مستعدة للتعامل مع هذا وتركت للمسلحين أن يفعلوا ما يشاؤون.. تم محاصرة النساء والأطفال وقطع الكهرباء والمياه عن عائلة مارح بل ومنعت عنهم الأغذية واقتحم المسلحون الذين تم الاستعانة بهم كما في حوادث كثيرة دورين من البيت ويحاصرون النساء والأطفال في الدور الثالث منذ أسبوع.. هذا الكلام قاله مدير أمن محافظة اب, وردده أحد من يسمون أنفسهم مشايخ لمجرد أنه من برط ايضًا, ولكن الرجلين بررا هذا الفعل واقترحا إدخال الشرطة النسائية إلى المنزل للتأكد من عدم وجود رجال بين النساء والأطفال المحاصرين منذ أكثر من أسبوع.. وفيما كان أصحاب الشهامة يقتحمون البيت ويرعبون النساء كان آخرون يستولون على محطة الغاز التي يمتلكها رجل الأعمال مارح, ومحطتين للبترول وقاموا ببيع ما في المحطتين وقبضوا الثمن, وكان آخرون يقتحمون سوق القات المركزي وينهبون ما بداخله عنوة ويتجولون في الشوارع فيما نائب المحافظ المسخ يتفقد المصالح الحكومية للتأكد من الانضباط الوظيفي عقب إجازة عيد الفطر.. أتذكر أن المحافظ الجسور أحمد الحجري عقد لقاء مع عدد من وجهاء المحافظة قبل سنوات وناشدهم عدم الاستعانة برجال القبائل في النزاعات التي تحصل داخل المحافظة, وأتذكر جيدًا أن قبائل الحدى استباحت المدينة وقتلت صلاح الرعوي، وهو داخل سجن المباحث الجنائية, ومن ثم رددوا زوامل الشجاعة في قلب المدينة دون أن يعترضهم أحد.. لم يعد هناك من يخجل مما تتعرض له محافظة إب من إذلال واستباحة, لا رئيس حكومة الوفاق, ولا الرئيس هادي الذي حصد أعلى الأصوات منها, ولا الأحزاب التي اعتبرتها خارج اهتماماتها "الوطنية الكبيرة"، بل إن ابناء المحافظة على كثرة المناصب التي يتقلدونها باتوا يتعايشون مع هذا الإذلال باعتباره واقعًا لا يمكن تغييره أو إيقافه.. لم يعد أمام أبناء إب إلا انتهاج طريق الحراك الجنوبي في مواجهة بربرية الزاحفين عليه من الشمال, حيث لم يكتفِ هؤلاء بنهب أراضي الجنوب, وبيع مؤسسات دولته وإبعاد أبنائه من وظائفهم بل تعاملوا معهم باعتبارهم مواطنين من الدرجة الأدنى, لكن الحراك الجنوبي وبعد سنوات من النضال السلمي انتصر للذات الجنوبية