نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    دولة الأونلاين    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    احتجاجات في لحج تندد بتدهور الخدمات وانهيار العملة    جمعية التاريخ والتراث بكلية التربية تقيم رحلة علمية إلى مدينة شبام التاريخية    تعاميم الأحلام    مقتل مواطن وإصابة آخر دهسا بطقم حوثي جنوب الحديدة    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    يافع تودع أحد أبطالها الصناديد شهيدا في كسر هجوم حوثي    لليمنيّين.. عودوا لصوابكم ودعوا الجنوبيين وشأنهم    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    نصف الراتب المتعثر يفاقم معاناة معلمي وأكاديميي اليمن    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    درب الخلاص    (السامعي) .. دعوات متكررة للحوار الوطني    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مأزق الترويكا: تداعيات اغتيال شكري بلعيد على الانتقال الديمقراطي بتونس
نشر في المساء يوم 16 - 02 - 2013

فيما كان ينتظر إجراء تعديل حكومي في تونس، وإقرار مسودة الدستور قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، إيذاناً بانتهاء المرحلة الانتقالية، فقد شهدت البلاد أزمة سياسية وأمنية حادة باغتيال الناشط اليساري المعارض شكري بلعيد في 6 فبراير 2013، عندما اُستهدِف من قِبل مجهولين أمام منزله الواقع في ضاحية "المنزه" بتونس العاصمة، في سابقة عُدّت الأولى في تونس منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل عامين.
وضاعف من تأثير عملية الاغتيال أنها جاءت فيما تعيش البلاد على وقع توتّر حاد بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في تونس خلال المرحلة الانتقالية، وتراجع الوضع الأمني، في ظل انتشار السلاح، وأعمال عنف نفذتها مجموعات سلفية متشددة، وذلك مع تزايد حدة الاستقطاب بين الحكومة والمعارضة بسبب عدم الاتفاق على تسوية بشأن التعديل الحكومي لرفض حركة "النهضة" التي تقود الترويكا الحاكمة التخلي عن وزارات رئيسية لمصلحة المعارضة، وخصوصاً وزارات الداخلية، والعدل، والخارجية، فيما هدد الائتلاف الديمقراطي وحزب التكتل، حليفا "النهضة" في الحكومة، بالانسحاب من الائتلاف، في حال رفض الحزب الإسلامي الاستجابة لمطالبهما. وعلى ذلك، لم يكن غريباً أن يثير حادث اغتيال بلعيد تداعيات خطيرة على الساحة التونسية، وذلك مع تباين التقديرات حول الجهة المسئولة عن اغتياله.
اختلاف ردود الفعل حول اغتيال بلعيد:
شكري بلعيد هو أحد أبرز وجوه المعارضة في تونس، وقد عُرف بنضاله السياسي خلال حكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. وبعد قيام الثورة التونسية، انضم إلى الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، وكان يشغل أيضاً منصب الأمين العام للتيار الوطني الديمقراطي المعارض، الذي أنشئ بعد الثورة، ويعد من أبرز قياديي "الجبهة الشعبية" التي تضم شخصيات مستقلة، و12 حزباً من الأحزاب القومية واليسارية والعلمانية، وقد اشتهر كذلك بنقده اللاذع لحركة "النهضة" الإسلامية.
وفي ضوء ذلك، اختلفت ردود الفعل حول حادث اغتيال بلعيد. ففي حين وجهت تيارات داخل تونس اتهامات للحكومة ولحركة "النهضة" بالمسئولية المباشرة أو غير مباشرة عن الحادث، في ظل اتهامات للحركة التي تقود الائتلاف الحاكم بالتساهل مع دعاة العنف من أنصار التيارات الدينية المُتشددة، فقد أكدت "النهضة" من جانبها مع تيارات أخرى أن حادث الاغتيال مخطط لنشر الفوضى في البلاد.
فعلى الجانب الأول: وعلى الرغم من عدم تبني جهة محددة لاغتيال بلعيد، فقد حمّلت أسرته و"الجبهة الشعبية" التي ينتمي إليها الحكومة التونسية، ووزارة الداخلية، وحركة "النهضة" مسئولية اغتياله، على اعتبار أنه حتى لو لم تكن تلك الجهات على صلة مباشرة بعملية الاغتيال، فإنها مسئولة بالإهمال أو التقصير في أداء واجباتها بحماية المواطنين ، كما أن بلعيد نفسه اتهم الحركة في آخر مداخلة تليفزيونية له ليلة مقتله بالتشريع للاغتيال السياسي بعد ارتفاع اعتداءات "الرابطة الوطنية لحماية الثورة"، والتي ظهرت خلال الأشهر القليلة الماضية وتقول إنها تحارب الفساد، وتسعى وراء فلول نظام بن علي.
غير أن زعماء المعارضة مثل بلعيد قالوا إن تلك الجماعات أصبحت كتائب مسلحة تدعمها الحركة من أجل استهداف الشخصيات المعارضة في البلاد، حيث شهد الأسبوع الذي سبق اغتيال بلعيد سلسلة من الهجمات ضد الاجتماعات والفعاليات التي تنظمها المعارضة، بما في ذلك مسيرة نظمتها "الجبهة الشعبية" في شمالي تونس. وكذلك، فقد سبق أن تلقى بلعيد في مناسبات عدة تهديدات بالقتل، وأنشئت صفحات على "فيسبوك" تتهمه بالعمالة والإلحاد وتطالب بقتله، وقد حذفت هذه الصفحات بعد مقتله مباشرة، وقد اتهمه وزير الداخلية، علي العريض، المنتمي إلى حركة "النهضة" مع قيادات أخرى، بالوقوف وراء اضطرابات اجتماعية انتهت إلى أعمال عنف وحرق شهدتها البلاد، لكنه كان ينفي ذلك، مؤكدًا وقوفه إلى جانب المطالب الاجتماعية، وانتهاجه السلم لتحقيق غاياته السياسية.
ولكن على الجانب الآخر، فقد صدرت بيانات من جانب عدد من القيادات التونسية، داعية إلى التحلّي بالحكمة، وترجيح المصلحة الوطنية عند ردّ الفعل على عملية اغتيال بلعيد التي وصفها رئيس الحكومة حمّادي الجبالي ب"العملية الإرهابية"، و"اغتيال للثورة التونسية"، وذلك مع التلميح إلى أن الجهة الوحيدة المستفيدة من عملية الاغتيال هي عناصر النظام القديم "الذي بات يخشى الاندثار"، على حد تعبير البعض.
من جانبه، وصف رئيس حركة "النهضة"، راشد الغنوشي، عملية اغتيال بلعيد بالجريمة "النكراء" التى تهدّد بزج تونس فى مستنقع العنف والفتنة والجريمة السياسية لإجهاض الثورة، مؤكداً أن "النهضة" بريئة تماماً من حادث اغتيال بلعيد، وقال: "من المستحيل أن يُقدم الحزب الحاكم على مثل هذا الاغتيال الذي سيعطل الاستثمارات والسياحة"، وألقى باللوم في ذلك على "من يسعون إلى إخراج تونس عن مسار الانتقال الديمقراطي بعد الانتفاضة الشعبية عام 2011 ، في الوقت نفسه، توعد وزير الداخلية التونسي، القيادي البارز في "النهضة"، بتعقب الجناة المسئولين عن اغتيال بلعيد.
في حين أن الرئيس منصف المرزوقي، الذي اضطر إلى قطع زيارته إلى فرنسا، وإلغاء مشاركته في قمة منظمة المؤتمر الإسلامي التي عقدت في القاهرة والعودة بشكل عاجل إلى تونس، قد وصف اغتيال بلعيد بأنه "تهديد من قِبل أعداء التحول الديمقراطي"، وهو ما ترفضه تونس"، معلناً الحداد العام في البلاد، وذلك مع دعوة الرئاسة التونسيين إلى "التنبه إلى مخاطر الفتنة، وضبط النفس، والتروي في تحليل هذه الجريمة النكراء ، ونسبة المسئولية عنها إلى جهة أو أخرى".
تداعيات حادث اغتيال بلعيد على الساحة التونسية:
كان لحادث اغتيال بلعيد تداعيات واسعة على الساحة الداخلية التونسية في ظل الأزمة السياسية الحادة التي تعانيها تونس خلال المرحلة الانتقالية التي كان مقرراً أن تنتهي في أكتوبر من عام 2012، ولكنها امتدت بسبب الخلافات السياسية القائمة في البلاد. من ذلك، كان لحادث الاغتيال تداعياته على الساحة الداخلية، وعلى أكثر من صعيد.
- فمن ناحية أولى، خرج آلاف التونسيين في مظاهرات حاشدة في عدد من المدن التونسية مباشرة بعد اغتيال بلعيد، احتجاجاً على الحادث وللمطالبة بحل الحكومة الحالية، وطالب المتظاهرون ب"سقوط النظام". وفي إطار تلك المظاهرات، تم حرق مقرات للنهضة في محافظات "قفصة"، و"المنستير"، و"سليانة"، و"نابل"، كما شارك عشرات الالاف في تشييع جثمان بلعيد، ورددوا هتافات ضد " النهضة".
- من ناحية ثانية، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل إضراباً عاماً يوم الجمعة الذي وافق 8 فبراير، حيث شيعت جنازة بلعيد، استنكاراً لاغتياله، واستجابة للدعوة التي وجهتها أحزاب تونسية معارضة، وهي أحزاب "الجمهوري"، و"المسار"، و"العمال"، و"نداء تونس"، إلى "تنظيم إضراب عام في يوم جنازة القتيل"، وإلى الحل الفوري ل"الرابطة الوطنية لحماية الثورة"، للشكوك في كونها أداة في يد حركة "النهضة" الحاكمة لتصفية حساباتها مع خصومها السياسيين، وطالبت أيضاً برحيل علي العريض، وزير الداخلية والقيادي في الحركة. ونظراً للإضراب العام، فقد ألغيت يوم تشييع جثمان بلعيد كل الرحلات الجوية من وإلى تونس، وشمل الإلغاء أيضاً حركة النقل الجوي داخل تونس، وهذه أول مرة تُشلّ فيها حركة النقل الجوي بالكامل منذ الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، وأغلقت كذلك البنوك، والمصانع، وبعض المتاجر أبوابها استجابة لدعوة الإضراب.
- ومن ناحية ثالثة، دعت أحزاب "الجمهوري"، و"المسار"، و"العمال"، و"نداء تونس"، خلال اجتماع عقدته بالعاصمة تونس، إلى تعليق عضوية الأحزاب المعارضة في المجلس الوطني التأسيسي المكلف بصياغة دستور للبلاد، رداً على اغتيال بلعيد، وذلك بعد أن قررت "الجبهة الشعبية" الانسحاب من المجلس الذي قرر من جانبه تعليق أعماله تعبيراً عن إدانته الشديدة، ورفضه المطلق لهذا الاغتيال الذي استهدف إحدى الشخصيات الوطنية والرموز السياسية. وندد المجلس بكل مظاهر العنف والاحتقان والأعمال الإجرامية التي تتنافى مع أهداف الثورة، وتعرقل مسار الانتقال الديمقراطي.
وذلك فيما طالب معارضون بحل الجمعية الوطنية التأسيسية التي لم تتمكن منذ 15 شهراً من صياغة دستور في غياب تفاهم بين ثلثي النواب. وقد عُدت تلك الدعوة هي الأخطر على المسار السياسي في تونس منذ إسقاط نظام بن علي، واعتبارها من قِبل أنصار "النهضة" وبعض الأطراف السياسية بمنزله انقلابا على الشرعية الدستورية والشعبية، مما قد يُدخل البلاد في نفق مظلم، ويفتح المجال لتدخل الجيش بشكل مباشر، أو قد يدفع باتجاه نشر الفوضى في البلاد.
ونظراً للتداعيات الخطيرة التي ترتبت على اغتيال بلعيد، وفي رد فعل سريع على حادث الاغتيال والمظاهرات الواسعة التي خرجت في تونس تنديداً به، أعلن رئيس الحكومة، حمّادي الجبالي، أنه سيحل الحكومة، ويشكل حكومة كفاءات وطنية من خارج الأحزاب السياسية حتى إجراء الانتخابات، وذلك بعد إخفاق الأحزاب في إجراء تعديل وزاري. وأوضح أن الوزراء الجدد سيكون لديهم تفويض لإدارة شئون البلاد لحين إجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن. وطالب الجبالي أعضاء ورئيس المجلس التأسيسي، مصطفى بن جعفر، بتحديد "تاريخ واضح وفي أقرب وقت للانتخابات القادمة حتى يمكن الخروج بالبلاد من الوضع الاجتماعي والاقتصادي والأمني الصعب"، كما اشترط على الذين سيكونون في الحكومة التي ستقتصر مهمتها على تسيير شئون البلاد عدم الترشح في الانتخابات القادمة، ودعا الشعب والمنظمات والأحزاب إلى مساندة تلك الحكومة.
ولكن حركة "النهضة" الحاكمة أعلنت اعتراضها على مقترح الجبالي، وقال نائب رئيس الحركة، عبد الحميد الجلاصي، إن: "رئيس الحكومة لم يستشر حزبه في القضية، الحزب الأكثر تمثيلاً في البرلمان، ولا حتى الائتلاف الثلاثي الحاكم". وأضاف أن "تونس بحاجة إلى حكومة سياسية الآن، وسنواصل محادثاتنا مع أحزاب سياسية أخرى لتشكيل حكومة ائتلافية". وفي المقابل، فقد عبّرت المعارضة عن ترحيبها بمقترح الجبالي، مطالبة بأن يتشاور معها قبل اتخاذ أي خطوة لحل الحكومة، ولكن حمة الهمامي، الناطق الرسمي باسم "الجبهة الشعبية"، قال: "نطالب باستقالة الحكومة كاملة، بمن فيها رئيس الحكومة. مفاوضات يجب أن تجري بين الجميع لتحديد ماذا يجب أن نفعل، وأي خطوات يجب اتخاذها"، وهو ما رأى فيه البعض محاولة من جانب المعارضة للاستفادة من الأزمة، مما قد يفجّر المزيد من الاضطرابات.
غير أن الجبالي شدد من ناحيته على تمسكه بتشكيل حكومة تكنوقراط، معلناً أنه لن يذهب إلى المجلس الوطني التأسيسي للحصول منه على تزكية لهذه الحكومة، وذلك في محاولة للخروج من المأزق الحالي في تونس، وتوضيح الجبالي بهذا الشأن أن الحكومة ستكون "مصغرة"، وستتشكل من "أبرز ما لدينا من كفاءات، وفي كل الوزارات السيادية وغيرها، تعمل على الخروج من هذه الوضعية"، ومجدداً تأكيد أن مهمة الحكومة التي ستكون "محدودة" في الزمن تتمثل في "تسيير شئون الدولة والبلاد لحين إجراء انتخابات سريعة".
ويرجح البعض أن تتراجع "النهضة" عن قرارها، وتقبل بمقترح الجبالي بتكوين حكومة انتقالية تكون محلّ توافق نسبي بين جميع الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد، بما في ذلك المؤسسة العسكرية، وقد يكون هذا السيناريو هو الأقرب للتحقيق لاعتبارات عدة، منها إدراك الطبقة السياسية التونسية ككل لخطورة الأوضاع التي تمر بها البلاد، ووعيها الشديد بما تتعرض إليه التجربة التونسية. كما يبدو أن مسألة تراجع "النهضة" عن قرارها وارد بالاستناد لبعض السوابق، ومنها تراجعها عن موقفها الحاد من مسألة الفصل الأول من الدستور حول مدنية الدولة، وكذلك الأمر بالنسبة لقضية الفصل "28" من الدستور حول المساواة بين المرأة والرجل وقبولها به.
تداعيات حادث الاغتيال على دول "الربيع العربي":
كان لحادث اغتيال المعارض التونسي تداعياته أيضاً على دول "الربيع العربي" التي تأثرت كثيراً بمجريات الثورة التونسية. وهناك اعتقاد سائد في مصر منذ انطلاق "ثورة 25 يناير" أن تونس تسبق مصر بخطوة، والمعنى مفهوم، لأن الثورة المصرية أسقطت نظام حسني مبارك، بعدما أطاحت الثورة التونسية بحكم بن علي، وكذلك لأن كل انتخابات أو استفتاءات مصرية بعد الثورة تفوق فيها الإسلاميون، كما الحال تونس، ولأن الارتباك والفوضى والأزمات السياسية ضربت مصر بعدما عاناها التونسيون أولاً.
ومن هنا، سادت مخاوف لدى البعض من أن ينتقل حدث الاغتيال في تونس إلى الساحة المصرية، وخصوصاً مع الاحتقان الذي تعانيه البلاد ما بين التيارات المدنية والتيارات الدينية، وصدور فتاوى بجواز قتل المعارضين المنضوين في إطار "جبهة الإنقاذ" لخروجهم عن الحاكم، لتضطر الداخلية المصرية إلى تعيين خدمات أمنية على منزلي الدكتور محمد البرادعي، رئيس حزب "الدستور"، وحمدين صباحي، قائد "التيار الشعبي".
ولقيت فتاوى قتل المعارضين إدانة واسعة من مؤسسة الرئاسة المصرية والأزهر وقوى وتيارات إسلامية، حيث أدان عدد من ممثلي الجماعة الإسلامية، وجماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور السلفي، مثل تلك الفتاوى، منددين كذلك باغتيال المعارض العلماني البارز، شكري بلعيد. فيما أعلن مجلس الوزراء في مصر أنه بصدد دراسة الإجراءات القانونية التي يمكن اتخاذها ضد كل من يُصدر أو يُروّج لدعاوى أو فتاوى تحض على العنف، واعتبار مثل تلك الفتاوى "تُحَرّض بشكل مباشر على القتل وتثير الفتن والاضطراب".
وذلك في حين حذرت الحكومة الليبية من أنها ستواجه أي أعمال عنف خلال المظاهرات المرتقبة في ذكرى ثورة 17 فبراير، مشيرة إلى تحركات مشبوهة لأنصار النظام السابق، في ظل دعوات إلى "ثورة ثانية". وقال رئيس الحكومة، علي زيدان، مخاطباً الليبيين: "إن عناصر مضادة للثورة تتحرك بشكل مريب في الساحة الليبية"، وحثّ الليبيين على المساعدة في بناء الدولة كي تتصدى للعناصر التي قال إنها تريد تحويل البلاد إلى أفغانستان أو الصومال. إذ وُزّعت في العاصمة طرابلس، قبيل ذكرى الثورة، منشورات تدعو إلى "انتفاضة شعبية وعصيان مدني لإسقاط النظام"، وتحثّ السكان على تخزين المواد الغذائية والوقود، ترقباً للإضراب العام، ابتداءً من 15 فبراير الجاري، اعتراضاً على أداء المؤتمر الوطني العام (الجمعية التأسيسية)، وإخفاقه في إحراز تقدم فيما يتعلق بكتابة الدستور والمصالحة الوطنية وتوزيع الثروات الوطنية، وأيضاً لتأخر تحقيق الاستقرار في ظل المصادمات الأمنية التي لا تزال تشهدها البلاد، حتى بين التيارات الثورية المختلفة، وذلك مع مطالبات بإقرار قانون العزل السياسي، وحل التشكيلات المسلحة، وتحسين الأوضاع المعيشية، وفرض الأمن.
كل ما سبق إنما يشير إلى تحديات حقيقية تواجهها دول "الربيع العربي"، يُتطلب معها التضامن، والحوار، والعمل على إعلاء المصلحة الوطنية على حساب المصالح الحزبية الضيقة، والإعلان بكل حزم عن نبذ العنف، ومعاقبة المحرضين عليه، وعدم إعطاء أي فرصة لإجهاض الثورات العربية التي خرجت مطالبة بالحرية، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية.
تعريف الكاتب:
باحثة متخصصة في الشئون العربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.