موعد والقنوات الناقلة لمباراتي برشلونة ضد سان جيرمان ودورتموند ضد أتلتيكو مدريد    معهد دولي أمريكي: أربعة سيناريوهات في اليمن أحدها إقامة دولة جنوبية    زيارة بن مبارك إلى المكلا لإقتسام أراضي الخور والطريق الدائري الجديد    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    انتشال جثتي طفلتين من أحد السدود بمحافظة صنعاء وسط مطالبات بتوفير وسائل الحماية الأزمة    ما وراء امتناع شركات الصرافة بصنعاء عن تداول العملة النقدية الجديدة !    تحذير حوثي من هجرة رؤوس الأموال والتجار من اليمن نتيجة لسياسية النهب    حكم الجمع في الصيام بين نية القضاء وصيام ست من شوال    نجحت بأوكرانيا وفشلت بإسرائيل.. لماذا أخفقت مسيّرات إيران؟    هل ستطيح أمريكا بالنظام الإيراني كما أطاحت بنظام "صدام حسين" وأعدمته بعدما قصف اسرائيل؟    ماذا يحدث بصنعاء وصعدة؟؟.. حزب الله يطيح بقيادات حوثية بارزة بينها محمد علي الحوثي وعبدالملك يضحي برجالاته!    لا داعي لدعم الحوثيين: خبير اقتصادي يكسف فوائد استيراد القات الهرري    اليمن يطرح مجزرة الحوثيين بتفجير منازل رداع على رؤوس ساكنيها في جلسة لمجلس الأمن الدولي    "إيران تسببت في تدمير التعاطف الدولي تجاه غزة"..كاتب صحفي يكشف عن حبل سري يربط بين اسرائيل وايران    - ماهي الكارثة الاليمة المتوقع حدوثها في شهر شوال أو مايو القادمين في اليمن ؟    مصرع جنديين وإصابة 4 في حادث انقلاب طقم عسكري بأبين والكشف عن حوادث السير خلال 24 ساعة    حضرموت تستعد للاحتفال بالذكرى الثامنة لتحرير ساحلها من الإرهاب    فيرونا يعود من بعيد ويفرض التعادل على اتالانتا في الدوري الايطالي    القوات الأمنية في عدن تلقي القبض على متهم برمي قنبلة يدوية وإصابة 3 مواطنين    الليغا .... فالنسيا يفوز على اوساسونا بهدف قاتل    نونيز: كلوب ساعدني في التطور    الحكومة: استعادة مؤسسات الدولة منتهى أي هدف لعملية سلام    مسلسل تطفيش التجار مستمر.. اضراب في مراكز الرقابة الجمركية    شيخ مشائخ قبائل العلوي بردفان والضالع يُعزَّي المناضل ناصر الهيج بوفاة زوجته    المبعوث الأممي يحذر من عواقب إهمال العملية السياسية في اليمن ومواصلة مسار التصعيد مميز    الوزير الزعوري يشيد بمستوى الإنضباط الوظيفي بعد إجازة عيد الفطر المبارك    إصدار أول تأشيرة لحجاج اليمن للموسم 1445 وتسهيلات من وزارة الحج والعمرة السعودية    خلال إجازة العيد.. مستشفيات مأرب تستقبل قرابة 8 آلاف حالة    إنتر ميلان المتصدر يتعادل مع كالياري بهدفين لمثلهما    كيف نتحرك في ظل هذه المعطيات؟    "العمالقة الجنوبية" تسقط طائرة مسيرة حوثية على حدود شبوة مأرب    جريمة قتل في خورة شبوة: شقيق المقتول يعفوا عن قاتل أخيه فوق القبر    البنك الدولي.. سنوات الصراع حولت اليمن إلى أكثر البلدان فقراً في العالم مميز    مجلس الامن يدعو للتهدئة وضبط النفس والتراجع عن حافة الهاوية بالشرق الأوسط مميز    العوذلي: البلاد ذاهبة للضياع والسلفيين مشغولين بقصّات شعر الشباب    إسرائيل خسرت 1.5 مليار دولار في ليلة واحدة لصد هجوم إيران    12 دوري في 11 موسما.. نجم البايرن الخاسر الأكبر من تتويج ليفركوزن    زواج الأصدقاء من بنات أفكار عبدالمجيد الزنداني    الوحدة التنفيذية : وفاة وإصابة 99 نازحاً بمأرب في حوادث حريق منذ العام 2020    هل يعيد التاريخ نفسه؟ شبح انزلاقة جيرارد يحلق في سماء البريميرليج    جماعة الحوثي ترفض التراجع عن هذا القرار المثير للسخط الشعبي بصنعاء    هل صيام الست من شوال كل إثنين وخميس له نفس ثواب صومها متتابعة؟    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    فضيحة جديدة تهز قناة عدن المستقلة التابعة للانتقالي الجنوبي (صورة)    الخميس استئناف مباريات بطولة كرة السلة الرمضانية لأندية ساحل حضرموت    البنك الدولي يضع اليمن ضمن أكثر البلدان فقراً في العالم    رئيس الوزراء يعود الى عدن بعد أيام من زيارته لمحافظة حضرموت    حلقة رقص شعبي يمني بوسط القاهرة تثير ردود أفعال متباينة ونخب مصرية ترفض الإساءة لليمنيين - فيديو    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    أهالي تعز يُحذرون من انتشار فيروس ومخاوف من تفشي مرض خطير    حتى لا يُتركُ الجنوبُ لبقايا شرعيةٍ مهترئةٍ وفاسدةٍ.    نزول ثلث الليل الأخير.. وتحديد أوقات لإجابة الدعاء.. خرافة    موجة جديدة من الكوليرا تُعكر صفو عيد الفطر في اليمن    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    يستقبلونه ثم تلاحقه لعناتهم: الحضارم يسلقون بن مبارك بألسنة حداد!!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    سديم    بين الإستقبال والوداع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بعد الحداثة أهم أفكارها ومجالات تأثيرها
نشر في المساء يوم 16 - 02 - 2013

ما بعد الحداثة، مصطلح يستخدم لتعيين جملة من الاستحداثات في الفنون، والفلسفة، والدين، والتكنولوجيا، ومجالات أخرى عديدة. وهي استحداثات جاءت بعد، ونتيجة للعدول عن كثير من تقاليد الحداثة الخاصة بالقرن العشرين.. وهناك جدل واسع حول معنى المصطلح ومضامينه. ويقال أيضاً إن ما بعد الحداثة لها علاقة بالثقافة الرأسمالية، في تطورها منذ الستينيات من القرن العشرين.. ويرى ناقدوها، بصورة عامة، بأن وجهات نظر ما بعد الحداثة تتميز ببرودها، وسخريتها، وتقبلها للتشظي الوجودي. وهي تميل إلى التركيز على سطح الأمور بدلاً من العمق، وإلى تعمية الفروق بين ما هو ثقافة راقية، وثقافة هابطة، وإلى تحدي طيف واسع من القيم الثقافية التقليدية.
وجهات نظر حول ما بعد الحداثة:
عرَّف المسرحي الفيلسوف فاكلاف هافل، رئيس جمهورية التشيك السابق، ما بعد الحداثة بأنها: «العلامات المميزة للفترات الانتقالية، وهي خليط ومزيج من الثقافات والتعددية، أو تعددية العوالم المادية والروحية، وهي فترات تنهار فيها كل نظم القيم المتسعة، عندما تكتشف الحضارات المتباعدة زماناً ومكاناً بعضها، أو يعاد اكتشافها. إنها فترة يتزايد فيها الميل إلى الاقتباس، والتقليد، والتضخيم، بدلاً من الانسجام، أو القول بوثوقية المرجع ذي السلطة.
وتتولد معانٍ جديدة بالتدريج من خلال التماس أو التقاطع بين العناصر الكبيرة. هذه الحالة العقلية، أو الفترة في عالم الإنسان، تسمى ما بعد الحداثة. وبالنسبة لي فإني أرى كتجسيد لما بعد الحداثة، بدوياً يمتطي جملاً، وتحت عباءته التقليدية يلبس بنطلون جينز، ممسكاً بجهاز ترانسيستور بيديه، في الوقت الذي يلتصق إعلان الكوكا كولا بمؤخرة جمله ».
الفشل المتراكم لمؤسسات الحداثة، والتقدمية الحداثية، صاحبه الشك في صحة القول بالتقدم المستمر في عالم مركب بطريقة شيطانية، تتمتع فيه أقلية قليلة بمعظم موارد العالم، بينما تزداد الأغلبية الفقيرة فقراً.
تقدم تكنولوجي في ظل مؤسسات وأنظمة عاتية تنفق على وسائل الدمار أكثر بكثير مما ينفق على التعليم والصحة.
مؤسسات تشيء الفن، وتعمل على نشر أنماط معولمة نمطية منه، في الملبس، وأدوات الزينة، والثقافة، وغيرها، وتتجاهل الثقافات غير المسيطرة، وتدمرها أو تتجاهلها.
أنماط المعمار الصندوقية المنتمية للعصر الصناعي تغزو العالم، دون نظر إلى الخصائص البيئية وهكذا تستمر السلسلة.
حركة ما بعد الحداثة هي حركة حنين في الفن للرومانسية، والحداثة الثورية الأولى، وتقول في الفن بإعلاء شأن الفن الشعبي وتمجيده.
وفي العمارة تتبنَّى البناء الوظيفي، ومحلية الأنماط الزخرفية، وشخصيتها. وفي السياسة تقول بنهاية الايديولوجيا، والعلمية المفرطة، مقابل اللامركزية في الإدارة والتعددية في الفكر. وتقول برفض مؤسسات العولمة العالمية، التي تفرض هيمنة الأقوياء في التجارة، والسياسة، والاقتصاد.
وهناك من يرى أنه قد ترافق مع سقوط الاتحاد السوفيتي، واشتداد حركات ما بعد الحداثة، بعث الأصوليات (الهندوسية، والمسيحية، والإسلامية) وظهرت تجلياتها السياسية في المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، وطالبان في العالم الإسلامي، وبهارايتا جاناتا في الهند. وكلها تقول بأن العقل هو العدو الأساسي للإيمان، وأنه يخوض معركة ضد الكلمة المقدسة، ويحتقر كل ما هو صادر عن الله.
وهناك عدد متزايد من الناس يؤمنون بفشل مؤسسات الحداثة، وخلال محاولة البحث عن إجابة على التساؤلات حول أسباب الفشل، أصبحت علامات الاستفهام توضع على كل التقاليد الإنسانية الغربية.
فقد اتضح أن الحداثة الغربية سقطت في الفساد والقمع على نطاق دولي واسع، وأنها فقدت بوصلتها وأصبحت تتخبط في ظلمات سلبياتها الخاصة.
وفي لفظ ما بعد الحداثة، يظهر نفس معاد للحداثة ومبادئها: كسلطة العقل، وامتلاك الحقيقة، والإيمان بالكمال الإنساني، والقول بأنه قادر على خلق الأفضل. وهذا الاتجاه يسمى الآن م بعد الحداثة الهدامة.
وهناك اتجاه آخر، يتوخى تعديل الحداثة، ويسمى ما بعد الحداثة البناءة، وهو ذو نفس إنساني، واتجاه عالمي شعبي، يعلى دور الناس على دور المؤسسات. وترى ما بعد الحداثة الهدامة أن الأفكار الحداثية حول المساواة والحرية، ليست أفكاراً طبيعية أو حقيقية في الطبيعة البشرية، ولكنها مجرد ابتداعات من صنع الإنسان، وذلك ظاهر في طبيعة الأصولية العالمية وأفكارها. ولكن هناك جانباً آخر خطيراً هو أن الأصولية توحد الحداثة بالغرب، وفي سعيها لهدم الحداثة تهدد بحرب عالمية.
من جهة أخرى، فإن ما بعد الحداثة، البناءة، تريد محو كل الحدود، ونزع القداسة عن الشرعيات: الشرعية الدولية، العلمية، والفنية..الخ، وتدعي أنها تقدم متحداً عالمياً، أخلاقياً، ودينياً، وجمالياً جديداً، يقوم على التعدد واحترام كل الثقافات، وتقبلها دون نقد، وتسعى إلى السماح للجميع بالازدهار على قدم المساواة.
وتنحو ما بعد الحداثة البناءة، منحى روحياً سابقاً للحداثة في مضامينه، يقول بالروحانية، مقابل فكرة الحقيقة القبلية، وهي تعلي من شأن الحدس، واستلهام الطبيعة بطريقة روحانية صوفية.
عمارة ما بعد الحداثة:
ولعل مصطلح ما بعد الحداثة أكثر تحديداً، ويحمل معنى واضحاً عند استخدامه في مجال فن العمارة. حيث تصطبغ به حركة عالمية في هذا الفن، ظهرت في الستينيات من القرن العشرين، وأصبحت معترفاً بها في السبعينيات والثمانينيات، وبقيت مسيطرة في التسعينيات وما بعدها. وقد أصبحت الحركة تعرف بأنها ردة فعل على التزمت، وتميل إلى القطيعة الرسمية مع الطراز العالمي السائد. وتتميز عمارة ما بعد الحداثة بتضمين التفاصيل التاريخية بشكل عابر بدلاً من اقتباسها كاتجاهات أسلوبية، وذلك عن طريق تضمينها في العناصر التزيينة (DECORATING) في العمارة، وعن طريق إضفاء لمسات شخصية مبالغ فيها، وبالرجوع إلى معالم معمارية شهيرة وتضمين اقتباسات منها.
ممارسو فن العمارة الما بعد حداثية، يعملون على التركيز على الرموز في أعمالهم، ويتشاركون في الاهتمام بالكتلة، ولون الأسطح، وملمسها. ولأن معماريي ما بعد الحداثة يتشاطرون إيديولوجيا غامضة، فإن الأساليب متباينة بشكل كبير وإن كانت واضحة في انتسابها إلى ما بعد الحداثة. ويتجلى معمار ما بعد الحداثة في أعمال روبرت ميستوري، ودمينيس سكوت براون، وميكائيل جريفز، وروبرت سيتم، وأرتا ايزوزكي، وفيليب جونستون، وزها حديد، وآخرين.
ما بعد الحداثة والأدب والنقد:
ارتبطت ما بعد الحداثة بحركة نقد أدبية تعيش الآن ازدهارها الكامل. ويمكن تعيين عهد ما بعد الحداثة فيها بالتقريب بالخمسينيات من القرن العشرين وبلغت نضجها في الستينيات، متزامنة مع تقديم جاك دريدا الورقة الأولى حول علم النحو
(OF GRAMALOGY GRAMELOLOGY) عام 1967، والتي حدد فيها مبادئ التفكيكية. ثم الروايات الأولى لكون فونيجيت، وروبي جيليت. ثم النقد الماركسي لكل من يتري إيجيلون، وفريدريك جاميسون، اللذين قالا بوجود إزاحة كبرى في العالم السياسي والاقتصادي، كجزء من باراد يغم ما بعد الحداثة. ثم جاءت الحركة النسوية في الفلسفة (FEMENISM) وما بعد البنيوية (POST STRACTURALISM).
وفي الرواية وبينما كان الحداثيون مهتمين بالدقة واللغة والعرض، فإن روائيي ما بعد الحداثة قطعوا مع هذه الممارسات الراسخة، ليقوموا بتقديم زمن روائي متقطع، تاركين للقارئ تخمين تسلسل الأحداث. إضافة إلى النقلات المزعجة التي تقطع التوقعات عن طريق تناقض اللاحق مع السابق، أو تدخل الكاتب المفاجئ، في سير الأحداث.
وتفكيكية دريدا عبارة عن نقد للوثوقية والهوية والمصداقية، «يقول دريدا: ان كل اتصال محكوم بعدم الوثوقية فليس هناك علاقة محددة بين الدال والمدلول. أي بين الكلمة والمعنى».
«وأنه ما أن يتم إنجاز كتابة النص - حتى يصبح بدون معنى إلى أن يقرأه قارئ ما» ويقول دريدا أنه “لا يوجد في النص شيء غير النص، وأنه ليس من الممكن استخلاص المعنى من النص بارجاعه إلى شيء خارجه، (المعنى مقابل الكلمات - في النص)، وأن للنص معاني متعددة داخلية، تتعدد بتعدد القارئين. وهذه المعاني المتعددة متناقضة فيما بينها ومتضاربة، وبناءً على ذلك فإن لا يوجد معنى مضمون وجامد لأي نص”.
فلسفات ما بعد الحداثة:
نقدم فيما يلي عرضاً موجزاً جدا لفلسفات ما بعد الحداثة، وأهم المجالات التي أثرت فيها: وهي فلسفات تتضمن أفكاراً صعبة التوصيل، ونصوصاً كثيراً ما تكون غير قابلة للفهم، وتلك خصيصة تمتاز بها النصوص الفلسفية لما بعد الحداثة. على أن الصعوبة التي يعانيها القارئ، هي صعوبة تعمدها كتاب النصوص غالباً، لتعكس دعاوى معينة لما بعد الحداثة، تتعلق بطبيعة اللغة والمعنى. والصفة الأساسية لما بعد الحداثة، هي هجومها على إدعاءات الحداثة حول وجود الصدق والقيمة. وهي العناصر التي انبثقت عن التنوير الأوروبي العائد إلى القرن الثامن عشر.
ومن خلال مهاجمتهم افتراضات الماضي، يعرض ما بعد الحداثيين انشغالهم بقصور اللغة كوسيلة للاتصال. وأهم منظري هذا التيار الفلاسفة الفرنسيون جاك دريدا، وميشال فوكو، والمحلل النفسي جاك لاكان.
جاك دريدا:
ابتدع جاك دريدا التفكيكية، وهي نظام للتحليل يفترض أن أي نص ليس له معنى وحيد محدد، نظراً لقصور اللغة عن التعبير عن القصد الأصلي للمؤلف، ولأن فهم القارئ مكيف بثقافته التي نشأ عليها، ولذلك فإن النص له عدة تأويلات أو تفسيرات شعرية ممكنة، أتاحتها خداعية اللغة. وقد ركز دريدا على الأهمية الفلسفية للجناس، والمجاز، والانزياح، والجوانب الأخرى المتملصة في اللغة، والتي درجت الفلسفة على إهمالها. وكان أسلوبه في التفكيك يتضمن قراءات متأنية لنصوص مركزية في الفلسفة الغربية، وهي قراءات تسلط الضوء على عوامل متصارعة أو متضاربة بداخل النص، وتضعف الأدوات التي يستعملها النص لإضفاء الشعرية والصدق على محتواه. وهي عوامل قد تقع خارج نطاق قصد المؤلف.
ومع أن بعض أفكار دريدا حول اللغة تشبه وجهات نظر تعود إلى المحللين الفلاسفة ويتيجنيشتاين، وكوين، ودافيد سون، فإن كثيراً من فلاسفة مدرسة التحليل (ANALYTIC) قد رفضوا عمل دريدا واعتبروه مدمراً للفلسفة.
ميشال فوكو:
ابتدع فوكو نقداً متلظياً لقيم عصر التنوير، كالعقل، والصدق. ومثل دريدا، استعمل فوكو قراءات متأنية لنصوص تاريخية، انطلق منها إلى تحدي الافتراضات الراسخة، موضحاً كيف أن الآراء حول الطبيعة البشرية والمجتمع، والتي اعتبرت ذات صدقية دائمة قد تغيرت مع الزمن. ومن خلال استعراضه لعدد كبير من النصوص التاريخية، ابتدع فوكو (الانثروبولوجيا الفلسفية)، التي تكشف تطور المفاهيم مثل: العقل، والجنون، والمسؤولية، والعقاب، والسلطة. وعن طريق فحص منشأ هذه المفاهيم، قال بأن المواقف والافتراضات التي تبدو لنا اليوم طبيعية ولا مفر منها، إنما هي ظواهر تاريخية تعتمد على المكان والزمان. وأبعد من ذلك ادعى فوكو أن التطور التاريخي لهذه الأفكار التي تعبر عن طابعها الإنساني، وقيمها التنويرية الليبرالية، إنما هي في حقيقتها قاسرة وهدامة (COERCIVE AND DESTRUCTIVE).
جاك لاكان:
يتفق جاك لاكان مع كل من دريدا، وفوكو، حول الحاجة إلى قلب الافتراضات الفلسفية والثقافية الأساسية. بيد أنه سلك إلى هذه النتيجة سبيلاً منهجياً يختلف كلية عن سبيلهما.
ومتأثراً بكل من عالم اللسانيات السويسري فرديناند دي سوسير، والعالم النفسي سيجموند فرويد). إدعى لاكان أن الجزء اللاواعي من العقل يعمل من خلال بنى وقوانين مناظرة لبنى وقوانين اللغة. وقد استخدم هذا الادعاء أو الافتراض في نقد كل من نظرية التحليل النفسي والفلسفة. ومن جهة عبر لا كان عن قناعاته بأن مفاهيم أو نظريات اللسانيين، قادرة على إيضاح وتصحيح الصورة التي عرضها فرويد عن العقل، وأن بوسعها تزويد التحليل النفسي بعمق فلسفي أكبر. ومن جهة أخرى قال بأن تطبيق نظريات ومناهج التحليل النفسي على اللسانيات، سيؤدي إلى إحداث تعديل كبير على الآراء الفلسفية التقليدية حول اللغة والعقل.
الفلسفة الأنثوية:
تحدت الفلسفة الأنثوية أيضاً المفاهيم التقليدية الأساسية للفلسفة الغربية، وذلك أثناء فحصها للكيفية التي تتغير بها نتائج البحوث الفلسفية إذا ما قامت النساء بإجرائها، وعندما تتضمن الخبرات الأنثوية ووجهات نظرها.
وفي تفسير الفلسفة الأنثوية لتاريخ الفلسفة الغربية، درست الأنثويات نصوص الفلاسفة الذكور، والطرق التي صوروا بها المرأة، وكذا قيمهم الذكورية وتحيزهم لصالح الذكر.
وكتبت الفيلسوفات الأنثويات أيضاً عن الخبرات الذاتية للنساء وعلاقتهن بأجسادهن، ومفهوم اللغة عند الإناث، وكذا مفاهيم المعرفة والطبيعة لديهن. واستكشفن العلاقة بين الأنثوية في الفلسفة، والمجالات الأنثوية الجديدة الناشئة، مثل: النظرية القانونية الأنثوية، واللاهوت الأنثوي، والأنثوية البيئية.
وقد مثل مفهوم قمع الأنثى في المجتمعات الباطرياركية، مركز الفلسفة الأنثوية. وقد اتجهت معظم أعمال الفيلسوفات الانثويات إلى فهم الباطرياركية، وتطوير بدائل لها. ومن مشاهير الفيلسوفات الانثويات ، فيلسوفات ما بعد الحداثة الفرنسيات، لوسي إيريجاري، وهيلين سيكسون والأمريكية المتخصصة في فلسفة القانون كاترين ماكينان.
الفلسفة البيئية:
تهتم الفلسفة البيئية بالمسائل الناشئة عن تماس الإنسان مع الطبيعة، أو البيئة. وعلى سبيل المثال الإجابة على أسئلة مثل: هل من الضروري تغيير طبيعة المجتمع لضمان بقاء الكائنات الحية وسلامة البيئة؟ وإلى أي حد يرتبط اكتشاف الطبيعة باضطهاد المرأة، والبشر المضطهدين الآخرين؟ وكيف يمكن لدراسة البيئة فلسفياً أن تقود وأن تحفز النشاط البيئي الفعال؟.
ويسعى معظم الفلاسفة البيئيون إلى تطبيق المناهج والأفكار الفلسفية، إضافة إلى الأعمال الأكاديمية، وأعمال الناشطين البيئيين، على مجالات العلوم البيئية، واللاهوت، والأنثوية.
وقد لعبت شخصيتان دوراً مركزياً في تأسيس الفلسفة البيئية هما الفيلسوف النرويجي آرلي نايس، وعالم الطبيعة الأمريكي الفيلسوف الدو ليوبولد. وقد أسس نايس ما يدعى حركة (الايكولوجيا العميقة) في العام 1970.
وتفرق الحركة بين الايكولوجيا الضحلة التي تنظر إلى البيئة من زاوية أهميتها بالنسبة للبشر، وبين الايكولوجيا العميقة التي تثمن عالياً قيمة الطبيعة لذاتها، بصرف النظر عن فائدتها للبشر.
وفي كتابه ذي التأثير الواسع (جداول أرض الرمال) (SAND (COUNTY ALMANAC 1949، دعا ليوبولد إلى مد الاهتمام الأخلاقي إلى كل أشكال الحياة على الأرض. وهناك فلاسفة بيئيون معاصرون آخرون منهم: توماس بيري، والبيئية الأنثوية كارين وارين، وكلاهما أمريكيان.
الفلسفة السياسية المعاصرة:
تعود الفلسفة السياسية إلى سقراط وأفلاطون الذين ناقشا طبيعة الحكومة الأفضل، والمجتمع الأفضل، واستمرت في نظريات الحريات الفردية، والمؤسسات السياسية، مع هوبز، وميل، وروسو. وتتميز الفلسفة السياسية اليوم بحوارٍ حي وشيق بين المدافعين عن الليبرالية والمدافعين عن المجتمعاتية. الأولون يعطون المكان الأرفع للحريات الفردية، بينما يجادل الآخرون عن أن الحريات الفردية المتطرفة تضر بالقيم المجتمعية المشتركة وتطغى عليها. وطبقاً لقادة الليبرالية، فإن الحكومة والمجتمع هما على وجه الحصر كابحان للحريات الفردية الشخصية والسياسية؛ كحرية التعبير وحرية الارتباط بأي تجمع، وحرية الضمير (أي العقيدة) ويرى كثير من منظري الليبرالية، أن حرية اتخاذ الموقف الأخلاقي هي أهم الحريات. ويجادلون بأن الأنظمة السياسية والاجتماعية، ينبغي تنظيمها على وجه يتيح للأفراد حرية متابعة أفكارهم الخاصة حول الحياة الطيبة (من الطيبة).
أما المجتمعيون فيجيبون بأن منح الأفراد هذه الحريات المتطرفة للاختيار، ستؤدي إلى الحد من الخبرة البشرية، نتيجة لطغيانها على القيم المجتمعية المشتركة. ويدعون أنها بتجاهلها أهمية المجتمع فإن الليبرالية تتجاهل الطبيعة الاجتماعية للبشر.
ومن الفلاسفة المجتمعيين الاسكتلندي السير إير ماكنتاير، والأمريكي ميكائيل ساندل. أما الفلاسفة الليبراليون المهمون فمنهم: البريطاني إيزايا برلين، والأمريكيين رونالد داوكين وجون راولز. وقد ألف راولز كتاب (نظرية العدالة 1971)، والذي اعتبر أهم عمل في الفلسفة السياسية في القرن العشرين. وفي الكتاب قدم فكرة عنوانها (الحرية باعتبارها العدالة) وهو مبدأ ينادي بالتوزيع المتساوي للمنافع والأعباء في المجتمع بين الأفراد، وأن أي ميزات يسبغها المجتمع، يجب أن تتجه إلى الأقل خطاً كما يعتقد راولز.
ومن هذه الفكرة والمبادئ الأخرى، طور راولز نظريات حول العلاقات السياسية والاجتماعية في الديموقراطيات الليبرالية، وبين المجتمعات غير الليبرالية. وتعتبر أفكار راولز مصدر إلهام كبير للأعمال الأحدث في الفلسفة السياسية.
الأخلاق التطبيقية:
على الرغم من أن الفلسفة المعاصرة تتميز بتقنياتها العالية، وصعوبة فهمها على غير الاختصاصيين، فإن بعض الفلاسفة المعاصرين يشغلون أنفسهم بالجوانب العملية، ويسعون إلى التأثير على ثقافة اليوم.
فممارسوا الفلسفة الأنثوية، والفلسفة البيئية، وبعض جوانب الفلسفة السياسية المعاصرة، يسعون إلى استخدام الأدوات الفلسفية لحل القضايا الراهنة المرتبطة مباشرة بحياة الناس.
ولم يكن الفلاسفة أكثر حماساً في معانقة المحلية العملية أكثر مما فعلوا في مجال الأخلاق التطبيقية المعاصرة، وهو مجال بدأ تطويره منذ الستينيات من القرن العشرين.
ومعظم الأسئلة التي يثيرها الأخلاقيون التطبيقيون، تتعلق بموضوع رئيسي على شكل سؤال مفاده (لماذا نعيش ولماذا نموت؟)، وهو سؤال مركزي في الفلسفة الإغريقية القديمة. ومن مجالات التخصص المنفصلة هناك: أخلاقيات الطب والعلاج الحيوي، وأخلاقيات الأعمال، وكلاهما برزا حديثاً ضمن الأخلاقيات التطبيقية.
وتتعامل أخلاقيات العلاج والطب الحيوي مع الأسئلة الناشئة عن علوم الحياة والعناية الطبية بالصحة البشرية. وتتضمن فرعين ثانويين هما: أخلاقيات الطب، والأخلاقيات الحيوية، أي الأخلاقيات المتضمنة في التقدم الحاصل في مجالات الجينات، والخصوصية الجينية، والاستنساخ، وتقنيات إعادة الإنتاج الحيوية.
وعلى سبيل المثال يهتمون بالعواقب التي قد تطال الأفراد الذين يتضح أنهم يحملون جينات لأمراض قاتلة، أو النتائج التي تنجم عن التقنيات التي تمكن الوالدين من اختيار نوع الجنين أو حتى معرفة نوعه. ومن ثم تقدم الأخلاقيات الحيوية نصائح للقانونيين، والباحثين، والأطباء العاملين في هذه المجالات، وإلى العاملين في المجالات الصحية عموماً، وإلى المرضى، حول طائفة واسعة من القضايا بما في ذلك: الإجهاض، والقتل الرحيم، وعلاج الإخصاب، والسيرة، والطبيعة، وتخصيص الموارد الطبية النادرة... الخ.
ويؤثر كثير من مواضيع الأخلاقيات الطبية مباشرة على الممارسة اليومية للطب، وعلى طلاب التمريض وطلبة الطب الذين يتلقون هذه الأيام دورات في هذه المواضيع.
أما أخلاقيات العمل، فإنها تستحضر النظريات الأخلاقية، والتقنيات التي لها علاقة بالقضايا الأخلاقية الناشئة خلال ممارسة الأعمال التجارية.
وعلى سبيل المثال، مسؤوليات المؤسسات تجاه العاملين فيها، وتجاه عملائها، وحملة أسهمها، والبيئة الطبيعية في مجالها.
ويتلقى معظم دارسي إدارة الأعمال في هذه الأيام دورات حول أخلاقيات الأعمال وهناك مؤسسات كبرى تستشير، دورياً، المتخصصين في أخلاقيات الأعمال حول طائفة واسعة من القضايا: كأخلاقيات العولمة، والتبرير الأخلاقي للأنظمة الاقتصادية المختلفة مثل: الرأسمالية، والاشتراكية.
الدراسات الثقافية لما بعد الحداثة:
تتضمن عبارة ما بعد الحداثة وصفاً لفلسفة تعيد النظر في طبيعة المعنى والمعرفة، على الرغم من أن الأكاديميين قد ناقشوا، في مجالات عديدة، التعريف الحقيقي لها.
ويشكك المابعد حداثيين في صحة الإيمان بالعلم والعقلانية، اللذان انبثقا من عصر التنوير، واللذين أصبحا مرتبطين بفلسفة الحداثة. كما أنهم يشككون فيما إذا كانت الانثروبولوجيا علماً، منطلقين من أن المعرفة تتأثر بالثقافة، ولذلك فإن الأنثروبولوجيين المتأثيرين بثقافاتهم الخاصة لا يمكن أن يكونوا موضوعيين.
وكاستجابة لهذه الحجة، عمد الانثروبولوجيون ببساطة إلى الانكباب على الدراسة والكتابة حول تأثير الثقافة التي ينتمون إليها وعلى وجهات نظرهم خاصة، وعلى وجهات نظر الناس عموماً. ومع أن كثيراً من هذا العمل لا يزال يجري في أقسام الانثروبولوجيا، إلا أنه قد تحول أيضاً إلى مجال تخصصي متميز يسمى (الدراسات الثقافية).
ينظر البعض إلى الدراسات الثقافية باعتبارها تخصصاً جديداً منفصلاً عن الانثروبولوجيا، بينما يعتبرها البعض الآخر أحدث فرع من فروع نظرية الانثروبولوجيا. وينظر نقاد الانثروبولوجيا إليها باعتبارها نوعاً من الاستعمار والاستغلال ومن أبرز القائلين بذلك ادوارد سعيد في كتابه الشهير”الاستشراق”. وقد اكتسبت هذه النظرة أرضية صلبة منذ عمد الانثروبولوجيون إلى دراسة تاريخ تخصصهم هذا، وأعادوا فحص العلاقة بين تطور الانثروبولوجيا والاستعمار الكولونيالي. وإضافة إلى ذلك، فإن الانثروبولوجيا التقليدية كانت تسيطر عليها دائماً أفكار وأبحاث وكتابات الأوروبيين والأمريكيين البيض، وقد أخذ هذا الوضع يتغير مع انخراط أناس من أثنيات مختلفة وثقافات أخرى في مجال الانثروبولوجيا والدراسات الثقافية.
وقد أعاد الباحثون في مجال الدراسات الثقافية تعريف الثقافة. فهم يميلون إلى رؤية الثقافة باعتبارها شيئاً يتحاور فيه الناس مع بعضهم طوال الوقت، بدلاً من أن تكون شيئاً يتشارك فيه الناس، وهذه النظرة معقولة بالنسبة إلى جيل من الانثروبولوجيين الذين نشأوا خلال الستينات من القرن العشرين في أمريكا وأوروبا. فخلال تلك الفترة كان الشباب يتحدون تقاليد آبائهم الثقافية، ويثيرون أسئلة مهمة حول العرق والتعصب العرقي، والجنس وممارسته، وحول عنف الحروب الحديثة. كما بدأوا ينظرون إلى بعض من أسوأ مشاكل العالم: كالعنف العرقي، والفقر وتدمير البيئة، باعتبارها ميراث العصر الكولونيالي، الذي كان سبب نشوء الانثروبولوجيا.
وقد عمل كثير من الباحثين على تفكيك الاثنوغرافيا التقليدية، والأشكال الأخرى من الأبحاث الأثنوغرافية. وتقول النتائج التي توصلوا إليها أن الجزء الأكبر من الأبحاث القديمة قد تكون أساءت تقديم الثقافات التي وصفتها، أو أنها أثرت عليها سلبياً. ولا تتطلب الممارسات النقدية للدراسات القديمة تدريباً خاصاً أو أعمالاً ميدانية، ولذلك فإن مجال الدراسات الثقافية يتضمن مجالات مثل: الأدب، والدراسات الجندرية، وعلم الاجتماع والتاريخ.
وقد أبدى بعض الانثروبولوجيين ردود أفعال على ما اعتبروه نزعة مضادة للعلم في ما بعد الحداثة ورفضوا الموقف القائل بأن البحث العلمي لا يستطيع فعلياً تقديم أي شيء عن الطبيعة أو العالم أو الإنسانية.
ولكن نقد الممارسات الأنثروبولوجية القديمة، قد يؤدي إلى تطوير نوعية هذه الدراسات، ويجعل الباحثين أكثر وعياً بالمناهج المستخدمة.
الانثروبولوجيا التطبيقية:
منذ الستينيات من القرن العشرين أخذ الانثروبولوجيون يستغلون معارفهم العابرة للثقافات، وقدراتهم البحثية، في محاولة حل المشكلات العديدة التي يعاني منها الناس في العالم.
وتتضمن الانثروبولوجيا التطبيقية مساعدة المجموعات الثقافية المختلفة. فمنذ نهاية العصر الكولونيالي تطور هذا العلم وأخذ يساعد الدول الحديثة التي نالت استقلالها في العقدين التاليين للحرب العالمية الثانية. وأخذت الوكالات السياسية والاقتصادية العالمية في توظيفهم للمساعدة في الترويج لأشكال جديدة من الإنتاج الزراعي والصناعي في البلدان المستقلة حديثاً. ويتضمن ذلك غالباً مساعدة مجتمعات صغيرة مكتفية ذاتياً على التكيف مع التغيرات التي تجلبها مشروعات التنمية.
وقد كانت كثير من المجتمعات الأصلية (INDIGINOUS) مهددة بهذه المشروعات وأخذت تنظم نفسها جماعياً. ويطلق تعبير المجتمعات الأصلية، على المجموعات البشرية التي سكنت مساحة ما، وظلت تعيش فيها لألوف أو مئات السنين. وفي سبعينيات القرن العشرين أخذت هذه المجموعات تدافع عن حقوقها في أراضيها ومصادرها الطبيعية. واستجابة لذلك قام العديد من الانثروبولوجيين بالتحول من مروجين للتنمية، إلى داعمين لهذه المجموعات الأصلية. وقد أصبح هؤلاء الذين كانوا هدفاً للدراسات الانثروبولوجية يوظفون دراسيهم السابقين. وعلى سبيل المثال؛ فإن الإمريكيين الأصليين (الهنود) وظفوا علماء آثار، ولغويين، ودارسي الثقافات من الانثروبولوجيين لمساعدتهم على توثيق وحماية تراثهم الثقافي. وأصبح بعض الأمريكيين الأصليين انثروبولوجيين يعملون في خدمة قبائلهم.
ومن بين الانثروبولوجيين، يستطيع المحللون منهم دعم إدعاءات السكان في الأراضي والمصادر الطبيعية، عن طريق تبيان أن أسلافهم قد عاشوا أو اصطادوا أو دفنوا في منطقة معينة. ويقدم الثقافيون من بينهم شهادات في القضايا القانونية للدفاع عن أصالة المجموعات الأصلية، أما اللغويون فيعدون المواد التعليمية، والنصوص اللازمة لتحويل لغة شفهية إلى ثقافة موثقة مكتوبة. وتساعد هذه المواد الأطفال على التحدث بلغاتهم الأصلية، والمحافظة عليها في وجه التغيرات الثقافية.
كما يعمل الانثروبولوجيون بجد على التقليل من حالات الظلم وعواقبها، وكذلك العنف والفقر، أينما كانا أو حدثا. وعلى سبيل المثال: فقد ساعد الانثروبولوجيون الطبيون منظمات حقوق الإنسان العالمية، عن طريق كشف المقابر الجماعية والتعرف على البقايا فيها والعائدة لضحايا القتل السياسي أو العرقي الجماعي. كما ساعدوا في التعرف على مرتكبي هذه الجرائم في عدد من البلدان، بما فيها الأرجنتين، وشيلي، والسلفادور، وجواتيمالا، ورواندا، ويوغوسلافيا السابقة.
وبينما تساعد الحكومات في عديد من دول العالم الشركات الزراعية الكبرى التي تحول المزارعين الصغار إلى عمار بالأجرة، بغرض إنتاج المحاصيل النقدية القابلة للتصدير. يقوم الانثروبولوجيون المختصون بالتغذية والصحة بجمع الأدلة على أثر هذه التغييرات في نظام الملكية على زيادة معدلات الفقر وسوء التغذية ووفيات الأطفال الرضع.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، فحص الانثروبولوجيون التكاليف البشرية لإغلاق المصانع ونقلها إلى ما وراء البحار. ويأملون في أن تقنع هذه الدراسات الحكومة والمؤسسات على إعادة النظر، وتقدير الآثار السلبية لتلك الممارسات.
ويأمل الانثروبولوجيون أن يتعلموا من التبادل التجاري والثقافي العالمي النطاق، كيف تنتظم القوى الاجتماعية وآليات اتخاذ القرار حول العالم.
إنهم يريدون التأكد من أن الشعوب ستظل حرة في العيش وفق خصائصها ومعتقداتها الثقافية الفريدة، سالمة من سيطرة وهيمنة المصالح الاقتصادية والسياسية الطاغية للأقوياء.

المراجع:
موسوعة ستانفورد للفلسفة.
اندرو كاربنتر - مدخل إلى الفلسفة القريبة مقال في كتاب كوليير السنوي 2006م.
ببيلوغرافيا نويما للنساء الفيلسوفات.
بروس أوين: كتاب: الميتافيزيقيا: الناشر مطبعة جامعية مينيسوتا 1985م.
أي جي آير: كتاب: الفلسفة والحس السليم: الناشر فريمان كوير 1970م.
أودي روبرت - كتاب: الابسيتمولوجيا - دوتون 1979م.
ايرفينج إم كوبي - كتاب: مدخل إلى المنطق - مطبعة برنيتايس هول 1998م.
دي . بعل لو. هاملين - كتاب: تاريخ للفلسفة الغربية - الناشر ياتلينج 1987م.
روت شادويك - كتاب: مدخل إلى أخلاقيات التقنيات الجديدة 2000م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.