يحكم المجتمعات البشرية وربما (المجتمعات) الحيوانية مجموعة من القيم والعادات، والأخلاقيات وهي تعمل على تحريك الوجدان ويقظة الضمير بعيدا عن القوانين التي وضعها البشر لتنظيم العلاقات بينهم بمواد مكتوبة على الورق وهذه القوانين مطلوبة في عالم البشر وما لا يأتي بالقرآن يأتي بالسلطان.ويعنينا هنا القانون الداخلي غير المكتوب الذي يحكم عالم الإنسان وعالم الحيوان, ففي الغابة تعيش الجواميس على سبيل المثال بمنظومة الأمن الجماعي من خلال اصطفاف القطيع وتكتله في أثناء البحث عن الطعام والانتقال من منطقة إلى أخرى وشدني في عالم الحيوان مشهد يمكن وصفه بالأخلاقي أو النبيل، فعندما شاهد جاموس زميله تحت قبضة أسدين وهو يحاول الفكاك منهما اقترب من احد الأسود لتخفيف العبء على(أخيه) دون ان ينفذ بجلده كما يقال وما كان من أحدهما إلا أن أخذه الطمع لافتراس الجاموس المتهور فخفف ذلك العبء على الجاموس المقاوم للأسر واستطاعا بشجاعة أن يفلتا من مخالب الأسدين ولا يفلت من مخلب الأسد إلا ذو حظ عظيم. نحن البشر نرى أنفسنا أعلى مكانه وأرفع درجة من زملائنا الحيوانات في كوكب الأرض وربما هذا التكبر أو الإحساس بالأفضلية هو المسموح به وقد أكد الإسلام على هذه المكانة ولكنه دعا إلى علاقة خاصة مع هذه الحيوانات حسب أنواعها ،ومع اعتزازنا بمكانتنا بوصفنا بشراً، فإن المقياس في علو المكانة في ظننا ليس صكا مفتوحا لبني البشر وإذا استبعدنا اللحم والعظام وجعلنا معيار الأخلاق او التعامل الداخلي بيننا وبين شركائنا في الأرض فإن ذلك معيار عادل،ومعقول ولاسيما اذا قرنا فعل كل طرف حسب جنسه بمعنى نتناول عالم البشر وعالم صنف من الحيوان كل في داخل مجموعته وليس بعلاقات الحيوانات بعضها البعض فتلك حكاية وحكايات. ويكفينا من عالم الحيوان قصة(الجاموسين) وإذا عدنا للخلفاء الحقيقيين للأرض وعرجنا على التاريخ وما بعده ستجد منهم نماذج في الوفاء بما يفوق وفاء الكلب وفي الشجاعة ما هو ابلغ من الأسد، و الدهاء ما بستصغر بعده ذكاء الثعلب، والتضحية ما تستحي منه الحيوانات أجمعين والتزاما بالموضوعية وكي لا اتهم بالانحياز إلى جانب قومي من البشر فان هناك قلة من صنفنا البشري يسلك مسلكا يحق للحيوانات بعده ان تفاخر بنفسها عليهم وعلينا، ولكن ما علينا . واذا تحدثنا عن المجد البشري فلنا في الأيام القريبة الماضية عشرات العبر ويكفينا من العقد ما أحاط بالعنق ففي ساحة من ساحات الحرية المنتشرة هذه الأيام انتشار النار في الهشيم شاهدنا طبيبا مصريا يعالج الجرحى والمرضى وهو من الصحة والنشاط والشباب ما يثير الإعجاب وعندما سئل عن دوره ومكان عمله عرفنا انه يعمل جراحاً في إحدى مستشفيات إمارة الشارقة وعندما سمع بالثورة الشعبية الرائعة في بلده و شاهد الجرحى ونداء الاستغاثة ترك عمله وزوجته وابنته وركب اقرب طائره إلى بلده واتجه إلى مكان واجبه الحقيقي يعالج المحتاجين قبل ان يذهب إلى زيارة أهله والموقف لا يحتاج إلى تعليق، ولكنني وكنت المتخوف من مصير الثورة الشبابية المصرية في تلك الأيام العصيبة أيقنت أنها منتصرة، وان الأيام العظيمة لا تعطى إلا لمستحقيها. وفي مشهد مقابل او شبه مقابل جرت في مدينة المكلا أحداث دامية وعندما سكتت أصوات المدافع والرشاشات ذهبنا إلى الطوارئ في مستشفى باشراحيل بحي السلام وهناك لم نجد طبيبا ولا صيدليا ووجدنا عدد من الجثث ولا ندري عندما وصلت إلى المستشفى هل كانت بأرواحها ام فارقتها قبل الوصول؟؟ وفي كلا الحالتين فان غياب الطاقم الطبي في مثل هذه الظروف يعد جريمة إنسانية ، نحن لا نريد نكش الجراح، ، فإذا غاب الضمير،وتعامى الناس عن إدراك دورهم في مثل هذه الظروف، وصار دافعهم فقط الراتب أو الخوف على الوظيفة فقل على مهنة الطب السلام….. (لا ننسى ان صديقنا الجاموس قدم لإنقاذ أخيه من موت محقق وانه هو الآخر كان معرضاً للموت) وإذا ما لجأنا إلى لغة الأنصاف وعدم التعميم سنقول : ربما هناك من كان من الأطباء من يعالج الجرحى في عيادته او هناك من منعه الظرف القاهر ..الخ ولا أريد ان يستدرجني المقال إلى لغة الوعظ التي لا تتناسب مع المقام ومع هذا نقول ان النفس البشرية كرمها رب العالمين ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا… في زمن النوازل او الكوارث لا يستثنى احد من القيام بدوره بحسب تخصصه وقدرته على الفعل ،والطبيب ما هو الا فرد ربما في حالة معينة يكون المجتمع بحاجة إليه أكثر من غيره كحاجة المجتمع لرجال التربية والتعلم والعسكر والعلماء وأصحاب الخبرة في المجتمع، وفي ظرف ما تكون الحاجة إلى بعضهم مضاعفة عن الظروف العادية . في المناطق الريفية والى عهد قريب كانت وسيلة الإنقاذ لقرية ما من حريق أو كارثة هو إطلاق النار بعدد من الطلقات متفق عليها بحيث تميز بين التحذير من تدفق السيول او من مصيبة ماثلة ويهرع الجميع للإنقاذ والمساعدة فاليوم عندك وغدا عندي ولا مكان للمتخاذلين انه قانون الضمير الداخلي(الناموس) .ولاشك نحن البشر أعلى مكانة، واشرف منزلة من الحيوانات ويا ليت نكون دائما هكذا يا ليت…….. د.عبدالله سعيد الجعيدي