كلما حاولت المجازفة بأن أقارن بيننا نحن أنفسنا وبينهم هم ، أجد أنفسنا نهرول في انحسار وجزر دائمين في كل مناحي الحياة . قد لا تعلمون – أيها الأخوة – ما ذا أعني ب ( هم ) ؟ لكنك تعرف مثلي أنهم نحتوا الصخر وشقوا الجبال بأدوات بدائية بسيطة ، ثم أجروا المياه أنهارا … أما نحن فنعاني الجفاف وننتظر الكارثة أن تحل بنا . هم أنشأوا من النخيل غابات .. و ملأوا الأرض أطناناً من التمور والحبوب والخضار والأعلاف …. ونحن اقتلعنا ذاك الحزام الأخضر وغرسنا التصحر والخراب . هم شيدوا صروح التعليم متينة قوية … ونحن هدمنا تلك الصروح وأطفأنا الشموع وأنجبنا جيلاً لا يميز بين دفتر الرسم ودفتر العلوم . هم حافظوا على صناعاتهم وأبدعوا فيها أيما إبداع …. الحياكة ، الصباغة ، الحدادة ، الصناعات الجلدية ، صناعة الحصر وغيرها .. ونحن لم نطور شيئاً من تلك الصناعات وتركناها تحتضر . هم بنوا المساجد متجاورة داخل المدينة ، وعمروها بالذكر والعبادة والعشق الإلهي الخالص .. وبين تلك المساجد العديدة جامع واحد تهفو إليه أفئدة أهل المدينة أسبوعياً … ونحن جعلنا المسجد أحزاباً وجماعات وعممنا لقب ( جامع ) على نصف مساجد الغيل . هم يمارسون الدين ممارسة عملية ، في المسجد والسوق والبيت ، فشاع بينهم الود والإيثار والتراحم ونكران الذات وصلة الأرحام وحقوق الجار . هم مارسوا كل ذلك بعيداً عن الأغراض الآنية والمظاهر الدنيوية ، وبعيداً عن الضجيج الذي نمارسه نحن اليوم أو الإعلان و التصوير . أخلصوا لله العبادة ، فبارك الله لهم في أرزاقهم ، أعمالهم ، أعمارهم ، أولادهم ، أوقاتهم وكل مناحي حياتهم . هم أتقنوا كل أعمالهم وأنجزوا حضارة أساسها قنوات الري المختلفة التي تفوق في نظري قبور الفراعنة المسماة بالأهرامات . هم آمنوا بالعمل شرفاً وقيمة ورمزاً للإنسان الحي .. أما نحن فكل شي لدينا صفقة محكوم بالربح والخسارة …. نؤمن بالثرثرة والتنظير .. أسأنا استخدام كثير من الأشياء ، الدراجة والهاتف والانترنت وغيرها . ( هم ) أجدادنا ( ونحن ) أحفادهم .. لم نحفظ العهد أو نصن الأمانة …. ضيعنا كل شيء وصرنا تنابلة أقزاماً أمام قاماتهم السامقة ، وصفراً على شمال رقمهم الكبير . لهذا كله نحن وهم من الأوهام كما جاء في قراءة أخرى للعنوان أعلاه …