المقدمة الأسوار التي نبنيها أو نتخيلها ونحن صغار يتعين علينا أن نجتازها أو نهدمها ونحن كبار " الدكتور سلمان العودة " منحني زميل من زملاء النضال عدة اعداد من صحيفة نداء الجنوب التي كان يرأس تحريرها الأستاذ الشهيد بأذن الله عبدالله الجابري ، وحقيقة فقد أسرتني تلك الأعداد من الصحيفة ليس من باب اخراجها ومظهرها وغيرها من المغريات التي تمسك بقارىء مثلي ، بل لأن محتوى الصحيفة من مقالات وأبحاث وحتى أخبار تتضمن مفهوماً مازال حتى الساعة التي أكتب فيها هذه اللحظة قائماً بذاته وكيانه وشكله ومضمونه ، لا شيء اختلف بين تلك الأعداد التي صدرت في أواسط السبعينيات من القرن العشرين المنصرم مع العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين … الحضارمة لم يغيبوا في السنوات المتأخرة يتناول عدد كبير من أبناء حضرموت وخاصة من نخبة المفكرين فيهم الحالة الحضرمية على أنها خاضعة لتغييب العقل عن إدراك الحالة الحضرمية بكل جزئياتها أكانت صغيرة أو كبيرة ، وبرغم تحفظي الشخصي على أن لتغييب العقل دور كبير أو وحيد في الحالة الحضرمية إلا أن واقع المجريات السياسية الحضرمية التاريخية ترسم وتقرر ملامح أخرى قد تستعصي على القبول بها عند البعض ، فحالة تغييب العقل ليست سوى جزء بسيط جداً من تردي الحالة الحضرمية العامة ، وأجزم تأكيداً بأن الحضارمة وقعوا في ثلاثة اشكاليات رئيسية هي التي أدت لحالة التردي السياسية والاقتصادية والاجتماعية على عموم البلاد الحضرمية … وأول الأسباب هي أن الحضارمة يعتمدون على الجهود الفردية في انشطتهم أياً كانت هذه الأنشطة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، ولدينا وقائع حضرمية تؤكد هذا ، فأنموذج عمر سالم باعباد يرحمه الله كان واحداً من نموذجين سياسيين شكلا ظهورهما حالة فردية حين قام باعباد في أواسط الخمسينيات الميلادية من القرن العشرين المنصرم بوضع دستور جمهورية حضرموتالمتحدة ونشره في صحيفة الطليعة بمدينة المكلا ، وقام بعدها بزيارات لعدد من المدن ناشد فيها الناس الالتحاق بفكرته ( الخلاقة ) ، وبما وجد من تضييق على حركته السياسية من خلال عملاء بريطانيا توارى المشروع السياسي لأنه لم يستطع تكوين قاعدة نخبوية تقود الشارع الحضرمي من خلال حزب أو تجمع أو تكتل … وثاني هذه المشروعات الحضرمية السياسية يتمثل في الشهيد عبدالله الجابري الذي نشط في استنهاض القبائل الحضرمية لمواجهة الزحف الشيوعي ، ومشكلة عبدالله الجابري أنه اصطدم مباشرة بالعقلية القبلية التي كانت تظن بقدرتها على مواجهة المليشيا الشيوعية الماركسية بأفراد القبيلة الحضرمية وما يحملون من أسلحة خفيفة ، كما أن طغيان المد القومي الجارف خلال الستينيات الميلادية كانت أقوى من قدرة الأفراد على أن يواجهوها ، وأعتقد أن الجابري فيما بعد 1967م وفراره من السجن إلى المملكة السعودية اقتنع بذلك ونظر إلى المسألة برمتها وشموليتها فأخذ يحاول بجهد فردي ذاتي من توجيه الخصومة المباشرة بين معركة الملحدين في حضرموت والجنوب اليمني ضد الدولة الإسلامية التي تمثل عمقها المملكة السعودية ، وفي كل الأحوال فأن نتيجة الجهد الفردي كانت غير قادرة في مواجهة الواقع … حضارمة بلا . هوية برغم كل المحاولات التي تريد تكريس أن الحضارمة جبناء وضعفاء ، وهو ما يتم تصديره من جهات معروفة في الجنوب اليمني على مدار أزمنة طويلة ، فأن وقائع التاريخ ومجرياته تخالف هذا جملة وتفصيلا ، فلقد قدم الحضارمة من خلال جيش الانقاذ أنموذجاً في المقاومة العسكرية للمليشيات الملحدة التي دخلت إلى حضرموت وفرضت إخضاعها بالعصا الغليظة ، إذن فعنصر الضعف والهون في الشخصية الحضرمية ليس سبباً ثانياً بل أن السبب الثاني يتمثل بوضوح في غياب الهوية الحضرمية الجامعة عند أبناء حضرموت وحصر هذه الهوية في العادات والتقاليد … غابت الهوية الحضرمية لأنها اخضعت لعناصر خارجية ، فالنظر إلى ما خارج حضرموت على أنهم حلفاء ممكن من خلالهم تحقيق ما يلزم حضرموت من الأمن والاستقرار كان ومازال هو نظرة خاطئة ، ففي حين أن أجيال حضرمية اعتبرت في أن ما حول مدينة عدن أو داخلها هي عناصر استقواء لحضرموت ، وهي ذات منهجية الفكر التي نعاصرها في عقلية باعوم وبامعلم وباحشوان ووحدين وفؤاد راشد وحتى رشيد بامخلاه والجريري وغيرهم كثير ، فما يجري اليوم جرى قبل نصف قرن تماماً ، فباعوم وكل حضارمة الحراك يعتبرون أن حضرموت غير قادرة على انجاز مشروعها بدون الاستعانة بالجنوبيين اليمنيين ، وهذا منهج خاطىء ولابد وأن يستدرك للتصحيح … الخروج من هذه الحالة تلهمنا بالأفعال والإرادة فيما نمتلك من رصيد يحمل الإيمان بأن حضرموت هي وطن ، متى ما تم استحضار ألإيمان بهذا الوطن فنحن نستطيع أن نتجاوز هذا السبب أو العقبة فيما بيننا البين ، فإذا كان الجنوبيين اليمنيين يصدرون لنا شجاعتهم وجلدهم في القتال ، فنحن نعاصر أن أول شهداء ما يسمى الحراك كان في حضرموت وأول شرارة المواجهات مع عسكر النظام اليمني كانت في المكلا ، وأول شخصية طالبت بما يسمى فك الارتباط هو حسن باعوم في المكلا ، بينما في اليمن الجنوبي كانوا صامتين حتى أنهم تحدثوا عن قضيتهم بأنها محصورة في العسكر والموظفين المسرحين من وظائفهم بعد هزيمتهم في حرب 1994م ، والتاريخ يسجل بأن حسن باعوم ألقي القبض عليه وتم ترحيله إلى السجن في صنعاء من بينهم ولم يطلقوا رصاصة واحدة ، إذن أين هي الشجاعة التي يصدرونها بيانات وكلمات يؤمن بها كل من تخلى عن إيمانه الصادق بأن لديه وطن هو الجدير بالحضور بدلاً من البحث في الأوهام والأساطير الكاذبة الواهنة … الأفق الحضرمي الحضارمة وهم يصنعون نماذج تاريخية في كل بلاد حضروا إليها من الشرق الآسيوي إلى أواسط القارة في أفريقيا إلى بلدان الخليج العربية خلقوا جدراناً كبيرة من الوهم ، ظنوا أن في حركتهم ونشاطاتهم الفكرية والسياسية خارج حدود وطنهم تصادم شديد مع تلك النماذج التي شكلوا نواتها الرئيسية في الصعود بين الأمم ، وهذا هو المسبب الثالث الذي تؤكده مدلولات معاكسة له حيث أن الحضارمة هم من قادوا في عديد من الدول الآسيوية والأفريقية حركات الاستقلال الوطني ، كما حدث في الصومال مثلاً قبيل استقلالها ، وما وقع في استقلال اندونيسيا وقيادتهم للمعارك العسكرية في اقليم آتشيه الاندونيسي ضد المستعمر البرتغالي ، حتى بلغ بالبرتغال الموافقة على منح آتشيه استقلالها وضمها إلى الارخبيل الاندونيسي في مقابل خروج المقاتلين الحضارمة منها … وكما غاب عن حضارمة الداخل العمل الجماعي الجمعي غاب عن حضارمة المهجر ذات الفكر والنهج ، فبنيت في المهاجر امبراطوريات اقتصادية كبرى أسهمت في اقتصاديات كل الدول التي تواجد فيها أبناء حضرموت دون أن ينشط احد منهم في الحركة داخل هذه المجتمعات لتحرير بلاده من قبضة المجرمين فيها ، خلقت الأوهام وأن الاستخبارات تتربص بهم ، وحيكت في رؤوسهم كثير من أساطير وخزعبلات ليست لها من الواقع إلا ما صنع في النفوس المتوهمة ، وعلى ذلك هم فشلوا في تحقيق حراك ذاتي على مدار عقود طويلة من الزمن ، بينما نرى بأن أنموذج الإخوان المسلمين في مصر كمثال ندرجه لأمثلة كثيرة أنه اعتمد على الناشطين في خارج مصر بعد أن قام النظام المصري إبان حكم جمال عبدالناصر بمطاردتهم وإيداعهم السجون فتشكل في الخارج تكوينات شكلت النهج الفكري والمالي الذي نراه حالياً في قدرتهم على امتلاك السياسة المصرية كاملة والإسهام الفعّال في اسقاط النظام المصري في فبراير 2011م ، وكذلك لا يمكن تفويت نشاط الحركة الجزائرية في فرنسا بزعامة أحمد بن بلة وأربعة آخرين فقط في تشكيل نواة التحرر من المستعمر الفرنسي … وهنا وقفة واجبة في التقدير الحسي للحالة الحضرمية المعاصرة الآن ، فلقد أنجزت الحركة الوطنية الحضرمية على مدى عقد من الزمن أو يزيد شيئاً قليلاً حقيقة واحدة وهي أن المسببات والمعوقات التاريخية اسقطت من كل الحسابات الضيقة والواهنة ، حدث هذا في كواليس مختلفة ووصلنا إلى وجود عصبة القوى الحضرمية في حضرموت وتم تعزيزها بتقديم المذكرة الحضرمية في مؤتمر القاهرة بتاريخ الحادي عشر من يونيو 2012م ، وهناك عمل وجهد يبذل ، وهناك تساؤل لابد وأن نضعه بين يدي باعوم وبامعلم وباحشوان وفؤاد راشد والجريري وبامخلاه وكل منتمي للحراك اليمني الجنوبي ، ونقول لهم أليس لكم في حضرموت شيئاً من إيمان بهذا الوطن ..؟؟ ، أن حالة الارتماء في احضان من أجرموا بحق وطنكم لا يمكن أن تحقق شيئاً لحضرموت ، ومهما صنعتم من مبررات لن تخليكم من أي مسؤولية تجاه حضرموت ، لن نشكك في أن أحد من حضرموت كائن من كان لا يريد لحضرموت الأمن والاستقرار ، بل أننا نتساءل لماذا تنظرون إلى حضرموت بأنها ليست بقادرة على تجاوز المرحلة بما فيها من صعوبات إلى مرحلة التكاتف والتعاضد فيما بيننا البين ، واقع الحال يفرض عليكم التفكر في الحال ثم إصدار القرار إما حضرموت ,إما خيانتكم لوطنكم الحضرمي ، ولكم الاختيار … وللجابري أسطر كتبت في العام 1974م يحسن بي أن اتوقف هنا .. وأسرع في البحث عن هويتي .. فأنا حتى الآن لست حضرمياً في حضرموت .. ولا يمنياً في اليمن .. ولا عربياً بين العرب .. وتلك ليست قضية فرد .. ولكنها قضية مليون حضرمي ، ينتشرون على ( جبهة تشرد عريضة ) .. تبدأ من صحراء الربع الخالي وتمتد شرقاً حتى جزر ( بالي ) في اندونيسيا .. وغرباً حتى وسط افريقيا