مقدمة قبل الثامن عشر من ديسمبر أرسلت برسالة إلى رجلين كتبت فيها ما يلي نصاً : لدينا مهمتين تاريخيتين كسر حواجز الخوف وتمهيد الطريق ليعبر شعبنا إلى الوطن … كانت تلك الرسالة بعد أن حظيت بالاستماع إلى ما بحثت عنه سنوات طويلة في رحلة لاهثة عن ذلك الضوء الذي هو في آخر النفق ، كان كما يوصف تماماً لونه أخضر ، وكان مضاءً منذ خمسة وأربعين عاماً ، ومازال حتى اللحظة هذه مضاءً لمن يريد أن يذهب إلى وطنه حراً كريماً عزيزاً … شتاء ومطر .. ويوم الوفود لعل الكثير من المتابعين وحتى المتربصين يحاولون البحث في مضامين دعوة الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي للمعارضة الجنوبية إلى اللقاء الذي عقد في مقر الأمانة العامة للمجلس ، والأمر الطبيعي هو أن يحدث هذا اللقاء والاستماع والإنصات لقضية لا تكاد تتوقف منذ نصف قرن من الزمن ، فالذي حدث هو الطبيعي لأن ما غير الطبيعي أن لا تدعو الأمانة أو الرياض خصوصاً إلى هكذا لقاء يجمع الفرقاء ليتحدثوا عن مرارات سنوات طويلة من معاناتهم في وطنهم وفي مهاجرهم أيضاً ، فالحديث ليس مجرداً من شيء غير الحقيقة التي تتمثل في أن طرفاً مؤثراً يسعى جاداً لتوحيد صف الجنوب المبعثر .. حصلت على فرصة مواتية قبيل اجتماع القاعة التي تحمل الرقم ثلاثة وتقع في الدور الأول من فندق الفيصلية بالعاصمة الرياض ، فالفرصة كانت بلقاء مع الأستاذ (س) الذي قال بأن ما يحدث هو فرصة والفرصة ليست عبثاً يمكن أن نضيعه في محاكمة تاريخية لبعضنا البعض ، والفرصة التي جاءت تستحق أن تتطاول فيها ذوات الجميع بأن يدركوا بأن الوقت قد حان لنتوافق ، لم أتردد عندما قال هذا الحديث الدافىء من رجل مارس السياسة على مدى زمن بعيد أن أرمي أمامه حضرموت كعقبة أو مطب أو حفرة لعله يسقط ، اقترب مني وقال أن كنتم فطناء فالآن معكم أنتم سيعبر الجنوب كل الجنوب إلى التغيير ، وأن تعلمتم من تاريخكم فلن تفوتوا فرصة جمع الجميع ، فقلت وما في القلوب ، رد أبا علي أغسلوه لتتمكنوا من الوطن .. حقيقة كنت أدرك من خلال كل الترتيبات التي سبقت أن القضية ستدخل من ذات القاعة ليحدث فيها نوع من الالتباس ، التباس بين القائمين على التاريخ وبين الناظرين إلى المستقبل ، حجم الإدراك للحالة بما فيها من إفراط في سلوكنا الحضرمي المرتمي في أحضان الأوجاع والمرارات لا يمكن أن يؤدي قطعاً إلى تفاؤل بالتقاء مع الآخر الجنوبي ، هذه الحتمية في منطق التفكير كان لابد وأن تدخل إلى ( الخلاط ) ، فلقد أخذ كل الحاضرين مقعدهم من الجلوس وكان على ( البسباس ) أن يكون منتظراً بداية الدورة داخل خلاط القاعة رقم ثلاثة في الدور الأول في فندق الفيصلية.. البسباس أخضر .. كالضوء الأخضر الساعة تشير إلى السابعة وعشر دقائق من مساء يوم الاثنين السابع عشر من ديسمبر ، ويعرف المرتمين أمثالي في التاريخ ما يمثله هذا اليوم ، وما أن بدأت دورة الخلاط تنطلق حتى خرجت من حيدر العطاس وعبدالرحمن الجفري وعبدالعزيز المفلحي ومحمد بن شعيله والحارثي وغيرهم كلمات انتظرها الحضارم أكثر مما انتظرها غيرهم ، كان الوفد الحضرمي يستمع بإنصات وهم يبحثون عن الزلات التي يمكن أن تعزز من منهجهم تجاه الجنوب ، وأي كان ذلك الجنوب فالمهم كان وفد حضرموت يصغون وهم يبحثون عن الثغرة التي منها ينفذون ، وبينما كان ممثلي الكتل السياسية الجنوبية يؤكدون واقعاً انسجامهم مع التاريخ وبلوغهم إلى مرحلة الإقرار بأن التاريخ يحتاج إلى هذه القاعة من ذلك الفندق ، ويحتاجون أيضاً ليتقدم الحضارم ويرسموا مرحلة ما بعد الخلاط ، فلقد كان البسباس حارقاً في مذاق كل شيء ذلك المساء ، فاستمع الجميع وتكلموا عن ضرورة التقدم ناحية .. الخلاص .. توافق الجميع على أن يتم صياغة ورقة مشتركة يتم تقديمها للأمين العام لمجلس التعاون الخليجي ، وحمل الحضارم أنفسهم الورقة والقلم وتكلف بهذه المهمة التاريخية حضرمي ، وبينما كان الجميع يفضون جمعهم ويخرجون من فوهة الخلاط كانوا ينزلون من أبواب الفندق إلى حافلة كبيرة ستحملهم إلى منزل الشيخ عبدالله بقشان ، تأملت تماماً في ذلك المشهد الفريد من نوعه كل ممثلي الجنوب في حافلة ومن خرج من الخلاط كان في الحافلة إلى منزل بقشان حيث كان عليهم وعلينا أن نلقي بالتحية إلى انموذج حاضر يقدم الخير في أرض انتهكت كل خيراتها وبقي الخير في قبضة رجالاتها يمنحون الناس علماً وعلاجاً وإنماءً ، مشهد بين الدراما وبين الحياة القادمة لابد وأن يساق كما هو .. في منزل بقشان كان على الحضارم أن يكتبوا الحرف الأول ، فكتبوه بسم الله الرحمن الرحيم وأخذت الورقة في الانصياع راغبة وطائعة في كتابة الكلمات التي يمكن أن تذهب بنا إلى الخلاص ، كانت حادة تلك اللحظات ، وكنت امثلها بسكين جراح يمتلك بين يديه مريضاً مثخناً بالجراح النازفة ، كان عملاً شاقاً وصعباً وهائلاً يحتاج إلى العقلاء في الجنوب والحكماء من حضرموت ، ولأنها عملية صعبة فلقد انتقلت من منزل إلى بقشان إلى الفندق فمازال المريض تحت مباضع الجراحين والأطباء والحاجة إلى العناية به هي المسؤولية التي تجب علينا جميعاً .. ورقة بمذاق .. الوطن في ذات القاعة رقم ثلاثة توافدت كل الوفود إلا نفر من الجراحين كان عليهم أن يتمموا العملية في غرفة صغيرة ، وخرجت الورقة لتصبح وثيقة ، وثيقة تاريخية احتجنا من أجلها خمسة وأربعين عاماً تجد فيها مذاقاً اشتراكياً ورابطياً وسلطانياً وبسباساً حضرمياً ، كل شيء في وثيقة للتاريخ ، وقف العوادي يتلوها وكأنه يتلو شهادة ميلاد لوطن جديد يمكن أن نحصل عليه جميعاً ، نحصل عليه راغبين في الحياة والأمن والاستقرار ، هذه الرغبة هي عنصر النجاح الذي تم ، استشعار أن الحاجة للوطن غايته النبيلة تتمثل في قدرة الفرقاء أن يذهبوا إليه ولا يتصارعوا عليه .. وكان على الحافلة أن تحمل الوفود إلى مقر الأمانة ، فاليوم هو الثلاثاء الثامن عشر من ديسمبر 2012م والساعة تشير إلى الثانية عشر والنصف حيث موعد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي ليستلم وثيقة للتاريخ ، ولأنها فرصة مواتية فلقد تحدث منّ تحدث وأن كان من إشارة ما فلقد كان عبدالرب النقيب أكثر المتطاولين على أسوار الأمانة العامة لمجلس التعاون ، فلقد أوغل في الحديث حتى أصاب كل الأهداف الصحيحة في قلبها ، ثم خرج الأستاذ محمد بن ماضي ليتلو كلمة القوى الوطنية في حضرموت ليعبر بها عن ما تحمله الأمّة الحضرمية من أسقام ويرسم ملامح أخرى لوطن حضرمي سيأتي ولو كان بمذاق البسباس الحراق .. لم يحدث غير هذا ، فالتوافق كان سائداً ، وزوبعة الفنجان التي خرجت في ثنايا ذلك اليوم لم يكن سوى كذباً وبهتاناً تماماً كما زعم من قبل المتعصبين والكاذبين والمفترين بأنهم ذهبوا إلى لندن بينما كانوا في المنامة يثرثرون ويصنعون خرافة من الوهم ، من تعصبّ هم المأزومين الذين حان الوقت ليتوقفوا ويتركوا مواقعهم ، فلم يحدث في كل اللقاء غير التوافق والتواصل والحديث بشرف عن أزمة وطن ، والطريق إلى الوطن .. القوى الوطنية في حضرموت ما تمثل في لقاء الرياض كواحد من مخرجات الحدث التاريخي هو أن الحضارمة ذهبوا إلى مقر الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجية بوفد حضرمي ، وفد يمثلهم كما مثلهم يوماً وائل بن حجر رضي الله عنه يوم ساق حضرموت كل حضرموت إلى عاصمة الإسلام ومهد النور المدينةالمنورة لتنصاع بلاده إلى عقيدة التوحيد ، فالوفد الحضرمي الذي تآلف في القوى الوطنية قدم مذكرته التاريخية وملف القضية الحضرمية ، ولم يخرج عن سياق ما توصل إليه وتوافق عليه اجماع الكل ، فالوثيقة وقعت عليها كل الأطراف من حضارمة وغيرهم وقدمت للأمانة العامة وفي عهدة عبداللطيف الزياني صارت وآلت .. أن ما على أبناء حضرموت اليوم هو التفافهم حول أنفسهم ، فالخشية من الآخر ليست مبرراً لبذل مزيد من الهواجس وبث الرعب والخوف والهزيمة ، الجنوب ليس شيطاناً أو عفريتاً أو مجموعة من المتمردين الخارجين عن القانون ، الجنوب ضحية كحضرموت ، والجنوب مصاباً كحضرموت ، الفارق أن الجنوب لا يمتلك الهوية التي سلبت من الحضارمة في غفلة من التاريخ ، ولقد حان للحضارمة قبل غيرهم أن يبذلوا جهدهم السياسي وأكررها السياسي المسئول ليقودوا الجنوب وأنفسهم إلى الخلاص .. توزيع الاتهامات والنياشين كتوزيع الحلوى على الصغار ، هذا ما يفعله العابثين في حضرموت اليوم وما كان يفعله الجنوبيين من قبل ، الفرصة المواتية الآن هي البحث الجاد عن عقد مؤتمر حضرمي جامع يقدم المشروعات الصحيحة لحضرموت بدلاً من البحث عن مسوغات جرجرة الهزيمة والذل والإقصاء لكل جهد يذهب بحضرموت ناحية تصحيح مسار التاريخ ، ما حدث هو أن الحضارمة تقدموا إلى الأمام ليقودوا اليمن والجنوب وحضرموت إلى فسحة من الأمل ، ولن نتراجع إلى صف آخر فسنذهب جميعاً إلى ما نعتقد بصحته وهو أن نمتلك الفرصة ولن نفلتها أبداً …