تتولد الكلمات والحروف من فوهات براكين شديدة الغليان , تجبرك للانتقال من الصمت الرهيب إلى البوحِ والكلام , فدائماً يراودُني سؤال..هل تستطيع أنْ تصوّر ضجيج روحك ودوائر فكرك ونبض ضميرك على الورق؟؟ تجوّلتُ في أعماقي التي تضّجُ وتحترق من الآهات كفوهات براكين , من إحدى هذه الفوهات يطلُّ فتى قُتلَ غدراً لمجرد الاشتباه أو يطالبُ بحقوقه , أسمعُ صراخ دمه صاخباً , ولون الظلم الأسود والجبان يظللُ قبره المهجور , أسمعهُ يطالبُ بالتخلي عن التغنّي والتفاخر بإرهاب الفكرة على التفكير والاحتكام للضمير.. لكني أترك ضميري وقلمي وأمضي , وأقول مالي والخوض في مثل هذه القضايا ؟! يباغتُ نظري مشهدٌ موجعٌ في دلالته , لزوجين يتبّضعان في إحدى المؤسسات الاستهلاكية , بحذر بالغ لضيق وضعهم المادي , ورقبتُ الزوج وهو يهتفُ بفرح يفوقُ قيمة المفاجأة , عندما رأى سلعة ضرورية زهيدة الثمن , فردت عليه الزوجة بحزن أنت بخيل لا تشتري لنا إلا ما يشارف على انتهاء صلاحيتهُ , فكان ذلك كافٍ لكسر الفرحة!! مالي والخوض في تردي أوضاع المواطنين المعيشية وتفاقم الفقر والعوز لدى شريحة واسعة حتى من موظفي القطاع العام ممن لا يملكون وسيلة رزق أُخرى , غير الراتب الذي باتت المشتريات تطغى عليه !! ويقتحمُ بصري مشهد لنابشي حاويات القمامة , وللطفولة الناصعة الملوثة بالقذارة , وسرعان ما أُردد اللعنات واللوم على قلة (المروة) عندهم وعدم اتجاههم لوسيلة كسب أُخرى , لا أخوضُ في قضية البطالة وفرص العمل وتفعيل دور مؤسسات الدولة للمواطنين , لا ألوم المسببات والمعطيات , بل ألوم الضحايا وأُعيدُ ذبحهم على الورق كما ذبحتهم من قبلي الحياة.. ثمّت عقبات تتوقف عندها الكتابة ! وتُدفن براكين الحقيقة المتفجرة , وأُضّمد جراحي بالسكوت المراوغ.. هل صوت الإسعاف قادر على أنْ يضّمد جراح الجريح أو يوقف نزيفه ؟ وهل يعّبر الكاتب عما في داخلة بصف كلمات لا تُشكّل رؤياه ولا رؤيته الشخصية للأمور , ولا تُسجّل موقفاً أو تطرح اقتراحات أو رأياً صريحاً قد يكون جارحاً وصادماً في بعض القضايا!! لكني أُتابع الكتابة لأردم فوهات براكين مشتعلة في أعماقي , وأنت أول من يدري تماماً إنها ستعاود الثوران من جديد وإطلاق الحمم التي تحرق وتُوجِع… بقلم"معتز جمال النقيب