على الرغم من التوجه الجديد للقضاة بإصدار أحكام قضائية وجزائية بديلة أكثر تسامحاً، تراعي الصالح العام وتحاول إصلاح المحكومين عن طريق أداء خدمة اجتماعية تتيح لهم التكفير عن ذنوبهم والتفكير ملياً بمغبة أفعالهم، إلا أن شاباً سعودياً لم يستطع أن ينعم بعقوبة بديلة مخففة أصدرها ضده قاضي المحكمة الجزئية بمنقطة الباحة (جنوب السعودية)، وآثر الشاب الامتناع عن تنفيذ محكوميته رغم أن ذلك قد يعرضه لعقوبة قد تصل إلى حد الجلد والسجن، على اعتبار أن العقوبة المخففة تهينه وتحط من قدره وهو ما لا يستطيع احتماله في وسطه الاجتماعي. وكان الشاب السعودي ويدعى طارق سعد عبد الرحمن الغامدي، 33 عاماً، وهو موظف حكومي بوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والأوقاف، قد حكم عليه على خلفية مشادة جرت بينه وبين أحد رجال الأمن بإحدى نقاط التفتيش الأمنية اتهم على إثرها بأنه أساء لفظياً إلى رجل الأمن، ورفعت القضية إلى محكمة الباحة الجزئية التي أرتأى قاضيها بأن يحكم عليه بعقوبة بديلة مخففة هي العمل بصيانة سيارات الدوريات الأمنية وغسيلها وتنظيفها والتحميل والتنزيل لمدة شهر واحد، اعتباراً من الساعة الرابعة عصراً وحتى التاسعة مساءً، بدلاً من الجلد بالسوط، على أن يتم احتساب يومين من الخدمة ذاتها في كل يوم يتغيب فيه الغامدي عن أداء محكوميته. إلا أن الغامدي يصر على أن عقوبة الجلد بالسوط أفضل بالنسبة إليه من العقوبة البديلة، خاصة بعد أن أصبح موضع تندر وسخرية الجنود العاملين بإدارة الدوريات الأمنية، حيث حكم القاضي عليه بقضاء محكوميته، وقال الغامدي ل«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي:«أنا حائر ولا أعرف ماذا أفعل، لأنني لن أستطيع إتمام هذه العقوبة مهما كانت العواقب، فأنا لا أقبل بإهانة كرامتي، وأفكر بالتوجه إلى ديوان المظالم أو أي جهة أخرى يمكن أن ترفع عني هذا الظلم». ويصف الغامدي معاناته السريعة خلال اليومين الذين باشر فيهما محكوميته «في البداية لم أعترض عندما نطق القاضي بالحكم، وكنت أقول لا شك بأنه أهون بكثير من الجلد، لا سيما أنني أصر إلى هذه اللحظة على أنني لم أتلفظ على رجل الأمن، وفي الوقت نفسه فإن القاضي عندما أصدر حكمه كان هادئاً ومبتسماً ويتحدث وكأن المسألة في غاية البساطة، إلا أنني فوجئت عند ذهابي في اليوم الأول بالاستحقار والإهانة والسخرية التي تعرضت إليها من رجال الأمن الموجودين بالموقع، بل ان أحدهم علق ساخراً على مجيئي بثيابي الرسمية وطلب مني المجيء ببدلة رياضة بدلاً من الثياب الرسمية (الثوب والشماغ والعقال) قائلاً «انت جاي تغسل سيارات»، هذا إلى جانب أنني بمجرد جلوسي للراحة يأتيني أحدهم وبيده سطل الغسيل وهو يطالبني بغسل المزيد من السيارات بطريقة ساخرة وجارحة، إضافة إلى منعي من دخول دورات المياه. ويتابع «ما آلمني حقاً هو عدم تعاطفهم معي، فمن جانب حتى المذنب ينبغي أن تكون العقوبة البديلة سبيلا لإصلاحه لا لإهانة كرامته وهو ما لم يحدث معي، ومن جانب آخر ما زلت أصر على أنني مظلوم ولم أخطئ بحق أي شخص، والذي يؤكد ذلك هو أنه ليست لديّ أي سوابق وسجلي نظيف، كما أن سمعتي في وسطي الاجتماعي جيدة ولله الحمد». ويختم الغامدي حديثه بقوله «توقفت عن الذهاب إلى مركز الدوريات الأمنية بعد يومين فقط من بداية تنفيذي للحكم للأسباب التي ذكرتها، وقد بلغت بأن الأمر قد يرفع للقضاء مرة أخرى، ولا أعرف ما الذي سيحكم به القاضي هذه المرة إلا أنني أؤكد لكم بأنني اختار الضرب بالسوط، أو السجن إذا كان ولا بد بدلا من هذه العقوبة». «الشرق الأوسط» توجهت بالسؤال للمشرف على الدوريات الأمنية بالباحة، النقيب علي سعيد جوعري، إلا أنه امتنع عن الإدلاء بأي تصريح مفضلاً أن يتولى هذه المهمة المتحدث الرسمي لشرطة الباحة، الرائد سعد صالح الغامدي الذي علق على القضية بقوله «هذه العقوبة البديلة تعد حكماً جديداً على المجتمع الجنوبي، وأعتقد أولا أن القاضي حاول أن يضع عقوبة رادعة لأي كان على أن يتطاول على رجال الأمن الذين هم في خدمة المواطنين، وأرى بأن هذه العقوبة ستكون رادعة جداً لغير طارق على اعتبار أن طبيعة التركيبة الاجتماعية والنفسية لأهالي الجنوب ترى في مثل هذا الحكم نوعاً من الإهانة وقد تفضل الضرب بالسوط عليه، نظراً للآثار النفسية السيئة التي قد تترتب على أداء هذه العقوبة».