الهجري يترأس اجتماعاً للمجلس الأعلى للتحالف الوطني بعدن لمناقشة عدد من القضايا    وزارة الخدمة المدنية تعلن الأربعاء إجازة رسمية بمناسبة عيد العمال العالمي    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    منازلة إنجليزية في مواجهة بايرن ميونخ وريال مدريد بنصف نهائي أبطال أوروبا    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    الفريق علي محسن الأحمر ينعي أحمد مساعد حسين .. ويعزي الرئيس السابق ''هادي''    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    «الرياضة» تستعرض تجربتها في «الاستضافات العالمية» و«الكرة النسائية»    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السيول تقتل امرأة وتجرف جثتها إلى منطقة بعيدة وسط اليمن.. والأهالي ينقذون أخرى    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤتمر الشعبي العام.. تطور البناء التنظيمي في 25 عاماً
نشر في نبأ نيوز يوم 25 - 08 - 2007

قراءة في تجربة المؤتمر بمناسبة ذكرى تأسيسه ال25 (24-29 أغسطس 1982م)
بمقتضى الأوضاع السابقة لنشأة المؤتمر الشعبي العام، كان التقاء القوى السياسية اليمنية حول صيغة فكرية لقواعد العمل السياسي يعد خطوة جريئة على طريق المنهج السياسي الآمن، ساعدت على تهيئة أسباب الاستقرار والتمهيد لقيام التعددية الحزبية بعد قيام الوحدة عام 1990م.
فالتيارات السياسية التي كانت قائمة من قبل خارج رحم التشريعات الدستورية لم تكن قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية من جراء أزمتها الفكرية وما كانت تقاسيه من عجز في إمكانية نقل فكرها السياسي إلى حراك تفاعلي مع الظرف التاريخي .
فكان تشكيل لجنة الحوار الوطني بموجب القرار الجمهوري رقم (5) لسنة 1980م بتاريخ 27/5/1980م يمثل لتلك التيارات تحولاً باتجاه أدوات أكثر شمولية وقدرة على تحريرها من سكونها في إطار ما كلفت به لجنة الحوار من فتح الحوار مع مختلف العناصر الوطنية بشأن مسوّدة الميثاق الوطني والقيام باستبيان شعبي عام ومن ثم انتخاب نسبة ال 70% من أعضاء المؤتمر الشعبي العام المزمع الدعوة لانعقاده بموجب قرار جمهوري جديد.
إن عناصر البناء الهيكلي التنظيمي الأول للمؤتمر ا لشعبي العام اتسقت على نحو مختلف عما هو كائن في إرث النشوء للتنظيمات السياسية المعروفة آنذاك في اليمن، والتي في معظمها كانت تمثل إمتدادات تاريخية لتجارب عديدة سابقة.
فهو على الرغم من كون السبب الرئيسي لتأسيسه يكمن في احتواء نشاط التنظيمات الحزبية التي كانت تعمل بهدوء في ظل الحظر الدستوري للعمل الحزبي، إلاّ أنه آثر الأخذ بنمط العضوية الفردية وليس الأسس التنظيمية الممثلة بكياناتها الحزبية الكاملة.
حيث أن قيامه لم يكن يعني القضاء على تلك الأحزاب التي بقي لها نشاط ملموس من خلف الكواليس السياسية "سريا" كما هو الحال مع الناصريين والبعثيين وذوي التوجيهات القومية والماركسية الأخرى.
المؤتمر الشعبي العام استهل علمه السياسي بكيان تنظيمي قوامه (1000) ألف عضوية فقط وفقاً لما نص عليه قرار رئيس الجمهورية رقم (19) لسنة 1981م، والذي حدد 70% منهم يتم انتخابهم من قبل المواطنين في جميع أرجاء الجمهورية، في حين أن ما نسبته 30% من مجموع الأعضاء الألف يتم تعيينهم من قبل قيادة اليمن السياسية.
الأمر الذي يفهم منه أن صفة عضوية الدخول بالمؤتمر الشعبي العام كانت مرهونة بأحد الخطين السابقين وحسب –وبهذا المعنى يصبح الشخص هو الذي يسعى إلى اكتساب العضوية من خلال هيئة ناخبة أو بموافقة السلطة، إن كان معيناً. مع الأخذ بالاعتبار أن تلك العضوية ليست أبدية على غرار ما هو معمول به عند الأحزاب الأخرى، بل أن أجلها أربع سنوات ما لم يتم إعادة انتخابه.
إن القراءة الدقيقة لأسلوب النشأة التأسيسية للمؤتمر العام التي عقد بها مؤتمره العام الأول (24-29 أغسطس 1982) تضعنا أمام حقيقة مهمة مفادها أن المؤتمر الشعبي العام حدد سلفاً حجم تنظيمه بألف عضو؛ والتحديد هنا يعتبر أسلوباً غريباً عن واقع نشأة الأحزاب السياسية، وربما يعطي انطباعاً آنياً بمحدودية الهدف أيضاً، وضيق الأفق الزمني للمهمة المناطة به، فضلاً عن غياب أية رؤى تنطوي على رغبة الامتداد إلى الصيرورة التنافسية العددية ضمن محور عمل سياسي متعدد القوى.
فطبيعة ما استوت إليها ظروف النشأة ، ثم إقرار مشروع الميثاق الوطني والمصادقة عليه في صيغته النهائية، إضافة الى تحديد أسلوب العمل لتطبيقه في المرحلة التي تعقب المؤتمر الشعبي العام، بحسب ما نص عليه قرار رئيس الجمهورية رقم (54) لسنة 1982م الصادر بتاريخ 12/8/1982م اقتضت كلها بداية حذرة ، ومحدودة الأفق من حيث خواص الهيكل التنظيمي ، ودائرة نشاطه السياسية.
وعلى هذا الأساس يكون المؤتمر بالصيغ والانطباعات التي انتظم عليها يوم 24 أغسطس مستوفياً عناصر عمله تماماً.
لكن إقرار المؤتمرون للمشروع الذي تقدمت به لجنة التصور للعمل السياسي باستمرارية المؤتمر الشعبي العام ، ولد حاجة لتوسيع بنيته التنظيمية بقدر ينسجم مع ماهية ما تم توصيف المؤتمر الشعبي العام به في برنامج العمل السياسي المنبثق عن المؤتمر العام الأول ى، باعتباره: "أسلوب للعمل السياسي يضم ممثلين عن الشعب بمختلف فئاته الوطنية ضمن منهج فكري عام يجسده الميثاق الوطني".
وبذلك التوصيف أو التعريف بات المؤتمر مؤطراً بصيغ سياسية مؤسسية تقترب به كثيراً من صيغ المؤسسات البرلمانية ا لكبيرة ، إلاّ أن ما يجعله مختلفاً عنها آنذاك هو أن المؤتمر كان يمزج بين أجهزته التنظيمية الجماهيرية وبين أجهزة الدولة، ثم بين المناصب الحزبية والحكومية.. وبالتالي فهو ديناميكية يمنية مبتكرة لأصول لمشاركة في الحكم - وفي نفس الوقت- مؤسسة رديفة لمؤسسات السلطة.. الأمر الذي اضطره إلى تطوير هيكلية البنية التنظيمية له بصورة ملموسة وفعالة مع ما آل إليه من دور .
ففي الدورة الثانية للمؤتمر (21-23 أغسطس 1984) أقر المؤتمر توسيع عضويته من (1000) عضو إلى (18000) عضو ، وتم إعداد برنامج خاص للتوعية السياسية في جميع أنحاء الجمهورية بقصد رفع كفاءة الأعضاء الجدد في ممارسة العمل السياسي بجانب تعزيز ثقة الجماهير بجدوى المؤتمر الشعبي بما ينقل حركة العمل الوطني إلى دائرة حراك تفاعلي نشيط يحررها من مواريثها السابقة .
ومن جهة أخرى فإن التطور الأخر في الهيكلة التنظيمية للمؤتمر كان باستحداث "اللجنة العامة"، التي ضمت كلاً من الأمين العام للمؤتمر بوصفه رئيساً لها، ثم ثمانية أعضاء بحكم مناصبهم في هيئات المؤتمر والحكومة . وقد حددتهم المادة (20) من اللائحة الداخلية للمؤتمر وتكويناته بأنهم: " نائب رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الوزراء، أمين سر اللجنة الدائمة، مساعد أمين السر، ورؤساء اللجان المتخصصة المنبثقة عن اللجنة الدائمة".. كذلك تم استحداث "أمانة سر اللجنة الدائمة" و المتخصصة المنبثقة عن اللجنة الدائمة..
كذلك تم استحداث " أمانة سر اللجنة الدائمة" و "اللجان المتخصصة"، فأمانة السر كونت الجهاز الإداري والفني المساعد للجنة الدائمة ، وتتفرع عنها عدة أدارت خدمية.
أما فيما يتعلق باللجان المتخصصة فقد تم تشكيل أربع لجان من بين أعضاء اللجة الدائمة هي اللجنة السياسية، واللجنة الثقافية، واللجنة الاقتصادية، ولجنة الإدارة والخدمات العامة.. كما شمل التطوير للبنى التنظيمية لفت عناية خاصة لتحديث التقسيمات الفرعية للهيئات الأساس المُشكّلة عام 1982م.
وبانعقاد المؤتمر العام الثالث للمؤتمر الشعبي العام في مدينة تعز "25-30 أغسطس 1986م)، بدأ العمل السياسي للمؤتمر يدخل طوراً أكثر وعياً بمسئولياته، وسلكت تجاربه منحى دلل على نضج مبكر .
إذ كان تسليط المؤتمر الشعبي العام اهتماماته في هذه الفترة على تطوير هياكله التنظيمية نوعياً باتجاه استحداث لجنة التكوين التنظيمي ولجنة العلاقات الخارجية ثم هيئة متخصصة بإعداد الدراسات والبحوث "معهد الميثاق"، كان مؤشراً على نجاح برامج المرحلة السابقة على نحو إيجابي مثير، حفز المؤتمر الشعبي العام للتطلع إلى ممارسة أدوار دقيقة على الصعيد الخارجي، وإلى تقنين أنشطته بأدوات عصرية قائمة على مخرجات بحثية علمية مستخلصة بجهد مهني أكاديمي يحول دون الانقياد وراء الإيحاءات الاجتهادية غير المأمونة .
وفي إطار المرحلة ذاتها نجد أن مؤشرات ما سبق ذكره تمثلت - أيضاً- على مستوى الشارع العام، وطبيعة استيعاب أفراده لممارسات العمل السياسي، حيث أن هناك زيادات مطردة في عضوية المؤتمر الشعبي العام تجاوزت في العام 1986م ما يقارب
(23700) عضو ، تبلورت من خلالهم لبنات التكوينات القاعدية للمؤتمر التي تشكلت عبر ثلاث وحدات تنظيمية تمت إضافتها في هذه الفترة على مستوى النواحي والمدن ومراكز المحافظات والأحياء في أمانة العاصمة .
منذ انعقاد المؤتمر العام الثالث أخذت الرؤى التنظيمية بالاتساع ، وامتدت الطموحات إلى التفكير باستحداث لجنة رقابة تنظيمية ولجنة الدفاع والأمن وفقاً لما أوصى به تقرير الأمن العام.
وهو الأمر الذي وضعه المؤتمر العام الرابع المنعقد في الفترة (12-15 نوفمبر 1988م) في مقدمة مهامه ،بأن يستحدث لجنتي الرقابة التنظيمية والدفاع والأمن ، إضافة الى اللجان التخصصية ، ثم انتقل المؤتمر إلى توسيع عضوية لجان المؤتمرات الفرعية على مستوى المحافظات وأمانة العاصمة ، وتشكيل مجموعات العمل المصغرة في النواحي والقرى .
ويلاحظ أن المؤتمر العام الرابع جاء متأخراً عن موعده بما يقارب الثلاثة أشهر، وقد برر الأمين العام ذلك التأخير بالتزامن الحاصل بين الانتخابات التشريعية وموعد انقاد المؤتمر..
لكن - على ما يبدو - أن ذلك التزامن أعطى المؤتمر الشعبي العام الرابع زخماً معنوياً كبيراً، ومثل تتويجاً متميزاً لمسيرة العمل الديمقراطي لمرحلة ما قبل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وترتب على ذلك أن شهد المؤتمر العام الرابع حضوراً عربياً، وأجنبياً رفيعاً من وفود قوى وتنظيمات وأحزاب سياسية من دول شقيقة وصديقة، إلى جانب التغطية الإعلامية ا لواسعة من قبل مختلف الوكالات والوسائل الإعلامية المحلية والخارجية، وبث بعض الجلسات على الهواء مباشرة.
واعتقد أن تلك الأصداء مثلت حينها اعترافاً صريحاً بالكينونة السياسية التي صار إليها المؤتمر الشعبي العام، وبمقدار ما نجح في تطويره من البنى الهيكلية التنظيمية التي عززت من مساحة ما يحظى به من أهمية على صعيد قدراته في التفاعل والاندماج بركب حركات العمل السياسي فيما وراء الحدود اليمنية الإقليمية .
ولا شك أن أصول نشأة المؤتمر من أطياف فكرية تنظيمية مختلفة، ذات إمدادات تاريخية وفلسفية لصيغ عربية وعالمية مماثلة،وكان لذلك دوره في تقليص هوة الاغتراب السياسي التي تفصل المؤتمر عن بقية التجارب الخارجية التي تتمتع بثقل سياسي كبير.
أما فيما يخص الميثاق الوطني، فلم يطرأ على نصوصه أي تغيير أو تعديل،وظل محافظاً على ثبوتيته كما لو كان دستوراً وطنياً للدولة اليمنية.
إلاّ أن الملفت للنظر أن النظام الأساسي واللائحة الداخلية للمؤتمر الشعبي العام لم تكن تتضمن أدنى إشارة إلى الكيفية التي يتسنى بها تعديل أحكام الميثاق الوطني، ولا حتى تحديد الجهة التنظيمية المخولة باقتراح التعديلات أو تنفيذها.
ومن وجهة نظري أن تغييب أمر كهذا تؤاخذ عليه أمانة سر المؤتمر التي كانت عملت ضرورات كل مرحلة ، ثم أقرت التعديل في المؤتمر العام الرابع دون أن تلق بالاً لأهمية استحداث الأحكام الخاصة بتعديلات الميثاق الوطني - خاصة- أن المؤتمر الشعبي العام كان قد قطع شوطاً كبيراً في مسار العمل من أجل الوحدة اليمنية ، وبات يقف على قاب قوسين أو أدنى من ذلك - وفقاً لما أكدته الكثير من المؤشرات والشواهد السياسية لتكل الفترة .
وعلى كل حال – فإن إغفال الحاجة لتلك الأحكام ربما تكون قيادة المؤتمر الشعبي العام قد جعلت مصوغاتها فيها القلق من إثارة تحفظ بعض القوى السياسي الوطنية المستفيئة بظلال المؤتمر، التي يمكن أن تفسرها على أنها ثغرة ممهدة لأي اختراقات لفكر ومبادئ الميثاق الوطني بما ينحاز لمصلحة إحدى القوى السياسية أو التيارات الفكرية، دون سواها، مما قد يترتب على هذا الطرح إخلال بمعادلة توازن الصف الوطني اليمني.
إذن انطلقت جميع تلك الصيغ التطويرية للبنى الهيكلية التنظيمية للمؤتمر الشعبي العام في غضون أقل من ثمان سنوات بقليل من عمر المؤتمر الشعبي العام – وهي الفترة الواقعة بين تأسيس المؤتمر في (24-29 أغسطس 1982م) والإعلان عن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في (22 مايو 1990م).
مثلت الوحدة اليمنية منعطفاً كبيراً في مسيرة المؤتمر الشعبي العام، إذ وضعته رهن اختبار صعب جداً من خلال التحديات التي فرضت نفسها على واقع ما آلت إليه ساحة العمل السياسي الوطني في الجمهورية اليمنية "دولة الوحدة" بانتقالها إلى التعددية الحزبية باعتبارها السبيل الوحيد لبناء نظام حكم سياسي يتصف بالشرعية، والاستقرار، إضافة على كونها حقاً دستورياً تكفله المادة (39) من دستور دولة الوحدة: " إن للمواطنين الحق في تنظيم أنفسهم سياسياً ومهنياً ونقابياً".
وعليه وجد المؤتمر الشعبي العام نفسه عشية صدور قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية رقم (66) لسنة 1991م ضمن (17) حزباً وتنظيماً سياسياً متنافساً ، لكن صعوبة ظرف المؤتمر كانت تكمن في عدد من المتغيرات والحقائق التي كان ينبغي عليه مواجهتها بكثير من العمل الدقيق والتفكير المسئول بطبيعة أدوات ما يقتضيه واقع التحول الجديد.. ويمكن الوقوف على مفردات الحالة من خلال الآتي:
• بمجرد قيام الوحدة أعلنت الكثير من العناصر التي كانت بالأصل تنتمي إلى أحزاب أو تنظيمات أخرى بالانسلاخ عن المؤتمر وقيام كياناتها السياسية المستقلة ، كما هو الحال مع الإخوان المسلمين والبعثيين والناصريين ، مما أسفر عن ذلك اختلال في البنية الهيكلية للمؤتمر – ولو بمقدار نسبي .
• إن الانتقال من الأحادية إلى التعددية الحزبية وضعت المؤتمر أمام حقيقة ما يستدعيه الظرف التنافسي بين الأحزاب من تحول في آليات العمل السياسي من الصيغة العددية المحدودة ، التي كان يعمل وفقها، إلى استقطاب القوى والشخصيات السياسية إلى صفوفه . وبالتالي فإن العضوية بالانتخاب لم تعد صيغة مقبولة في هذه المرحلة ، ومن الضروري جداً تحديد ضوابط جديدة لا كتساب عضوية المؤتمر الشعبي العام، واتخاذ القرار بشأن ازدواجية الانتماء الحزبي .
• وقف المؤتمر أمام إشكالية النصوص الفكرية للميثاق الوطني، حيث أن تلك النصوص لا تقر صراحة التعددية الحزبية، في حين بات حقاً على الميثاق الوطني تحديد موقفه من ذلك التطور. لكن إشكالية أمر كهذا متأتية من افتقار أدبيات المؤتمر آنذاك للأطر المنظمة لعملية تعديل الميثاق الوطني. كما أنها أغفلت حتى تحديد جهة الاختصاص التي تناط بها هذه المسئولية.. مما جعل الأمر في غاية التعقيد كونه سيتطلب وقتاً طويلاً لإقراره .
• إن ربط المؤتمر للمراكز السياسية بالمراكز السلطوية، اقتضى تعديلاً باللوائح يواكب ما آلت إليه نظم الحكم في الجمهورية اليمنية ، بعد أن أخذ المؤتمر والاشتراكي بصيغة التقاسم التي توزع المسئوليات مناصفة بين الاثنين.
• كان المؤتمر بحاجة ماسة إلى إعادة النظر ببعض فقرات برنامج العمل السياسي، والنظام الأساسي، واللائحة الداخلية وفقاً لما يميله ظرفه الجديد، وحاجاته للتطوير والتعديل.
• من ناحية أخرى فإن كل ما كان المؤتمر الشعبي العام مطالباً به فور انتقاله إلى التعددية واجه تحديات كبيرة جداً أعاقت ما كان يطمح لتحقيقه، وكان في مقدمة تلك التحديات انعكاس أزمة الخليج الثانية على الوضع الاقتصادي والسياسي اليمني، وتعرض اليمن لحملة دولية ضارية من جراء إساءة فهم موقفها من الغزو العراقي للكويت، مما جعل العديد من الدول تحاول عزلها وتضييق الخناق على أنشطتها السياسية والاقتصادية ..
وإلى جانب هذا التحدي كان هناك اشتعال الأزمة السياسية بين المؤتمر والحزب الاشتراكي اليمني في وقت مبكر عقب الوحدة، ومن ثم تطور الأزمة إلى حرب بين الشطرين، انتهت بهزيمة القوى الانفصالية في 7 يوليو 1994م.
خلاصة القول أن مسيرة البناء التنظيمي للمؤتمر تعثرت كثيراً في الأعوام الأولى من الوحدة، وتعذر على المؤتمر عقد مؤتمره العام الخامس في عام 1992م كما كان مقرراً له ذلك ، رغم أن الهيئات القيادية العليا للمؤتمر هي من حملت العبء الأعظم من مهام المؤتمر في هذه المرحلة ، وأدارت أنشطته المختلفة - بمفردها تقريبا ً- حتى منتصف عام 1995م الذي انعقد فيه المؤتمر العام الخامس الذي يمثل أهم المحطات التاريخية للمؤتمر الشعبي العام.
في الفترة 25/6- 2/7/ 1995م عقد المؤتمر الشعبي العام مؤتمره العام الخامس تحت شعار "المؤتمر العام الخامس انطلاقة جديدة لتطوير البناء التنظيمي وتعزيز الديمقراطية" وبدأ الانطباع الأولى من شعار المؤتمر أن قيادة المؤتمر عازمة على إيلاء البناء التنظيمي المؤسسي مقدمة أولويات عمل هذه المرحلة، وهو بمثابة وسيلة المؤتمر التي يراهن بها على تجذير الممارسة الديمقراطية، والارتقاء بالعمل السياسي بما يحقق أهداف المؤتمر وتطلعات أعضائه.
ومن هنا أنطلق المؤتمر الشعبي العام باتجاه استيعاب محددات الأسلوب التنافسي على ساحة العمل السياسي، حاشدا كل طاقاته لتكييف هياكله التنظيمية ، وأوعيته الفكرية لمرحلة مختلفة تماماً عن العهد السابق .
حيث أقر المؤتمر العام الخامس هيكلية قاعدية جديدة تماماً ، تم بموجبها الربط بين آليات التوزيع الإداري وآليات التوزيع الانتخابي للدوائر في تشكل وحدات التنظيم الفرعية للمؤتمر.
كما أقر المؤتمر تعديل الميثاق الوطني، ثم النظام الداخلي الذي بات يوزع التكوين القيادي الأول على أساس (رئيس المؤتمر، نائب الرئيس، الأمين العام، وأمين عام ساعد)، إضافة على تكوين أمانة عامة ، وتحديد عدد أعضاءها ب (321) عضواً .علاوة على ذلك تقرر تعديل شروط العضوية وإضافة فقرة تنص على ألاّ يكون العضو منتمياً إلى حزب أو أي تنظيم آخر.. وتلك صيغة تقترب بالمؤتمرين من كينونة "الحزب" أكثر من "التنظيم" .
وعلى أساس ما تقدم شهدت المرحلة التالية من مسيرة المؤتمر الشعبي العام توجها حثيثاً لتشكيل المراكز التنظيمية وانتخاب قياداتها، تم تشكيل فروع المؤتمر بالمحافظات وكذلك في المديريات على أساس الدوائر الانتخابية .
في الفترة 24-27 أغسطس 1997م عقدت الدورة الثانية للمؤتمر العام الخامس التي تم فيها إقرار النظام الداخلي وبرنامج العمل السياسي بعد إدخال بعض التعديلات على نصوصها بقصد استحداث بعض القيادات الوسيطة التي من شأنها تعزيز التواصل بين التكوينات القيادية والقاعدية ، إذ ساعد الاجتماع التشاوري الثالث لقيادات فروع المحافظات في الفترة 26-28 أبريل 1998م على إحداث تقدم كبير - إلى حدٍ ما - في إعادة هيكلة المؤتمر على أسس تنظيمية أكثر توافقاً مع متطلبات المرحلة التي اصبح فيها المؤتمر في الواجهة ا لحكومية بمعزل عن أي شريك آخر .
وفي الحقيقة ، أن العمل السياسي في هذه الفترة كان دقيقاً جداً وحساساً في ظل تعاظم مسئوليات المؤتمر الوطنية أولاً ثم على ضوء اشتداد المنافسة الحزبية مع بقية القوى السياسية اليمنية التي أخذت تحتشد في صيغ جماعية مؤلفة جبهة الضد المناوئة للمؤتمر "ديمقراطياً". علاوة على أن المؤتمر الشعبي العام كان مطالباً بالانفتاح على خيارات ديمقراطية واسعة بقصد تعزيز التحول نحو البناء اللامركزية للدولة .
وفي الفترة 4-9 يوليو 1999م عقد المؤتمر الشعبي العام مؤتمره العام السادس "الدورة الأولى" . وكانت في مقدمة مهام المؤتمر الوقوف على مخرج نهائي لمسألة الانتخابات الرئاسية .
حيث أن امتناع الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام عن ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية تسبب بإشكالية كبيرة للمؤتمر ، خاصة مع إصراره على الموقف واقتراحه ترشيح أحد ثلاثة "فريق ركن عبد ربه منصور هادي ، د. عبد الكريم الإرياني ، الأستاذ عبد العزيز عبد الغني" .
وهو الأمر الذي انتهى بإقرار المؤتمر بالإجماع على ترشيح الرئيس علي عبد الله صالح للانتخابات الرئاسية ، واعتبار الترشيح قراراً تنظيمياً لا يحق له مخالفته .
أما المسائل الأخرى التي تضمنها جدول أعمال المؤتمر فهي انتخاب الأمناء المساعدين وإضافة عشرة أعضاء جدد للجنة العامة، وحصول المرأة على (50) مقعداً في عضوية اللجنة الدائمة، وكل ذلك كان يسير باتجاه البنى التنظيمية للمؤتمر وتعزيز تجانسها، ورفع. كفاءة أداء المؤتمر بشكل عام .
في الفترة 24-26 أغسطس 2002م عقد المؤتمر الشعبي العام الدورة الثانية من المؤتمر العام السادس، وحضرها ما يقارب الخمسة آلاف، وتم التركيز في هذه الدورة على إسهامات المؤتمر في المجالات التنموية وسبل تعزيز أدواره في الإصلاحات المالية والإدارية لمؤسسات الدولة .
ومن جهة أخرى أقر ضرورة استكمال المؤتمر أعماله في تطوير البنى التنظيمية الهيكلية ، وأقر التعديلات على نظامه الداخلي وفقاً لما تقتضيه مخرجات المرحلة التي أفرزتها مشاركة المؤتمر من انتخابات المجالس المحلية 2001م ، والتي استدعت استحداث حلقات تنظيمية جديدة على المستوى القاعدي وأخرى وسطية توثق عرى التواصل بين الدوائر التنظيمية المختلفة .
لكن في خلاصة الأمر نجد أن جميع تطورات البناء التنظيمي للمؤتمر الشعبي العام منذ انعقاد مؤتمره العام الخامس عام 1995 وحتى مؤتمره العام السابع عام 2005م، وما رافق ذلك من إعادة هيكلة، كانت تتجه صوب إيجاد صيغ تفاعلية متينة مواكبة للتحولات العامة للدولة نحو اللامركزية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.