لسنوات طويلة ساد في مجتمعنا العربي على وجه العموم، ، المثل القائل «ظل رجل ولا ظل حائط» كدلالة على اهمية الرجل للمرأة. ورددت الأمهات والجدات دائما أمام مسامعها انه من الأفضل لها ان تسكن الى أي رجل، مهما كانت عيوبه، على ان تعيش بدون زواج. لكن هل ما زالت هذه المقولة سارية المفعول، وهل تعطيها المرأة أي قيمة هذه الأيام؟ الدكتورة جيهان، واحدة من الحالات التي تؤكد أن الأوضاع تغيرت وأن تلك المقولة أكل الزمن عليها وشرب، وترفض فكرة ان تتزوج فقط لتكتسب لقب زوجة، أما اسرتها فترى ان تعليمها العالي سبب مأساتها. فقد حصلت على الدكتوراه في الأدب الفرنسي من جامعة السوربون، وبالتالي لم تجد في كل من تقدم لها فارس الأحلام، أو على الأقل الرجل الذي يمكن ان يوفر لها السعادة أو الاستقرار. ورغم محاولات اسرتها المتكررة لتزويجها، إلا أنها لم تشعر بأي تجاوب نفسي أو عاطفي او ثقافي مع أي من العرسان، لتمضي السنوات واحدة تلو الاخرى حتى قاربت على بلوغ الاربعين من العمر دونما زواج، وتعلق جيهان على حالتها بقولها: «لست معقدة كوني لم أتزوج بعد، كما انني لست من النساء المشغولات بهموم المرأة أو الدفاع عن حقوقها. أنا لا أرفض فكرة الزواج نفسها، فأنا كأي فتاة احلم بالزوج والابناء والحياة العائلية السعيدة، لكنني ارفض الزواج لمجرد ملء الفراغ واكتساب لقب. وما حدث وببساطة انني لم التق برجل يستطيع اقناعي بالارتباط به، إضافة إلى ان الفارق في التفكير والثقافة بيني وبين من تقدموا لي كان كبيرا». وتضيف: «نعم اخشى الوحدة وتقدم العمر وبخاصة بعد زواج كل اخوتي، ولكني مقتنعة بأن وضعي الحالي افضل الف مرة من زواج فاشل». قد يرى البعض ان عدم رغبة الدكتورة جيهان في الارتباط يعود الى احساسها بالتفوق على من تقدم لها من الرجال للزواج منها، الا ان قصة سعاد التي اعتادت العمل كخادمة في المنازل تؤكد ان الامر لا علاقة له بالمؤهل العلمي او المستوى الاجتماعي. فسعاد التي قاربت على الرابعة والاربعين سبق لها الارتباط باحد اقاربها وخطبت له وكانت تستعد للزواج منه الا انها اكتشفت وقبل اتمام الزواج ادمانه للمخدرات، ففسخت خطبتها له لترتبط بآخر كان صديقا لاحد اشقائها. ولكن سرعان ما اكتشفت طمعه في دخلها الذي كانت تتحصل عليه من عملها كخادمة، وشعرت برغبته في استغلالها. فكان قرارها بفسخ الخطبة، ولترفض بعدها فكرة الزواج تماما. سعاد التي تم لقاؤها في منزل احدى الصديقات قالت ببساطة: «ما فائدة الزواج برجل يسرق احلامك وايام عمرك؟ انا حرة نفسي اعمل واكسب رزقي بالحلال واعيش في بحبوحة من العيش، فلماذا اضع نفسي تحت رحمة رجل يسرق مجهودي وشقائي، او اتعذب معه بسبب ادمانه؟ لقد اشتريت نفسي ولكن اذا تقدم لي من يتمتع بصفات الرجولة الحقة فأهلا به». يعلق دكتور هاني، استشاري الطب النفسي على الموضوع بقوله: «ان نسبة عالية من المترددات على عيادتي من الزوجات اللاتي يعانين من متاعب زوجية نتيجة للاختيار السيئ، او عدم التوافق مع ازواجهن، ونسبة لا يستهان بها في تلك الزيجات الفاشلة كان السبب فيها تسرع الاسرة او الفتاه في الزواج خوفا من لقب عانس ومن نظرة المجتمع التي لا ترحم من يفوتهن قطار الزواج والنتيجة ان لم تكن زواجا فاشلا، فهي زوجة تعيسة او تعاني من اضطرابات نفسية ابسطها الاكتئاب». ماجدة احدى تلك الحالات وتؤكد ان والدها كان صارما معها ولم يترك لها فرصة اتخاذ أي قرار يخص حياتها، ومع تقدم اول زوج ثري للزواج منها وافق الاب على الرغم من رغبتها في اكمال دراساتها العليا والعمل في الجامعة، وعلى الرغم من أن العريس لم يكن يحمل سوى شهادة الثانوية العامة. وتتابع أنها تعيش في تعاسة منذ اليوم الاول نتيجة احساسها بالفارق الثقافي بينهما، الى جانب شعور الزوج بعقدة النقص تجاهها نتيجة للفارق التعليمي بينهما، لتتحول حياتهما إلى جحيم، خاصة مع رفض اسرتها لفكرة الطلاق، الأمر الذي جعلها فريسة الاكتئاب وضيفا دائما على العيادة النفسية. وتضيف ماجدة ان الزواج لم يثمر الا ابنة وحيدة التي أعتبرها «افضل ما نتج عن هذا الزواج، وقد ساندتها عندما ابدت رغبتها في السفر الى الولاياتالمتحدة لاكمال تعليمها رغم معارضة والدها، الذي كان يريد إعادة نفس المأساة التي عشتها معها بتزويجها من احد اقاربه. وأنا ارفض ان تتزوج ابنتي لا لسبب، سوى خوفا من العنوسة». «لا شك ان الاستقلالية المادية، والقدرة على تأمين متطلبات الحياة من اهم الاسباب التي تشجع المرأة على التمسك بحريتها ورفض الزواج ممن لا يمكن أن يضيف إلى حياتها أي شيء، سواء كان هذا الشيء عاطفيا او اقتصاديا» هكذا بدأ الدكتور احمد المجدوب استاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث حديثه واردف متابعا: لقد اثبتت احدى الدراسات الاجتماعية التي اجريت في المركز ان 30% من الاسر في مصر تعيلها وتنفق عليها نساء، سواء كان ذلك في وجود الزوج الذي غالبا ما يكون عاطلا عن العمل، او في عدم وجوده اما بسبب الوفاة او الطلاق. وهذه النسبة العالية، والتي تقترب من النصف، تمنح المرأة بعض القوة في عدم وجود زوج قد يضيف في الغالب إلى همومها هموما أخرى عوض ان يريحها ويشعرها بالأمان الذي تتطلع إليه. والاسر التي وصلت نسبتها 30% في المجتمع المصري وتعيلها امرأة لها صلات بأسر اخرى توجد بها فتيات يعايشن تجارب هؤلاء النسوة، مما يجعلهن يفكرن الف مرة قبل الاقبال على تجربة زواج تصبح فيها المرأة رجل البيت». دكتورة هدى زكريا استاذة الاجتماع القانوني بجامعة عين شمس، تؤكد على حق المرأة في رفض الزواج اذا شعرت انه لن يضيف لها أي شيء إيجابي في حياتها وتقول: «على الرغم من الارقام التي خرجت بها الاحصاءات الاجتماعية والتي تؤكد وجود ما يزيد على 9 ملايين فتاة بلا زواج في مصر، بسبب الظروف الاقتصادية للشباب وصعوبة تدبير نفقات الزواج، الا ان المتعمق في تلك الارقام سيجد ان نسبة الفتيات الرافضات لفكرة مجرد ظل الرجل في تزايد، خاصة اذا علمنا ان نسبة كبيرة من حالات الطلاق الآن تعود اسبابها الى تبادل الادوار بين الرجل والمرأة في المنزل، مما يؤدي الى اختلال العلاقة بينهما. لذا فأنا أقول «هنيئا لامرأة تحيا وحيدة بعيدا عن ظل رجل لا يحمل من معنى الكلمة وصفاتها، سوى الاسم فقط. وهذا الرأي اعلنه بلا تعصب او اغفال لدور الرجل في الحياة، ولكن فقط عندما يدرك معنى كلمة رجولة ويستطيع ان يتحمل المسؤولية». المصدر: ش_أ