فليغفر لي (المدافعون عن الديمقراطية) في هذا البلد، والمتحمسون لها استخدامي لهذا العنوان المستفز لهم بكل تأكيد، إلا أنني متأكد أن العقلانيين منهم، والموضوعيين سيصلون معي إلى نفس النتيجة ويرددون معي بأعلى صوتهم: (تباً للديمقراطية). تعلمون جميعاً أن الديمقراطية بدون وعي تتحول بكل تأكيد إلى (فوضى)، وقد أصبحت بلادنا –للأسف الشديد- مثالاً رائعاً يخطه الباحثون السياسيون في كتاباتهم لضرب المثل عن الديمقراطية التي تتحول إلى فوضى، وليس ما يحدث من أحداث في الجزء الجنوبي والشرقي من بلادنا إلا صورة مجسمة لهذه الفوضى التي تستغل بعض (نتاجات) الديمقراطية من حرية الرأي والإعلام لإثارة الفتن والقلائل والغريب بل والمضحك في الأمر أنهم يثقلون أسماع المؤسسات الحقوقية ورعاة الديمقراطية العالميين أن (لا حرية رأي في اليمن)!!! وقبل أن أتابع مقالي أقول لبعض القراء الذين سيضعونني في خانة (السلطة) لأنني لست في خانة (المعارضة)، أقول لهم أن هناك خانات أخرى وأهمها (خانة الوطن) يمكن للمرء أن يكون فيها رافعاً رأسه لا منافقاً لسلطة تعيسة، ولا رافضاً لكل شيء ولا رغبة له في تجريب الدواء قبل اللجوء إلى (البتر). والمتابع يرى أن المعارضة ترتكب الآن نفس خطأ حرب 94 التي لا زلنا نعاني من تبعاتها حتى اليوم كما هو واضح، وهذا الخطأ هو مطالبة البعض ب(الانفصال) –ممثلين بمن يسمون أنفسهم بالجنوبيين- وسكوت البعض الآخر عن هذه المطالبة –ممثلين بالمشترك-، وهما موقفان لا يختلفان في (دنائتهما) إلا أن الموقف الداعي صراحة إلى الانفصال هو موقف أشجع وأكثر رجولة، وإن كان لا أساس له عند من يملك عقلاً يعمل. إن هذه المطالبة (الغبية) بالانفصال، تجعل شريحة واسعة من المنتمين لخانة الوطن –وأنا منهم-، ينضمون إلى خانة السلطة، لا لإيمانهم بالسلطة ولكن حفاظاً على الوطن، ولا أعرف مبرراً منطقياً واحداً يجعلهم يطالبون بها، وكأن غايتهم هي (تنفير) شريحة واسعة من الناس منهم. ومع تصاعد وتيرة المطالبات الانفصالية الممولة من الخارج أجدني مضطراً إلى قول ما أريد أن أقوله وأنا لست راضياً عنه تمام الرضى، لكن الضرورات تبيح المحظورات، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فهذه مجموعة من النصائح الموجهة للرئيس، وأنا أعلم أنني لست إلا مواطناً بسيطاً، لكننا في بلد (ديمقراطي) فاتركوني (أنصح) كما أشاء: 1- النصيحة الأولى: احمد الله – سيدي الرئيس- ليلاً نهاراً إذ أعمى بصر المعارضة وبصيرتها، فجهرت ب(الانفصال) مبكراً، ولو أنهم دعوا منذ البداية إلى ثورة على الظلم والاستبداد لالتف الناس من حولهم –وأنا منهم- إلا أن دعوة الانفصال أظهرتهم على حقيقتهم، ولم يعد بإمكانهم الدعوة إلى ثورة ضد الظلم فهدفهم قد أصبح معروفاً للناس. 2- النصيحة الثانية: إذا كان سهم المعارضة قد طاش اليوم فهو سيصيب غداً، وإن كل واقعة فساد أو ظلم أو بسط على أرض هو سهم موجه إلى قلب النظام، وإن لم تكن هناك معالجة (صادقة) لهذا الفساد، فأنت –سيدي الرئيس- في مرمى سهام لا تطيش. 3- النصيحة الثالثة: فكر – سيدي الرئيس- مع مستشاريك في أمر نقل العاصمة من صنعاء، وقد كتبت في هذا الموضوع مقالاً كاملاً مبيناً فيه الأسباب التي تدعو إلى ذلك، وسأحاول نشره قريباً. 4- النصيحة الرابعة: تتمثل في قول الشاعر: "لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها ... إن كنت شهماً فأتبع رأسها الذنبا"، ورأس الأفعى ليست في اليمن كما تعلم سيدي الرئيس. 5- النصيحة الخامسة: وهي النصيحة المتعلقة بموضوع المقال، فطريق الديمقراطية –يا سيدي الرئيس- طريق صعب شديد الوعورة وأنت الآن في منتصف هذا الطريق –وإن خدعك البعض بقولهم أنك قد قطعته كاملاً أو تكاد- فاحسب حساباتك جيداً لتقرر ما إذا كنت ستقدر أن تصل ومعك الوطن إلى نهاية الطريق أم أن الوقت قد حان للتراجع، والبداية من جديد بإمكانيات أكبر تساعدك على اجتياز الطريق كاملاً. وكما قال المحضار رحمه الله: قايس وعادك في النفس ما شي في الغبه مقاييس. إن (التراجع) عن الديمقراطية لن يكون تراجعاً كاملاً كما قد يظن البعض، بل هو نظام مركب يجمع ما بين الديمقراطية والاستبداد، أو ما يطلق عليه اسم (الاستبداد العادل) أو (الاستبداد المستنير)، الذي يكمن نجاحه في إيمان الحاكم بالقضية التي يدافع عنها وهي هنا الديمقراطية حتى لو اضطر إلى استخدام أساليب (استبدادية) لتحقيق هذه القضية. لماذا – سيدي الرئيس- لا تظهر للملأ في 30 نوفمبر القادم ببزة عسكرية ليعرف (الأطفال) الذين رفعوا أصواتهم مؤخراً أن الوقت قد حان حتى يصمتوا..؟ لماذا لا تشكل حكومة جديدة بدلاً عن الحكومة الحالية التي أثبتت فشلاً ذريعاً، وتضع على رأسها (عسكرياً) يكون تعيينه رسالة لمن لم يفهم بعد أن المرحلة القادمة مرحلة (حسم)..؟ إن التجربة التي قام بها (مشرف) أخيراً في باكستان جديرة بدراسة دقيقة، فإحساسه أن (الخارج) يستعد لمؤامرة كبيرة على البلاد دفعه إلى قلب الطاولة على رأس المعارضة، بل إنه حين اشتد أذى قناتين باكستانيتين تبثان من دبي لم يتورع عن تهديد دبي مما اضطرها إلى وقف بث القناتين دون إبداء الأسباب!! بل إن الموقف الأمريكي نفسه اصطدم بصلابة هذا الرجل، فأمريكا التي كانت تصرح ب(ضرورة) رفع حالة الطوارئ، بدلت لهجتها وصرحت أنها (تتمنى) رفع حالة الطوارئ بعد مقابلة نيغروبونتي لمشرف الذي بالتأكيد خيره بين بقائه أو حكم الإرهاب! إن مشرف قد دعا إلى انتخابات بعد حوالي شهرين، أي أنه ملتزم بالنهج الديمقراطي، لكن هذا النهج الذي ما زال وليداً يحتاج إلى رعاية أبٍ قد يبدو أنه قاسٍ أحياناً، فهل أنت هو هذا الأب يا سيدي الرئيس؟! [email protected]