بنفس الطريقة التي تجلب فيها "الفرحة" لأطفال يتسابقون للاحتفاء بها- كلا على طريقته الخاصة- تجلب الأعياد "المصائب" لفئة أخرى، يتسابق هم الآخرون على مقارعتها والتغلب عليها بكل ما أوتوا من قوة.. وبأس شديد.. العيد، الصديق اللدود بالنسبة ل"طفل" يحصد فيه ملابس جديدة وجعالة غير معتادة في أيام عادية و"عسب" إن استطاع إليها وصولا، هو ذاته العدو اللدود ل"والد ذلك الطفل"، رب الأسرة، موظفا كان أو على "باب الله"، الإعلان عنه قبل أيام يدخله في حالة نفسية حادة، ومعايشته والاحتفال به يدخله في اغلب الأحيان الغرف المظلمة الخاصة ب"المختلين عقليا" أو "العناية المركزة جدا" المخصصة ل"المختلين جسديا" ومادياً.. ماذا بوسع "راتب حقير" أن يفعل في أيام كهذه؟ هل يستطيع أن يقارع "كبش العيد"؟ .. ربما لكنه قد يفشل.. هل يستطيع أن "يناطح " مصاريف أربعة أيام بلياليها"؟ ..لا.. سيسقط في الجولة الأولى.. هل يستطيع أن يواجه جشع التجار الذين يستغلون الفرص ويقومون بإخفاء المواد الأساسية من الغاز والدقيق وخلافه؟.. بالتأكيد لا .. لا يمتلك القوة لفعل ذلك.. "العيد عيد العافية"، هكذا يغالط الكثير من أرباب الأسر هنا أولادهم وأهاليهم بمقولة أخلاقية "تاريخية"، كنوع من الدعم النفسي لهم إذا قاموا بعمل مقارنة بسيطة بينهم وبين أقرانهم من ذوي الدخول المتوسطة والأعلى حبتين.. من أين ستأتي العافية؟ من وعود موسمية لا نعرف من أطلقها وما المناسبة، أو متى ستنتهي؟ من تغذية صحية ابسط مقوماتها معدومة؟ من إيمان بالواقع المعاش، إلتفاتة صغيرة لأشباهنا في الضفة المحاذية ومشاهدتهم يغرقون في النعيم، تجعلنا نكفر به؟.. بماذا سيتحجج عامل البناء لأسرته بعد أن افترش الرصيف صباح يوم العيد، ولم يعد إليهم كالعادة.. بخفي حنين، أو ب"جزمات حنان"؟ كيف سيكون موقف أسرته أمام جيرانهم عندما يسألونهم عن رجل البيت الأول؟ ولماذا غاب هذا العيد.. هل سيصارحونهم بأنه لم يجد "أجرة السيارة" التي تقله إلى قريته، أم سيقولون بأن الله "فتح عليه من السماء بعمل دسم" في أيام العيد، بينما هو في الواقع مرمي كعلبه بلاستيكية فارغة على قارعة الطريق، يغني "عيد وبرد هالليله".. العيد مناسبة دينية عظيمة.. هكذا تعلمنا.. والعيد مناسبة "دنيئة" لتقليب الأحزان، ومواجه الناس من قبل مجتمع لا يرحم، وتجار لا يتركون رحمة السماء تنزل على البشر.. هكذا نشاهد بأعيننا.. العيد.. يوم اعتاد المسلمون فيه على القيام ب"سنة التضحية" برؤوس من المواشي، تذبح وتفرق لحومها على الفقراء والمساكين، وتحول بخفة غريبة إلى يوم اعتاد فيه الذين لا يعرفون السنن ولا الفروض من التجار المحتكرين إلى القيام بالتضحية ب"بني البشر" من المواطنين، تذبح حياتهم، وتفرق دمائهم وعقولهم- إن بقيت- بين القبائل .. بالتسااااوي .. قسمة إخوة- كما يقولون ويفعلون .. [email protected]