من ذلك الوجه يبدو انه جَنَدي... لا بل يريمي سأدعو جد مبتعد عرفته يمنياً في تلفته ... خوفا ًوعيناه تاريخاً من الرمدِ من أين ياابني فلايدنو فاسأله ... ادن قليلاً صباح الخير يا ولدي يسعد صباحك ياعمي أتعرفني ... فيك اعتنقت أنا قبلت منك يدي رحمك الله أيها الشاعر العملاق، فقد وصفت حالة المغترب وصفاً دقيقاً وها هم اليوم أبناء اليمن يتساقطون صرعى كما تتساقط أوراق الخريف فمنهم من يموت دهساً وآخرون جنائياً تجدهم في المستشفيات والمصحات منسيين لا أهل ولا مال ولا ولد، أموات وهم أحياء ولكنهم لا يتحركون ولا ينطقون.. يشفقون عليهم المحسنون، وينساهم الوطن الحنون على أبناءئه ولكنه معذورٌ معذور. مرت عليهم سنين وهم على حالهم لا يشعرون بمن حولهم ولا يفقهون قول محدثيهم.. تعرفه بوجهه الشاحب ولونه الأسمر ومن تلفته وخوفه وعيناه الغائرتان انه يمني.. تسأله من أين أنت؟ فيسكت صامتاً عيناه تحدقان في محياك ليتأكد انك يمنياً قبل أن يجيب على سؤالك خشيةٌ أن تكون مخبراً للجوازات فيقول: بصوتٍ خافتٍ خجولٍ أنا يمني ولكنني مجهول الهوية! كيف تواجدت في هذا البلد ؟ يقول لك: سرت أيام وليالي حتى وصلتُ إلى هنا ولست وحيداً بل هناك المئات يتسللون يومياً هرباً من الفقر ومن بطش المشايخ بلادنا إقطاعيات ونحن قطيع في أحواش المشايخ يتصرفوا بنا كيفما شاؤا وأمام السلطات المحلية. هكذا تكون حياة المواطن اليمني في وطنه وفي وطن الاغتراب! أسيرٌ في اليمن ومشرد في المهجر، يتهرب ويتخفي في وسطِ الأشجار، وفي الكهوفِ، خائفاً من وقوعه في قبضة رجال سلاح الحدودِ وإيداعه في غياهب السجون، فلا هو كسب المال ولا عاد إلى وطنه. مسكين ابن اليمن فهو دائماً مخاطرٌ بحياته، فإما يكون غذاء للثعابين والحيات والعقارب في الصحراء والجبال، أو شاقياً تعيساً تلاحقه جحافل من المرتزقة لتجبره أن يعمل لحساب المشايخ كما هو حال أبناء الجعاشن وأبناء العدين عامة.. أبناء الجعاشن المغتربين يحسبون ألف حساب للشيخ عند قرارهم السفر إلى الوطن، وهناك الكثير على شاكلتهم يعتقدون أنهم في أدغال أفريقيا ونسوا أنهم في اليمن، وانهم جبل الثورة والوحدة يحتمون، ولكن مليشيات المشايخ ترعبهم وتثير الذعر في أوساطهم وهم مستسلمون يظنون أن الأخ الرئيس علي عبد الله صالح راض عما يفعله بهم الظالمون. لكن سفري أنا في غير ما سفر ... دمي طريقي وزادي الجمر والحطب تجد المغترب اليمني في المهجر مدافعاً عن وحدته ومستميتاً في الحفاظ على سمعة اليمن وقيادته، ولكنه يجد نفسه منفياً في اليمن محتقراً في وطنه وبين أهله "يمانيون في المنفى ولكنهم منفيون في اليمنِ" متماسكون متحابون في الغربة، متكارهون متناحرون في الوطن لا أحداً يسمع أصواتهم ولا ينظر إلى حالهم، أحرار في الغربة مستعمرون في الوطن، جنوبيون في صنعاء وشماليون في عدنِ !!!! إن الحراك السياسي الذي يجري اليوم على الساحة اليمنية وتغذية الأحقاد الدفينة التي تمتلئ بها صدور القوم الظالمين مصوبين سهام حقدهم تجاه الوحدة اليمنية المباركة يجري في ظل صمت مطبق من قبل السلطات المختصة والمؤتمر الشعبي العام الذين نراهم واقفين عاجزين عن عمل شيء إيجابي يوقف المتمادون والمتجاسرون على أبناء الشعب الواحد، الذين يجوبون الأرض طولاً وعرضاً مجتهدين في نشر أفكارهم الهدامة التي تدعوا إلى العنصرية وتحريض أبناء الشعب الواحد على بعضهم البعض ليقتتلوا ويسفكون دمائهم كما سفكت في السنين الماضية. فهم قد تدربوا على إدارة التحريض ونشر الأفكار الغريبة والدخيلة على شعبنا اليمني وهذا ما كانوا يفعلونه قبل الوحدة المباركة، وإخواننا في المحافظات الجنوبية والشرقية والوسطى يعرفون هؤلاء جيداً وما قاموا به في الأعوام التي كانت أيامها عندهم من عسل وذلك ليس ببعيد حتى ننساه أو هم أنفسهم يجهلون ما كانوا يفعلون ! إن تخاذل الحكومة وإهمالها المتعمد لتصرفات باعوم والنوبة وشلتهم المرتزقة يعطينا دليلاً قاطعاً على مدى نفوذ وتسلط شيوخ القبائل على مفاصل الدولة الثلاثة التشريعية والقضائية والتنفيذية ومدى تهميش الكوادر الوحدوية والثورية من أبناء القبائل اليمنية الذين قدم أبائهم قوافل من الشهداء ليتخلصوا من الذل ومن الظلم ألإمامي في الشمال والغرب و الاستعماري في الجنوب والشرق حتى تحقق حلمنا بتحقيق وحدتنا . وإصرار شيوخ القبائل على تهميش الكوادر المتعلمة والمثقفة هو بقصد استمرارية اغتصابهم للوظيفة العامة وتكاتفهم مع المناطقيون دعاة الانفصال والعنصرية هؤلاء من لا يعرفهم ينظر إلى أقوالهم وشعاراتهم التي يرفعونها في سماء يمن الوحدة والاتحاد وعقدتهم هذه ليست وليدة اليوم بل هي متأصلة في نفوسهم ومتعمقة في عقولهم كعمق التاريخ ومن يقرأ تاريخهم الأسود المليئة بالمنكر والنكير يدرك أنهم مناطقيون بالفطرة، هكذا تربوا، وهكذا أرضعتهم أمهاتهم، وهكذا علموهم في مدارسهم، وهكذا أراد الله أن يكونوا ليعيشوا الحرمان من التمتع بنعمة الله التي أنعمها على شعب اليمن يوم 22 مايوم1990م في زمن التشرذم والاختلاف والتأمر جاء فجر الوحدة اليمنية المباركة ليعلن ميلاد اليمن الجديد اليمن الخالي من التفرقة والتشرذم والعنصرية والمناطقيةوالقتل والتشرد، ولكن هؤلاء المتآمرون اليوم وقد كانوا بالأمس متآمرون على الوحدة اليمنية، وعلى أبنائها الشرفاء. نراهم اليوم مَنُوعِين، وجَزُوْعِين منكرين للوجود وعندما تعرضت مصالحهم الشخصية للخطر وتقلص نفوذهم وسلطتهم الظالمة وقل ظلمهم على أبناء الأمة اليمانية خرجوا إلى الشوارع يتباكون على ماضيهم مظللين الأمة بمزاعمهم الباطلة رافضين أن يتبدل حالهم من الاعتياد على الإجرام إلى التسامح والعدالة الاجتماعية لبسوا ثوب التقوى ظاهرياً ليغطوا جلودهم التي احترقت بنار حسدهم وعلامة حقدهم التي ظهرت على أجسادهم تماماً مثل مرض البرص الذي لا يستطيع المصاب أن يخفيه عن الأنظار والعياذ بالله. إنهم يمتنعون عن الخير ويقبلون على الشر يستجيبون لدعوة الأشرار وشياطينهم ويعرضون عن دعوة الأخيار وصحبة الملائكة أنهم لم يتسببوا في أذيتهم لجزء من الوطن بل قد أصاب شرهم الوطن بأكمله وتضرر أبناء اليمن كافة وكان الأكثر تضرراً من أفعال هؤلاء الشياطين هم النوارس المهاجرة من أبناء اليمن الذين تساقطوا صرعى كأوراق الخريف التي تذرها الرياح وتنثرها فوق الأشواك فلا يستطيعون الحفاة جمعها فتذهب هباءً منثورا لا نراها بالعين المجردة. فضاعت قضاياهم بين المجهول والمعلوم فلم يجد من يبحث عنهم أو يدافع عن قضاياهم فحكومتنا ومعارضتنا كل واحد منهم في وادي يسبحون.. فالحكومة مشغولة بما يفعله الخراصون والمعارضة مشغولة بدس الدسائس وزراعة الأشواك وصناعة المكائد للحكومة ولكنهم كلهم في غيهم غارقون.. لا الحكومة سبقت المعارضة ولا المعارضة سبقت الحكومة.. إنهم تائهون لا يعلمون ماذا يفعلون ولهذا وجد المتطفلون فرصتهم ليدسوا سمومهم وينشرون أمراضهم بين المواطنين في الريف والحضر فهل تترك الحكومة الساحة لحسن باعوم وتهرب إلى الخلف ولنا فيما حدث في الضالع يوم الخميس عبرة فهل تعلم حكومتنا الرشيدة بما يفعله الواهمون ؟ دعونا تتغني بأبيات شاعرنا الكبير عبد الله البردوني رحمه الله التي قال فيها: يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن... جنوبيون في صنعا شماليون في عدن فمن مستعمر غاز إلى مستعمر وطني [email protected]