فيما تستعد قيادات المؤتمر الشعبي العام بمحافظة الضالع لاستقبال أمينها العام عبد القادر باجمال، فإن أعضاء المؤتمر لا يعلمون عن هذه الزيارة أي شيء.. الأمر الذي يفتح أبواب تساؤلات كثيرة عما إذا كان الحزب الحاكم يمتلك أي قدر من الوفاق بين هياكل بناه التنظيمية!! باجمال إلتقى قيادات مؤتمر الضالع في صنعاء، وسبقته بفترة زيارة الدكتور عبد الكريم الارياني، نائب رئيس المؤتمر، ويحيى الراعي، وسلطان البركاني، وجميع هذه الزيارات تشابهت بالطرح من قبل أبناء الضالع، مثلما تشابهت بالردود من قبل القيادات المؤتمرية.. حيث كان الجميع يرددون بأن الوضع تغبر، وأن القادم أفضل، وأن ساعة العمل قد حانت، وآن الأوان للمؤتمر أن يصبح حزباً سياسياً، وإن قضايا الناس في طريقها للحل..! ظل المؤتمريون في الضالع يمنون أنفسهم بالأماني، ويكابدون ذات المشاكل والهموم، وكما يقال "وكأنك يا بو زيد ما غزيت"، فهم لا يجدون أحداً يتحمل مسئولية ما يقول، ويفي بما يعد،، وهذا هو سبب تكرار نفس الهموم والمشاكل. المؤتمر في الضالع لم يعد ذلك الرقم الذي يشغل الأذهان، فقد غزته الشيخوخة، وبدا الخامل الوحيد في ساحة يملؤها الحراك السياسي! فمجتمع الضالع مجتمع تعود على الحراك المستمر، والمشاركة الفاعلة، لذلك لم يكن مستغرباً أن يتوارد المسامع أن عدداً من المؤتمريين لم يسمحوا لانتمائهم المؤتمري بتقييدهم بعيداً عن الحراك الدائر! وطالما هناك فراغ حركي لم يشغله المؤتمر، فإن القوى السياسية الأخرى شغلته بالنيابة، وبالتالي وجد عدد كبير من أعضاء المؤتمر أنفسهم منساقين في ركب الآخرين، غير آبهين بانتظار من يتصدر صفوفهم في نشاط ما يحتويهم، أو حتى أن يكمل رئيس فرعهم- فضل الشاعري- دراساته العليا في بلغاريا ويعود، فالسياسة لا تمتلك محطات إستراحة! فما بالكم وحالة الشلل التي تعانيها مؤسسات المؤتمر الإعلامية، والتي لا تعطي أمل لأحد بأن هناك صوت قادم لكسر العزلة المطبقة، وتحريك المياه! ورغم أن نشاط موقع "نبأ نيوز" الإخباري المستقل بتناولاته الجريئة لدقائق أمور الحياة السياسية في الضالع دفع الجميع لشحذ هممهم والعمل بحرص أكبر، إلاّ أن تجاوب المؤتمر ظل هو الأضعف حتى من جمعيات العاطلين. والغريب أن صحيفة المؤتمر اليتيمة "فجر الضالع"، أصبحت تحمل إسماً أكبر من مضمونها، ف"الفجر" يطل على الضالع كل يوم، فيما الصحيفة تطل كلما توفرت لها الامكانيات المادية، وإنه لمن السخرية بمكان أن يجري الحديث عن تلك الامكانيات الهزيلة، والمخجلة لحزب يحكم البلاد بطولها وعرضها، ويوزع الهبات السخية لمعارضيه، حتى صارت إصداراتهم الصحفية على مستوى المديريات فيما هو يتفرج! ولو أن عضو المؤتمر الشعبي العام تذكر أن لديه قيادات، ووجد ضرورة بالتوجه نحوهم ليسمع منهم ما يداوي جراحاته فانه مع الاسف بعد لقائه بأي منهم سيصاب باليأس، لأن القيادات والمؤسسين أصبحوا رماداً تذروه الرياح، ومقسمين ما بين مقصي من التنظيم عنوة من قبل نافذين، وبين مبعدين من الوظيفة ومحرومون من الحقوق- وهو ما ينطبق عليه قول الشاعر: "وسعت أعداءها وجفت أبناءها الدار"! بل الحال أسوء، فالكثيرين من المؤتمريين من أبناء الشهداء، ممن فقدوا آبائهم أبان حقب الصراع السياسي أصبحوا يتمنون نظرة عطف وشفقة ممن كانت لهم يداً في فقدان أو قتل آبائهم- فقط من أجل توفير لقمة عيش من المترزقين على حسابهم..! فسياسة الحفاظ على مراكز القوى والواجهات خلقت تكتلات، وجعلت العضو البسيط خارج كل الحسابات، رغم أنه وفي ظل الديمقراطية يفترض ان يكون العضو هو محور الارتكاز.. ولو أن هذا العضو اكتشف يوماً ما يمارس باسمه من ابتزاز ونهب لكفر بالديمقراطية، وبالحزبية، فهناك الكثيرون ممن يبتزون التنظيم والدولة باسم مناطقهم، وأبناء مناطقهم، في الوقت الذي تعاني فيه هذه المناطق من جورهم وتنفذهم.. كما هناك من يتقنصون المشاريع التي تقدمها الدولة ممثلة بالمؤتمر كحزب حاكم، ويسارعون الى الادعاء انهم هم الذين قدموها وخسروا وضحوا كثيرا من اجل إيجادها، فيصبح الفضل لهم ولا فضل للدولة، ولا للمؤتمر أبداً، ويصبح الولاء لهم "فرض عين" وللدولة "فرض كفاية"- إن جاز التعبير! ولعلم من لا يعلم فقط ان في محافظة الضالع فروع مختلفة للمؤتمر: فهناك فروع معظم مراكزها وهمية ولا تجتمع مطلقاً إلا عندما تعلم بقدوم المسئول، وفروع تم تشكيلها واعدادها خصيصا وحصريا للنائب الفلاني او المتنفذ العلاني لتخدم مصالحه، وترعى قضاياه، وتصبح واجهة له في حال تعرض مصالحه لأي ضرر، ولا يهمها لا انتخابات رئاسية ولا محلية، ولا مؤتمر ولا غير ذلك، بقدر ما يهمها تهيئة الاجواء للمرشح البرلماني دون غيره! وهذه الفروع تسعى في الوقت نفسه الى النيل من كل ما يتعارض مع مصالحها وخاصة مؤسسي المؤتمر الذين يكمن خطرهم في أنهم أكثر من هذه القيادات خبرة وتجربة، وقد تفضح مراميها وأهدافها من منطلق حرصهم على التنظيم الذي كانوا من مؤسسيه! كما أن غياب التوعية الحزبية لدى المؤتمر الشعبي العام ترك الساحة خالية أمام خصمه المشترك وإعلامه ومنظريه. وهذا الفراغ الحزبي في حياة عضو المؤتمر اليومية جعله عرضة للتعبئة الخاطئة سواء من المشترك او من اصحاب المشاريع الصغيرة كالجمعيات وغيرها من التيارات الخطرة على وحدة الوطن. وهناك أيضاً الغياب الكامل للاعلام المؤتمري، الذي لا يهمه سوى العائد المادي، غير مستشعر بمهمة الاعلام الاساسية ولا بدوره المهام مما جعله مشلولا، وغير قادر لا على المبادرة ولا على الرد، في الوقت الذي كان منتظراً منه خوض المواجهة بالنيابة عن قياداته- كما يفعل المشترك- وتقديم التحليلات والدراسات التي تبصر قياداته بقراءات وافية من ساحة الرأي العام، والشارع اليومي الذي هو أكثر تماساً به من أي عضو آخر في المؤتمر.. إلاّ أنه ظل يترجم لوناً مفضوحاً من العصبية المناطقية، والفوضى، وغياب الرقابة والمساءلة، وتجاهل لتقييم ما تنشره وسائله! فإعلام المؤتمر يفتقر للبعد السياسي والبعد المهني على حد سواء، وقيادة المؤتمر أخفقت في التحرر من أدواتها المرجعية المستهلكة التي يمكن أن تعينها في إيجاد البدائل! كل ذلك أفرغ التنظيم من محتواه الحركي، وحوله من حزب سياسي متجدد النشاط الى حزب مناسباتي يفتقر لروح المبادرة الطوعية، وللاسس والروابط التي تنظم العلاقة بين شقيه التنظيمي والحاكم، وبذلك كله وغيره من العوامل السلبية أصبحت العربة تسير في وادي والحصان في وادٍ آخر بعد غياب حلقات الربط بين العربة والحصان. ولعل أهم حلقة من حلقات الربط المفقودة بالاضافة الى ما ذكر- وهي الحلقة الاهم- هي القيادات الوسطية، فهي التي صنعت الفراغ ووسعت الفجوة، فلا القيادات العليا لديها استيعاب سليم وكامل بوضع القواعد، ولا القواعد لديها معرفة بالوضع في أعلى الهرم، فكان أن تمكنت بذلك القيادات الوسطية من عزل الاسفل عن الاعلى، وحاصرت الحراك في أضيق مربعاته! ورغم علم قيادة المؤتمر ببعض الامور من خلال ما تصلها من تقارير تخترق الحاجز الوسطي، او تصل عبر بعض وسائل الاعلام المستقلة، إلا ان القيادة ظلت تتهرب من إستدراك الواقع المر الذي وصل إليه حال التنظيم، وربما يحدث ذلك لأن باجمال بات يدرك أنه يدفع ثمن تراكمات سابقة نأت بالمؤتمر عن رهان "الإحتراف"، وليس في الوقت متسع لإعادة ترتيب كل شيء في البيت المؤتمري، لأن كل شيء بحاجة إلى إعادة الترتيب! المشكلة أن قيادة المؤتمر بدلا من أن تلتقي بالقواعد وتستمع اليها وتناقش همومها وترفع معنوياتها فانها تفضل دائما الالتقاء بأعضاء اللجان الدائمة ورؤساء الفروع بالمديريات والمحافظات، لأنها تدرك ان هؤلاء هم وحدهم القادرين على قول: "كل شي تمام يا فندم"! من منطلق الحرص على مواقعهم ومصالحهم مهما بلغ الوضع سوءً، وبذلك يكون المسئول في الامانة العامة قد اسقط الواجب ونزل والتقى واستمع ولا يهمه ماذا استمع، ولا لمن استمع، فلا مجال لديه لسماع أصوات المظلومين والمغلوبين على أمرهم جراء ممارسات القيادات في المديريات والمحافظات.. وما دامت هناك انتخابات نيابية وهناك مليونيرات سيتقدمون لترشيح انفسهم فلا ما نع ان يستمعوا بدلاً عنهم الناس ويحلوا مشاكلهم، فهذه دوائرهم، وهم أدرى بها وبمشاكلها ومشاكل أهلها حتى ولو كان هؤلاء المليونيرات هم السبب الرئيسي لمعظم المشاكل في هذه الدوائر!! وبذلك يكون المؤتمر قد عمق مبدأ البقاء للاقوى ويصبح عضو مجلس النواب هو أكبر مسئول حزبي ممكن للمواطن او العضو البسيط ان يقابله ،وكذلك تصبح مقاعد البرلمان حكرا على القادرين على جعل انفسهم دولة بدلا عن الدولة! فتتراكم قضايا الناس التنظيمية دون ان توجد لها الحلول المناسبة، وان وجدت الحلول فانها لا تعدو عن كونها مسكنات لا يتعدى مفعولها فترة الانتخابات.. وبدلا من حل قضايا الناس وانصافهم فانها تسوف وتماطل حتى يتحول العضو الى معول هدم، وداعية لانفصال وفرقة، متأثرا بالحراك الوحيد في ساحته عندها تضطر القيادة إلى "شراء" الحلول باسعار باهضة، في حين أنها كانت في متناول أيديها! نعتقد أنه لا بد للمؤتمر من البحث عن حلول جذرية وعمل متواصل وإنصاف واستيعاب لكل من تم تجاهلهم، وربما على المؤتمريين أن يقبلوا رؤوس بعضهم البعض اليوم أفضل بكثير من ان يجثوا عند أقدام الاخرين غداً.. وعليهم إسترضاء بعضهم البعض بالكلمة الطيبة والابتسامة افضل بكثير من ان يستجدون الرضا من الاخرين بسيارة آخر موديل، أو بقرارات في غير مكانها، أو بشيكات تعود وبالا عليهم.. وعلى نضالهم وتاريخهم ووطنهم.. وكل ذلك يمكن أن يتحقق في وجود رقابة تنظيمية، وهيئات مختلفة داخل التنظيم.. ومن هنا على المؤتمر أن يدرك ان المسالة تحتاج الى مصداقية واخلاص بعيدا عن تغليب المصالح الشخصية، واتباع سياسة الأنا.. ولابد من التفكير بروح الجماعة والمصلحة العامة وليس بروح الفرد والمصالح الخاصة.. كما نستطيع القول أيضاً، ان خطابات الأخ رئيس الجمهورية تقدم لعضو المؤتمر تعبئة وطنية تفوق بكثير ما يقدمه إعلام المؤتمر، ولان خصوم المؤتمر يدركون ذلك فانهم يتعمدون دائما الى التقليل من أهمية هذه الخطابات، ويعمدون الى السخرية منها، وتناولها بشكل مغلوط، وتفسيرها بما يوافق مصالحهم لانها تكاد تكون الخطر الوحيد الذي يواجهونه في ظل إعلام مؤتمري هم راضون عنه كل الرضا ويكاد يكون الحسنة الوحيدة التي يعترفون بها للمؤتمر وقيادته! وعليه فإن الضالع قد تقول لباجمال أهلا وسهلا ،ولكن بأي حال عدت..!؟ وهل لديك استعداد لسماع هموم الاعضاء في الميدان؟ فإنهم سيكونون شاكرين، وإن لم يك لديك استعداد فعليك ان تدرك أن حتى القيادات هذه المرة قد أصبح فيها من يستطيع أن يرفع صوته.. فقط إستمع، وسترى.. فهؤلاء قد مسهم الضر واصبحوا مجبرين على الكلام..!