البعض يرفض اعتباره مرضاً ويلقي اللوم على الآباء والمدرسين. وآخرون يؤكدون وجوده، ويعزون ذلك لخلل في الجنيات الوراثية .. فأين الحقيقة؟ هل الطفل الذي لا يستطيع أن يبقى لفترة طويلة على مقعده في المدرسة، أو الذي يتحرك بشكل دائم، ويأتي بحركات فيه شيء من التهور، والذي يبدو عليه أنه غير قادر على السيطرة على نفسه، مجرد طفل شقي؟ أم أن الأمر يخفي وراءه ما هو أكثر من ذلك؟ أطباء الأطفال يطلقون على الأطفال الذين يأتون بمثل هذه السلوكيات "الأطفال فائقي الحركة عديمي التركيز" ويعتبرونه مرضاً. أما المعارضون لهذا التشخيص - وهم مختصون في هذا المجال أيضاً - فيرون أن الأمر لا يصل إلى حد المرض، وأنه أمر طبيعي من طفل صغير، ولا يحتاج لأكثر من المزيد من الصبر من قبل مدرّسيه، والمزيد من الصرامة في المنزل من قبل والديه. وهم يلقون باللوم على الثقافة السائدة التي تتيح - بكل بساطة - دمغ الأطفال بمثل هذه المسمّيات، وعلى الآباء الذين يعانون من ضغوط العمل مما يجعل لا وقت لديهم للجلوس مع أبنائهم لفترات طويلة، وأيضاً يلقون باللوم على المدرسين الذين يهربون بمثل هذه المصطلحات من مسئولياتهم لأنهم مثقلون بأعباء أكبر من قدرتهم على التحمّل. ولكن المعارضين لهذا الرأي يرون أن أسلوب التربية، أو ازدحام الفصول في المدارس، أو حتى عدم رغبة الطفل في بذل المزيد من الجهد ليست سبباً في ظهور عوارض هذا المرض، ولكنهم يرجعون الأمر لتلف عصبي في تكوين الطفل يجعله غير قادر على السيطرة على أفعاله، وهو تلف يولد الطفل به، وغالباً ما نرى سوابق له في ذات العائلة، وما يدعم هذا الرأي أن الباحثين استطاعوا أخيراً عزل "جين وراثي" معيب أرجعوا له سبب هذا السلوك. بل إن صور الأشعة على أدمغة الأطفال المصابين أظهرت فروقاً بينهم وبين الأصحاء في المنطقة التي تتحكم في التركيز والقدرة على السيطرة على الذات في المخ. لهذه الأسباب أسباباً أخرى منها الأسرية مثل اكتئاب الأم أو تعاطي الكحول في الأسرة والخلافات الزوجية المستمرة أمام الأبناء، أو انحراف أحد الأبوين، والظروف المعيشية السيئة في السكن أو الدخل الاقتصادي أو الحالة الاجتماعية. الإضافات الصناعية لبعض الحلويات والمواد الحافظة في بعض المأكولات المعلّبة تساعد على ظهور هذه الحالات، كما أن إصابات الولادات العسرة سبب محتمل أيضاً، ولا يستبعد أن يكون تلوث البيئة - وخاصة ارتفاع معدلات الرصاص في الجو - أحد الأسباب. أما عوارض عدم التركيز لدى الطفل للإصابة بالحمى المخية أو الحمى الشوكية، والتي بدورها تؤثر على المخ، ألا أن هذه الأسباب قد تكون متداخلة، وقد يكون هناك أكثر من سبب لإصابة الطفل بذلك. مفهوم الزمن ولكن ما هو تحديداً مرض "الحركة الفائقة، وعدم التركيز؟"، يقول د. مارتن ستين "إنه ليس مجرد مرض حقيقي، ولكنه واحد من أكثر المشاكل الصحية لدى الأطفال". "فهو يعتبر - بالإضافة إلى الربو - من الأمراض المعتادة التي يراها أطباء الأطفال وبشكل مستمر في سنوات ما قبل المدرسة، لكنه بعكس الربو تكون أعراضه سلوكية، وتختلف من طفل لآخر، ولا يمكن تحديدها بشكل قاطع، خاصة إذا علمنا أنها قد تتماثل أو تختفي خلف عوارض أخرى. وفي الواقع أن ما يقرب من 50% من الأطفال المصابين بهذا المرض تكون لديهم عوارض مصاحبة له كعدم القدرة على التعلم، والقلق، والاكتئاب، وعدم القدرة على التواصل، وكلها عوارض يجب تحديدها قبل تشخيص المرض". ولكن تحديد العوارض المصاحبة للمرض، بل وتحديد المرض ذاته لا يعني أنه يمكننا الوقاية منه. فإن الطفل المفرط في الحركة قليل التركيز، قد يكون لديه قبول وحضور لدى والديه، وحتى لدى الآخرين، فحركاته الزائدة لا تعني أنه طفل مكروه. هذا لا يعني ترك الطفل المصاب بهذا المرض حتى تتحسن حالته بمرور الزمن، رغم أن عوارض هذا المرض عادة ما تختفي قبل سن المراهقة، ولا تستمر مع الطفل لسنوات طويلة، فإنه يجب التركيز على العلاج في الفترات الأولى من المرحلة الدراسية. قبل بدء العلاج، يجب تقييم الحالة تقييماً سليماً، فيعطى الأبوان ومدرّسو الطفل استمارات ترصد سلوكه وتقيّمه بدرجات، ويحذّر الأطباء من أن عملية التقييم هذه يجب أن تتم في أجواء طبيعية وليس في عيادات الأطباء حتى يتصرف الطفل بحرية وبشكل طبيعي. وبعد ذلك يبدأ العلاج وأولى خطواته هي: العلاج "الاجتماعي الفردي"، وذلك بوضع برنامج محدد للطفل يكون واضحاً فيه ما هو الخطأ وما هو الصواب، بحيث يلتقي الطفل المكافأة إذا أحسن التصرف، مع الابتعاد عن العقاب إذا أساء التصرف والاكتفاء بإهماله. "العلاج السلوكي"، والعلاج لا يكون للمرض بأكمله، وإنما لأحد جوانب المرض، مثل عدم الجلوس في الصف مستقراً، أو عدم النوم في المواعيد، ففي الحالة الأولى، يقوم المربّي بالثناء على الطفل كل عدة دقائق لأنه لم يتحرك من على الكرسي، ثم يدعم ذلك بإعطائه مكافأة مثل قطعة حلوى أو نجمة ملوّنة في دفتره، أو مدحه أمام الصف. يأتي بعد ذلك الدور على المشاكل الأسرية وحلها، ومساعدة الأبوين على تخطي الصعاب الشخصية حتى لا تنعكس على الطفل"، وبالطبع فإن العلاج الأشمل هو تغيير بيئة الأسرة، والبحث عن سكن أوسع إذا كان السكن الحالي ضيّقاً لا يستطيع الطفل الحركة فيه، أو صرف إعانة مالية للأسرة في حالة سواء أوضاعها المالية. وآخرها الكي وأخيراً يأتي دور "العلاج الكيميائي" الذي يبدأ في سن ست سنوات في الفترة الأولى من الدراسة، ويلغى العلاج في فترة الإجازات للتقييم حتى يتبين ما إذا انتكست الحالة أم لا. أذا لم يتحسن الطفل بعد فترة، فهذا يعني أن التشخيص كان خاطئاً ويجب مراجعته من جديد وبسرعة حتى يتم تدارك الخطأ. والأدوية المستخدمة في العلاج هنا أدوية منبّهة لتنشيط القشرة الخارجية المخية مما يؤدي إلى نضج أسرع وأفضل في مراكز التحكم والانتباه والحركة في المخ.