لعل كثير منا يراوده معنى مفهوم الثقافة، وكثيرون هم "المستثقفون" لذا نلاحظ ان هناك كثير من الخلط واللغط في مفهوم معنى الثقافة، لذا عدت الى كثير من المراجع التي كان ولابد من الرجوع اليها مضيفة إياها الى الموضوع لعلها تصبغ عليه بعض المصداقية، وكثير من الأراء التي تعددت في طرح "مفهوم الثقافة" لدى الكثير، ولن أسهب في الحديث لأنه قد يبدو مملاً للبعض، ولكني قد أوجز فيما طمحت إلى إيجازه. فمفهوم الثقافة لدى الإنسان العادي تعني سعة الإطلاع وكثرة المعلومات من غير تخصص ولاتعمق، غير أن فهمها هكذا لا يكشف الفهم الحقيقي لها، فهو فهم سطحي جداً ولا يأخذ إلا بالمظاهر، وينظر لها حكراً على بعض من الناس في حين انها ظاهرة إجتماعية. والمفهوم اللغوي لكلمة "ثقافة" مشتقة من الفعل ثقف، فيقال ثقف الرجل، اي صار حاذقاً، والرجل الثقف الحاذق الفهم ذو الفطنة والذكاء. أما لاتينياً فهي تعني أصلاح الشيء وتهذيبه، كأن " نقول الرجل أصلح من نفسه، هذبها.. وقد أختلف المفكرون في تعريف الثقافة ولا يتوقف التعريف عند محتواها مادياً كان أو روحياً. وقد ذهب الأنثروبولوجيون إلى وصف الثقافة "بأنها ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع، وهذا وصف "تايلور" لها . ومن هنا نستنتج أولاً ان تعريف الثقافة بشكل نهائي أمر متعذر، ومن ثم فأن الإختلاف في تعريفها مبرر، وذلك لأنه يخضع لتطور المعرفة وخاصة في المجال الإنساني. وقد كتب الباحث في الفلسفة الإسلامية والفكر العربي "عقيل عيدان" قائلاً عن فهم تطور معنى كلمة ثقافة: (وهذا منشأ التعميم بعد التخصيص؛ فالتثقيف، والتهذيب، والتأديب، والتعليم، والتربية، أخذت تظهر في آثار الكتَّاب كأنها من المترادفات، فزاد ذلك في التشويش وقلّة . وزاد من الطين بِلّه استعمال كلمة الثقافة حين يقصد الحضارة ، أو المدنية ، أو التمدّن). ومع كل هذا نجد ان هناك من يعاني من " مجاعة فكرية " مما جعلهم يعانون من " أحادية التفكير " ولا يرون ثقافتهم إلا من خلال تخبيصهم ، وكثيراً ما نجدهم يهرفون بما لايعرفون . وذهب بعضهم الى أن تعريف الثقافة هي "تلك التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته، وهي التي تجعل منه كائناً يتميز بالإنسانية المتمثلة في العقلانية والقدرة على النقد والالتزام الأخلاقي، وعن طريقها نهتدي إلى القيم، ونمارس الاختيار، وهي وسيلة الإنسان للتعبير عن نفسه والتعرف على ذاته، كمشروع غير مكتمل، وإعادة النظر في إنجازاته، والبحث دون توان عن مدلولات جديدة وإبداع وأعمال يتفوق فيها على نفسه". فيما نرى أن " أبن خلدون " عرفها على أنها الدارية الجيدة بكل مايتعلق بمجال من المجالات ، فكراً وممارسة " ولايختلف هذا المفهوم عن معجم "أكسفورد" على أنه تهذيب الذوق وأساليب التعامل، وتنمية العقل عن طريق التعليم وتدريبه على التفكير الدقيق. ويرى الدكتور هشام شرابي: أن المثقف يتصف بصفتين: 1- الوعي الاجتماعي: الذي يمكنه من رؤية المجتمع وقضاياه من زاوية شاملة، ومن تحليل هذه القضايا على مستوى نظري متماسك. 2- الدور الاجتماعي: الذي يمكّن وعيه الاجتماعي من أن يقوم به، بالإضافة إلى القدرات الخاصة التي يضفيها عليه اختصاصه المهني، أو كفاياته الفكرية. لذا من الصعب علينا إطلاق أسم " مثقف" على كل من أدعى الثقافة ، إلا ماعلمنا عنه من دراية وفهم للواقع المعاش ، ولعلي لن أطيل هنا أكثر حيث أن تعريف المثقف بأنه المتعلم الحاصل على الشهادة الجامعية فهو بالتأكيد وصف سطحي، وهو يعني ضمناً أن كل متعلم مثقف ، إذا كان التعليم اي التحصيل المعرفي الرسمي أو غير الرسمي شرطاً ضرورياً للمثقف فإنه لا يكفي التعريف به ، وذلك لأن للمثقف وظائف وأدواراً أخرى تميزه عن بقية المتعلمين ، وهذا مايذكر بوجود شكلين من الأمية، الأمية الأبجدية-تعليمية ، والأمية الثقافية، اولها واضحة المعنى ويمكن معالجتها ، أما الثانية فتشكل تحدياً حضاراياً يقتضى جهداً نوعياً خاصاً للتغلب عليها . إننا نعالج مسألة المثقف ليس بدوره ككيان متعلم أو مثقف فرد ، وإنما نعالج هذه المسألة بتركيز الإهتمام على المقومات المكونة للمثقفين بإعتبارهم فئه إجتماعية مرتبطة بمجموع العلاقات المتبادلة بين الطبقات والشرائح الإجتماعية . لذا فإن المثقف هو كل إنسان يملك مجموعة من القيم والأفكار والمفاهيم سواء كانت هذه القيم والأفكار والمفاهيم مأخوذة في سياق التعليم الأكاديمي أو المدرسي، أو كانت مكتسبة في إطار العلاقات الاجتماعية والتبادل الثقافي الاجتماعي العام، وتجدر الإشارة إلى أن هذه القيم والأفكار والمفاهيم لا تبقى نظرية بحتة، وإنما تتحول إلى قوة مادية حيوية في سياق التفاعل السوسيولوجي (الاجتماعي). "ومما سبق نصل إلى نتيجة مؤداها: أن الجدل يحتدم كثيراً حول المثقف، ويحتدم أكثر حول دوره في المجتمع، ومدى علاقته بالنظام السياسي والاجتماعي. المراجع / 1 – مجلة ا لوحدة، أحمد سالم الأحمر "المثقف العربي، واقعه ودوره" 2- مجالة عالم الفكر، د. أحمد بغدادي " مفهوم الثقافة" 3 – بيتنا / موقع إليكتروني 4- عقيل عيدان "باحث في الفلسفة الإسلامية و الفكر العربي"