شهدت منطقة "العسكرية" بمحافظة لحج مساء أمس الجمعة إنقلاباً فريداً على هيئات وتيارات "الحراك الانفصالي"، في اجتماع قاطعته غالبية قياداتها، واستغله حسن باعوم لإعلان نفسه زعيماً "بلا منازع" للقيادة الموحدة للحراك الانفصالي "الجنوبي"، وبتزكية الجماعات "القروية" ونفر قليل من الشخصيات السياسية، ساحباً بذلك البساط من تحت أقدام جميع قادة التيارات والهيئات الانفصالية، في ضربة استباقية مباغتة. حسن باعوم الذي تلقى في الاجتماع ضربة قاصمة للظهر بتجاهل دعوته من قبل غالبية رؤساء الهيئات والتيارات الانفصالية، واقتصار الحضور على عناصر سياسية ثانوية وبعض الشخصيات القبلية "اليافعية"، رد الصاع بصاعين بإصدار بيان يعلن فيه نفسه رئيساً لما أسماه ب(المجلس الوطني الأعلى للحراك والنضال السلمي لتحرير واستعادة دولة الجنوب)، واعداً بأن يتم تمثيل كل محافظات الجنوب داخل المجلس بممثلين مختارون من محافظاتهم. وأكدت مصادر قيادية في "الحراك الانفصالي" ل"نبأ نيوز": أن البيان اقتصر على تسمية رئيس المجلس، وأرجأ تسمية بقية قيادات رئاسة المجلس بناءً على رغبة باعوم نفسه الذي يعتزم من خلالها ترضية عدد من قيادات الحراك "المقاطعة" وضمهم لمجلسه، لإضفاء "شرعية" عليه في تمثيله لمحافظات الجنوب.. خاصة في ظل غياب أبرز قيادات الحراك عن الاجتماع، وتعالي اللغط والفوضى والجدل طوال فترة الاجتماع. وعزت المصادر مقاطعة غالبية قادة "الحراك الانفصالي" لاجتماع "العسكرية" بيافع إلى "تفرد حسن باعوم بالدعوة إلى الاجتماع، والعزم على تشكيل قيادة وطنية موحدة للحراك الجنوبي دون التشاور مع بقية الأطراف المعنية، أو فض الخلافات الدائرة بين بعضها أولاً، واستكمال تشكيل هيئات النضال السلمي لبقية المحافظات الجنوبية، إلى جانب إستياء الكثيرين من الأهمية التي منحها باعوم للقرويين رغم أن الساحة الشعبية الجنوبية تنبذهم بشدة". واعتبرت المجلس الذي شكله باعوم "منفرداً" برئاسته، بأنه "لا يمثل الجنوب إطلاقاً، وإنما يمثل حسن باعوم والمجاميع القبلية التي منحته تزكيتها"، واصفة ما حدث بأنه "إنقلاب خطير على الحراك الجنوبي"، مؤكدة أن "قيادات الحراك سيكون لها موقف من ذلك، لأنها ترفض أي وصاية تفرض على الجنوب من قبل أي جهة طالما تجاهلت بقية القوى، وبقية الآراء التي طلبت تأجيل الاجتماع، وأبدت أسباباً وجيهة ومقنعة جداً لطلبها، وكانت موضع تأييد الغالبية العظمى من قيادات الحراك الجنوبي". ومع أن المصادر لم توضح طبيعة الخلافات حول الاجتماع غير أن البيان الصادر عن الاجتماع أكدها أيضاً، فقد أورد البيان ما نصه: (ومع احترامنا لكل الآراء المختلفة التي أبديت إلا أننا ارتأينا– مع كل المؤمنين بهدف الحرية والاستقلال بأن تشكيل قيادة وطنية جنوبية قد غدا ضرورة ملحة في ظل التطورات التي تحيط بنا والباب مفتوح أمام المؤمنين بهدفنا هذا وستتواصل الحوارات والنقاشات مع كل القوى الرافضة للاحتلال).. مراقبون مستقلون أفادوا "نبأ نيوز" بأن الخطوة التي قام بها حسن باعوم "ربما" حاول من خلالها استباق انفجار الأوضاع بين تيارات الحراك الجنوبي في ظل الخلافات الشديدة، والانقسامات، وتبادل الاتهامات والتخوين، علاوة على استشعار باعوم بخطر التوجه الذي برز مؤخراً لدى الحزب الاشتراكي اليمني باستمالة العديد من قوى الحراك الجنوبي والشروع بالعمل المشترك معها، باعتباره مظلة حزبية قائمة وفق شرعية دستورية. إلاّ أن المراقبين رجحوا أن يتسبب تصرف باعوم بمزيد من الانشقاقات، وربما الصراعات العنيفة أيضاً بين قوى الحراك، معللة رأيها بما تعتقده بأن بعض رموز الحراك الأساسية لا يمكن أن يسمح لها باعوم بالصعود نظر لعمق خلافاته التاريخية معها. من جهتها منظمة "تاج" الانفصالية في لندن، انفردت بإعلان تأييدها الكامل لبيان تشكيل (المجلس الوطني الأعلى للحراك والنضال السلمي لتحرير واستعادة دولة الجنوب)، وقالت في بيان لها: "نحن في التجمع الديمقراطي الجنوبي تاج نعلن عن تأييدنا الكامل وبلا حدود لهذا المنجز الوطني العظيم ونعتبره استعادة للقرار الجنوبي المستقل الذي سيطر عليه الأجنبي مدة تزيد عن خمسين عام". ويأتي بيان "تاج" متزامناً مع بيان آخر صادر عن "أبناء الجنوب في الولاياتالمتحدة، والمملكة المتحدة، والمملكة العربية السعودية ومصر" استنكر مضمون البيانات الصادرة عن اللجنة التنفيذية ل(تاج) وهيئاتها القيادية في لندن، حيث قالت في بعضه : (في الآونة الأخيرة دأبت اللجنة التنفيذية ل(تاج) وقيادتها في لندن على شن هجوم شديد اللهجة على القيادات التاريخية والرموز الوطنية الأحياء منهم والشهداء ومن قضي نخبه ومناضلي الميدان في الحراك السلمي وأعضاء ومناصري هذا الحراك السلمي وتشويه نضالاتهم الوطنية وأدوارهم التاريخية ووصفهم بصفات تأبى الأقلام الشريفة والألسن الحصيفة على النطق بها). ودافعت أيضاً عن الحزب الاشتراكي قائلة: (اننا لسنا هنا بصدد الدفاع عن الحزب الاشتراكي اليمني و تاريخه و مناضليه فهؤلاء ارفع من أن يمس تاريخهم من قبل متطفلين ليسوا على قدر كاف من الحصافة السياسية وهم ممن رضعوا من ثدي الثورة و تربوا في أحضانها وكانوا إلى الأمس القريب فاعلين في أحداث الماضي التي يدعون تبرئهم منها زيفا و بهتانا). ووسط هذا اللغط بين هجوم "تاج" على بعض الجنوبيين الذين تصفهم ب"العملاء"، والتذكير بالمآسي الدموية التي اقترفها الحزب الاشتراكي وإعلانها رفض وصايته.. وبين بيانات أخرى باسم الخارج تدافع وتستنكر.. وبين العصبيات القبلية التي توجت باعوم زعيماً للجنوب، وهيئات رافضة لذلك، وقيادات بارزة مقاطعة لبعض الهيئات، ومحافظات لم تشكل فيها الهيئات بعد، وبين دخول الحزب الاشتراكي على الخط، ورهانات المشترك، وحسابات القيادات التاريخية في الخارج، تتجلى خطورة الفوضى التي آلت إليها أوضاع المحافظات اليمنية الجنوبية، وتتعاظم المخاوف لدى الكثير من المراقبين من أن يفضي كل ذلك إلى صدام بين تلك التيارات، يدفع ثمن مغامرات زعمائه أبناء الجنوب مجدداً، مثلما دفعوه من قبل وعلى أيدي نفس المغامرين!!