عنجهية العليمي آن لها ان توقف    إقالة رشاد العليمي وبن مبارك مطلب شعبي جنوبي    إستشهاد جندي جنوبي برصاص قناص إرهابي بأبين    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    تربوي: بعد ثلاثة عقود من العمل أبلغوني بتصفير راتبي ان لم استكمل النقص في ملفي الوظيفي    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    دولة الأونلاين    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    احتجاجات في لحج تندد بتدهور الخدمات وانهيار العملة    جمعية التاريخ والتراث بكلية التربية تقيم رحلة علمية إلى مدينة شبام التاريخية    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور الجهاز المصرفي في حدوث الأزمة الأمريكية وتداعياتها العالمية
نشر في نبأ نيوز يوم 06 - 11 - 2008

يقوم النظام الاقتصادي الرأسمالي، والرأسمالية الحديثة (الأنجلوساكسونية) على وجه الخصوص بصورة أساسية على الائتمان، بحيث ساهمت التطورات الاقتصادية والمالية خلال النصف الثاني من القرن العشرين في جعل الائتمان المصرفي والمشتقات المالية وتعدد أنواعها الأداة الاقتصادية والمالية الأكثر أهمية في نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين من أي وقت مضى في التاريخ المعاصر، وإذا كانت الرأسمالية الحديثة قد أصبحت في صيرورتها واستمرارها تتوقف بصورة أساسية على الائتمان، وخاصة الائتمان المصرفي، وعلى الأدوات المالية فإن الائتمان يتوقف بدوره وبصورة مطلقة على الثقة، وبالتالي فإن الرأسمالية المعاصرة أصبحت ترتكز على هذا العنصر الأهم وهو الثقة.
ويتسم النظام الاقتصادي الرأسمالي منذ بداية ظهوره وانتشاره في العالم العربي بظهور الأزمات المالية والاقتصادية بصفة دورية كانت تصل في حدتها بعض الأحيان إلى مستوى الكوارث والانهيارات الاقتصادية، مثل أزمة الكساد العظيم (أو الكساد الكبير) التي بدأت في العام 1929م وامتدت إلى نهاية عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، وقد شهدت العقود الثلاثة الماضية (عقدي الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي) والعقد الحالي من القرن الواحد والعشرين أزمات مالية صغيرة تقدر بأكثر من مائة أزمة مالية صغيرة، إلى جانب بعض الأزمات التي ترواحت في شدتها بين الأزمات المتوسطة والأزمات الكبيرة، وكان السبب الرئيسي لمعظم هذه الأزمات، الأزمات المصرفية النظامية ففي الأرجنتين على سبيل المثال حدثت أربع أزمات مصرفية نظامية رئيسية خلال الأعوام (1980، 1989م، 1995م، 2001م) وفي البرازيل أزمتين (1990م، 1994م).
وتشير إحدى الدراسات الحديثة إلى حدوث 124 أزمة مصرفية خلال الفترة 1970م-2007م، ويرتفع هذا العدد إلى 208 أزمة عملات، بينما تبلغ أزمات الديون 63 أزمة خلال الفترة نفسها، وقد شهدت بعض أعوام هذه الفترة حدوث أزمتين في نفس العام، وبعدد 42 حالة، وحوالي 10 حالات حدثت فيها ثلاث أزمات في العام الواحد (وذلك خلال الأعوام 1981، 1982، 1983، 1989م، 2001، 2002، 2003م) بينما شهد العام 1998م حدوث 3 حالات من الأزمات الثلاثية. ( للمزيد أنظر Luc Laeven and Fabian Valencia, October 2008).
وقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1988م أزمة مالية ومصرفية عصفت بأكثر من 1400 مؤسسة ادخار وإقراض وإفلاس 1300 بنك، وكلفت عملية تصفية هذه المؤسسات الأدخارية والإقراضية 180 مليار دولار أمريكي، وتعتبر الأزمة المالية المصرفية الائتمانية التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية منذ منتصف العام 2007م وحتى الآن الأزمة المالية الأشد والأكبر والأكثر تكلفة من حيث أتساع نطاقها الجغرافي وتأثيرها المالي والاقتصادي والسياسي وانعكاساتها السلبية على هذه الجوانب، فقد اتسع نطاقها الجغرافي وتأثيراتها المتعددة إلى خارج الولايات المتحدة الأمريكية والدول المتقدمة، الأوروبية منها واقتصاديات الدول الصناعية الصاعدة لتشمل كذلك معظم الدول النامية والأقل نمواً بصورة أو بأخرى وإن اختلافت تأثيراتها بين دولة وأخرى ومنها بلادنا.
** أولاً: الأزمة المالية (أزمة الأسواق المالية
يتكون الاقتصاد الحديث والمعاصر من ثلاثة أسواق رئيسية تتمثل في:
1. أسواق الموارد، وهي الأسواق التي يتم فيها تبادل عناصر الإنتاج وتقوم بتوزيعها على الأنشطة الإنتاجية المختلفة.
2. أسواق السلع والخدمات المنتجة التي يتم فيها تبادل السلع الإستهلاكية والإنتاجية من خلال إنفاق ما تحصل عليه عناصر الإنتاج من عوائد على السلع الاستهلاكية، وما تنفقه المشاريع والوحدات الإنتاجية والخدمية على السلع الإنتاجية.
ويمثل السوقين السابقين في مجملها ما يسمى "بالاقتصاد العيني" أي تدفقات السلع المادية والخدمات الحقيقية.
3. الأسواق المالية وتتمثل وظيفتها الأساسية في القيام بدور الوسيط بين المدخرين والذين لديهم أموال نقدية فائضة عن حاجتهم إلى الأشخاص والمؤسسات الاستثمارية ولتلك المشاريع والمؤسسات القائمة وتحتاج إلى أموال لتوسيع أنشطتها وزيادة استثماراتها، كما تقوم المؤسسات المالية بالمساهمة في تقرير أسعار الفائدة وأسعار الأصول المالية (مثل الأسهم والسندات) والأصول العينية، وتتمثل أهم أشكال الأسواق والمؤسسات المالية في:
‌أ. أسواق الائتمان المصرفي: وتنقسم إلى السوق النقدية وسوق رأس المال التي تختص بالمعاملات ذات الأجل المتوسط والطويل، وتشتمل بدورها على أسواق السندات (مثل السندات الحكومية، سندات الشركات المساهمة)، والى أسواق الأسهم حيث تعتبر الأسهم أوراق مالية وهي جزء من أصول الشركات المساهمة، وتعتبر أسواق السندات أسواق للدين يقوم المقترضين في نهاية فترة الاستحقاق المحددة في سند الدين بدفع قيمة القرض (الدين) بالإضافة إلى الفائدة المستحقة على القرض للمقترضين.
في المقابل تعتبر الأسهم العادية أوراق مالية طويلة الأجل وليس لها تاريخ استحقاق، ويتم توزيع الأرباح الدورية على أصحابها باعتبارهم من مالكي المشروع أو المؤسسة.
‌ب. الأسواق المالية الأولية والثانوية، حيث يتم في الأسواق الأولية (الأساسية) إصدار الأوراق المالية الجديدة مثل السندات الحكومية وأسهم الشركات المساهمة العادية الممتازة وكذلك سندات هذه الشركات وبيعها لأول مرة. وفي الأسواق المالية الثانوية (البورصة) يتم بيع وتداول الأدوات المالية التي إصدارها سابقاً، بحيث يتم بيعها للمرة الثانية، والثالثة، وهكذا.
‌ج. أسواق الصرف الأجنبي: ويتم في هذه الأسواق بيع وشراء العملات الأجنبية مقابل العملة الوطنية، وكذلك تحويل الأموال بين الدول.
وتتمثل المؤسسات المالية في الوقت الحاضر في عدد كبير من البنوك (بنوك تجارية، ادخار) وشركات التأمين بأنواعها المختلفة (تأمين على الحياة، ضد الكوارث)، مؤسسات الإقراض مثل اتحادات الائتمان وكذلك إلى جانب الشركات المالية وبنوك الاستثمار، وشركات التمويل، وصناديق المعاشات وغيرها.
4. الأدوات المالية: وبصورة عامة تتعامل الأسواق المالية في خمسة من المنتجات المالية وكل نوع يمكن تصنيفه إلى العديد من الأدوات المالية المختلفة، وتتمثل هذه الأدوات فيما يلي:
‌أ. رأس المالي السهمي (أسهم عادية وأسهم ممتازة وأسهم ضمان).
‌ب. سندات دخل ثابتة (بعض الأسهم الممتازة، التزامات الدين مثل السندات وأدوات الأسواق النقدية "مثل أذون الخزانة، شهادات الإبداع").
‌ج. المشتقات المالية بكافة أنواعها مثل حقوق الخيار ، المستقبليات وهي العمليات الآجلة محددة الحجم والستحقاقات وتعرف أيضاً العقود المالية المستقبلية، والعقود الآجلة وهي عمليات مالية ومصرفية آجلة غير محددة الحجم والاستحقاقات.
‌د. النقود ممثلة في العملة والنقد وفي الودائع، حيث يجرى تبادل النقد بين البلدان في سوق الصرف والنقد الأجنبي.
وتعتبر المشتقات أحد الابتكارات والتطورات التي حدثت في سوق الأوراق المالية وقد سميت بهذا الاسم لأنها تشتق من ورقة مالية أصلية مثل تجزئة السندات التي تغطيها الرهون العقارية، فالسند المشتق هو ترتيب تعاقدي يلزم أحد طرفي العقد قانوناً بتحويل الأصول خلال إلى الطرف الثاني خلال فترة العقد المحددة، وقد تكون هذه الأصول مدفوعات نقدية وأصول مالية أو سلع عينية (مثل المعادن الثمينة والمنتجات الزراعية والسلع الصناعية) وحق الخيار هو كذلك ترتيب تعاقدي لفترة محددة يكتسب خلالها أحد طرفي العقد الحق في الحصول على شيء (عملة أجنبية، سلعة مادية، سهم أو سند) مقابل دفع رسم محدد مسبقاً.
الهدف من كل ما سبق القول بأن الأزمة المالية يقصد بها التدهور الحاد في الأسواق المالية لدولة أو مجموعة من الدول، والتي من أبرز سماتها هو فشل النظام المصرفي المحلي في أداء مهامه الرئيسية، الأمر الذي ينعكس بآثاره السلبية في تدهور كبير في أسعار الأسهم والسندات وفي قيمة الأصول العينية وأسعار السلع والخدمات، وبالتالي التأثير سلباً على جوانب الاقتصاد الأخرى مثل العمالة والإنتاج، الأمر الملفت للنظر بأن شهر أكتوبر يمثل التاريخ الذي تحدث فيه الأزمات المالية الكبيرة، فقد بدأت أزمة الكساد العظيم في يوم الثلاثاء الموافق 29 من شهر أكتوبر 1929م، وعرف بيوم الثلاثاء الأسود، وحدثت الأزمة المالية الكبرى في نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وذلك يوم الاثنين الموافق 19 أكتوبر 1987م، حينما انهارت بورصة نيويورك للأوراق المالية محققة خسارة قدرها خمسمائة مليار دولار لتعرف بيوم الاثنين الأسود، ومن نيويورك انتقلت الأزمة إلى بقية البورصات العالمية وخاصة بورصتي لندن وطوكيو، وحدثت الأزمة المالية الراهنة يوم الاثنين الموافق السادس من شهر أكتوبر 2008م عندما انخفض مؤشر داو جونز بحوالي 780 نقطة وبخسارة تصل نسبتها إلى 7% تقريباً.
وبدون شك فإن الأزمة الراهنة أزمة كبيرة بكل المعايير التاريخية والاقتصادية والسياسية والجغرافية وبكل تداعياتها المختلفة، والتي لن تقتصر على ما حدث من خسائر مالية بلغت في يوم واحد أكثر من تريليون دولار في قيمة الأسهم، وفي الفواتير التي ستتحملها الاقتصاديات المتقدمة للحد من آثار هذه الأزمة ومعالجة تداعياتها، إلى مدى إمكانية انتهاء عصر الليبرالية المتوحشة والليبرالية المستبدة وظهور عصر جديد من الرأسمالية الرشيدة الواعية، رأسمالية الملتزمين لا المستبدين والمحتكرين كما قال الرئيس الفرنسي ساركوزي.
** ثانياً: الأسباب والعوامل التي أدت للأزمة (محاولة للفهم)
بداية من الأهمية الإشارة إلى أن فهم هذه الأزمة بصورة موضوعية ومعمقة والخروج بدروس يمكن الاستفادة منها محلياً وعربياً تحتاج إلى دراسة متأنية وبحث عميق من خلال فريق عمل تتوافر له المعلومات والمراجع اللازمة لذلك، وفي محاولة أولية لفهم الأبعاد المختلفة للأزمة الراهنة فإن الأمر يتطلب بالضرورة التركيز على فهم تطورات الأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية بكافة أبعادها التاريخية والحضارية والأيدولوجية، والاقتصادية والمؤسسية والسياسية، ثم البعد الجغرافي المتمثل في العولمة.
أ. البعد التاريخي للأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية:
يرى عالم الاقتصاد الأمريكي بول ساملسون وزميله نورد هاوس بأن القطاع المالي كان على مدى التاريخ مصدر إزعاج وأزمات اقتصادية، وإلى ذلك ذهب فريد زكريا في افتتاحيته لمجلة النيوزويك الصادرة يوم 14 أكتوبر 2008م، ووفقاً لتقرير لجنة الشئون المالية بمجلس النواب اليمني حول الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على الاقتصاد الوطني بتاريخ 28/10/2008م، فإن هذه الأزمة ظهرت نتيجة لإفراط البنوك الأمريكية الاستثمارية وشركات التمويل العقاري في منح قروض كبيرة بدون ضمانات لعملاء من ذوي الملاءة والقدرة المنخفضة على السداد، سعياً لتحقيق أرباح كبيرة، وأنه مع التوسع الكبير في الإقراض العقاري فإن هذه البنوك ومؤسسات التمويل قد وجدت نفسها في مأزق وأصبحت تواجه أزمة سيولة حادة، انعكست بآثارها السلبية على اقتصاديات الرهن العقاري.
في اعتقادي بأن الجذور التاريخية لهذه الأزمة ترجع إلى مطلع عقد الثمانينيات من القرن الماضي، عندما أصدر الكونجرس الأمريكي عدداً من القوانين المنظمة للبنوك خلال عامي 1980م، و1982م تم بموجبها إزالة القيود على أسعار الفائدة بصورة كبير، حيث كانت أسعار الفائدة المدفوعة للمودعين من قبل البنوك التجارية قبل هذا التاريخ تخضع للسيطرة المحكمة من قبل الحكومة الأمريكية، بحيث لم يكن يسمح للبنوك على سبيل المثال بدفع فوائد على حسابات الشبكات (الحسابات الجارية)، كما كانت هناك حدود قصوى لأسعار الفائدة على الحسابات الادخارية والودائع المحدودة الأجل.
وقد أصدر الكونجرس الأمريكي هذه القوانين نتيجة ضغوط لوبي المؤسسات المالية والتي قامت بابتكار أنواعاً جديدة من الأدوات لمواجهة ظروف المنافسة الحادة بينها والتمكن من اجتذاب الأموال من الودائع ذات العائد المنخفض إليها ساعدها في ذلك ارتفاع أسعار الفائدة في أواخر عقد السبعينيات وأوائل عقد الثمانينيات من القرض الماضي. إلى جانب إلغاء غالبية القيود المفروضة على سعر الفائدة، كانت الحكومة تضمن ودائع البنوك التجارية بمبلغ يصل إلى 100 ألف دولار لكل وديعة لدى المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع والتي أنشئت في عام 1934م عقب أزمة الكساد العظيم.
وفي عام 1999م قام الكونجرس الأمريكي بإلغاء قانون الصادر في عام 1933م، ليزيل بذلك آخر القيود على المؤسسات المالية، ففي ظل هذا القانون تم منع البنوك من بيع الخدمات المالية مثل السمسرة والتأمين، وذلك بهدف حفظ حجم المخاطر على البنوك، وبإلغاء هذا القانون أصبحت البنوك وشركات التأمين والمؤسسات المالية والاستثمارية بما في ذلك صناديق التقاعد تتنافس فيما بينها لتقديم الخدمات المالية وجذب أكبر عدد ممكن من العملاء، وذلك رغم القلق الذي أبداه بعض الاقتصاديين من المخاطر المحتمل حدوثها من قبل البنوك والمؤسسات المالية التي تتمتع بحماية التأمين على الودائع، وذلك عندما تكون هذه المخاطر والمجازفات أكبر من إمكانيات مؤسسات التأمين على الودائع، خاصة وأن كافة المؤسسات المالية قد أصبحت قادرة على المتاجرة في عقود مقايضة الديون، وتوريق الأوراق المالية، وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (11/9/2001م) دخل الاقتصاد الأمريكي في مرحلة من الركود زاد حدته الانهيارات الكبيرة للعديد من الشركات الأمريكية الكبرى مثل شركة أنرون، وشركة زيروكس، وولد كوم، وغيرها إلى جانب انفجار فقاعة الدوت كوم ولمعالجة هذا الوضع قام مجلس الاحتياطي الأمريكي الاتحادي بخفض أسعار الفائدة على الأموال الاتحادية والتي تجاوزت 6% في منتصف العام 2000 لتنخفض بصورة مستمرة منذ نهاية هذا العام مقتربة من 1% في نهاية العام 2002م، وفي ظل هذا الوضع أصبح الحصول على القروض والأموال أكثر سهولة، وأصبح بإمكان عدد أكبر من الأشخاص قادراً على الحصول على الرهون العقارية، بما في ذلك مقترضو الرهون العقارية ذات التصنيف الائتماني المنخفض والتاريخ غير الموثوق، ومع تحويل الرهون العقارية إلى أوراق مالية (سندات) أصبحت التزامات ديون مغطاة بأصول، وهذه السندات أصبحت تباع بدورها للبنوك والشركات والمؤسسات المالية بما في ذلك شركات وول ستريت والصناديق الائتمانية والسيادية خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
واستمرت العملية وتطورت أدوات الرهون العقارية إلى رهون عقارية أكثر احتواءً للمخاطر، بحيث أرتفع حجم مقايضة الديون التي عجز أصحابها عن سدادها إلى 100 مليار دولار في مطلع العام 2000م ليتضاعف بصورة كبيرة بعد ذلك مرتفعاً إلى 6.4 تريليون دولار في عام 2004، وبدلاً من العمل على الحد من هذا التنامي الكبير لحجم مقايضة الديون، إلا أن الانتعاش الذي شهدته أسواق العقارات في الولايات المتحدة الأمريكية دخلت بعض الشركات الأمريكية الكبرى في عمليات تأمين الرهون العقارية الخاصة بالمنازل وكذلك الدخول في تجارة مقايضة الديون، ومن بين هذه الشركات أكبر شركة تأمين في الولايات المتحدة الأمريكية وهي شركة آيه آي جي، بحيث بلغ حجم عمليات مقايضة الديون التي تراكمت عليها عند تدخل الحكومة لانقاذها مبلغ 440 مليار دولار. وفي الوقت الذي استولى فيه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على شركتي التأمين على الرهون العقارية، "فاني ما وفريدي ماك" كانت رهونهما العقارية تصل إلى 4.4 تريليون دولار.
ب. الأبعاد الأخرى للأزمة:
من كل ما سبق يتضح لنا ما يلي:
1. البعد التنظيمي والإشرافي على النظام المصرفي والمؤسسات المالية بكافة أنواعها وفي ظل التعقيد الشديد لهذا النظام والمؤسسات المالية في الولايات المتحدة الأمريكية اختلط الحابل بالنابل، فليس هناك حرية دون ضوابط وقيود وأنظمة وفقاً لما صرح به الرئيس الفرنسي ساركوزي ففي ظل العولمة التي قادتها الولايات المتحدة تحول الاقتصاد الرأسمالي من اقتصاد منظم تحكمه مجموعة من القواعد والقوانين واللوائح التنظيمية إلى نظام فوضوي يعيش على المخاطر والمضاربات لتحقيق الربح السريع، بحيث أصبحت المضاربات من أنجح العمليات في الدول الغربية وبخاصة في القطاعين المالي والعقاري، وقد زاد من تأجيج لهيبها المنافسة الشديدة للأسواق المالية الغربية من قبل القوى الرأسمالية الناهضة مثل الصين والهند والبرازيل.
2. البعد الحضاري الأخلاقي: فقد أدى انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية الشرقية إلى إحلال قيم ومبادئ جديدة محل القيم القديمة من بينها قيم الجشع والطمع، السعي للثراء، المصلحة الشخصية، وفي ظل أزمة القيم والمبادئ الليبرالية الجديدة المصاحبة بانفلات قانوني وتشريعي تنظيمي، وتنامي قيم العولمة تحول النظام الرأسمالي الجديد (الانجلوساكسوني) إلى نظام فوضوي المبدأ الساند فيه "الوسيلة تبرر الغاية" فالغاية هي الربح السريع والسعي إلى إشباع الشره الاستهلاكي وإرضاء الطمع البشري وبأي وسيلة أو أداة كانت، لتصبح المضاربة هي الطريقة والوسيلة الأفضل للحصول على الربح السريع، ولذلك لم تتردد مجلة النيوزويك في عددها الصادر في 5 أغسطس2008م بوضع عنوان عريض " كما جرى قبل 75 عاماً وول ستريت قامت بإشعال نفسها على محرقة الجشع".
ويمتد البعد الأخلاقي والحضاري إلى أمرين هامين:
- سعي رؤوساء وأعضاء مجالس البنوك والمؤسسات المالية إلى الحصول على أكبر المكاسب وبأسرع وقت ممكن بغض النظر عن المصالح الوطنية والمصلحة العامة، وتكفي الإشارة هنا إلى أن وزير الخزانة الأمريكي هنري بولسن قد حصل على 500 مليار دولار في عام 2006م عند مغادرته مؤسسته جولدن ساكس المالية شبه الحكومية ليكون وزيراً للخزانة.
- اللجوء إلى وسائل وطرق الاحتيال والغش والتدليس من قبل الشركات والبنوك والمؤسسات المالية للاحتيال على مساهميها وعملائها وبالتواطؤ مع مكاتب وشركات المحاسبة والمراجعة المالية، والتي تحولت من شركات ومكاتب للمراجعة إلى شركات ومكاتب استشارية لطبخ وتزوير ميزانيات الشركات والبنوك والمؤسسات المالية.
- طغيان البعد السياسي على البعد الاقتصادي والمالي، فالقوى السياسية لجماعات الضغط بكافة أنواعها (مثل المزارعين، أصحاب المنازل، أولياء أمور الطلاب) مارسوا ضغوطهم للحصول على الائتمان الرخيص بطريقة مباشرة (وكالات الائتمان الحكومي الفيدرالي مثل بنوك التعاونيات الزراعية الحكومية، ومؤسسات الائتمان الفيدرالية الوسيطة، وبنوك الأراضي الفيدرالية) وكلها تضم 12 بنكاً حكومياً. وهذه البنوك وغيرها تمتلكها الحكومة الفيدرالية وتقدم الائتمان على نطاق كبير وبأسعار فائدة منخفضة عن أسعار الفائدة في السوق، أو بصورة غير مباشرة من خلال مؤسسات الرهن، مثل مؤسسة الرهن الفيدرالية القومية (فاني ما)، وشركة الرهن للإقراض المنزلي الفيدرالية (فريدي ماك)، فمثل هذه المؤسسات وغيرها تقوم ببيع الأوراق المالية بسعر فائدة منخفض وتستخدم الأموال التي تحصل عليها في سوق الرهون من خلال شراءها للرهونات القائمة سعر فائدة منخفض.
- البعد المالي والاقتصادي وهو يمثل كذلك البعد الأهم والأبرز في هذه الأزمة والأزمات المالية السابقة واللاحقة، وله جانبين:
الجانب الأول: الدور الذي لعبته أسعار الفائدة بصورة خاصة والسياسات النقدية بصفة عامة في حدوث هذه الأزمات وهو دور خطير وخطيراً جداً يحتاج إلى كلام كثير.
الجانب الثاني: الانفصال الكبير بين حركة الإنتاج والاقتصاد العيني ممثلة بتدفقات السلع المادية والخدمات الحقيقية وبين حركة وتطور الاقتصاد المالي ممثلة بمعدلات دوران العملات وأنماط توظيفاتها المالية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أن حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي يقدر بحوالي 60 تريليون دولار، في المقابل يقرر حجم المشتقات المالية بحوالي 600 تريليون دولار، أي عشرة أضعاف حجم الاقتصاد الحقيقي، والأمر الذي ساهم في ذلك انتشار ثقافة الربح السريع من خلال ترسيخ مبدأ وثقافة المضاربة وللسمسرة المالية، والذي تواكب مع ابتكار منتجات وأدوات مالية مثل المشتقات والخيارات، ليطغي بذلك مفهوم (الريع المالي) السريع الناتج عن المضاربات ولعبة الحظ على مفهوم العائد الحقيقي الناتج عن العمل والاستثمار الحقيقي.
................
• أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.