خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    من هو اليمني؟    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي نارى: الترجي والأهلي يتعادلان سلباً في مباراة الذهاب - من سيُتوج بطلاً؟    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    صحفي: صفقة من خلف الظهر لتمكين الحوثي في اليمن خطيئة كبرى وما حدث اليوم كارثة!    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    القبائل تُرسل رسالة قوية للحوثيين: مقتل قيادي بارز في عملية نوعية بالجوف    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    التفاؤل رغم كآبة الواقع    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    بمشاركة 110 دول.. أبو ظبي تحتضن غداً النسخة 37 لبطولة العالم للجودو    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صيد القرش في اليمن ... قصة: د. ياسر الإرياني
نشر في نبأ نيوز يوم 26 - 11 - 2008


- قصة: د.ياسر محمد حسن الإرياني -
(قصة من إيحاء الرواية الشهيرة- صيد السلمون في اليمن- للكاتب البريطاني بول توردي)
إهداء: إلى كل يمني حر شريف
بعد أن أنهى الشيخ ( محمد بن زايد) قراءته لرواية "صيد السلمون في اليمن"، وشاهد النهاية الروائية المميتة, التي صار إليها بمعية رئيس الوزراء البريطاني: "طَعماً لسائلةٍ بلا سمك, وقرباناً لحلم رومانسي استحال كابوساً مريعاً".. تنفس بنشوة, وطوى الرواية بأمانٍ تام, وقد طرأت له فكرةُ رومانسيةٌ. طلب الاتصال بالسفير البريطاني بأسرع ما يمكن.
"بعد عشرة أيام كان موعدهم- ثلاثتهم- في مكتب السفير البريطاني في صنعاء, بحسب الرغبة الأمنية للكاتب (بول توردي), فيبدو أنه مازال يعيش أجواء الرواية التي تخيل فيها خططاً افتراضية من تنظيم القاعدة لاغتيال الشيخ".
لم يكن الشيخ- كما وصفَ في الرواية- يرتدي ثوباً أبيضاً فقط، بل كان يرتدي كامل الزى التقليدي جنبيه مرصعة بالفضة, حولها حزام مزدان بخيوط ذهبية, مع ( جاكت) ماركة( Giorgio Armani ) العالمية, وشال أو شماغ بخيوط ذهبية, وفي يده مسبحة حباتها من العقيق الأبيض.. كم تمنى الكاتب في تلك اللحظة لو أنه وصف هذا الرداء في روايته, لكان أضفى على الشيخ سحريةً تظلل الصفات الشخصية التي أضفاها عليه.
أما الكاتب نفسه, فقد كان يرتدي قميصاً صيفياً أزرق اللون مع بعض الخطوط السوداء الرقيقة, وبنطلونا رماديا، فيما السفير البريطاني يرتدي بدلةً زرقاء اللون مع رباط عنق مطرز عليه شكل خاتم عقيق.
- "ها قد التقينا أخيراً يا رفق الصيد, لم أكن أظن أن حديثنا العابر سيتمخض عن هذه الرواية الرائعة"، بدأ الشيخ الحديث وهو يرنو إلى بول توردي بنظرة إعجاب غامرة.
رد بول:
- أرجو ألا أكون قد ضايقتك,في تحويل فكرتك عن صيد السلمون في اليمن إلى رواية, أو جعل الآخرين يقتحمون خصوصيتك.
- لا, إطلاقاً.. إطلاقاُ، بل على العكس.. فأصدقائي من التجار حتى الآن يحاولون, تخمين من هو الشيخ ( محمد بن زايد) لأنك- وأنا لا أعرف هل بقصد أم بغير قصد؟- قمت بجعلي (شيخ وسيد في اللحظة نفسها وهما لا يجتمعان في شخص, وأسكنتني منطقة حراز, ثم جعلت الطريق إليها عن طريق الصحراء, مع أنك وصفته للقادم من مطار صنعاء, ثم جعلت مناخها أقرب لمناخ وادي لعين في حضرموت لا وادي العين في حراز.. عموماً لقد أعجبني تسميتك لي بالشيخ محمد بن زايد,لأنني تخيلت نفسي أخاً لحكيم اليمن الشهير(علي بن زايد) ,الذي لا أذكر بأنني حدثتك عنه في لقاء الصيد الوحيد؟
ألتزم بول توردي الهدوء وأصغى باهتمام لحديث الشيخ, الذي واصل:
- لا بد أنك تتساءل: هل أحضرني الشيخ هنا حتى يشكرني, ويوضح لي بعض الحقائق التي لا تؤثر من قريب أو بعيد على عناصر الرواية الفنية.
أطرق الشيخ, قبل أن يواصل:
- أنت تعلم يا صديقي الطيب, أنك كتبت روايةً رائعةً أوضحت فيها المغزى السياسي والثقافي بكل براعة. وقمت بعمل دعاية جيده عن اليمن. بل دعاية قوية لاسم اليمن.فحين صدرت الرواية كان أغلب أصدقائي الأوروبيين يسألونني, هل قرأت الرواية؟ فكنت أشعر بالفخر لتردد اسم بلدي بذلك الشكل.. ولكن, لنكن صرحاء, أيضا, إنك لم تكتب شيئاً عن اليمن! أكيد, أنت لم تعرف اليمن. وبصراحة لم تعرفني أنا شخصياً جيداً في صحبتنا العابرة تلك, مع صنارة صيد السلمون.. كان يمكن أن تكتب روايتك تلك عن أي إمارة أو مملكة خليجية, فلا يتأثر نجاح الرواية..حتى كلامي العابر عن أمنيتي صيد السلمون في اليمن, كان أفضل لو جعلته حلماً ورغبة ًلشيخ من دبي أو قطر, هناك حيث يتسابقون على إنجاز المشاريع شِبه المستحيلة: يزرعون الصحراء فتصبح واحةً خضراء, ويبنون ناطحات سحاب في المياه,وينشئون مدن الثلج إلى آخر المشاريع, التي تدعمها طفرةٌ ووفرةً غير محدودة للإمكانات المادية.
اعتدل بول في جلسته, وبدا شديد الاهتمام, بما سيقوله الشيخ,فيما السفير كان قد ملأ كؤوساً ثلاثةً, (بالشمبانيا), وبدأ في مناولتهم إياها.
رشف الشيخ رشفةً سريعةً قبل أن يواصل:
- أنا أحب بلدي, يا صديقي الطيب, أحبها بصدق وعمق. أريد لها الخير. أريد لها التطور. لا شيء أكثر من التطور والتعصرن أريده لها. لقد امتلكت التاريخ والحضارة أزماناً طويلة حتى في العهد الحديث إلى منتصف القرن العشرين, حين كانت الجزيرة العربية تعاني البؤس والجهل والشقاء,كانت اليمن أفضل الجميع نسبيا.ً ولكن ها هي الآن عالقة مع دول العالم النامية,أو النايمة.. الحمد لله أنا لست من ذلك النوع من التجار أو المسؤلين الذين لا يهتمون إلا بأرباحهم.
بدأ بول توردي بإرسال نظرات تساؤل إلى السفير الذي تكلم أخيراً, قائلاً للشيخ:
- إنك, يا صديقنا الطيب, مثال لرجل الإعمال المبدع, بنيت هنا شبكةً من الفنادق الفاخرة, توليت وكالة الكثير من الشركات المهمة عالمياً وأدخلت سلعها ذات المواصفات العالية إلى بلدك بأسعار معقولة, تقدم المساعدات السخية لأبناء بلدك.. فتحت مصانع عالمية في بريطانيا, وفرت الكثير من الوظائف, كنت نعم الصديق للسفراء الغربيين, الأمر الذي حملك الكثير من الاتهامات, بالعمالة, من قبل منافسيك- الذين يحضرون بضائع ذات مواصفات دنيا ولكن بأسعار أقل, ولكنهم لبراعتك, لم يستطيعوا زعزعة أركان سوقك- فاتهموك بالعمالة للغرب, ولكنك ماضٍِِ في طريقك كرجل أعمال معاصر متحضر يبغي أن ينعكس أداؤه على مجتمعه بالتطور والرقي.
ظهر لبول توردي بأن هناك تفاهم ما, بين الشيخ والسفير, وإنه على وشك أن يصير كالأطرش في الزفة:
- "أعذروني يا أصدقائي,فيبدو أنني لم أخمن حتى الآن ماهية الموضوع الذي طلبتم حضوري من أجله".
أجاب الشيخ:
- لا تستعجل يا صديقي, دعنا هذه المرة نحن الذين نتحدث. لقد استمعنا إليك طويلاً في روايتك من دون أن نقاطعك, إلى أن تخلصت مني ومن رئيس وزرائك, ودفنتنا بلا أثر في سائلة وادي العين.
تبادل الجميع الضحكات قبل أن يكمل الشيخ, متسائلاً:
- هل قرأت كتاب "من كوبنهاجن إلى صنعاء".. أو كتاب "كنت طبيبة في اليمن" أو "رحلة إلى العربية السعيدة".. أو أي كتاب رحلةٍ قديم إلى العربية السعيدة: اليمن.
كان بول توردي يهز رأسه ببطء, نافياً, قبل أن يضيف:
- ربما كتباً أكاديميةُ عامةً عن التاريخ اليمني, أو موسوعات عالمية عن البلدان.
وهنا واصل الشيخ.
- لا بد أن تقرأها يوما ما.. تلك الكتب أثرت في كثير من الساسة والمثقفين اليمنيين.. تلك الكتب, يا صديقي الطيب, كانت تسجل وضع اليمن خلال زيارات قام بها كتابها, وكان أهم من مسح الواقع وتوثيقه في تلك الكتب, هو الانطباعات التي سجلها أولئك الزائرون..أعني حين يأتي شخص ليتحدث عن واقعك, ويصرخ هذا الواقع يعيش بأساليب قديمة غير مريحة,هذا الواقع خارج عن الزمان والمكان الذي نحن في, وحين تسجل هذه الانطباعات بصدق وانفعال شديدين فإنها لا بد أن تؤتي ثمارها... أنا شخصياً أخذت منها القوة لكي أنطلق وأكون هذه السمعة والتجارة الكبير..
لمعت في عيني بول توردي فكرةً براقة وكأنه بدأ يمسك بخيط ما, قبل أن يكمل الشيخ:
- إن ما أريده منك ,يا صديقي الطيب, هو أن تكتب كتاباً عن اليمن ,كتاباً حقيقياً عن اليمن.
لكنني أعرف أنك تشبه بطل روايتك (الدكتور ألفرد جونز) وأنك عنيد مثله, وستحتاج إلى كثير من الإلحاح كي توافق على هذه الفكرة, مثلما وافق الدكتور جونز على فكرة إدخال صيد السلمون إلى اليمن... لكن علينا,الآن, أن نخرج في جولةٍ استطلاعية في الشوارع, حتى تعرف ما هي فكرتي.. لا تخف فسيارتي مصفحة ضد القذائف النارية, ثم إن تنظيم القاعدة لم يستهدفوا تاجراً حتى الآن. طبعاً,مع استثناء الحادثة الوحيدة في روايتك.
ابتسم بول توردي من جديد,ورافق الشيخ إلى سيارته,وهناك ناداه قائلاً:
- شيخ محمد,إني موافق على الكتابة.
(عبر جولةٍ مكوكيةٍ, في شوارع العاصمة: الأحياء الفقيرة والراقية, المؤسسات الحكومية, الخدمات, حتى مساكن العمال, وفي نهاية الجولة عبر به سائلة صنعاء القديمة, ومروا عبر أزقة أحياء المدينة القديمة.. أظهر بول انبهاره وخصوصاً حين علم أن هذه المدينة ليست لإظهار التراث والتغني بالماضي, بل إنها مدينة حية. لاحظ أن هناك في الدور السادس امرأة تمسح الشباك, وأطفال يدخلون ويخرجون من بوابات البيوت, وأصحاب حوانيت يمارسون البيع والشراء مع سكان المنطقة.
في نهاية الجولة عادوا إلى ضفة السائلة من جديد. ومن تلك الضفة المرتفعة, أطلوا على السائلة, التي كان يجري فيها بعض الماء من بقايا ذلك اليومي الصيفي الممطر, قال الشيخ:
- أنظر هذه سائلة, أي نهر صغير, وجدت تاريخياً وطبيعياً كمصرف لمياه الأمطار التي كانت كمياتها وفيرة في سائر الأيام. قامت الحكومة, بدعم مادي أجنبي, برصفها بالأحجار وأنشأت بعرضها الجسور للعبور, بعد أن كادت تتحول إلى مقلب قمامة. لكنك, الآن, لا بد ستلاحظ بقايا الأكياس والعلب البلاستيكية, التي يرميها السائقون طوال الطريق, وهي تشوه جريان الماء.
توقف الشيخ فجأةً, ونظر إلى "بول توردي", وأطلق ضحكةً صغيرةً, وأضاف:
- "لا تظن بأنني أريد أن أعمل مشروعاً لصيد هذه القمامة من السائلة".. هاهاها.
ثم أضاف وقد ارتسمت على وجهة علامة الحزن:
- أريد أن تضمن في كتابك استياءك عن ممارسات مثل هذه, وكل ممارسة قد تراها غير حضارية من ملبس أو مأكل, وفي أي بقعة, أو مرفق, أريدك أن تكتب عنه.. سيقول الجميع أنني أشوه سمعت بلدي. لا, يا صديقي الطيب، لا تصدق هذا، إنما كما يقال "آخر العلاج الكي". أو" العلاج بالصدمات". أنا أريد أن يشاهد كل واحد نفسه في المرآة, فلربما يكون عارياً من غير أن يرى. أريدك يا صديقي الطيب, أن تصنع هذه المرآة في كتابك.ثم أريد للضوء المنعكس من هذه المرآة, أن يصير نوراً يضيء طريقاً للحداثة. أريدك أن تؤلف كتاب يصور ويتخيل حداثة حقيقيةٍ في اليمن.
هنا قاطعه "بول" وعلامات الاندهاش تملئ عينيه:
- أريد أن أسأل أولاً, هل نجحت الكتب السابقة في شيءٍ من ذلك؟
- "المشكلة مع الكتب التي ذكرتها لك آنفاً أنها لم تترجم وتقرأ في بلادنا إلا بعد مضي عشرات السنين على طباعتها, وبعد أن تغيرت الحال إلى حال أفضل مها, وبعض تلك الكتب استُخدم لغرضٍ سياسي. أما الكتاب الذي أتمنى أن تكتبه فسيكون منزهاً عن أي
- ؟ غرض إلا المعرفة والتطور,وطبعاً الحداثة.وسينشر بمجرد انتهاء كتابته. سأقوم بطباعة آلاف النسخ,وتوزيعها مجانا,، كمشروع وطني حضاري، و سيكون انجازاً أفخر به.
أخرج, مسبحته العقيق ,وبدأ يتمتم مسبحاً.ثم خاطب الكاتب:
- أسمع! سأعطيك أفضل جناح في كل فندق أمتلكه في اليمن,وكل بقعة في اليمن تريد زياراتها فأنني سأسهل لك الدروب, سأعرفك على أصدقائي من كبار التجار والمسئولين سأوفر لك المترجمين والسكرتارية الذين سيلخصون لك الجرايد والكتب وكل ما يتعلق باليمن, حتى التقارير الإحصائية, وحتى دخل المواطنين, وتكاليف الحياة لصاحب دخل متوسط, سأعمل كل ما من وسعه أن يعطيك صورة موزاييك عن اليمن.. حتى تكتب عملك الذي أؤمل فيه خيرا, غير أن لي طلباً وحيداً أن يكون العنوان" صيد القرش في اليمن" لأن التبشير بهذه الحداثة التي ننشدها, سيكون أشبه باصطياد سمك القرش المفترس، والسبب الآخر حتى نستفيد من عنوان روايتك المنتشر على نطاق واسع."
أسهم "بول توردي" ثم قال:
- لقد وافقت, إذاً لنرى كيف سيصير كتابك المستحيل!
حين بدأ "بول توردي" البحث عن مادة كتابه, غير بعض الترتيبات, فرفض أن يسكن في الفنادق الفاخرة المعزولة, وطلب أن يسكن وسط الناس,واقترح أن يجلس الوقت الذي يريد في المكان الذي يريد, وبالفعل تنقل بين أحياء صنعاء القديمة, والحديثة, والعشوائية. وكذا في أحياء الكثير من المدن ربما كان يجلس في حي شهراً وفي آخر لا يتجاوز اليوم أو اليومين, وكان فريق السكرتارية يجبه عن كل ما يريد. لكن بعد مضي ستة أشهر اختفى بول توردي فجأةً. عرف الشيخ من أصدقاءه في المطار أنه غادر عائداً إلى بريطانيا. وقبل أن يتساءل الشيخ عما جعله يفعل ذلك, كانت هناك رسالة تصل الشيخ بالبريد الإلكتروني.
[email protected] From:
To:[email protected]
Subject: Yemen novel project!
عزيزي الشيخ،
يبدو أنك فوجئت من غيابي المفاجئ. لكن عما قريب سيزول اندهاشك, خصوصاً حين تقرأ موعظتي التالية- و يا للمفارقة كما علمتني الإيمان فها أنت ذا تحولني من راوٍ إلى واعظ .
لقد قلت فعلاً في روايتي أنني تعلمت منك الإيمان. أجل, الإيمان الذي تمتلئ به قلوب الناس الطيبين, بل, والسيئين أيضاً. لكن, هناك شيء مهم يحرك ذلك الإيمان لم تحدثني عنه ,أبداً..((intention النية.. النية الطيبة, يا شيخ. بالرغم من أن دينكم يجازي على النية وكأنها عمل. وربما يقال في أثركم"نية المؤمن خير من عمله"؛ إلا أنني فوجئت بواقع مغاير لمفهوم النية الطيبة. فأغلبية الناس لا تضمر نيةً طيبةً لبعضها البعض. الجميع يعرقل الجميع, في دائرة من التربصٍ لا تتوقف . موظف بسيط في مؤسسة ما, يعرقل أخاه المواطن في معامله بسيطة. إما لأجل المال, وإما لئامه. أو ( فرغه فرغيه) كما تقولون. ثم تنعكس الأدوار فيذهب المعرِقل من أجل مصلحة في مؤسسة ذلك المعرقَل, فيعامله بأسوأ مما عومل به. هذه الصورة, على ما فيها من عدم الاحترام, تتكرر في الشارع, في الوزارات. وخصوصاً في المدن الكبرى.العاصمة بالذات. ثم الأنكى من ذلك أصدقاؤك من التجار ,والمسئولين الكبار. إنهم وقد ازدادت ثرواتهم, إما من رفع الأسعار أو من نهب حقوق المواطنين أو المضاربة الجنونية في أسعار الأراضي, لكنهم ينفجرون بمجرد أن أسألهم عن الوضع في بلادهم, قائلين:
" بلاد خاربه, شعب و..., ما فيش فايده". كم وددت أن أصرخ في وجوههم" هل تصيبكم الأعاصير التي نضرب الكثير من الدول الصغرى والكبرى, فتقتل العشرات وتشرد الآلاف وتكلف خسائرها المليارات, حتى تقولوا" بلاد خاربة"؟! هل يقتل الناس بعضهم بعضا لسبب طائفي .. صدقني, يا شيخ, كم استغربت حينما لم أجد الحب الذي حدثتك عنه في روايتي بين الناس. نعم ,إنهم طيبون, يتعاونون. لكن بشكل مادي, (برجماتي): أعاونك اليوم, لأنك ستعاونني غداً, أو لأنك عاونتني بالأمس. لم أجد روح الحب والأخوة بقدر ما وجدت روح الواجب, واللازم. كلمة مثل ( قُبال الناس) أوضحت لي قانون العلاقة بين الناس, إنه رياء وخوف من صورتهم أمام الناس. إلا إنني متأكد أنك تعرف, يا شيخ, من صرف جهود الناس وطاقاتهم إلى التربص ببعضهم البعض... لأنني أظن أنك أحدهم.
أهٍ, يا شيخ إن العنوان الذي اقترحته علي للرواية كان موحياً جداً خصوصاً حين عرفت, من فريق (السكرتارية) الذين زودتني بهم, بلاغة الجناس الموجودة في كلمة القرش العربية. في حين أن القرش كسمك مفترس(shark) يختلف في لغتي الإنجليزية عن القرش كوحدة نقدية (penny). وتبقى المشكلة الحقيقية في اليمن,هي البحث عن القرش, الذي أنسى الناس معاني الحب,والاحترام وغير مفاهيم معانٍ أخرى مثل الإيمان.لكنني تساءلت في الأخير: من هو القرش الحقيقي في اليمن؟ لكنني أبداً لن أساوي بين أصحاب القروش الصغيرة الذين يقاتلون حتى يحصلون على ما يسد جوعهم وجوع أبنائهم, ولو (بكدمه), وأصحاب (الكروش) الكبيرة من أغلب التجار والمسئولين, الذين لا يتورعون عن عمل أي شيء في سبيل الحصول على هذا (القرش) فيتحولون إلى قروش مفترسة "جلب مواد تموينية بفائدة غذائية قليلة..حلويات للأطفال تحوي مكونات فاسدة وموادَ حافظة مُسرطنةً أدوية تكون فيها المادة الفعالة قليلة، مواد تغليف سامة. تكنولوجيا قديمة. بنية تحتية غير مطابقة للمواصفات أو إجراءات السلامة..
أولئك الذين لا يريدون أن يأكلوا لقمةً حلالا, ولا يهمهم ما سيحدث لعموم الشعب إن كانت الفائدة ستأتيهم.. بل إن بعض هؤلاء المسئولين يتزايد ضررهم يوماً بعد يوم, حتى أفقدوا الدولة مصداقيتها, ولأضرب لك مثلا,ً بسيطاً بالمنح العلمية والمعونات التي تقدمها بريطانيا عن طريق سفاراتها باليمن,كما أخبرني السفير. لقد كانت الحكومة البريطانية تسلم هذه المنح مع المعونات الأخرى إلى المسئولين اليمنيين مباشرةً, لكنهم لم يعطوا تلك المنح لمن يستحق وتلاعبوا بالمعونات. فتقرر أن تقوم السفارة بإعطاء المنح لمن يستحق, وأن تدير المعونات بنظرها..
عزيزي الشيخ:
بالرغم من إننا- الدول الغربية- نوصف بأننا ماديون دنيويون ( ربما أنني أوضحت في روايتي كيف أن أهم أسباب تباعد الفريد جونز وزوجته هو الجري والسفر وراء تحسين مستواهم المادي), إلا أن المادية الجديدة التي رأيتها خلال طوافي في ربوع السعيدة هي أسوأ أنواع المادية الحديثة. فالوقت فيها غير محترم بالمرة، حيث ينتهي اليوم غالباً وقت الظهيرة,حين يبدأ الناس في التفكير بحق القات,وغداء القات,وسوق القات,ومقيل القات,وما بعد القات" مادية قاتية قاتلة".. لا أحد يفكر بمشروع مبتكر, أو فكرة غير مسبوقة,بل أحلام تنتهي مع انتهاء جلسة القات. ثم يأتي التقليد فإذا نجح مشروع فالجميع يقلد المشروع نفسه, حتى ينتهي بإفلاس أغلبية المقلدين.. والكثير من المشاكل والانتكاسات التي رأيتها هو بسبب غياب العقلية المبدعة, التي ربما تكون موجودة ولكنها إما غيبت عن المناصب الهامة, أو تغيبت بفعل تأثرها بعقلية التقليد.
الشيخ المحترم:
إنني أستغرب حين أشاهد عاصمة ,في القرن الحادي والعشرين, ما زال الكثير من سكانها يشترون الماء النظيف من محطات المياه, ويستعينون بالشمع لإنارة, ما يتسرب من ضوء لياليهم . لديكم الكثير من مؤشرات الإخطار. قلة الماء.تناقص النفط,خريجون بالآلاف من غير فرص عمل شبكات مجاري وطرق غير مطابقة للمواصفات يمكن أن تنهار في أي لحظة - هل هذا ما أردتني أن أكتب عنه؟.. إنكم تنتظرون الكارثة حتى تنتبهوا وإذا وقعت الكارثة الكبرى فأنتم هؤلاء تستعينون بالإيمان,كحلٍ أسهل بدلاً من إزعاج أنفسكم بتحليل سبب المشاكل ووضع الحلول الناجعة لها. إنكم تستخدمون الإيمان الذي يحث على العمل والإبداع والمبادرة أسوأ استغلال, فتقولون: "مكتوب, مكتوب" وما كتبته إلا نواياكم وأعمالكم.
عزيزي الشيخ:
أرجو أن تعذرني لغياب اللباقة, خصوصاً حين أتحدث عنك. . إن اليمن الوحيد الذي أردتني أن أكتب عنه هو أنت, فأنت المواطن الأصيل, وأنت المثقف العصري,وأنت الحريص على مصلحة البلد,وأنت فاعل الخير وأنت المستثمر وأنت الطبيب,الخلاصة أنت الحل. لقد وظفتَ- أنت- كل شيء في روايتي الأولى لصالحك حتى تسميتك ب( محمد بن زايد), فقد زعمت أنني أردت تشبيهك بالحكيم علي بن زايد أو ولد زايد.
لقد قال علي حكمه أظنه كان يقصدك بها (ما ينفعك ما مع أخوك ولا سراجه يضي لك) هذا أنت بالفعل تمتلك المليارات والقصور في كل إرجاء العالم وربما يمر العام ولا تستخدمها وتصرف عليها آلاف الدولارات من عمال وصيانة وضرائب؛ وتدفع مائة دولار أو أكثر بخشيشاً لعامل مصعد. والحقيقة أن هذه الآلاف المؤلفة لو وضعتها في جمعيات تعليمية وصحية خيرية لحصلت على الحداثة التي تنشدها. لقد فهمت منك أن نيتك خالصة مخلصة، لكن "ما مصلي إلا ورابح " أو" ما مصلي إلا وطالب مغفرة", كما يقول مثلكم البليغ. لم يكن عملك مخلصاً لوجه الله.
ما كنت أعلمه عنك "كرفيق صيد للسلمون" انتهى فجأةً إلى رجل يعرف كيف ينتهز الفرص لصالحه. بدأت أفهم هذا حين علمت من الناس الطيبين في الشارع, أنك تفسد كبار الساسة والمسئولين. تغدق عليهم بالهدايا تشتري لهم العقارات في أشهر منتجعات العالم.- تعلم لو أنك عملت هذا في بلدي لحاكمتك العدالة كمحرض على الفساد-.و ها إنني أخيراً أخلص إلى الحقيقة المرة. لقد استغليت أنني اعترفت, في روايتي, بأنني تعلمت منك الإيمان. وظننت بأن تصديقي لك شيء مضمون ( لكن حتى الإيمان بالنسبة لك انتقائي.فمزايدتك بأنك مسلم ملتزم لا تمنعك من أن تحلل لنفسك ولإيمانك الخاص أن تشاركنا شرب الخمرة). لكن كما قال (أبراهام لينكولن): "يمكنك أن تخدع كل الناس بعض الوقت لكنك لا تستطيع خداع بعض الناس كل الوقت". نعم إنها مجرد خديعة وخداع. محاولة لعمل دعاية إعلامية من أجل الانتخابات القادمة. هذا للأسف ما قرأته من الناس في الشارع وأولهم العاملين في شركاتك. وأنني الآن في غاية الأسف لأنني رسمتك في روايتي كشخصية إنسانية مثقفة تؤمن بقيم المساواة. لكن المساواة التي تريدها هي حقك في الحصول على كل شيء لقد فهمت أخيراً أنك سألت نفسك" لماذا لا تكون أنت رئيس الوزراء القادم؟ نعم أنت صاحب فضل على كثير من الساسة وبعض الفقراء. أنت تحكم لكن بشكل غير مباشر. قد تثير الصحافة بمالك.قد تثير إعجاب السفراء الغربيين بثقافتك وكرمك وألمعيتك, قد تشتري بعض المشرعين كي يفصلوا لك بعض مواد القانون لتتناسب مع تجارتك. لكنك و بإلحاح تسأل نفسك دائماً: لماذا لا أكون حاكماً رسمياً؟! وها أنت تجند جنودك وتحشد حشودك,لتحقيق شهوة (صيد الحكم الحقيقي في اليمن).. . لكنني أقول لك أخيراً, إذا كنت في نهاية روايتي قد خيرت حكومتنا البريطانية: بين مشروع الديمقراطية ومشروع السلمون. فإنني كزميل صيد سابق أخيرك: بين صيد الأنانية العفن أو التغيير بالنية الصادقة. غير نيتك أولاً قبل أن تدعي تغيير وتطوير أساليب حياة الناس المتخلفة. و كما قيل" لن تغيروا حتى تتغيروا".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.