لقد تسابقت خطوات التقنية توقعات المتابعين فأخذت قفزات هائلة خلال العقد الحالي من الزمن، فنلاحظ على كافة الأصعدة نقلة نوعية في البنية التحتية للاتصالات الرقمية والأجهزة الإلكترونية، تنوعت أحجام ووسائل منتجاتها، وتنوعت بشكل مماثل جودتها في سبيل الرقي وتقديم حياة مترفة للمستخدمين. الكثير من الابتكارات التقنية ذات أهداف تجارية و بعضها الآخر اتصف بلباس أكاديمي من نبع أبحاث الجامعات للمساهمة في إيجاد حلول لمشكلات طبية أو خدمية استهلاكية. ما أردت الوصول إليه في هذه المقدمة إلى أن هناك جوانب سلبية أثرت على حياتنا الاجتماعية، وأجزم أنها لا تخفى عنكم وكل قد لمس أثرها في حياته الخاصة. لو ركزنا النظر في تقنية الحاسوب والإنترنت لوجدنا أن الإنترنت وفر بيئة سهلة وسريعة وفي ذات الوقت زهيدة الثمن في تقديم حلول للاتصال بالأقارب والأصدقاء، فكثرت أدوات المحادثة الاجتماعية بالصوت والصورة مع إمكانية نقل البيانات بأريحية تامة. لكن مما زاد الأمور تعقيداً هو دخول هذه الأدوات في حياتنا اليومية بالقوة، فليس من القبول عدم الرد على بريدك الإلكتروني في زمن قصير دون تأخير، أو الانقطاع عن برامج المحادثة كالمقدم من شركة ميكروسوفت إلى غيرها من الأمثلة العديدة. علاوة على زيادة أعباء متابعة تلك الأدوات، تأتي مسألة مهمة تتعلق بالأمان وخصوصية المستخدم. وتتجلى الصورة واضحة عندما ننظر إلى المواقع الاجتماعية كالموقع الشهير هذه الأيام "الفيس بوك" والذي يقدم شكلاً من أشكال التواصل الاجتماعي بين مستخدميه، تتيح هذه النوعية من المواقع الاجتماعية إمكانية عرض صورتك الشخصية واهتماماتك بالإضافة لتاريخ ميلادك واسمك الكامل مع العديد من المميزات كرفع الصور إلى الملف الخاص بك. فمن وجهة نظر تقنية بحتة يعد هذا النوع من المواقع رائدا من رواد الجيل الثاني من صفحات الويب، فبها تدعم تواصل المستخدمين وتضيف نوعاً فريداً من تعريف الزائر بنفسه للآخرين والبقاء على اتصال دائم معهم. ومن منظور اجتماعي فهو بيئة مهمة للباحثين والمهتمين لدراسة سلوك الإنسان ومدى تأثير اختياراته على زملائه وأقرانه في نوع الكتاب الذي يحب أو البرنامج التلفزيوني الذي يحرص على متابعته أو التعرف على أصدقاء لهم نفس الاهتمامات و الهوايات. إضافة إلى ذلك، فهذا النوع من المواقع يتيح للمبرمجين والمطورين التعامل مع متغيرات ملفات الزوار وقراءة بعض البيانات عند موافقتهم على تبادلها بغرض تقديم خدمة معينة أو برامج تجذب اهتماماتهم. وهنا تكمن العديد من علامات الاستفهام حول درجة الأمان لتلك التطبيقات المصاحبة للمواقع الاجتماعية من معرفة العديد من المعلومات الهامة للمستخدمين مما يجعلها عرضة للسرقة والاستفادة منها بشكل غير مباشر. من منظور آخر، أكدت دراسة بريطانية حديثة عن وجود تأثيرات سلبية لاستخدام "الفيس بوك" لمن هم أقل من السابعة عشرة سنة، فهو يؤثر على قدراتهم في التحدث والمحاورة مع المجتمع المحيط بهم، فبدلاً من الاختلاط مع العالم الخارجي تجد الطفل يقضي معظم وقته في محادثة أصدقائه والتعليق على صورهم في "الفيس بوك"، مما يؤثر على ثقافة ونمو لمن هو في تلك الفترة العمرية. إحصاءات "الفيس بوك" توحي بصحة تنبؤات الباحثين الاجتماعيين، ففي إحصائية لمستخدمي الفيس بوك تنشر بشكل دوري تشير إلى وجود ما يزيد على 75000 ألف مستخدم يتناوبون على استخدام الموقع بشكل دوري فئاتهم العمري تعلو على الخمس والثلاثين سنة وهم يشكلون 1% فقط من إجمالي المستخدمين الفاعلين في الموقع، ونسبة المستخدمين ذوي الفئة العمرية دون السابعة عشرة يشكلون 19% من مجمل الزوار حسب إحصاءات نشرت في شباط من عام 2007 وتقلصت النسبة بشكل ملحوظ إلى 13% في بداية هذا العام من أصل عشرين مليون مستخدم من الولاياتالمتحدةالأمريكية يغلب تفاوت أعمارهم بين الثامنة عشرة إلى الرابعة والعشرين. وفي استبيان حديث أجرته جامعة يابانية أثبتت ولع المراهقين والمراهقات بالهواتف الذكية مما يتيح لهم إرسال واستقبال مئات الرسائل الإلكترونية يومياً ومحادثة زملائهم أثناء تناول الطعام وفي مقاعد الدراسة. وخلاصة القول في ذلك هو أن الإتزان والترشيد في استخدام الأدوات التقنية خصوصاً عند التعامل مع فئات صغيرة السن مهم جداً وللتغلب على تلك التحديات هو بتوظيفها التوظيف الصحيح ومحاولة تقديمها على شكل وسائل تدعم العملية التعليمية والثقافية لتحويلها لطرق جديدة لاكتساب المعرفة.