العالم يتنافس في المسارعة نحو جودة الأداء ونحن نهرول إلى الخلف، لأننا مغرمون بالكلفتة، كلفتة حقوق الناس وكلفتة الأعمال وكلفتة الوقت وكلفتة المال وكلفتة الأخلاق، كل حياتنا كلفتة في كلفتة، نكره الاكتمال ونكره الإجادة ونكره النظام ونريد أن يرحمنا الله ويبعد عنا الكوارث والأمراض... كيف يتم ذلك ونحن لا نساعد أنفسنا ؟!!( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). الدولة تصرف المليارات لتطوير التعليم، ونحن نسعى إلى تأخره وكلفتة كل شيء فيه، ثم نتغنى بأن التعليم في أوج تقدمه، وأن أولادنا وبناتنا في طريقهم إلى صفوف أنشتاين ونيوتن وزويل ونستمر في مغالطة أنفسنا ومغالطة برامجنا ومغالطة أهدافنا بالإهمال، وتكون النتائج مخرجات ضعيفة ليست لها صلة بخطط التعليم ولا بمستقبل التنمية... من مظاهر كلفتة التعليم أن هناك بعض المدارس تتبع سياسة(ترشيد اليوم الدراسي) حيث أصبحت تصرف طلابها بعد الراحة هذه الأيام، ويدل على ذلك مشاهدة طلبة بعض المدارس الثانوية الخاصة بالذكور وحداناً وجماعات في الشوارع بعد الساعة العاشرة صباحاً، وقت الراحة المدرسية، كلهم عائدون إلى بيوتهم بالزى المدرسي، وحينما تسألهم تفاجأ أن المدرسة هي التي أعطتهم الإذن بالعودة إلى بيوتهم لأن اليوم الدراسي قد انتهى في تلك المدارس... اليوم الدراسي في بعض المدارس فقط ساعتان في بعض مدارس صنعاء.. من الساعة 8 - 10 صباحاً ... ولا نعلم ماذا يمكن أن يتم في هاتين الساعتين بالضبط؟ من أراد أن يتأكد من هذه الظاهرة فما عليه إلا أن يتواجد بجوار مدارس الأولاد في ذلك الوقت، وينظر في أزياء الطلاب ليعرف من أي مرحلة هم؟ ومن أي مدرسة خرجوا ؟ ويمكن أن يستوقف بعضهم ليسألهم لماذا عادوا من المدرسة؟ وسيسمع العجب العجاب... بعض المدارس المعنية بالأمر تتعذر بعدم وجود المدرسين، وبعضها بعدم وجود المدير والوكيل في الوقت نفسه، وبعضها بأعذار لا حصر لها، ذلك يحدث في العاصمة صنعاء... فيا ترى كم اليوم الدراسي في الأرياف؟!!؛ هذه ظاهرة جديدة تدل على أن مهنة التعليم لم تعد تستدعي دواماً مدرسياً، وتحتاج إلى وقت وجهد لدراسة أسبابها من وجهة نظر ذوي الشأن في تلك المدارس...لكن مهما كانت الأسباب والمبررات فلن يغفر التاريخ ما يحدث من عبث في العملية التعليمية، ولن يترك الله العابثين يتمتعون بعبثهم إلى أجل غير مسمى... والغريب في الأمر أن الطلبة وأولياء أمورهم غير آبهين بما يحدث، وكأن الأمر لا يعنيهم، مع أنهم هم المتضررون من خروج أبنائهم للتسكع في الشوارع وضياع مستقبلهم الدراسي.. كلنا شركاء في هذه الجريمة، أولياء الأمور يشاركون بسكوتهم وعدم الشكوى أو تبليغ المسئولين المباشرين عن هذه الاختلالات، خوفاً من نتائج المكاشفة، أو اللامبالاة بما يحدث، أو جهلاً بآثار تلك الاختلالات على مستقبل أولادهم وبناتهم، و هم بذلك يشجعون على استمرار الاختلالات التي تحدث في بعض حاضنات التعليم(المدارس)، كما إن المسئولين المباشرين على العملية التعليمية في تلك المدارس يشاركونهم في استمرار تلك الاختلالات حينما يعتمدون على تقارير ورقية تخبرهم بأن كل الأمور على ما يرام فيها... الورق في أغلب الأحيان لا تقول الحقيقة... صدقوني...المشاهدات الواقعية في المدارس وداخل الفصول الدراسية هي المقياس الحقيقي لما يحدث للتعليم في بلادنا... أتمنى أن تضع الوزارة آلية جديدة لرقابة المدرسة من خارجها، وتكلف بعض المسئولين بطريقة غير مباشرة لمراقبة حال الطلاب المنتمين إلى تلك المدارس ليعرفوا مقدار العبث والفساد الذي يحدث في هذه المدارس.... الفساد في التعليم لا يمكن أن نعالج آثاره لأنه لا يتصل بالمال فقط،، وإنما يتم من خلاله إتلاف عقول ومهارات وقيم أجيال المستقبل، فكيف يتم تجاهل مثل هذا الفساد؟!! التعليم مثل الهواء والماء لا ينبغي أن ينقطع مهما كانت الظروف، حتى في ظل الحروب في كثير من البلدان تبقى المدارس مفتوحة، فما الذي يجري في مدارسنا؟!!! أفيدونا يا من تعملون في تلك المدارس أو تتعاملون معها... ربما يقتنع الناس بالأسباب، ونعمل معاً على معالجة تلك الأسباب وتصحيح الاختلالات في مدارسنا، أو نفكر معاً بمساندة الدولة في تطبيق فكرة(مجتمع بلا مدارس) ونضع الخطط والاستراتيجيات لتنفيذ تلك الفكرة لندخل التاريخ من باب جديد، وقد يستفيد الأب والأم من هذه الفكرة فيتعلمون مع أبنائهم في البيوت ونقضي على الأمية بطريقة غير مباشرة، ونصون أبناءنا في بيوتنا، ونريح رؤوسكم من شكاوينا. (?) كلية التربية – جامعة صنعاء [email protected]