تزخر اليمن بتاريخ عظيم في صناعة الحلي والفضيات .. فمنذ الحضارات اليمنية القديمة تبوأت مكانة مرموقة كرمز من رموز القوة والعظمة والثراء في عصر الحضارات اليمنية القديمة كحضارة سبأ وحمير وقتبان وأوسان وحضرموت، واحتلت اليمن مكانة عظيمة عن طريق هذه المشغولات أو عن طريق الحرير والفضة والبخور والأحجار الكريمة وكانت تصدرها إلى مختلف أرجاء العالم .. وتتميز بوجودها بكثرة في بلادنا، ففي أي منطقة من المناطق اليمنية نجد طابعا خاصا في صناعة هذه المشغولات الفضية التي تتراوح بين القلائد والأساور والخواتم والحلي والسيوف والجنابي والخناجر والبنادق العربية والأخشاب والصناديق والفوانيس وأباريق القهوة والمباخر المشكلة والمزخرفة بالفضة. ولعل إبداع اليمنيين في هذه الصناعة أظهر صناعات عديدة للفضة كالصناعة البوسانية والبديحية والزيدية والمنصورية والأكوعية كدلالة على الرقي الإنساني والاجتماعي الذي وصلوا إليه حيث أبدع الحرفيون اليمنيون في صياغتهم للحلي والنفائس الفضية نقشات وأشكالاً جميلة وبديعة. تعتبر المشغولات الفضية إحدى الحرف الهامة التي اشتهرت بها اليمن عبر مئات السنين وقد أثبتت الحفريات الأثرية والعلمية وجود مشغولات فضية تعود إلى عصر الحضارات القديمة كالحضارة السبئية، أما في التاريخ الإسلامي فكتاب الجوهرتين العتيقتين لعلامة اليمن الحسن بن أحمد الهمداني والذي أفرد مساحة كبيرة للحديث عن صناعة الذهب والفضة في اليمن وخاماته وأماكن تواجدها وهو كتاب متخصص يعتبر من أهم المصادر العلمية لهذه الصناعة في اليمن منذ أكثر من ألف عام. وبحسب الاخ عبد القادر المهدي مدير عام الحرف والمشغولات اليدوية بالهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية حيث قال: إن المشغولات الفضية في بلادنا اكتسبت أهمية كبيرة لارتباطها بالعملة الفرانصي (ماريا تريزا) التي كانت متداولة أيام حكم الأئمة ، وكذلك زينة للنساء (المهر) ونعرف جميعا أنه حتى فترة قريبة كان مهر النساء في اليمن من الحلي الفضية، وعرفت حرفة الحلي والاكسسوارات الخاصة بالمرأة منذ ملكة اليمن (بلقيس) إذ كانت من أكثر ملكات العالم اهتماما بالحلي والمجوهرات والأحجار الكريمة .. كما أن وصية السيدة أروى بنت أحمد الصليحي ذكرت تفصيلا للحلي التي كانت تمتلكها مع وصف دقيق لكل قطعة منها. ويوضح علي محمد السيقل - صاحب محل في صنعاء القديمة - بأن مهنة صناعة الحلي والفضيات هي مهنة متوارثة أبا عن جد وقد كان هناك حرفيون يهود يحترفون هذه المهنة، فالفضة البوسانية ترجع إلى الصائغ يحيى البوساني الذي برع في تشكيلها على شكل أسلاك فضية دقيقة في وحدات زخرفية هندسية بديعة .. والفضة البديحية تعمل بطريقة الصب كما أن الفضة الزيدية التي اشتهرت بها مدينة الزيدية بمحافظة الحديدة تعتمد الزخارف النباتية والزخرفة الإسلامية واسم الجلالة وأسماء الرسول الأعظم والآيات القرآنية. تحف نادرة هناك تنوع كبير في الأشكال والزخارف الهندسية والتطعيم بالجواهر المختلفة التي تجعلها تحفاً نادرة ونلاحظ جمالية كبيرة فيها سواء من حيث تنوع الزخارف فيها أو دقة الصنع والتشكيل، ولعل ما تتميز بها بلادنا هي عمليات التغليف والتكفيت للأسلحة البيضاء مثل السيوف والخناجر وخاصة الجنابي، كما أن الصورة الجمالية لها تكمن في الشغل اليدوي فهو إبداع في حد ذاته وبالممارسة نجد حرفيي هذه المهنة ينتجون زخارف وأشكالا جديدة وبديعة الشكل والمضمون بدقة وتطور أفضل. إبداع متجدد هناك صناعة جديدة وإبداعات جديدة والمتمثلة في صناعة الخواتم والقلائد المطرزة بالعقيق اليماني الشهير الذي يعتبر مادة غنية توجد بكثرة في بلادنا وتستخرج من جبال آنس، فالأشكال العقيقية التي تحمل أسرارا ومعاني جمالية تعبر عن سيمفونية من الألوان الجذابة وكل ذلك يعتبر إبداعات لصناعة رائعة جادت بها أرضنا اليمنية الطيبة وأيادي أبنائها، فالمرأة اليمنية لم تترك مكانا في جسمها إلا وزينته ابتداء من رأسها وذراعيها ورقبتها وصدرها وخصرها وقدميها فهناك أساور (البليزقات) وأخراص الأذن (المشاقر) والقلائد و«المخانق والدقق» التي تلبسها المرأة حول عنقها والثوم الفضية والحروز والعصبة والشميلات (الحداود) والحجول وعقد الكهرب والجدايل وأحزمة الفضة والكروك والخلاخل والحلية (السكين) كل تلك تظهر دقة وروعة التصميم والتشكيل والزخرفة التي يقوم بها حرفيو هذه المهنة. اقتناء وأسواق تعتبر الحلي والمشغولات الفضية مؤشرا على تطور الإنسان وعاداته وتقاليده وثقافته .. وأن انتشار أي نوع من أنواعها يعكس بوضوح عادات المجتمع وتقاليده، فهي وسيلة تجميلية لإظهار الثراء والمباهاة ووسيلة من وسائل الاحتفاظ بالمال، كما أنها تشير إلى بعض المعتقدات الدينية فهي وسيلة يجب أن يقتنيها كل أبناء هذا الوطن. ويوضح الاخ معين اليريمي صاحب محل بسمسرة النحاس أن الاقبال على اقتناء الحلي الفضية يتركز بشكل أساسي على السياح الأجانب وبالذات مشغول الفضة القديم والنادر كالقلائد والسيوف والخناجر القديمة، كما أن هناك اقبالاً محدوداً من السياح العرب وتكون محصورة عادة بين العقيق والخواتم والقلائد والبدلات الفضية المطعمة بحبات اللؤلؤ والمرجان، أما الاقبال اليمني فهو محدود جدا ويتمثل في شراء الخواتم المشكلة بالعقيق والمزخرفة بأشكال هندسية رائعة الجمال كما أن المغتربين اليمنيين هم من يقومون بشراء هذه المشغولات لتزيين بيوتهم بحكم تعاملهم مع الدول التي اغتربوا فيها. أما الأسواق المتعارف عليها حاليا فهي أسواق صنعاء (سوق الملح، سوق النظارة، وسمسرة النحاس) وسوق الزيدية بتهامة وأسواق عدة في مدينة ثلا وتعز، والمحويت، وعمران ، ويريم، وغيرها من الأسواق اليمنية المشهورة بصناعة هذه الحرفة الشهيرة. ترويج سياحي لا شك أن الحلي والمشغولات الفضية تستهوي السائح وخاصة النساء .. ووفقا لما أوضحه مدير عام الحرف والمشغولات الديوية أن أي سائح يأتي لليمن لابد أن يتضمن برنامجه زيارة لمدينة صنعاء القديمة الشهيرة بصناعة هذه المشغولات للاستمتاع برؤية فن العمارة اليمنية من خلال تجواله في حارات وأروقة صنعاء القديمة، وهو بذلك يشبع رغبته في الاطلاع على فن العمارة، كما أنه لابد وأن يزور سوق الملح ليعيش متعة التسوق الحقيقي فيه وتبقى الحرف التقليدية اليمنية هي شغله الشاغل ولعل من أهمها الحلي والمشغولات الفضية، وكم لاحظنا سعادة وانبساط سائح أو سائحة عند اقتنائهم خاتم فضة مفصص بمادة العقيق اليماني ذي الصيت الذائع. ويواصل قائلا: إننا نجزم أن اهتمامنا بالحرف بشكل عام يعتبر من أهم مقومات التنمية السياحية والترويج السياحي التي تسعى الدولة إلى إحداث نقلة نوعية في السياحة واعتبارها مصدر دخل وطني ثابت يدعم الخزينة العامة للدولة بالعملة الصعبة، فلا يخفى على المتابع والمهتم بالنجاح المتزايد للترويج السياحي وخاصة ما حققته المعروضات الحرفية اليمنية عامة والفضية خاصة في المعارض المحلية والدولية التي شاركنا فيها ، وما نعتبره جزءاً هاماً من الترويج والتعريف بالمخزون الثقافي والفني لليمن من جهة وكسب ثقة السياح الأجانب من جهة أخرى حتى يعتبر اليمن ضمن أولوياته السياحية. ويوضح الاخ على السيقل أن المشغولات الفضية والحلي تعتبر من عوامل الجذب السياحي في بلادنا فهي موروث شعبي هام يجب الحفاظ عليه كما أن هذه الصناعة تحد من ظاهرة البطالة وتسعى نحو إدخال أياد جديدة لهذه المهنة، فالتجديد والتحديث فيها مستمر وينتج أشكالا جديدة تجذب السياح سواء الأجانب أو العرب أو المواطنين اليمنيين لعل ذلك يظهر بصورة جلية عند مشاركتنا في العديد من المهرجانات والمحافل الدولية الخاصة بالسياحة كمهرجان دبي للتسوق وقرية البادية بدبي أيضا ومهرجان مسقط للتراث ومعرض اكسبو ايتشي طوكيو باليابان. رؤية نحو المستقبل يتمنى كل العاملين بهذه الحرفة أن تلقى حرفهم الدعم والرعاية والاهتمام من قبل كل المعنيين سواء في الدولة أو في المجالس المحلية أو في كل من يهتم بهذه المهنة العظيمة وأن تخضع لدراسات وبرامج علمية هادفة تسعى في المقام الأول إلى الحفاظ عليها من الانقراض والاندثار، وفي المقام الثاني تطويرها حتى تظل عاملا مهما في جذب السياح إلى بلادنا تظل قيمتها السياحية تذهل انظار السياح كأي شيء ثمين يحمل عبق الماضي ودقة تصميم الحاضر ومستوى التذوق الجمالي والاتجاهات النفسية التي تعتبر إرثا جماليا تركه لنا أجدادنا يتلخص في المشغولات الفضية. "الثورة"