أثار قرار مجلس الوزراء رقم (149) لعام 2009م الكثير من اللغط والانتقادات هنا وهناك ، ووجهت صوب هذا القرار الخاطئ والرجعي الكثير من سهام التصحيح والتصويب منذ انطلاق التسريبات الأولى التي تحدثت عن مشروع مسودة قرار تنوي وزارة الإدارة المحلية التقدم به إلى مجلس الوزراء لإقراره وإصداره ، إلا أن كل الانتقادات والاعتراضات التي سجلها قادة الرأي العام لم تثن وزارة الإدارة المحلية عن السير قدماً في خطوتها المشؤومة باتجاه إصدار هذا القرار سيئ الصيت والذي وافق عليه مجلس الوزراء في ظل غياب الدكتور / علي محمد مجور وترؤس نائبه الدكتور / رشاد العليمي الذي يشغل أيضاً منصب وزير الإدارة المحلية لجلسات مجلس الوزراء. القرار الذي أقره مجلس الوزراء مؤخراً بناءً على عرض وزارة الإدارة المحلية يقضي باستخلاص الرسوم الخاصة بالنظافة وتحسين المدينة على البضائع وتحويل إيرادات صناديق النظافة التابعة للمجالس المحلية إلى حساب وزارة الإدارة المحلية في العاصمة صنعاء بطريقة مركزية مقيتة ، بحيث تقوم الوزارة فيما بعد بتوزيع إيرادات صناديق النظافة على المحافظات بحسب كثافتها السكانية، ما يعني حرمان المحافظات التي لها إيراد كبير في صندوق النظافة وتحسين المدينة من مواردها وتحويل هذه الإيرادات إلى محافظات أخرى لا لشيء إلا لأنها أكثر كثافة سكانية. ليس غريباً أن نجد أن أغلب من حاولوا التصدي لهذا القرار من الكتاب الصحفيين هم من أبناء محافظة عدن في ظل صمت مطبق من بقية زملاء الحرف في المحافظات الأخرى وكأن الأمر لا يعنيهم، فمحافظة عدن هي المحافظة التي تشكل أعلى إيراد في الجمهورية تليها محافظة حضرموت، وفي حين أن مدينة عدن مدينة حضرية بامتياز لكن كثافتها السكانية قليلة وهذا سيجعلها أكثر المتضررين من القرار الذي تقدم به الدكتور/ رشاد العليمي والذي يقضي بإعطاء مدينة عدن (10%) فقط من إيراد صندوق النظافة وتحويل (90%) إلى الوزارة في صنعاء لتوزيعه على المحافظات بحسب الكثافة السكانية وهذا ظلم كبير وإجحاف بحق مدينة عدن وأبنائها وإجحاف بحق مشروع الحكم المحلي والسلطة المحلية التي يجردها هذا القرار الغريب من أهم عوامل نجاحها وهي الموارد المحلية.
نستغرب كثيراً أن يأتي قرار مجلس الوزراء بالمصادقة على مقترح وزير الإدارة المحلية في تحويل إيرادات صناديق تحسين النظافة إلى صنعاء في الوقت الذي تستعد فيه مدينة عدن لاستضافة فعاليات ( خليجي 20 ) خاصة وأن الدكتور / رشاد العليمي نائب رئيس الوزراء وزير الإدارة المحلية كان رئيساً للجنة العليا للتحضير لاستضافة عدن لخليجي عشرين؛ قبل أن يعهد برئاسة هذه اللجنة فيما بعد إلى الأستاذ/ حسن اللوزي وزير الإعلام، والدكتور العليمي من خلال ترؤسه للجنة ( خليجي عشرين ) يدرك جيداً خصوصية مدينة عدن وضعف إيراداتها وأهمية إيراد صناديق النظافة وتحسين المدينة بالنسبة لهذه المدينة، لكن بماذا نفسر صدور هذا القرار الفريد من نوعه في الوقت الذي تستعد عدن لإنشاء ع دة مشاريع تتعلق بتحسين المدينة وتشجيرها، وما هو مصير (حديقة عدن الكبرى) التي وجه فخامة رئيس الجمهورية بإقامتها في المكان الذي كان يعرف ب ( معسكر طارق ) والتي شرع صندوق النظافة وتحسين المدينة الذي يتبع المجلس المحلي في عدن ببنائها مؤخراً..
ما هو مصير هذه الحديقة التي شكلت بارقة أمل لأبناء المحافظة بعد أن يتم تحويل إيرادات الصندوق الذي سيمولها إلى حساب وزارة الإدارة المحلية في العاصمة صنعاء؟ .. هل سيتوقف مشروعها ويدفن في مهده وتبقى مجرد أطلال شاهدة على إنجازات هذا القرار الجديد؟ وما هو مصير كل مشاريع التحسين والتشجير لشوارع وطرقات مدينة عدن بعد أن يتم تحويل (90 %) من إيرادات الصندوق إلى صنعاء لتستفيد منه محافظات أقل حضرية وأكثر كثافة سكانية بحسب رؤية وزير الإدارة المحلية الدكتور رشاد العليمي؟ وطبعاً فإن تداعيات القرار رقم (149) سيء الصيت لن تتوقف عند هذا الحد بل ستطال أرزاق ومعاشات المواطنين البسطاء في ظل الوضع الاقتصادي الخانق الذي نعيشه ، حيث سيضطر صندوقا النظافة وتحسين المدينة في عدنوحضرموت إلى الاستغناء عن (50%) من موظفيهما بعد أن تضعف موارد الصندوقين ويتم تحويلها مركزياً إلى صنعاء، وعلى سبيل المثال فإن صندوق تحسين المدينة في محافظة عدن لديه أكثر من (2800) عامل ، وبفضل القرار الجديد الذي ابتدعته وزارة الإدارة المحلية فإنه سيتم فصل نصف هذا العدد أي طرد حوالي (1400) عامل من صندوق النظافة في مدينة عدن لوحدها والرمي بهم إلى رصيف البطالة بعد أن كانوا يمتلكون فرص عمل وجاء قرار مجلس الوزراء الجديد والغريب والفريد ليجردهم من حقهم في العمل وليضيف أعداداً أخرى إلى طوابير الفقراء ومعدومي الدخل. لا أدري كيف صادق مجلس الوزراء على هذا القرار المقيت من دون اعتراض وزير واحد، على الرغم من أن هذا القرار يعزز المركزية المالية والإدارية ويقوض الحكم المحلي الكامل أو الواسع الصلاحيات التي تسعى القيادة السياسية إلى تطبيقه. الأكثر غرابة في هذا الأمر هو أن من تقدم بمقترح هذا القرار هو وزير الإدارة المحلية الذي يفترض به أن يكون في مقدمة المدافعين عن تعزيز الحكم المحلي وزيادة صلاحياته وسلطاته لا تقويضه وعرقلته ووأده بمثل هذا القرار المركزي بامتياز والذي جاء من وزارة يفترض بها تعزيز الحكم المحلي وصلاحياته. إنني أبارك الخطوة التي أعلنتها عدد من المجالس المحلية مؤخراً بمساندة مستشارين قانونيين والتي أعلنت أنها بصدد رفع دعوى قضائية إلى الشعبة الدستورية بالمحكمة العليا ضد قرار مجلس الوزراء رقم (149) لعام 2009م ، كون هذا القرار يتعارض مع الفقرة العاشرة من المادة (123) من قانون السلطة المحلية التي تنص على أن كل ما يتم تحصيله من عوائد تحت مسمى رسوم خدمات النظافة وتحسين المدينة يعود إلى المجلس المحلي للمحافظة ، وكم أتمنى على المجلس المحلي لمحافظة عدن وعلى رأسه الدكتور / عدنان الجفري والأستاذ/ عبد الكريم شائف أن يكونوا في مقدمة من يرفعون هذه الدعوى القضائية ضد هذا القرار الجائر ، كون مدينة عدن هي الأكثر تضرراً من هذا القرار ومع ذلك لم نسمع للأسف أي بيان رسمي من المجلس المحلي للمحافظة يعترض على هذا القرار ، وهو ما ينبغي تسجيله كعلامة استفهام واستغراب أمام محافظ عدن وأمين عام مجلسها المحلي. كما أناشد نائب رئيس الوزراء وزير الإدارة المحلية الدكتور رشاد العليمي التراجع عن هذا القرار والذي يعود بنا عدة خطوات إلى الوراء بعد أن قطعنا شوطاً في محاربة المركزية المالية والإدارية قبل أن يأتي هذا القرار ليعزز وجودها من جديد ، فلا ضير ولا عيب ولا حرج في أن يتراجع الدكتور العليمي عن هذا القرار الخاطئ وهو المشهود له باحترام مسؤولياته منذ كان وزيراً للداخلية ، فالبلاد يا معالي الوزير لم تعد تحتمل مزيداً من الخطوات التي تعزز المركزية وعدن يا سعادة الوزير لم تعد تحتمل أن يتم تقليص مواردها وهي التي ما زالت تعاني من مطارها المهمل ومينائها المعطل ومنطقتها الحرة التي لم تفعل ، لذا نتمنى أن يكون الدكتور العليمي عند مستوى المسؤولية وأن يتراجع عن هذا القرار الخاطئ .. فالاعتراف بالخطأ فضيلة .. والتراجع عنه ليس عيباً!!