الحمد لله نعمه سابغة علينا، والشكر لله مبعوثه أطيب من طهّرنا، والعزة لله قرآنه أبر من هدانا، وأشهد أن لا إله إلله هو الأحد الصمد معبودنا، وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق من أرشدنا. أما بعد، فالإسلام عقيدتنا، وقراراته لصالحنا، فسمح لنا بكل ما يحفظ صحتنا وحجّر علينا كل ما يضر جسمنا وعقلنا، ونهانا بأن نتجنب كل ما يؤذينا، وأعلمنا أن الله منحنا عقلا سليما في جسم سليم، لنعيش سعداء وتطيب حياتنا وأفادنا أن الأمة القوية هي التي تتكون من أفراد أقوياء الجسم، والعقل والإرادة، ويجلبون الخير لغيرهم، فمن كان قويا عاش عزيزا يهابه العدو ويخشى بأسه الحاقد، ويكون أصلب درع يحمينا، ومن أصيب بالضعف فإنه يعيش على هامش الحياة يطمع فيه الطامعون وينال منه الأعداء، تلك سنة حياتنا. لقد نظم الدين منهجا رشيدا لقوة أجسامنا، وحث على اتباع هذا المنهج، والتمسك به للحفاظ على صحتنا وللعناية بأبداننا فكان عنوان المنهج: "النظافة أساس عبادتنا" فجعل طهارة الجسم فاتحة لكل صلاة بغسل أجسامنا، إن كنا على جنابة، وبالوضوء بإسباغ الماء على بعض الأعضاء المتحركة والمعرضة للتلوث قبل الدخول في الصلاة لتنظيف أجسامنا ونشر الحيوية في نفوسنا، فكان الغسل شاملا لجسمنا أحيانا، ويسمى الطهارة الكاملة، ويقع الاكتفاء بغسل الأطراف والأعضاء التي تتعرض لغبار الجو ومعالجة شتى الأشغال أو التي يكثر الجسم إفرازاته، منها قال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا" "المائدة 7". وأوجب الإسلام النظافة من الطعام، فبعد أن ندب إلى الوضوء له، أمر بأن يتخلص الإنسان من بقايا طعامه وروائحه وآثاره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده" وقد اقترنت النظافة بالوضوء والنظافة من الطعام بقاسم مشترك هو التخليل، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام "حبذا المتخللون بالوضوء والمتخللون من الطعام: أما تخليل الوضوء فالمضمضة والاستنشاق وبين الأصابع، وأما تخليل الطعام فمن الطعام، إنه ليس شيء أشد على الملكين من أن يريا بين أسنان صاحبهما طعاما وهو قائم يصلي". وإذا علمنا أن أكثر ما يصيب الإنسان من أمراض يكون عن طريق عدم العناية بالفم، وعدم المحافظة على الأسنان بترك بقايا الطعام بينها أدركنا سر توجيه الرسول عليه الصلاة والسلام لأمته بالحرص على السواك وملازمة استخدامه، إذ قال "سوّكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى لقد خشيت أن يفرض عليّ وعلى أمتي" وكان عليه الصلاة والسلام يوصي بدلك الأسنان عند تطهيرها حتى يزول ما علق بها، وذلك لكي لا يتأذى الناس بمرأى هذه الأسنان أو يتضايقون من رائحتها السيئة. والفقهاء يسقطون سنة الصلاة مع الجماعة عن المصاب بالبخر، وبعضهم يرى عدم وجوب الجمعة على مثل هذا. والبخر الدائم أو نتن الرائحة الذي لا علاج له قد يكون سببا للتفريق بين الزوجين إن لم يستطيعا الصبر عليه لأن الزوجية تقوم على الوئام والانسجام والإنسان قد يحتمل من غيره ألوانا من الأذى ولكنه لا يصبر على الرائحة المنتنة تنبعث من فم أو عرق أو غير ذلك، ولذلك نص الكثير من النصوص الدينية على أن رائحة المسلم الكامل تكون على الدوام رائحة طيبة محبوبة. والإسلام أشد حرصا أن يتعود أبناؤه على نظافة الجسم والنفس وطهارة الروح والبدن وصفاء القلب والجسم فالله تعالى يقول "والله يحب المطهرين" "التوبة 109" و"ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون" "المائدة 7". وحثت السنة النبوية على غسل الشعر ودهنه بالطيب، وترجيله "أي تسويته وتجميله" ولقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم رجلا شعثا قد تفرّق شعره فقال: "أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره؟" ورأى رجلا عليه ثياب وسخة فقال "أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه؟" ورأى رجلا في ثوب قديمة غير لائق به مع أنه غني ميسور فعاتبه على ذلك وقال "إن الله عز وجل يحب أن يرى أثر نعمته على عبده". لقد عودنا الإسلام عادات طيبة كريمة وباعد بيننا وبين ما يسوء الغير أو يقبح في المنظر، فليس من الأدب أن تتثاءب في وجه أخيك أو تتجشأ أو تنظف أسنانك وتخرج فضلاتها فيراها ولا أن تختلط بغيرك وأنت قذر الثياب أو وسخ الجسم أو فائح العرق، ولا أن تأكل بصلا أو فجلا وتركب الحافلة أو القاطرة ويدركك التجشؤ فلا تنحرف بوجهك لتكتمه بل تفتح فمك في وجوه الناس وتتجشأ في منظر بغيض كريه منفر من الريح الخارج من فمك ولا تتحرز من التمخيط بصوت منفر أو البصق أمام الناس، وليس من أدب الاسلام أيضا أن يخرج العامل من المصنع وثيابه مليئة بالزيت أو الفحم ويركب في الحافلة أو القاطرة أو يأتي إلى صلاة الجمعة بدون تطهر فيلطخ المكان ويوسخ ثياب غيره ويثير فيمن حوله الضيق به والتقزز منه.. فأساس الصلاة طهارة الحس والنفس والبدن والثوب والمكان، والله يقول "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد" "الأعراف 28".. ومن المساواة في الحقوق أن يحترم الانسان غيره، ويحافظ على شعوره فقد قال عليه الصلاة والسلام "لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". لتعلموا ان المسلمين علموا أوروبا الطهارة فأدخلوا إليها نظام الاستحمام والاغتسال بعد أن كانوا يفتخرون بالقذارة.. وحينما دخل المسلمون أوروبا كان أهلها لا يعرفون لبس القميص بل كانوا يلبسون الثوب على أجسادهم مباشرة فعلموهم كيف يلبسون القميص تحت الثوب الخارجي ليكون وقاية يتشرب العرق ويمكن تغييره بسهولة فلا يتسرب العرق أو الوسخ إلى الثوب الخارجي. لقد امتد التجميل والنظافة إلى البيوت والطرقات، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام "إن الله تعالى طيّب يحب الطيب نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود". قال أبو برزة "قلت يا نبي الله: علمني شيئا أنتفع به" قال "أعزل الأذى عن طريق المسلمين". وقال أبو موسى الأشعري حين قدم البصرة موفدا من عمر بن الخطاب "بعثني إليكم عمر بن الخطاب أعلمكم كتاب ربكم وسنتكم، وأنظف طرقكم". فالإسلام مقصده الحرص على تنظيف البيوت والشوارع وتطهير القمامات التي تنبعث منها رائحة غير طيبة وتكون مباءة للحشرات ومصدرا للعلل وانتشار العدوى خصوصا عن طريق الذباب الذي يكثر انتشاره في فصل الصيف وخطره معلوم في نشر عدوى الحميات، وأمراض العيون، فكم من عين سليمة نقلت إليها ذبابة صغيرة مرضا من الأمراض فأتلفتها، وصدق الله في قوله "وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه" "الحج 71". لقد انتشرت ظاهرة التلوث الهوائي الناتجة عن الدخان المنبعث من السيارات والشاحنات وتلوث الفضاء الطبيعي بالتسمم الكيمياوي للتربة والمبيدات، والافراط في السماد ونفايات الغازات والجسيمات الضارة في الجو، وتصريف الفضلات العضوية والكيمياوية في الماء وإلقاء الحطام والرواسب التي غالبا ما تكون سامة هنا وهناك إلى جانب الضوضاء وضاعفت الخطر النزاعات والحروب والتجارب النووية، وكان الاسلام سباقا فعنايته بالنظافة والصحة جزء من عنايته بقوة المسلمين المادية والأدبية، فهو يريد أجساما تجري في عروقها دماء العافية، ويمتلئ أصحابها فتوة ونشاطا. إن الماء وسيلة للتطهير، وهو نعمة من نعم الله على عباده فمنه نرتوي وبه نتطهر فعلينا أن نحافظ على نظافته ونقائه ليبقى كما خلقه الله طهورا طيبا قال الله تعالى "وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا" "الفرقان 48-49" وكثير من الأمراض المنتشرة سببها تلوث المياه بفضلات الانسان، ولهذا نهى الرسول عن هذه الظاهرة فقال "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل"، وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى أن يبال في الماء الراكد". وعنه أيضا: نهى أن يبال في الماء الجاري". فنظافة الجسم والثوب والبيت والطريق، والحي والمدينة والقرية تحمي الانسان من الأمراض، فالعقل السليم في الجسم السليم، والوقاية خير من العلاج، فعلى كل انسان وكل مجتمع أن يكون التعاون والحرص الشديد ديدنهم في نشر النظافة والقضاء على كل ما يجلب الضرر أو يفسد جمال البيئة والطبيعة وفي الاتحاد قوة، فالمراقبة الجدية لتركيز قواعد تعامل حضاري مقيد بضوابط تساعد على القضاء على التسيب، واللامبالاة.. فلنزرع جميعا محليا واقليميا وجهويا وقوميا وعالميا محبة بعضنا بعضا وحماية بعضنا بعضا من الأخطار لنعيش في أمن وسلام "إن الإسلام نظيف فتنظفوا فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف". اللهم اهد الجميع للعمل، لخير البلاد والعباد والإنسانية، اللهم أمدنا بالعافية وسلامة الصحة، ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير. وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا اللهوالله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. "خطبة من خطبي المنبرية".