قد يبدو أن ربط الحراك الجنوبي بالقاعدة مسألة لا يمكن أثباتها، ولا يستند هذا الربط إلى وقائع يمكن التحقق منها إلا أن القاعدة تخطط بإحتراف للهيمنة على الحامل الشعبي الذي يستند عليه الحرك من خلال تبني مطالبه المنتجة للعنف، فطبيعة الخطاب السياسي المناهض لدولة الوحدة والداعي للانفصال لم يُمكن الحراك من تطوير مشروع سياسي واضح، بل جعله يتحرك بالاستناد على مشروع سياسي مشتت ومرتبك وبالاستناد على أوهام متناقضة مع واقع الجنوب التاريخي، والفعل النضالي للحراك يستند على قيم الوعي القبلي في مواجهة دولة الوحدة ولو أستند على وعي مدني وعمل على بناء المشروع الوطني الذي أسست له الحركة الوطنية اليمنية وابرز فيه مشروعه السياسي لحمى نفسه من فيروسات الثقافة التقليدية ولبناء سدودا منيعة في وجه من يريد إستغلاله كالإرهاب أو تدميره من قبل قوى المصالح. والمشكلة الخطيرة أن هذا الفراغ المرعب والمخيف الذي يعاني منه الحراك الجنوبي وفي ظل التعبئة المستندة على بث الكراهية والحقد يجعل الأفكار الدينية "الجهادية" التي دشنها طارق الفضلي وناصر الوحيشي زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب تلقى استجابة قوية لدى الفئات الشابة التي يعتمد عليها الحراك في المحافظات الجنوبية وسوف تزداد قوة الاستجابة في حالة تفجر الصراع، فأكثر القوى الدافعة للعنف والعنصرية المذهبية والجغرافية هي تلك القوى التابعة لطارق الفضلي الجهادي السابق الذي أعلن توبته عن انتمائه للحزب الحاكم وعاد إلى ماضية ومن أبين تنطلق حركته السرية والتي تعمل في وسط الحراك بحماس منقطع النظير لتكوين دويلة إسلامية وتحويل الجنوب إلى منطقة مفرغة من أي سلطة إلا سلطة الجماعات "الجهادية". وقد وقع اليسار في الحراك الجنوبي بعد هزائمهم المتلاحقة وفشلهم في تبني رؤى تجديدة لتجديد المشروع الوطني في فخ الثقافة القبلية ووعها المؤسس لنفسه على العصبية، وما سهل للوعي الأصولي أختراقه هو تشابهه الكبير مع الوعي القبلي من حيث استناده على القوة والمغايرة ونفي الآخر ومقاتلته وإلغائه والاستناد على تاريخ الآباء والأجداد...الخ لذلك فإن البيئة مهيأة للحركات المتطرفة لأنها أكثر استجابة لحاجات الوعي القبلي الذي يرسخه الحراك، وفي حالة تفجر الصراع فإن النخب الواعية في الحراك وربما قيادته أمام خيار الاستجابة للجمهور الذي سيتماهي مع الفكر الاسلاموي الإرهابي أو التصفية لأنهم خونة. من الواضح أن الصراع على المصالح وإستراتيجية الحراك في مواجهة المظالم هما المدخل لإشعال الحروب، ورغم شعارات السلم المرفوعة إلا أن إستراتيجيته الحالية النافية للوحدة قد تتحول إلى أداة هدامة مدمرة للدولة واستقرار وأمن المجتمع لصالح الحركات المتطرفة، والقضاء على دولة الوحدة الضامن الأكبر للسلام، فالحركة العشوائية والغاضبة لمواجهة واقع الظلم والفساد في ظل تهور سلطوي غير قادر على تقديم التنازلات لبناء الدولة قد يحول اليمن إلى مركز لنشر الفوضى في المنطقة. مع ملاحظة أن الخطاب التعبوي الذي أعتمدت عليه القيادات المهزومة في حرب 1994م أو التي فقدت مصالحها في دولة الوحدة في تعبيئة شباب الجنوب كان في البداية مؤسس على كراهية وحقد ضد الرئيس صالح ونظامه وضد القوى الجنوبية داخل النظام، إلا أنه تطور واصبحت الكراهية والحقد موجهة ضد كل ما هو شمالي، وفي الفترة الأخيرة تم تنفيذ عمليات قتل بشعة ضد عمال ينتمون إلى المحافظات الشمالية مما أضعف المطالب الجنوبية ودفع بعض متطرفي الشمال والجنوب للمطالبة بحرب شاملة لتصفية متطرفي الحراك الإنفصالي. وفي إجازة عيد الأضحى الماضي تم قتل عدد من مواطني ابناء المحافظات الشمالية المجاورة للمحافظات الجنوبية وكانت النتيجة ان اجتمع أكثر من خمس عشر الف مواطن في المنطقة الوسطى القريبة من الضالع مطالبين بضرورة الانتقام من القوى التي جعلتهم يقاتلون دولتهم الشمالية من اجل الوحدة قبل تحقيقها، "وأصبحو الآن يقتلون أبنائنا من أجل الانفصال، أن مرحلة توجيه السلاح الشعبي جهة الداعين للانفصال أصبح خيارا حتميا أمام تقاعس النظام في صنعاء من مواجهة تدمير الوحدة على يد من دفعونا للقتال في السابق من أجلها". مع ملاحظة أن الهدف المحرك "للقاعدة" هو تشكيل دويلة إسلاموية أو منطقة توحش في المحافظات الجنوبية تابعة للتنظيم من خلال تبني المظالم ومحاولة التماهي مع مطالب الحراك، أما الحراك في لحظات اليأس فإن بعض أطرافه قد يجدوا أنفسهم مجبرين على قبول الإرهاب الإسلاموي في بنيته حتى يتمكنوا من مواجهة صنعاء ومواجهة التيار الشعبي الجارف في محافظتي إب وتعز والذي يرى أن الإنفصال أشبه بحالة الخنق لهم، فالتداخل السكاني والصراعات التي سيفرزها الانفصال ستجعلهم أكبر الخاسرين. والمتابع لابد أن يصل إلى نتيجة مفادها أن الدعوات الانفصالية ليست إلا خيار أقلية جنوبية تمكن خطابها من التوسع والانتشار، وأن الاطراف الوحدوية في الجنوب مازالت قوية وفاعلة وهي الاكثر مطالبة باستخدام القوة لمواجهة قيادات الحراك الانفصالي، بما يعني أن المسألة الجنوبية في أحد ملامحها ليست إلا صراع جنوبي جنوبي، أما في الشمال فهناك شبه اجماع بضرورة مواجهة أي مظالم وقعت على أبناء الجنوب مع وجود إجماع على مقاتلة أي دعوات أنفصالية ونستثني هنا الحركة "الحوثية"، فلديهم اعتقاد أن الانفصال سوف يقود حتما إلى الحرب وهذا سوف يمكنهم حسب اعتقادهم من فرض وجودهم وقد طالب الناطق السابق باسمها الرئيس صالح بالتخلي عن الجنوب وتركه لأهله. وفي المقابل نجد أن طارق الفضلي في مقابلة مع صحيفة يمنية طالب القيادات العسكرية والجنود من أبناء المحافظات العسكرية من ترك جبهات القتال والعودة إلى بلادهم وترك الزيود وشأنهم، والأخطر أن العمى وغياب المشروع جعل بعض المتعصبين للجغرافيا الجنوبية من يساريي الأمس يروا أن نشؤ دويلة "حوثية" سوف يقوي انفصال الجنوب عن الشمال لأن المحافظات الشمالية ستدخل في صراع سياسي ومذهبي وهذا سيشتت طاقة الدولة، مما يسهل لهم تنفيذ مشروعهم، دون إدراك لمنطق الجغرافيا السياسية ومصالح القوى الإقليمية وتناسي القوى المتنامية للمتطرفين في المحافظات الجنوبية. أما "القاعدة" وأنصارها الحالمون بدويلة "عدنأبين" فهم على قناعة تامة أن تكوين دويلة تابعة لإيران في الشمال سوف تخدم أهدافهم، فنشوء دويلة متطرفة مذهبية في مناطق القبائل في الشمال سوف ينهك الدولة وهذا سيمكن "القاعدة" وأنصارها من السيطرة على أغلب محافظات الجنوب وأجزاء من محافظات الشمال وتحويل تلك المحافظات إلى منطقة توحش يقودون من خلالها معاركهم المحلية والإقليمية والعالمية. والخلاصة أن الدعوات الانفصالية أياً كانت مبرراتها ستكون كارثة على الدولة والمجتمع والحراك ليربح الإرهاب في نهاية المطاف.