- عرب اونلاين/عبد المجيد دقنيش - انتظم في دار الثقافة ابن رشيق في العاصمة التونسية في الأيام القليلة الماضية معرضا تشكيليا للفنان التشكيلي المصري طاهر عبد العظيم سعيد تحت عنوان "رؤية تشكيلية للسيرة النبوية" وقد قدم الفنان لوحات مواضيعها مستوحاة من بعض الأحداث الاسلامية الهامة بدأ بمولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم الى نزول الوحي. والفنان طاهر عبد العظيم سعيد يدرس بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة اختصاص ديكور وتصميم زخرفي وله عديد المشاركات المحلية والدولية في معارض فردية وجماعية،وله أعمال متعددة في مجال التصميم المطبوع والاعلان والشعارات والجداريات والديكور المسرحي. وسبق للفنان ثمثيل مصر بنفس المعرض في احتفالات تونس بالقيروان عاصمة للثقافة الاسلامية وكذلك شارك بمعرض بعنوان "على أبواب القدس" ضمن فعاليات الاحتفالية العربية بالقدس عاصمة للثقافة العربية سنة 2009. وقد جاءت اللوحات تحت مسميات عديدة مثل "أصحاب الفيل" و"طير أبابيل" و"عصف مأكول" و"المولد" و" مكة" و"بيت السيدة حليمة" و"التحكيم" و"نزول الوحي". وتجسد الأعمال المعروضة رؤية مختلفة وقراءة جديدة واعية للثراث العربي الاسلامي والسيرة النبوية وردة فعل فنية ايجابية حول ما يحدث اليوم من تشويه للرموز الاسلامية في العالم.في هذا الحوار مع الفنان طاهر عبد العظيم سعيد مزيد من التفاصيل حول رؤيته الفنية وخصائص اللوحات التقنية ورسالتها الخفية. * لو نتعرف على مسيرتك الفنية بعجالة؟ - أنا أستاذ مساعد بكلية الفنون الجميلة وفنان تشكيلي أقمت عديد المعارض الفردية والجماعية ومعظمها معارض تتناول موضوعات خاصة بالبيئة المصرية وبالثراث أيضا. * كيف انطلقت فكرة انجاز معرض حول السيرة النبوية؟وما هي رسالتك من وراء ذلك؟ -الفكرة ببساطة محاولة لايجاد أو لتفعيل دور الفنان مع قضايا المجتمع.ونحن اليوم نعيش في ساحتنا العربية الاسلامية والعالمية مسألة قضايا الفن والدين وما هو حلال وما هو حرام والصورة السيئة المأخوذة عن المسلمين وعن العرب. وهذا المعرض هو محاولة لاعادة قراءة قيمة من القيم الهامة في ثراثنا الديني وأتمنى أن تكون بداية لاعادة قراءت لقيم في منتهى الثراء في ثراثنا وفي أوصولنا وشرقيتنا وفي عروبتنا وفي اسلامنا، لذلك أتمنى أن تكون مبادرتي نقطة بداية تدعو جميع الفنانين والمهتمين الى تناول مثل هذه الموضوعات حتى نعكس الصورة الايجابية لمجتمعاتنا ومعتقداتنا ورموزنا. * موضوع صعب في بيئة عربية محافظة ومتعصبة في كثير من الحالات، أفلا يعتبر هذا تحديا كبيرا لك؟ - صحيح المسألة فيها الكثير من التحدي وليست سهلة بالمرة، وقرار صعب أن تخوض في مثل هذه الموضوعات،ولأن المسألة من الناحية الفنية والدينية فيها صعوبات وشائكة كثيرا لذلك فهي محتاجة الكثير من الجرأة والاقدام الذي قد يصل حد التهور لتناول هذا الموضوع. وبالنسبة لمجتمعاتنا المحافظة التي تسعى دائما الى عرقلة دور الفنان، فهذا الجانب يبقى مرتبطا بالفنان نفسه ومدى ايمانه بقضيته ودوره ورسالته الفنية وما يقدمه. ومن هنا يأتي القرار وتكون النتائج طبيعية لهذا الايمان والتشبث بالرسالة وكذلك ردود الافعال. ولا أخفيك سرا أنني تفاجأت بالنتائج في هذه التجربة بالذات وكانت أكبر مما كنت أتخيل واكتشفت ايجابية وتفهم وهناك طبعا ردود أفعال سلبية، ولكن المساحة الأكبر كانت لردود الافعال الايجابية وعلى مستوى الأشخاص باختلاف ثقافتهم. وهذا كله دليل على أن الجمهور محتاج لجرعات من الجرأة ولمثل هذه الموضوعات التي تمس وجدانه وبشكل يمكن من لغة حوار بين العمل والمتلقي أيا كانت ثقافة هذا المتلقي. * استلهام السيرة النبوية في لوحات فنية تشكيلية هل هو رد ايجابي وفني عن عملية تشويه الرموز الدينية التي يقوم بها فنانون من الغرب اليوم مثل مسألة "الرسوم الكاريكاتورية"؟ - هو تحديدا ليس ردا مباشرا ولكنه رد فعل، بمعنى أنه حينما تكون هناك اساءة للمسلمين لا يجب أن نرد على الجانب الأخر وندخل في محاورات ومهاترات لا داعي لها، ولكن هذا كله يمكن أن يدفعنا ويجعلنا نقف وقفة تأمل مع ذاتنا وأنفسنا ونعيد قراءة تاريخنا ونعيد صياغة ما نحن عليه. و نتساءل هل نسينا قيمنا ورموزنا وثراثنا وما يجب أن نفخر به في حضارتنا، إذن هي مجرد وقفة مع النفس وهي رسالة للمسلمين وغير المسلمين أي الآخر، للمسلمين كنوع من لفت النظر لقيم هامة موجودة يجب أن نلتفت اليها ونعرف ابعادها ونؤمن بها. وهي رسالة للآخر حتى لا يأخذ صورة مشوهة عنا ويبني قراراته ووجهة نظره على أشياء خاطئة وصورة مشوهة وصلت له،فمسؤوليتنا أولا أن نكون قدوة لانفسنا ثم تأتي مرحلة اثباث قدراتنا للآخر. * استلهام الثراث وتوظيفه بالشكل الجيد، هل هذا ما ينقص الفنانين العرب اليوم ليبلغوا رسالتهم ويحاوروا الآخر بكل ندية؟ - في اعتقادي أن النهج المسيطر اليوم من قبل الفنانين هو الاشتغال على التاريخ واستلهامه ولكن ربما ما ينقصنا اليوم كفنانين هو التوظيف الجيد لتاريخنا وقضايانا الراهنة، وما ينقصنا أيضا اليوم هو وجوب اختيار موضوعات بعينها والتركيز على قيم بعينها والتفاعل مع ما يجري حولنا من متغيرات.فلا يجب مثلا استلهام الثراث بطريقة تقليدية وانما لابد من القراءة الواعية والمستقبلية لهذا الثراث وحسن توظيفه، وهو ما حاولت أن أشتغل عليه في معرضي هذا حتى تكون الصياغة الجديدة لتاريخنا وثراتنا وتستفيد منها الأجيال القادمة. * لماذا كانت الرؤية في هذا المعرض تقوم على الاستحضار الواقعي للتاريخ والثراث كما هو وليس هناك البعد السريالي مثلا؟ - هنا أنا أتعامل مع موضوع حساس له تفاصيل كثيرة وهو يعتبر واقعي انطباعي ولكن هناك أجزاء فيها بعض الرمزية فحينما لا أستطيع مثلا تجسيد شخص الرسول صلى الله عليه وسلم فأنا أرمز اليه بالنور، وحينما أريد أن أجسد موقفا أو واقعة أو مشهدا مثل معجزة شق الصدر فأنا أتحايل عليها بالألوان والرمزية وهنا الرؤية تعتبر واقعية رمزية لان الموضوع يخاطب شريحة مختلفة من الجمهور الذي يستصيغ مثل هذه الرؤية وهذا الاتجاه. فالحداثة وما بعد الحداثة والتجريد والسريالية وغيرها من الاتجاهات الفنية المختلفة قد لا يستصيغها الجمهور ويتقبلها بسهولة، لكل ذلك فقد رأيت أنه من الأنسب استعمال هذا الأسلوب في المعرض. * تحويل الأيات القرانية الى رموز والوان وحركات لها وظيفتها ودلالتها كيف تتم العملية والى أي مدى يجب المحافظة أو تغيير المضامين؟ - في الحقيقة الأعمال التي وصلت الينا كلها كانت عبر نص مكتوب وليس هناك أنواع أخرى من الثوثيق كالنحت والرسم.من هنا لو قسمنا الأحداث سنجد أنها تنقسم الى ثوابث ومتغيرات، فمن الثوابث يمكن أن نذكر مثلا حادثة الفيل التي وقعت سنة ميلاد الرسول صلى الله وسلم سنة 571 ميلادي وإذا كنا نعلم أن عدد الجيش قد قارب الستين ألف جندي مع الفيلة ولكننا في نفس الوقت لا نعلم شكل أبرهة وترتيب الجيش ولا شكل الفيلة ولا لباس الجنود وهذه التفاصيل هي المتغيرات التي تترك للفنان مساحة للتعبير والاجتهاد وإبراز رؤيته الفنية ومنهجه وآلياته.