يبدي المواطنون امتعاضا شديدا إزاء سياسة المهادنة وضبط النفس التي تنتهجها الدولة تجاه ما يحدث من ممارسات خارجة عن القانون في بعض المناطق وصلت بعضها إلى القتل بالهوية، وحرق المحلات التجارية، والدعوة إلى فصل اليمن، وحمل أعلام التشطير وقتل جنود قوات الأمن. حالة التراخي وضبط النفس الذي تظهره الأجهزة الأمنية حيال الخارجين عن القانون والدستور في بعض المناطق ليس مرده عدم رغبتها في تنفيذ واجباتها القانونية الرامية لفرض هيبة الدولة وفرض النظام والقانون بقدر ما هو رغبه في عدم الاصطدام بالجماهير التي تمارس حقها الديمقراطي التعبيري بشكل مخالف للدستور والقانون.. شكل تعبيري يجعل من التظاهرة كما لو أنها حرب مفتوحة ضد الجيش والأمن.. وليس أدل على ذلك من سقوط عدد من أفراد الأمن والجيش ضحايا في التظاهرات التي شهدتها بعض المدن اليمنية منذ إقرار مبدأ التعددية السياسية عام 90م التي جاءت مواكبة للوحدة المباركة. ظاهرة حمل السلاح في البلد التي بلغت اليوم وفقا للإحصائيات نحو 60 مليون قطعة سلاح- أي بمعدل 3 قطع لكل مواطن- مسئول عنها السلطة والمعارضة.. ذلك أن الخطاب السياسي والإعلامي لهما اعتاد طوال عشرون عاما على اقل تقدير على تمجيد الظاهرة وإيصال رسالة للشعب أن الحكمة اليمانية كفيلة بان تجعل السلاح بيد المواطنين (برداً وسلاما) على حامليه وعلى الدولة والأجانب.. فالسلاح في الخطاب الإعلامي والسياسي الوطني عموما جزء من (ثقافة القبيلي) بل وجزء من رجولته التي لا تكتمل إلا به.. هذا الخطاب ظل لسنوات طويلة يسوق للشعب وللخارج أن نسبة الجريمة في أمريكا قياسا باليمن ضئيلة جدا، وان أعراف اليمن وتقاليده وحضارته التليدة تحول دون ارتفاع نسبة الجريمة..!! وبحسب دراسات رسمية حديثة، فقد بلغ عدد ضحايا حمل السلاح في اليمن نتيجة للحروب الأهلية والقبلية (24) ألفا, وبسببه أيضا هرب الاستثمار من اقرب نافذة.. وبسببه كذلك تترمل فتيات اليمن في ليالي أعراسهن.. وبسببه تزهق ألاف الأرواح سنويا نتيجة العبث به والمزح.. وبسببه عجزت الدولة عن توقيف قبيلة "طعيمان" قبل سنتين من اجتياح العاصمة والمرور عبر مراكز ست مدن يمنية للثأر من مقتول لها في محافظة تعز دون أن يواجه احد ببنت شفه.. وبسببه كذلك هجم قبائل "الحدا" على محافظة اب العام الماضي.. وبسببه اجتاح أبناء قبيلة "القيسي" في شرعب مدينة تعز في وضح النهار مطوقين إدارة الأمن لساعات على خلفية مقتل شيخهم في إحدى نقاط تفتيش المدينة.. وبسببه اليوم يقتل أبناء المحافظات الشمالية في محافظة لحج أمام مرأى ومسمع من السلطات الأمنية.. حيث انطلى مسمى "الحراك السلمي" المسلح- كما يبدو- على الدولة والمعارضة التي تروج ل"سلميته" ليل نهار. وحسب مراقبون فان وجود السلاح بتلك الكثافة الهائلة هو الذي شجع "الحوثي" لان يقود تمردا على الدولة لسنوات ست، بل امتدت يده الطويلة إلى دولة جارة طالما نصحت الجانب اليمني بان يعيد النظر في السماح لمواطنيه باقتناء السلاح بتلك الصورة، بل واعتبر السلاح والتخلص منه شرط أساس في انضمام اليمن إلى دول الخليج، إضافة إلى حليفه (القات). ويقول محللون سياسيون وباحثون اجتماعيون إن السلاح وانتشاره بهذا الشكل الجنوني بيد الموطنين أسهم في إضعاف هيبة الدولة التي كانت تطمح إلى التقدم والحداثة والتحديث, مستبعدين حدوث أي تغيير حقيقي في ظل أي حكومة قادمة لم يكن السلاح والقات في صلب برامجها الانتخابية ومشروعها الوطني, مشيرين إلى أن رجال السياسة في اليمن اليوم سلطة ومعارضة ليس في برامجهم الانتخابية مكافحة حمل السلاح أو القات، مما يعني إن حكام الغد سيواصلون مشوار قيادة اليمن بنفس الأسلوب ومنهجية التفكير,.. وهو ما يعني انه صار لزاما على الشعب أن يبحث عن عقلاء حتى ولو تطلب الأمر أن يستوردهم من غير بلد الحكمة والإيمان لتخليصه من آفاته الاجتماعية التي تمضي به من أزمة إلى أخرى، ومن تخلف إلى آخر.. وعند نقطة ترسانة الأسلحة التي يمتلكها المتظاهرون والمتمردون والمواطنون في اليمن.. يكون السؤال عن مسببات أزمات البلد التي تتوالي يوما بعد يوم: من المسئول عن ضعف الدولة التي لو تحركت بقوة القانون والدستور في مواجهة المظاهرات المسلحة الخارجة عن القانون وصمت ب(القمعية)، والتي لو تراخت أو قصرت في ذلك وصمت ب(الفاشلة) التي عجزت عن حماية المواطنين وفرض هيبة النظام والقانون وتطبيق الدستور.. ويتندر كثير من الساسة في اليمن وخارجها بالقول أن أعظم مساواة تحققت للشعب اليمني عبر عقود طويلة من الزمن هو حق الحصول على سلاح وقات بسهولة ويسر..!
السلاحُ الذي يتسبب بين الحين والآخر في نشوب تمرد بين تلك الجماعة والدولة ويسقط بسببه آلاف الضحايا من المواطنين مدنيين وعسكريين ناهيك عن كونه يشجع على ظاهرة الاختطاف في اليمن، الأمر الذي يؤدي إلى عزوف السياح عن المجيء إلى اليمن، وبالتالي ضرب السياحة وتأثر الاقتصاد الوطني.. السلاحُ الذي يشجع كل من هب ودب على الاستهتار بالقانون والأنظمة، وبالتالي شيوع قيم الفوضى والتخلف في اليمن.. السلاحُ الذي يزهق الأرواح في جرائم الثأر والأعراس ويطرد الاستثمار والمستثمرين ويروع الأمن والآمنين.. السلاح.. ماذا يقول عنه المواطنون وهم أول من يدفع ثمن فاتورة انتشاره بهذه الصورة التي ليس لها مثيل في العالم...!!؟ القانون النقيب محمد الغني يبدي استغرابه من عدم تصويت مجلس النواب على قانون تنظيم حمل وحيازة الاسلحة حتى اليوم.. ويؤكد: أن حمل السلاح في المدن والريف لابد من منعه إلا بتراخيص في حالات معينة ولا يعطى الترخيص لمن هب ودب, مشيرا إلى أن السلاح اضعف هيبة الدولة، وضرب بالقانون والنظام عرض الحائط! ترسانة ثقيلة الصحفي عبد الرحمن الجعفري يستغرب أن يتم السكوتُ عن هذه الترسانة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة كل هذا الوقت، في الوقت الذي تدعو فيه الدولة ليل نهار للاستثمار في اليمن.. وتساءل الجعفري قائلاً: بالله عليك كيف يأتي الاستثمار مع 60 مليون قطعة سلاح في اليمن؟ هيبة الدولة يضيف الجعفري: أنه من العبث الحديث عن مجتمع مدني، وعن دولة نظام وقانون في ظل تلك الترسانة من الأسلحة,, وبعد ما حدث ويحدث أتساءل: هل ما يزال السلاح زينة الرجال يا حكومة..؟ ظاهرة خطيرة أما معاذ منصور علي، فيؤكد أن ظاهرة حمل السلاح ظاهرة خطيرة لابد من القضاء نهائياً وحان الوقت لأن يعيش اليمنيون في هدوء وسكينة مثل الآخرين وخاصة شعوب دول الجوار ويجب أن تنتهي هذه القيم العفنة التي تشجع على حمل السلاح. وأخيرا.. ويحدو اليمنيون اليوم أمنية، يمن خال من السلاح.. يمن جديد يشبه يمن ما قبل أربعين عاما حين كان حجم قطع السلاح في اليمن لا يتجاوز المئات.. وعدد أشجار القات لا يتجاوز الآلاف.. أما اليوم وبعد مضي نصف قرن على قيام الثورة المباركة فان ما قوامه 60 مليون قطعة سلاح و300 مليون شجرة قات تتواجد في بيوت وارض اليمن السعيد..!!