"باولا نجرو"- إيطالية من مرسيليا، تعمل منسقة في إحدى الشركات السياحية الايطالية، لم تكن تعرف مكاناً لليمن على الخارطة إلاّ بعد زيارة شطرها الشمالي في الثمانينات، ومن يومها وحب اليمن سكن قلبها، وصارت تتحين الفرص لزيارتها، واستقدام السياح لها.. حين وقعت حادثة اختطاف السياح الايطاليين عام 2006م كانت (باولا) في صنعاء، وقد إرتبكت كثيراً، ليس خوفاً على سلامة المختطفين بل خوفاً على سمعة اليمن، فقد همست باذني قائلة: "ذلك قد يتسبب بحرماني من قيادة أفواج سياحية الى اليمن، وربما أضطر إلى التوجه إلى بلد آخر".. ويومها شكلنا فريق إعلامي أنا وهي ونائب السفير الايطالي من أجل الحيلولة دون تهويل الحادث في الغرب، فكنا نكتب التصريحات والتقارير الرزينة ونرسلها للوكالات الاخبارية، وقد نجحنا إلى حد كبير.. قبل أن تعود لبلدها كانت تفكر كثيراً بطريقة ما تخفف بها اثر حادث اختطاف السياح الايطاليين على سمعة اليمن، فاهتدت إلى إنشاء نافذة إلكترونية على الانترنت تروج من خلالها للبلد التي عشقتها.. وكنا في "نبأ نيوز" نمدها ببعض الصور والمعلومات.. "باولا" اندمجت كثيراً بالحياة اليمنية، كانت يعجبها أن تتعلم من اليمنيات كل شي، حتى صنع "العصيد"، والنقش "الخضاب"، وجربت القات لكنها لم تحبه.. ولم تكن تخاف من ظاهرة انتشار الاسلحة، وحين سألتها عن رأيها بظاهرة انتشار السلاح في اليمن، قالت: "حمل السلاح عند اليمنيين مثل حمل الموبايل عندنا، لا شيء يثير مخاوفي منه، فالناس يبدون لي مسالمون جداً".. وذات يوم التقطت لها صورة وهي تحمل البندقية، فأعجبتها جدا، واصرت على أن تجرب الرمي.. فلم تعد ايطاليا إلا وهي تجيد التصويب..!! سألتها عما جذبها في اليمن، فردّت: "اشعر أن كل شيء فيها حميم، يبعث الإلفة والدهشة في النفوس.. أحببت البيوت الحجرية التي تغرس جذورها في رؤوس الجبال.. أحببت الطريقة التي يزين بها اليمنيون غرف بيوتهم بزخارف جميلة، وكذلك زخارف بيوت صنعاء التي تجبرك على الوقوف أمامها طويلاً وملء عيونك منها.. وهناك الكثير من بقايا الحضارات القديمة التي تبهر عيون كل من يراها". قاطعتها متسائلاً: وماذا عن الناس؟ فردت: "اليمنيون رائعون وكرماء، وأيضاً ودودون، فأينما نذهب يستقبلوننا بحفاوة، ويعروض علينا المساعدة، ويصرون على استضافتنا في بيوتهم، وتقديم الشراب والطعام بدون أن نطلب منهم ذلك.."، واشارت إلى أن "النساء اليمنيات خجولات وكريمات جداً، حيث تعرفت على عدد منهن في صنعاء، وعندما أردت توديعهن أحضرن لي اكياس هدايا مليئة بالعطور، والكحل، والبخور، واللبان ومناديل للرأس جميلة.. إنني لا يمكن أن أنساهن أبداً"!!
وتقول "باولا" أنها تعشق مدينة صنعاء القديمة، وكل من كانوا يرافقونها من الأفواج السياحية كان أكثر ما يجذبهم هو صنعاء، ويطلبون تجاوز البرنامج للتجول فيها. باولا لم تزر اليمن منذ أكثر من عام ونصف بسبب ما تسمعه عن أحداث العنف.. لكنها لا يمر أسبوع دون أن تبعث لي برسالة أو تتصل هاتفياً لتتفقد أحوال اليمن، والناس الذين أحبتهم واندمجت معهم.. وتتساءل بشغف: "متى تتوقعون تنتهي كل هذه المشاكل؟" يؤسفني أن صديقتي "باولا" حزينة على اليمن أكثر من بعض أبنائها.. وما زلت أتساءل: لماذا نحن غير اليمنيين نعشق اليمن كل هذا العشق، ونرى فيها عالماً فاضلاً، بينما بعض أبنائها يرونها غير ذلك، ولا يكترثون لما يحدث فيها، أو إشاعة ما يسيء لسمعتها..!!!؟؟؟ اليوم قررت أن اكتب هذه المادة لأحيي عبرها الصديقة العزيزة "باولا نجرو"، التي ما زالت قلقة على اليمن رغم أنها لا تجمعها بأبنائها لغة، ولا قومية، ولا دين، ولا جغرافية؛ وإنما هي المشاعر الانسانية النبيلة التي تعشق كل طيب، وتنبذ كل خبيث..! "باولا" مغرمة باليمن غير أنها ما زالت تترقب أن يصمت دوي المدافع، وأزيز الرصاص، وأن يطهر اليمنيون بلدهم من الارهاب، كي تعود إلى أحضان بلاد السعيدة..!