تنتقل من شارع الى شارع, لا تذكر بالظبط متى سقطت مرة اخرى في الحفرة المذكورة في القصة الشهيرة, ولكنها وجدت نفسها هنا, تنظر الى وجوه الناس الغريبة, وجوه منتفخة متورمه ووجوه اخرى نحيلة ذابله, ترى بيوتا من الزنك والصفيح في جانب من الشارع وفي الجانب الاخر قصورا منيفة ذات بساتين رائعة, تتعجب اكثر عندما تجد اوراق الدولارات الخضراء تقود الاحزاب, واوراق التوصية تقود الوزارات, واوراق كروت اللعب تقود المناصب, وتجد على جوانب الطريق الكثير والكثير من الكروت المحروقة.. وتسمع فجأة صوتا يصيح فيها بغلظة: اليس... مرحبا بك في بلاد الجعاشن.. "معش سلاح؟؟؟" بلاد الجعاشن يا أليس خرجت من اوراق الطلاسم التي كان يكتبها الامام لتحفظ الناس, تكونت من دخان البخور والعوده في دواوين المقيل, بلادنا يا أليس ستجديها اكثر غرابة من تلك الارض التي زرتيها في قصتك الشهيرة الا انها بالتأكيد ليست ممتعة.. تناقضاتنا وعجائبنا مؤلمة للغاية.. في بلادنا يا أليس, تجدي الماركسي يتوسد ذراع الاسلامي ويبارك نضاله, وتاجر السلاح يتزعم حملة لاحلال السلام, وزعيم الحزب يحلف اغلظ الايمان انه لم يكن يوما عضوا فيه, وتجدين ائتلاف واسع ونشط للمعارضة. لا يصب الا في مصلحة السلطة... هل دار رأسك يا أليس؟؟؟ الناس في بلادي يا أليس يحبذوا الراحة ويحترموا كثيرا ساعاتها الممتدة والطويلة, تتشكل كلماتهم وسط ابخره الدخان واكوام القات المتناثرة فيكملون حياتهم معها, ياخذهم الحديث لساعات طويلة في مختلف القضايا , الشعب باكمله يقضي ساعاته وايامه في مضغ القات ومناقشة كل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية... اتدرين يا أليس اننا نناقش مشاكلنا يوميا لساعات طويل طوال عشرات السنين.... دون ان نجد حلا حتى لمشكلة واحدة!!!!! الظلم يا أليس, يجد لنفسه في هذه الارض بيتا وقصرا... يستلقي ويمد رجليه ويرتاح من طول التنقل والهروب من غضب الناس.. يجد نفسه هنا مطمئنا مستقرا.. وكلما اصابه القلق او التوتر نظر الى الجعاشن المعتصمين منذ شهور والمشردين والمظطهدين فيجدهم مثلما هم.. فيشعر بالاطمئنان ويسري الخدر في عروقه ويطمئن ان وضعه هنا لا زال امنا. في بلاد الجعاشن, نعمل بشكل مختلف, فمن صغر سنه وخف عقله كان اسرع للوصول للمناصب المؤثرة, ومن زادت سنوات خبرته فوق كفأته يشكل صوتا مزعجا بل ونشازا يزعج الجوقه التي تتولى العزف, تجدين هنا ان الوظيفة العامة ابعد ماتكون عن العمومية, وانها خاصة للغاية, فهناك شريحة صغيرة جدا مؤهلة والبقية معاتيه لا يمكن ان يكونوا مؤتمنين على المال العام!!! هنا يا أليس.. لا تتعجبي عندما تندلع الحرب وتنتهي دون ان يعرف احد لماذا, ثم تندلع الحرب وتنتهي دون ان يعرف احد لماذا, ثم تندلع الحرب وتنتهي دون ان يعرف احد لماذا, ثم تندلع الحرب وتنتهي دون ان يعرف احد لماذا, ثم تندلع الحرب وتنتهي دون ان يعرف احد لماذا, ثم تندلع الحرب وتنتهي دون ان يعرف احد لماذا....لاشك انك تشعرين بالغباء الشديد لمجرد تكرار العبارة ست مرات.. فما بالك بتكرار الحرب نفسها!! أليس... ابحثي بسرعة عن الحفرة, اخرجي بسرعة قبل ان تدهسك سيارة يقودها طفل, قبل ان تصيبك رصاصة طائشة اطلقت في نزاع على ملكية ارضية, اخرجي يا اليس فكفاك من العجائب ما رأيت, ولكن قبل ان تخرجي اعدك بشيء واحد فقط, سيأتي يوما يفيق فيه اهل هذه البلاد, سيأتي يوما يصرخ الجريح من الالم, ويعصف الغضب بكل شيء فلا يترك الا ارضا خصبة لكل زرع صالح. وداعا أليس... [email protected]